المعركة الأخيرة!
كانت اللحظة حرجةً تمامًا؛ فهم يظنون أن هذه سوف تكون معركتهم الأخيرة، بجوار أن العقبات التي قابلتهم في الطريق جعلتهم يعرفون أن النفق مليء بالمفاجآت، لكنهم مع ذلك وصلوا إلى يقين أن النفق ليست له امتدادات أخرى؛ ولذلك همس «مصباح»: أظن أننا وصلنا إلى نهاية المطاف.
لم يردَّ أحد، وكان «أحمد» يفكر: هل يمكن أن تكون هذه فعلًا نهاية النفق، أو أنه يؤدي إلى مكان لا يخطر على بالهم؟ وإذا كانت هذه نهايته، فما الذي يجعل «بوجوتي» يحبس نفسه فيه؟ وإذا كان يؤدي إلى شيء آخر، فإن هذا الشيء سوف يكون فوق سطح الأرض، وهذا يعني أنه سيكون مكشوفًا.
ظلَّ «أحمد» مستغرقًا في تفكيره، لكن فجأةً قطع تفكيره نُباح الكلاب. كانت تنبح في قوة وكأنها قد أصيبت بشيء. همس «خالد»: يبدو أن الغاز قد بدأ مفعوله يسري؛ فهذه الثورة تفيد أن الجهاز التنفسي قد تأثَّر بالغاز.
فجأةً بدأ صوت الكلاب يهدأ. همس «فهد»: كيف لا تلفت ثورة الكلاب نظر الحُراس إن كانت هناك حراسة؟!
وجاء الرد سريعًا؛ فقد غمر المكان ضوء قوي جعل الشياطين يرَون كل شيء بوضوح. كان هناك عدد من الرجال وفي أيديهم المسدسات، ويبدو عليهم الغضب. في نفس الوقت، لمح الشياطين بابًا هو الذي خرج منه هؤلاء الرجال. همس «مصباح»: إذن فالنفق يؤدي إلى مكان آخر.
وقال «بو عمير»: أخشى أن تقع أعينهم علينا.
ردَّ «أحمد» بسرعة: إنهم لا يستطيعون رؤيتنا؛ فهم يقفون في الضوء ونحن نقف في الظلام.
ثم قال بعد لحظة: المهم كيف تصل إليهم وفي أيديهم مسدساتهم، والنفق ضيق لا يعطينا فرصة الحركة أو المناورة، فسوف نكون هدفًا سهلًا لهم.
قال «مصباح» بسرعة: إذن علينا بكرات الغاز. إنها سوف تعطينا الفرصة لمهاجمتهم.
ردَّ «بو عمير»: هذا اقتراح جيد! وبسرعة أخرج الشياطين كرات الدخان، ثم دحرجوها بقوة في اتجاه الرجال، وهمس «أحمد»: ينبغي عندما يسعلون أن نهاجمهم قبل أن يفاجئنا شيء جديد.
مرَّت دقائق، وسمع الشياطين أحدهم يقول: إن الكلاب قد أُصيبت بالتسمم.
ردَّ واحد: كيف حدث هذا؟! لقد خرجت من بيوتها منذ قليل.
قال ثالث: لماذا إذن ترقد هكذا بلا حراك؟
قال آخر: ينبغي استدعاء حارسها.
ثم لم يكمل جملته فقد بدأ يسعل، وقال بصعوبة: هناك شيء في الهواء. إنني أشعر باختناق.
فجأةً أخذ الآخرون يسعلون، فهمس «أحمد»: الآن، هذه فرصتنا.
قفز الشياطين في رشاقة. كان «أحمد» يتقدَّمهم، وعندما أصبحت المسافة لا تتجاوز بضع خطوات، قفز «أحمد» إلى أقرب اثنَين، وسدَّد لكلٍّ منهما ضربةً قوية جعلتهما يترنَّحان. في نفس الوقت كان بقية الشياطين قد اشتبكوا مع الآخرين. كانت المعركة سهلةً تمامًا؛ فالرجال لا يستطيعون التصرف؛ لأن الغاز قد شلَّ حركتهم، وفي دقائق كانت المعركة قد انتهت. حمل الشياطين الرجال وسحبوهم إلى منطقة الظلام، ثم توقفوا. كانت الكلاب ترقد على الأرض بلا حراك. سحبوها إلى نفس منطقة الظلام … ووقف الشياطين لحظة. لم تكن هناك حركة، ولم يكن هناك ما يُشير إلى أن أحدًا موجود.
همس «أحمد»: إنني أشك في هذا الصمت؛ فلا بد أن الآخرين موجودون في الداخل، خصوصًا أن أحدهم قال إنه يجب استدعاء الحارس.
مرَّت لحظة سريعة، ثم قال «أحمد»: علينا أن نتقدم بحذر.
خطا «أحمد» خطوةً في اتجاه الباب، ثم التصق بالجدار، وألقى نظرةً حذرة إلى الداخل … لم يكن هناك شيء … كانت صالة صغيرة خالية تمامًا … وهي التي يصدر منها الضوء في نفس الوقت … لاحظ فتحةً صغيرة في الجدار وبجوارها باب حديدي … قال في نفسه: لماذا هذه الفتحة؟ … وكيف يمكن فتح هذا الباب الحديدي؟
نظر إلى الشياطين ونقل لهم ما رآه. همس «خالد»: ينبغي أن يدخل أحدنا ويكتشف المكان.
أضاف «بو عمير»: نتقدم أنا و«أحمد»، وعليكم بمراقبة الموقف، فربما فاجأنا أحد.
تقدم «أحمد» إلى الداخل وخلفه «بو عمير» … اتجه أحمد مباشرةً إلى الفتحة الموجودة في الجدار … وألقى نظرةً سريعة من خلالها … ظهرت الدهشة على وجهه، وهمس «مصباح»: يبدو أن المكان كله أبواب.
همس «بو عمير»: لعله الباب الأخير.
أخرج الجهاز الصغير، ثم ضغط زرًّا فيه ووجهه إلى الباب. وفي لحظة كان الباب يُفتح. أشار «أحمد» إلى بقية الشياطين فتقدموا، في نفس اللحظة كان «بو عمير» يقفز فجأةً في الهواء، فاختفى عن أعين الشياطين … قفز «أحمد» خلفه ليرى ما حدث … كان «بو عمير» قد أمسك بأحد الرجال … وكمَّم فمه حتى لا يُصدر صوتًا … كانت هناك صالة واسعة وعدد من الأبواب، في لحظة كان «أحمد» قد سدَّد ضربةً قوية للرجل الذي يُمسك به «بو عمير»، فانحنى الرجل من الألم، وتركه «بو عمير» فجأةً فسقط على الأرض، همس «بو عمير»: كل واحد يقف خلف باب.
انتشر الشياطين بسرعة … ووقف كلٌّ منهم خلف باب. مرَّت لحظات، ثم جاء صوت يقول: أرسلوا إشارات إلى البوابة؛ فهناك سيارة مُحمَّلة سوف تخرج الآن.
نظر الشياطين إلى بعضهم، وفكَّر «أحمد» بسرعة: إن هذا يعني أن هناك حياةً كاملة في الداخل … فيها سيارات، وصناعة أيضًا!
فجأةً فُتح أحد الأبواب، وظهر رجلان. كان «خالد» يقف خلف الباب، وبعد أول خطوة منهما كان «خالد» قد فاجأهما بحركة سريعة أوقعتهما على الأرض، وقبل أن ينقضَّ الشياطين عليهما، قال «أحمد» بسرعة: انتظروا!
أسرع إلى أولهما فأمسك بذراعه، ثم جذبه بقوة. كان الرجل ينظر إليه في دهشة. قال «أحمد» بلغة الشياطين: انتهوا من الآخر.
وفي لحظة كان الشياطين ينقلون الرجل خارج الصالة … أمَّا «أحمد» فقد قال للرجل: بهدوء ودون أن أُضطر لاستخدام العنف أين السيد «بوجوتي»؟
مرَّت لحظة دون أن ينطق الرجل. ضغط «أحمد» على الرجل ضغطةً قوية، فتألم الرجل لكنه أيضًا لم ينطق. دفعه «أحمد» بقوة فاصطدم بالجدار. كان الشياطين قد عادوا ووقفوا يراقبون … أمسك «أحمد» بالرجل وضربه ضربةً قوية … فتهاوى الرجل على الأرض بجواره، ورفع وجهه وهو يسأله: أين السيد «بوجوتي»؟
نظر له الرجل نظرةً خائفة، ثم همس: لماذا؟
أسرع «أحمد» يقول: إننا أعضاء عصابة «سادة العالم».
ظهر الفزع على وجه الرجل وقال: إنه في الداخل.
سأل «أحمد»: أين؟ …
مرَّت لحظة قبل أن يقول الرجل: في المكتب.
سأل «أحمد»: أين يقع المكتب؟
نظر له في خوف وقال: إنني لا أملك أن أقول لك.
ضغط «أحمد» عليه بقوة، ثم قال له في قسوة: إن لم تنطق فسوف تكون هذه نهايتك.
تردَّد الرجل، فضربه «أحمد» مرةً أخرى، وتردَّد ألمه في أنين خافت. قال «أحمد»: لن أسألك بعد الآن، وهذه آخر مرة أُوجِّه إليك فيها السؤال: أين السيد «بوجوتي»؟
تردَّد الرجل مرةً أخرى، فأخرج «أحمد» مسدسه وصوَّبه إليه، فقال الرجل بسرعة: إنه في نهاية الساحة الداخلية على اليمين.
سأل «أحمد»: من في الداخل؟
أجاب الرجل: كل الرجال في الداخل، إنهم يعملون.
نظر «أحمد» إلى «خالد»، فأسرع يُكمِّم الرجل، ثم أخذوه إلى الخارج.
أسرع «أحمد» وألقى نظرةً سريعة على داخل المكان، فامتلأ وجهه بالدهشة. اقترب الشياطين أيضًا ونظروا ثَم.
همس «خالد»: إنني لا أُصدِّق ما أرى. إنه مصنع كامل!
حدَّد «أحمد» بسرعة موقع المكتب، ثم همس: يجب أن نُظلم المكان حتى ننتهي من مهمتنا.
أسرع «بو عمير» وأخرج جهاز الأشعة ثم وجَّهه إلى السقف، وقبل أن يضغط الزر همس «أحمد»: انتظر. ينبغي أن نُرسل إلى رقم «صفر».
أخرج جهاز الإرسال، ثم أرسل رسالةً شفرية بكل التفاصيل، وموقع المكان، ولم تمرَّ دقيقتان حتى جاءه الرد من رقم «صفر» يقول: «أكملوا المغامرة.»
نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وأشار إليه، فضغط زر الجهاز. وفجأةً غرق المكان في الظلام، وتعالت الصيحات في كل مكان، لكن الشياطين كانوا قد أخذوا طريقهم بسرعة في اتجاه المكتب، حيث يوجد «بوجوتي» في الظلام. سمع الشياطين صوتًا يقول: أين السيد «بوجوتي»؟
وبسرعة جاءه الرد: إنني هنا.
ابتسم «أحمد»؛ فقد ظهر «بوجوتي» الذي جاء صوته يقول: ماذا حدث؟ وأين المولدات الاحتياطية؟
ضغط «أحمد» يد «بو عمير»، وكانا يقفان قريبَين من «بوجوتي» خلف أحد الأعمدة … فهم «بو عمير» وضغط زر الجهاز، فعاد الضوء يملأ المكان، وظهر «بوجوتي». كان شابًّا مفتول العضلات … تبدو على ملامحه القسوة. نظر إلى المكان نظرةً سريعة، ثم اختفى داخل المكتب.
في نفس اللحظة كان «أحمد» و«بو عمير» يقفزان بسرعة خلفه. في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يراقبون المكان، كان العمل يسير في هدوء. فتح «أحمد» باب المكتب، ودخل مباشرة. نظر له «بوجوتي» وقال: من أنت؟ وماذا تريد؟
لكن «بو عمير» كان قد تصرَّف بسرعة؛ فقد أطلق عليه إبرةً مخدرة جعلته لا يُضيف كلمةً واحدة، وسقط في كرسيه بلا حراك. ابتسم «أحمد» وقال: لقد انتهى كل شيء.
في نفس اللحظة جاءت رسالة شفرية من رقم «صفر» تقول: «إنهم في الطريق.»
فهم «أحمد» الرسالة، ووقف هو و«بو عمير» خلف باب المكتب في انتظار دخول أحد. مرَّ بعض الوقت، ثم سمعا صخبًا في الخارج، وسُمع صوت «خالد» يقول: إنهما في الداخل.
ظهرت الشرطة «الكولومبية»، ووقف الضابط ينظر إلى «أحمد» مندهشًا وهو يردِّد: لا أصدق! كيف أوقعتموه بهذه البساطة؟
كان «بوجوتي» ينام فوق مكتبه، فقال الضابط: لا أدري كيف أشكركم. لقد صنعتم عملًا خطيرًا؛ فلم توقعوا زعيم المافيا فقط، ولكنكم أهديتم إلينا جريمةً كاملة.
أسرع رجال الشرطة يوثقون «بوجوتي»، وقال «بو عمير» مبتسمًا: سوف أفيقه حالًا.
أخرج مسدسه، فقال الضابط بسرعة: نريده حيًّا. إن ذلك سوف يهز أرجاء الدنيا.
فردَّ «أحمد» مبتسمًا: سوف يستيقظ بعد هذه الطلقة.
نظر الجميع إليه في دهشة، بينما أطلق «بو عمير» حقنةً منبهة. مرَّت دقيقة، ثم فتح «بوجوتي» عينَيه. نظر إليهم مندهشًا! قال الضابط: هذا اكتشاف خطير!
ردَّ «أحمد» مبتسمًا: إنه سر.
سجَّل جهاز الاستقبال رسالةً تقول: أهنئكم. عودوا فورًا.
وكانت الرسالة من رقم «صفر». ودَّع «أحمد» رجال الشرطة، في نفس اللحظة كان «بو عمير» يبحث بجهازه عن شيء. فجأةً فُتحت نافذة في سقف المكتب. ظهر ضوء النهار. نظر له الضابط في دهشة، بينما قال «أحمد»: إلى اللقاء.
كان «بوجوتي» ينظر إليهم في دهشة هو الآخر، لكنه لم ينطق بكلمة، وعن طريق النافذة خرج الشياطين، وكانت المفاجأة أنهم خرجوا وسط مزارع ممتدة بلا نهاية.
وقال «أحمد»: لقد كانت توقُّعاتنا صحيحةً مائةً في المائة.
فجأةً سجَّل جهاز الاستقبال رسالةً من رقم «صفر»: «لا تُضيعوا وقتًا؛ فهناك مهمة مكملة … لمغامرتكم … انضمُّوا إلى قصر العميل.»
وأخذ الشياطين طريقهم بين المزارع، ثم ظهرت السيارة السوداء. اقتربت منهم وكان يقودها عميل رقم «صفر»، وعندما ركبوها كانوا ينطلقون فعلًا إلى مغامرة جديدة.