الفصل الرابع
(في السجن، عن يمين وشمال، فراش على الأرض، نافذة، قضبان حديد.)
المنظر الأول
(بترو على الفراش راقدًا في يديه ورجليه السلاسل.)
بترو
(في حلم)
:
لا تقتلوني إني بريء … بريء … (ينتبه مذعورًا) إلهي ما أفظع هذا
الحلم! إن فرائصي ما تزال ترتعش من هَولِه (يلمس رقبتَه بيده) ولا أزال أشعر بأثر الحبل في
عنقي، فقد حلمتُ أنهم صَعِدوا بي إلى المِشنقَةِ، وربطوا الحبل في عنقي، وأنا أصيح بريء
بريء،
وما أحد كان يسمع ندائي، ولكن الحمد لله، فما هذا إلا أضغاث أحلام، والحقيقة أن براءتي
سوف تظهرُ للجميع بيضاء ناصعة، كهذا الفجر الجميل (ناظرًا من النافذة) إن في السماء
إلهًا عادلًا، لا يتخلَّى عن البريء (ينشد).
يا ويحَ قلبيَ ما يلقَى وما يجد
من ظُلْمِ دهْرٍ وَهَى من ظلمهِ الجلد
أساق للقتل لا إثم، ولا حرج
ولا جرت ليَ في فعل
الحرام يد
أموت موتين في حبي، وفي جسدي
والعيش موت إذا أحبابنا
فقدوا
قضيتُ عمريَ في رصد الهناء فمذ
دنوتُ منه إذا بالموت لي
رصد
وربما فاز بالآمال ذو كسل
وخاب في نيلها ساع
ومجتهد
أقلِّبُ الطَّرْفَ في الماضي عساني أرى
لي بعضَ ذنب فغير
الفضل لا أجد
وربما كان فضلي أصل نائبتي
فقد يضر ويؤذي الغادة
الغيد
أما ترى الغصن تحت الحمل ملتويا
والسرو هامته
بالسحب تنعقد
والنسر والبوم في الآفاق سارحة
وليس يحبس إلا الطائر
الغرد
المنظر الثاني
لورنسو (متخفيًا) – بترو
لورنسو
(يدخل ثم يرفع قناعه)
:
كيف حالك يا هذا؟ (لذاته) أراه غير خائف. آه إن البراءة
لذات ثمن عظيم (يدنو من بترو الذي يكون غارقًا في تأملاته) بترو انتبه لي.
بترو
(يلتفت فيراه)
:
سنيور لورنسو باربو …
لورنسو
:
يجب أن تشكرَ الله؛ لأنه أرسلني لأخلصك.
بترو
:
وهل ظهرت براءتي للمجلس؟
لورنسو
:
إني أتيتُ لأخلِّصَكَ بريئًا كنتَ، أو مجرمًا.
بترو
:
إني أشكر مجلس العشرة عَلى هذه العناية لي وما شككت قطُّ بعدله،
واستقامته.
لورنسو
:
ليس مجلس العشرة الذي ينبغي عليك شكرُه، بل لورنسو باربو الذي لا علاقة له في
هذه الساعة مع المجلس، وقد أتيتُ لأعرض عليك وسائل الهرب.
بترو
:
الهرب؟ ولماذا الهرب؟
لورنسو
:
لتخلُصَ من تنفيذ الحكم عليك لأنه سيمضي بعد قليل.
بترو
:
لا يا سيدي، لا حاجةَ بي إلى قَبولِ طلبِكَ، إن مجلس العشرة مهيب هائل، ولكنه
عادل، وهو سيعلم براءتي، ويأمر بإطلاق سراحي.
لورنسو
:
لا تدعِ الوهْمَ يتسلَّط عليك أيها المسكين، فإذا بقيتَ هنا ساعة واحدة أيضًا
فليس أمامك إلا الهلاك، انظر أنا الذي أتيتُ لإنقاذك الآن إذا لم تسمعْ مني فإني
سأضطرُّ بعد قليل أن أضعَ ختمي على ورقة إعدامِكَ.
بترو
:
هذا مُحالٌ يا سيدي؛ فإن العدل لم يُفْقَدْ من الأرض وأنا …
لورنسو
(بحدَّة)
:
أنت مجنون أبله عنيد، إن الوقت ثمين لا يُضاعُ، وسوف يأتيك بعد هنيهة
شخصٌ تعرفه.
بترو
:
لعله أبي، وهل أستطيعُ أن أراه هنا؟
لورنسو
:
أبوك يأتي بعد ذلك، أما الذي سيأتي أولًا فهو آنلا.
بترو
:
هي … الخائنة.
لورنسو
:
لا تُسِيءْ بها الظن.
بترو
:
كيف لا، وقد سمعتُ استنطاقَها.
لورنسو
:
إنها كانت فيما قالته مُجبَرة لا مخيَّرة، فلندع الآن هذا واسمع جيدًا ما
أقوله لك، ستأتي آنلا، وهي تقول لك ما يجب أن تفعل، فتخرج بك من هنا، وتركبان
معًا قاربي الذي ينتظركما عند الجسر، ويكون أبوك في القارب، ولا يمضي عليكم بضع
ساعات حتى تصِلوا خارج المدينة.
بترو
:
لا أفهم مرادَكَ يا سيدي، فهل أضطرُّ إلى مغادرة البندقية؟
لورنسو
:
نعم تغادرها، ولا تعود إليها مطلقًا بعد اليوم.
بترو
:
أشكر لك يا سيدي اهتمامَكَ بي، ولكني أرفضُ ما تعرضُه عليَّ؛ لأني أحبُّ وطني ولا
أستطيعُ الحياةَ بدونه.
لورنسو
:
ماذا تقول أيها التَّعِسُ؟ هكذا تعتبر كلامي؟!
بترو
:
أنا لا أقبلُ أن أُنفَى من وطني كمجرم، وقد وُلدت في البندقية وسأموت
فيها.
لورنسو
:
وستموت.
بترو
:
أموت نعم، إذا حُكِم عليَّ بأني القاتل.
لورنسو
:
اليوم يجتمع المجلسُ، ويستنطقونك لآخر مرة فتضطر إلى الإقرار.
بترو
:
ولكني بريء وقد قلتُ لهم ذلك قبلا.
لورنسو
:
أتعلم إلى أين يقودُ هذا الباب؟ (مشيرًا لباب اليمين.)
بترو
:
لا.
لورنسو
:
هناك غرفة التعذيب حيث يوجد أفظع ما يمكن أن يتصورَه الإنسان، أراك
تَصْفَرُّ.
بترو
:
كلَّا، لا أخاف، وسترى أنهم ولو كسروا عِظامي لا يقدرون أن يجعلوني أقول سوى
الحقيقة.
لورنسو
:
بل تقولُ ما تريده آلة التعذيب.
بترو
:
إذن هم يريدون بالقوة أن أكون قاتلًا؟
لورنسو
:
كلَّا، بل هم يطلبون الفراغَ من هذه القضية؛ لتوفُّرِ أدلةِ الإثبات فيها. فأنا تاركٌ
لك وقتًا لتفتكرَ بما عرضتُه عليك؛ إذ لا يمكنُ المكوثُ طويلًا هنا بدون أن أوجِّهَ
الظنونَ إليَّ، وستجيبُ بما تراه الشخص الذي سأرسله إليك.
بترو
:
أرجوك أن تُرسلَ إليَّ أبي، فإذا أشار عليَّ بالفرار أطعتُه.
لورنسو
:
أبوك لم يُطلَقْ سراحُه بعدُ.
بترو
:
كيف ذا؟ وهل حبسوه أيضًا؟
لورنسو
:
نعم، وسيخلص معك، أو يهلك معك كشريك لك في الجناية (يذهب لورنسو).
بترو
:
ذهب. ذهب وتركني على مِثْلِ الجَمْر لا، لا أصدق أنهم يقضون عليَّ وأنا بريء،
ينبغي أن يكون في الأمر سِرٌّ خَفِيَ عن الجميع، أنا لا أقبل بالهرب كمجرم، بل أريد
أن أرفع رأسي أمام كل الناس، أريد أن يعرف كلُّ الذين شهدوا ضدي أني بريء، أريد
أن أقول لهم جميعًا إنكم كذَّابون أفَّاكون، وإن يديَّ بريئتان من دم رجل مثلي. نعم،
نعم لا أغادر وطني مضطرًّا وقد وُلِدتُ في البندقية وسأموت فيها.
المنظر الثالث
سجان – بترو
سجان
:
صَدَر إليَّ الأمرُ أن أنزع قيودك.
بترو
:
وممن الأمر؟
سجان
:
من الذي له الحق فهو يأمر، وأنا أطيع.
بترو
:
أطِعْ إذن وارفع من يدي هذه السلاسل التي كسرت لي قبضتي.
سجَّان
:
إن هذه السلاسل تعمل الواجب عليها فهي خادمة عمياء نظيري (يفكُّ قيودَه) في
الباب كاهنانِ يريدانِ أن يختليا بِكَ.
بترو
:
كاهنان؟ ماذا يريدانِ مني؟ ومَن يكونان؟
سبحان
:
ستعرف ذلك متى حضرا (يخرج).
المنظر الرابع
كليمنسا وآنلا (بلباس الكهنة) – بترو
بترو
(لذاته)
:
لماذا أضطربُ من هذه الزيارة؟ إني سأفتح لهما قلبي، وأعترف لهما بكل
خطاياي، فذلك يخفِّف ما بي، ويجعلني أمتثلُ لدى الله تعالى نقيًّا من كلِّ
ذنب.
(تدخل آنلا وترفع قناعها وتبقى كليمنسا في مؤخَّر الملعب.)
آنلا
:
بترو؟
بترو
:
أنتِ هنا؟ أنتِ؟
آنلا
:
أتيتُ لأخلِّصَكَ يا بترو.
بترو
:
الكلُّ يريدون خلاصي اليومَ، وأمسِ كانوا يريدون هلاكي، اذهبي يا هذه، فالله وحده
يخلِّصُني إذا كنتُ أستحق الخلاصَ، من غير أن أحتاج إلى الهرب كمجرم، اذهبي فلا شأن
لي معكِ.
آنلا
:
آه يا حبيبي بترو ما هذا الكلام؟!
بترو
:
حبيبك! بعد كل ما بدا منكِ بالأمس.
آنلا
:
أنا عالمةٌ أنَّ لك حقًّا بأن ترتابَ بي، ولكني سأنزعُ منك هذه الشكوك فيما بعدُ،
أما الآن فلنهتمَّ بتخليصِكَ، انظر فإني لم آتِ وحدي لإنقاذِكَ بل هناك شخصٌ
آخر.
بترو
:
أعلمُ ذلك، فهم يريدون مني أن أهرب؛ ليُثبتوا عليَّ الجريمة؛ وليُخفوا القاتلَ
الحقيقيَّ.
آنلا
:
ماذا تقول؟! وكيف يمكنُكَ أن تظنَّ ذلك.
بترو
:
إني أصبحتُ أشكُّ بكلِّ شيءٍ بعد إقرارِكِ بالأمس، لقد كنتُ أثقُ بكِ قَبْلًا كلَّ الثقة،
أما اليوم فلا، إن الحقيقة لتبدو حالًا على الشفاه، وقد اعترفتِ أمسِ أنَّكِ كنتِ
تحبين ألويزو.
آنلا
:
كلَّا يا بترو، إني لا أحبُّ إلَّاكَ.
بترو
:
إنَّكِ لتكذبينَ أيضًا.
آنلا
:
اسمع يا عزيزي، أنا متأكِّدةٌ أنَّكَ بريء، ولكن من الأسف أن أدلَّةَ الِاتِّهامِ متوفِّرةٌ
عليكَ.
بترو
:
حسنًا وبعد ذلك.
آنلا
:
إنني مثلُكَ يا بترو، يظنُّ الناسُ جميعُهم أنِّي عاشقةٌ ألويزو، والحقيقة أني بريئةٌ
من غرامه. آه لو يمكن التصريحُ بما أعلم.
بترو
:
حسبُكِ خداعًا، ألا تعلمينَ أين نحن، نحن عَلى بُعْدِ خُطوتين من القاعة التي
أقرَرْتِ بها أمامي، أَجَل أَإِنَّكِ كنتِ تحبين ألويزو؟ ولكن ماذا يهمُّني اليومَ إذا
كنتِ
تحبين واحدًا، أو كثيرين؟ فإن رَسْمَكِ قد زال من هذا الفؤاد، وما عدْتُ أفتكرُ
بأنَّكِ في الوجود.
آنلا
:
آه، إن هذا لفوق الاحتمال، إنَّكَ بلا ريبَ لا تدري ما تقول، ليس في طاقتي أن
أبرِّئَ نفسي أمامكَ الآن، بل جلُّ ما أقولُه لكَ إنَّه سواء كنتُ عدوَّةً لكَ، أو صديقةً،
فقد أتيتُ لخلاصِكَ، ويجبُ عليك أن تطيعني؛ لأنكَ إذا بقيتَ ساعة واحدة هنا أنفذوا
فيكَ حُكمَهم.
بترو
:
إليكِ عنِّي أيتها الحية، ولا تخدعيني، إني لا أريدُ أن أعلمَ مَن أرسلكِ ولا من أتى
معكِ.
كليمنسا
(ترفع قناعَها)
:
لله ما أكثرَ عناد هذا الرجل! (تمسح دمعَها.)
بترو
:
أنتِ هنا يا سيدتي، أنتِ في هذا السجن الحقير، ماذا؟ أتبكين أيضًا؟ آه ما
أطيبَ قلبَكِ يا سيدتي! ما أطيبَ قلبَكِ!
كليمنسا
:
أصغ إليَّ يا بترو. إنَّكَ شديدُ القساوة على آنلا، وصدقني إنكَ مخطئ في حقِّها، ألا
تثقُ بكلامي أنا؟ أتظن أيضًا أنني أتيتُ لأخدَعَكَ، إني أحلفُ لكَ بشرفي أن آنلا بريئة
مما تتَّهمُها به، وأن ألويزو لم يكن يأتي إلى القصر من أجلها … بل.
بترو
:
بل …؟
كليمنسا
:
ماذا؟ ألا يكفيكَ هذا الحلفُ، أتريد أن أزيدك بيانًا؟ أتريد أن أحمرَّ من
الخجلِ أمامَكَ؟
بترو
:
آه يا سيدتي، ماذا تقولين؟! أيمكن هذا؟!
كليمنسا
:
أطع ما تشير به عليك آنلا، واهرب معها، وكونا سعيدين.
بترو
:
وأبي أين هو؟
كليمنسا
:
ينتظرك في القارب قريبًا من هنا، وستقول لك آنلا ما يجب أن تفعلَ فاذهبا، ولا
تضيِّعا الوقت.
بترو
:
وأنتِ يا سيدتي؟
كليمنسا
:
أنا باقية هنا مكانكَ، خذ هذا (تعطيه رداء راهب) ولا تفتكر بي.
بترو
:
ولكن ألا تعلمينَ أنهم إذا ظنُّوكِ أنا فإنَّكِ ستجتازين ساعة هائلة؟
كليمنسا
:
أنا عالمة ما يجب أن أفعل، وقد أخذت عُدَّتي لكل شيء.
بترو
:
آه يا سيدتي، بأي واسطة يمكنني أن أشكرَكِ؟
كليمنسا
:
بصَمْتِكَ وعفوِكَ.
(يذهب بترو وآنلا.)
المنظر الخامس
كليمنسا – ثم لورنسو
كليمنسا وحدها
(تنصتُ عَلى الباب)
:
لا أسمع حركة إنه قد نجا، كلُّ شيء قد دُبِّرَ بغاية
الإتقان، ولكني أسمعُ خطواتِ قادم. آه هذا زوجي.
لورنسو
:
أنتِ هنا؟
كليمنسا
:
إني أتيتُ لمساعدة ذلك المسكين وها هو قد نجا.
لورنسو
:
بل أتيتِ لتضيِّعينا كلَّنا إذا قبضوا عليه في الطريق، ارجعي حالًا من حيثُ جئتِ
قبلَ أن يأتيَ أحدٌ فيراكِ.
كليمنسا
:
وماذا يهمُّني ذلك؛ فإنهم سيأخذونني إلى الدير، وهو غاية ما أتمناه.
لورنسو
:
كيف تقولين؟
كليمنسا
:
أليس عقابُ الدير أبسطَ ما ينالُني مقابلَ نجاة رجل بريء؟ إن هذا السرَّ يبقى
مطويًّا عن كلِّ إنسان، مع ذلك فإذا قال أحدٌ يومًا أن لورنسو باربو قد أُهين،
فيجيب صوت آخر: نعم، ولكنه قد انتقم.
لورنسو
:
ولكن يوجد لطخات لا يمكن غسلُها بالدموع ولا بالدماء، وهي اللطخات التي تصيبُ
الرجلَ في عِرْضه.
كليمنسا
:
أعلمُ ذلك، ولا دواء لهذا إلا النسيان، والوقتُ كفيلٌ به، إني مخطئة، ولكن ليس
بقدر ما تظن، وسوف يأتي يومٌ أكفِّرُ به عن هذه الخطيئة.
لورنسو
:
إنَّكِ لن تُكفِّري عنها قط.
كليمنسا
:
دعْني أؤمِّلُ دائمًا بعفوك وحِلْمِكَ، إن ساعةَ خطأ ارتُكِبت بالرغم مني سيعفو الله
لي عنها وأنتَ أيضًا.
لورنسو
:
أنا لا أعفو أبدًا.
كليمنسا
:
أصغ إليَّ.
لورنسو
:
لا، ليس هنا وقتُ إيضاح، وليس هذا موضعه، فلنذهب وندع ذلك لوقت آخر؛ إذ لا
يمكنُكِ البقاءُ هنا طويلًا بدون أن ترميَ شرفي بالظنون.
كليمنسا
:
إنَّ شرفَكَ مقدَّسٌ عندي يا سيدي.
لورنسو
(باستهزاء)
:
من أي حين؟
كليمنسا
:
آه، إنك بلا رحمة.
المنظر السادس
الحاجب – مذكوران
الحاجب
:
سيدي، إن المجلس قد انعقد، وهو ينتظرُ حضورَكَ.
لورنسو
:
حسنًا اذهب (يذهب الحاجب) أسمعتِ يا كليمنسا؟ لقد أضعتِ بتعجُّلكِ كلَّ
تدبيري؛ فها هم قد قبضوا عليه كما تنبأتُ لكِ، إني ذاهب إلى المجلس، وسأرسل أحدَ
أتباعي؛ ليذهب بكِ من هنا فلا تتأخري.
كليمنسا
:
كلمة واحدة أيضًا. أتوسَّل إليك.
لورنسو
:
ألا يكفيكِ ما أظهرتُه لكِ من لين الجانب إلى الآن (يذهب).
كليمنسا
(وحدها)
:
أتراهم عرفوه، وهو آخذٌ بالفرار. آه، يا إلهي أنت الذي سمعتَ دعاء
خاطئة مثلي، أيمكنُكَ أن تدعَ البريء يُقتلُ ظلمًا؟ (تَهُمُّ بالذهاب) آه، أراهم
قادمين إلى هذه الناحية.
المنظر السابع
ماركو – آنلا – سجان – كليمنسا
آنلا
(باكية)
:
ويلاه يا مولاتي، لقد خسرنا كلَّ شيء.
ماركو
:
كلَّا لم نخسر شيئًا بعدُ؛ فإنهم لا بدَّ أن يسمعوا كلامي، وسأقول لهم الحقيقة،
ليتهم يأخذوني إليه لأشجعه بوجودي، إنهم أخذوه مني ولا أعلم إلى أين؟
كليمنسا
:
الأرجح أنهم أخذوه إلى المجلس؛ ليسمعوا استنطاقه من جديد. آه يا ربي، ما
أستطيع عملَه الآن؟
ماركو
:
يجب تخليصُه يا سيدتي.
كليمنسا
:
وبأية واسطة؟
ماركو
:
أتسألينني أنا؟
كليمنسا
:
لا يجب أن نقطعَ الأمل فإن زوجي …
ماركو
:
إن زوجَكِ قادر بكلمة واحدة أن ينقذَه، فهو يعرفُ أكثر من الجميع أن ولدي بريء،
أما إذا لم يصرِّحْ ببراءته، فسأقولها أنا، وستعلمُ كلُّ البندقية في الغد من هو
القاتل الحقيقي (يسمع صوت سلاسل من الداخل) ولكن ماذا أسمع؟ (يدنو من الباب
ويضع عينيه عَلى الثقب) وَيْحِي، هذه غرفة التعذيب، وهو ذا القضاة مجتمعون ولكن
أين ولدي بترو؟ إني لا أراه. هو ذا القاضي يكتب، ربما كان ما يكتبه الحكم عَلَى
ابني، آه لو أستطيع أن أكون بقُربه لأشجعه (سكوت قليل ثم يسمع صوت بترو يقول
بصوت ضعيف لا) ها إنه ينفي التهمة عنه، ولكن لماذا لا يكتب القاضي هذه اللفظة، ويخلِّصُ ولدي، إنهم
يستنطقونه من جديد، ماذا يريد هؤلاء البغاة أن يُعلموه
بالقوة؟ أتراهم يبغون تعذيبَه؛ ليضطروه إلى الاعتراف بذنب لم يُجنه؟ آه يا رب،
أعطه القوة الكافية ومدَّه بعونك يا أرحم الراحمين (يسمع صوت السلاسل) إنهم
يعذِّبون ولدي، إنهم يقتلونه (صوت بترو من الداخل يضعف يقول: نعم، نعم) نعم!
كيف نعم؟! إنه يقول نعم. وا ولداه (ينظر من الثقب) القاضي الآن يكتب كلمة نعم،
وأراهم جميعًا مسرورين؛ لكونهم أرغموه أن يقول نعم (ينفتح الباب ويظهر بترو
مصبوغ الجبين بالدم، فيهجم ماركو عليه ويتلقَّاه بين ذراعيه) ولدي ولدي ماذا
فعلتَ؟
بترو
(بضعف شديد)
:
لا أعلمُ يا أبتِ؛ لقد كان الألمُ عظيمًا جدًّا فخِفْتُ أن يطولَ وأن لا
أراك فكذبتُ.
ماركو
:
ويلاه، وما العمل الآن؟
الحاجب
(يدخل مخاطبًا كليمنسا بصوت منخفض)
:
إن القارب في انتظارِكِ يا سيدتي، ويمكنكِ
أن تخرجي.
كليمنسا
:
يمكنني أن أخرج؟! إذن سأصرِّحُ بالحقيقة وسوف أُنجيكَ يا بترو، فلا
تَخْشَ.
ماركو
:
وأنا أذهبُ معكِ يا سيدتي.
بترو
:
لا تتركني وحدي يا أبتِ، فمن يعلم إذا كنتُ أعيش إلى هذا المساء؟
كليمنسا
:
كن مرتاحَ البال، وثِقْ بي، فإني أقسمُ لكَ بشرفي أنه إذا كان يجب أن يموت أحدٌ
اليوم، فهو المجرم لا أنتَ، تعالَي يا آنلا (تذهبان).
ماركو
:
إنما ينبغي أن لا تخدعينا مرة أخرى يا سيدتي.
بترو
:
لا تيأس يا والدي، فالله موجود.
(ينزل الستار.)