الفصل الرابع عشر

السير أرتشيبالد رويلانس يشارك في المهمة

بعد ثلاث دقائق، كنتُ قد عدتُ إلى متجر التحف. أطفأتُ مصباحي اليدوي، وفتحتُ الباب المؤدِّي إلى الشارع دون صوت. كان ثمة وَقْع أقدامٍ تسير على الرصيف، فعدتُ إلى داخل المتجر حتى مرَّت. خرجتُ بعد ذلك إلى الشارع الهادئ ورأيتُ موقِد آبيل الصغير يلمع أمامي، وبرز وجهُ آبيل الصغير الحاد القسمات من داخل كوخه.

سألَني جذِلًا: «هل كل شيءٍ على ما يُرام يا سيدي؟»

قلت: «نعم. لقد عثرتُ على ما كنتُ أبحث عنه.»

«أتى رجلٌ بعد دخولك المبنى بفترةٍ قصيرة. من حُسن الحظ أني أغلقتُ البابَ بعد دخولك. لم يقضِ في الداخل سوى خمسِ دقائق أو أقل. كان يرتدي معطفًا أسود خفيفًا وكان يرفع ياقته ليُخفي وجهه، بدا رجلًا محترمًا، ومُسنًّا، ربما كان كاهنًا. أمرٌ غريبٌ يا سيدي، ولكني خمنتُ وقت عودتك جيدًا، وفتحت الباب لك. إذا لم تعُد تحتاجني سأُخلي الموقع.»

سألته: «هل يُمكنك فعل ذلك وحدك؟ ثمة الكثير الذي يلزم تنظيفه.»

غمز لي في جِدِّيَّة. وقال: «لن يكون ثمة أثر لأي شيءٍ في خلال ساعة. لدَي أسلوبي في إنجاز الأمور. طابت ليلتُك يا سيدي، وشكرًا لك.» كان أشبه بموظف استقبال في فندقٍ يودع أحد النزلاء.

اكتشفتُ أن الساعة تخطَّت الحادية عشرة والنصف، فسِرتُ نحو طريق توتنهام كورت، وركبتُ سيارة أجرة، وطلبتُ من السائق أن يتَّجِه إلى شارع جريت تشارلز في ويستمنستر. ماري في لندن، ويجب أن ألتقيها على الفور. لقد اختارت أن تُشارك في المهمة، على الأرجح بتحريضٍ من ساندي، وكان يجب أن أكتشف ما كانت تفعله بالضبط. كان الأمر صعبًا للغاية بالفعل بتتبع ساندي لمساره الخاص ومنعي عن التواصُل معه، ولكن إذا كانت ماري مشارِكة في المهمة أيضًا، فسيكون الأمر برمَّته فوضويًّا تمامًا إلا إذا اطلعتُ على خُططها. أعترف أنني شعرتُ بعصبية شديدة. لا يُوجَد إنسان في العالم أراه أكثر حكمةً منها، وكنتُ على استعدادٍ لأن آتِمنها على حياتي في أصعب المواقف، ولكني كنتُ أكره فكرة تورُّط امرأةٍ في أمرٍ على هذا القدر من البشاعة والخطورة. كانت شابةً جميلة للغاية، ولن تسلم من التحرُّشات. ولكني تذكرتُ أنها شاركت في أمورٍ أكثر بشاعة من ذلك، وتذكرتُ كلمات بلنكيرون العجوز: «لا يمكن إخافتها ولا يمكن إفسادها.» بدأتُ بعد ذلك أشعر براحةٍ نبعت من شعوري بأنها تُشاركني المهمة؛ وجعلني ذلك أشعر بأني أقل وحدة. ولكن لم يكن ذلك جيدًا لبيتر جون. يجب أن ألتقِيَها على أية حال، وخطر لي أنها قد تُقيم مع عمَّاتها اللاتي يقُمنَ في ويموندام، وأنني على أقل تقديرٍ قد أعرف أخبارًا عنها هناك.

كانت النساء اللاتي يقُمن في ويموندام سخيفات، ولكن كان يعمل لديهنَّ رئيس خدَم قادر على جعل حي مونمارتر في باريس راقيًا. كنت أنا وهو على وفاقٍ دومًا، وأظن أن سلواه الوحيدة فيما يتعلق ببيع ضيعة فوسي هي أني وماري من اشتراها. كان منزل العمَّات في شارع جريت تشارلز هو أحد تلك المنازل الجديدة الجميلة التصميم التي زيَّنت بها حركة حكم الأثرياء الفكرية أزقة ويستمنستر.

سألتُ رئيس الخدم: «هل عادت السيدة؟»

«ليس بعدُ يا سير ريتشارد، ولكنها قالت إنها لن تتأخر. أتوقع وصولها في أي لحظة.»

«أظنُّ إذن أني سأدخل وأنتظرها. كيف حالك يا برنارد؟ هل اعتدت على حياة المدينة أم ليس بعد؟»

«حالي تتحسَّن يا سير ريتشارد، شكرًا لك. لقد سعدتُ للغاية بوجود الآنسة ماري هنا، إذا ما سمحتَ لي بالحديث عنها. لا تزال الآنسة كلير في باريس، والآنسة ويموندام تحضر حفلًا راقصًا الليلة، ولن تعود حتى ساعة متأخرة جدًّا. كيف الحال في فوسي يا سيدي، إذا ما سمحتَ لي بالسؤال؟ وكيف حال السيد الصغير؟ لقد أرتني الآنسة ماري صورته. إنه سيد شاب وسيم يا سيدي، وشديد الشبَه بك.»

«غير معقول يا برنارد. إنه نسخة طبق الأصل من أمِّه. أحضر لي شرابًا يا صديقي الطيب. إبريقًا من الجعة، إذا كانت لديك، فحلقي جاف كحجر شحْذ.»

شربتُ الجعة وانتظرت في غرفة صغيرة كانت ستُصبح أنيقة لولا حب عمَّات ماري للألوان المبهرجة. كنت أشعر بالسعادة مجددًا، فقد كانت صورة بيتر جون موضوعة فوق رفِّ المدفأة، وكنتُ أتوقع ظهور ماري عند عتبة الباب في أي لحظة.

عادت قُبيل منتصف الليل. وسمعتُها تتحدث إلى برنارد في الردهة، ثم سمعت صوت خطواتها السريعة خارج باب الغرفة التي أجلس فيها. كانت ترتدي ملابس مبتذلة، ولكن لا بدَّ أنها حاولت تنظيف وجهها في سيارة الأجرة، فقد كان أغلب مسحوق التجميل قد أُزيل من على وجهها تاركًا إيَّاه شاحبًا للغاية.

صاحت وهي تُلقي عباءتها وتعدو إلى ما بين ذراعَي: «أوه، حبيبي ديك. لم أتوقع حضورك إلى هنا على الإطلاق. هل ثمَّة خطب ما في منزلنا؟»

«على حدِّ علمي، لا، فيما عدا أنه أصبح مهجورًا. ماري، ماذا أتى بكِ إلى هنا؟»

«أنتَ لستَ غاضبًا يا ديك، أليس كذلك؟»

«على الإطلاق؛ أشعر بالفضول ليس أكثر.»

قالت: «كيف عرفتَ أنَّني هنا؟»

«خمنتُ. رأيتُ أن الاحتمال الأرجح أن أجدكِ هنا. لقد رأيتُكِ ترقصين الليلة. اسمعيني يا حبيبتي، إذا ما وضعتِ الكثير من مساحيق التجميل والألوان، ثم ألصقتِ وجهكِ في صدر توربين المسكين، فلن يكون من السهل عليه أن يُحافظ على نظافة قميصه.»

«أنت … رأيتني … أرقص! هل كنتَ في ذلك المكان؟»

«لا يُمكنني أن أقول إنني كنتُ داخله. ولكني شاهدتُ العرض من الشرفة. وخطر لي أنه كلما بكَّرنا بحديثنا، كان أفضل.»

«الشرفة! هل كنتَ داخل المنزل؟ لا أفهم.»

«وأنا مثلكِ تمامًا. لقد اقتحمتُ منزلًا مُعينًا في أحد الشوارع الجانبية لأسبابٍ مُعينة تخصُّني. وفي خلال ذلك، قد يجدُر بي أن أذكر أني شعرت بخوفٍ شديد لم أشعر بمثله في حياتي. وغامرت كثيرًا قبل أن أصل إلى مكانٍ سمعت فيه صخب مشاجرة تبينتُ فيما بعد أنها موسيقى رقص. وعثرت في نهاية المطاف على غرفة صغيرة قذرة بها نافذة، وذُهِلتُ عندما وجدت النافذة تُطل على مرقص. أعرف هذا المرقص، فقد زُرتُه مرةً من قبل بصحبة آرتشي رويلانس. كان هذا الأمر غريبًا بما يكفي، ولكن تخيَّلي مدى دهشتي عندما رأيتُ زوجتي تضع مساحيق تجميلٍ ثقيلة وكأنها فتاة جِيشا يابانية، وترقص مع أحد أصدقائي القُدامى الذي بدا وكأنه يحاول محاكاة تماثيل الشمع.»

بدا أنها لم تسمع كلمةً مما قلت. ثم قالت: «ولكن بينما كنتَ في المنزل! هل رأيتَ أحدًا؟»

«رأيتُ رجلًا وسمعتُ صوت آخر. سبق لي لقاء الرجل الذي رأيتُه في منزل مِدينا في ساعةٍ متأخرة من الليل.»

«وماذا عن الآخر؟ هل رأيتَه؟ هل سمعتَه يخرج من المنزل؟»

قلت: «لا.» وشعرت بالحيرة من انفعالها. «لِمَ أنتِ مهتمة بالشخص الآخر لهذه الدرجة؟»

«لأني أظن، بل أنا واثقة من أنه كان ساندي؛ الكولونيل أربوثنوت.»

لم أكن أتوقَّع ذلك على الإطلاق. فصحتُ قائلًا: «مُحال! هذا المكان أحد أوكار مِدينا. والرجل الذي رأيتُه كان خادم مِدينا أو مساعده. هل تعنين أن ساندي كان يستكشف هذا المنزل؟»

أومأتْ برأسها أن نعم. «في الواقع، إنها حقول جنة عدن.»

«آه، أعلم ذلك. لقد اكتشفتُ ذلك بنفسي. هل تعنين أن ساندي اكتشف ذلك أيضًا؟»

«أجل. كنتُ هناك لهذا السبب. لهذا السبب كنتُ أعيش حياةً مُقززة، وأرتدي الآن ملابس تُشبه ملابس الراقصات.»

قلت بجدية: «ماري، لن يتحمَّل عقلي الرقيق أي صدمات عنيفة أخرى. هل تُمانعين أن تجلسي بجواري وتقُصِّي عليَّ بالتفصيل كل ما كنتِ تفعلينه منذ أن ودَّعتُكِ في فوسي؟»

قالت: «بادئ ذي بدء، زارَني ناقدٌ مسرحيٌّ خلال العطلة، السيد ألكسندر تومسون. وقال إنه يعرفكَ وأنك اقترحتَ عليه أن يَزورني. جاء إلى فوسي ثلاث مرات، ولكنه جاء مرةً واحدةً فقط إلى المنزل. والتقيتُه مرتَين في الغابة. أخبرَني بالكثير من الأمور الجيدة، ومن بينها أنه لن ينجح في مهمته، وأنك لن تنجح في مهمتك، إلا إذا ساعدتكما. كان يُفكر في أنه إذا ما فُقِدَت امرأة، فامرأة أخرى فقط هي من يُمكنها العثور عليها. وتمكَّن من إقناعي في نهاية المطاف. لقد قلتَ بنفسك يا ديك إن المُربية تتمتَّع بالكفاءة الكافية التي تؤهلها لتولِّي أمر بيتر جون بمفردها، والطبيب جرينسليد ليس بعيدًا عنهما. إنها تُخبرني بأحوالهما كل يوم، وهو على خير ما يُرام وسعيد.»

«لقد أتيتِ إلى لندن. ولكن متى؟»

«يومَ عودتكَ من النرويج.»

«ولكني كنتُ أتلقى خطاباتٍ منكِ بانتظام خلال تلك الفترة.»

«كان هذا ترتيبًا بسيطًا بيني وبين بادوك. لقد أسررتُ إليه بكل شيء. كنتُ أُرسل إليه مجموعة من الخطابات، وكان هو يُرسِل خطابًا واحدًا كل يوم.»

«لا بدَّ أنكِ هنا منذ أسبوعَين إذن. هل التقيتِ ساندي؟»

«التقيتُه مرتَين. لقد رتَّب لي شخصيتي الزائفة، وعرَّفني على شريكي في الرقص، ماركيز دو لا تور دو بين، الذي تدعوه توربين. أظن أني قد مررتُ بأكثر وقتٍ عصيبٍ ومُرهقٍ قد تمرُّ به امرأة على الإطلاق. لقد دخلتُ أوساط الخلاعة، وكان عليَّ أن أكون أكثرهنَّ خلاعة. أتعلَمُ يا ديك؟ أظن أني مُمثلة بارعة! كنت أتحدَّث بصوتٍ حاد، وأُطلق ضحكاتٍ عالية مُبتذلة، وأنظر بعينَين جريئتَين، وعندما كنتُ أرقد في فراشي في الليل، كانت وجنتاي تحمرَّان خجلًا من جرأتي. أعرف أن هذا لن يُعجبك، ولكن لا يمكنك أن تكره ما حدث أكثر منِّي. ولكن كان لا بد من فِعله. لم أستطع أن أكون «متخاذلة»، كما اعتاد السيد بلنكيرون أن يقول.»

«هل حالفكِ الحظ؟»

قالت في إرهاق: «أوه، نعم. لقد عثرتُ على الآنسة فيكتور. وفي الواقع، لم يكن الأمر صعبًا جدًّا. عندما عقدتُ صداقاتٍ مع أولئك الأشخاص الغريبي الأطوار المُعتادِين على ارتياد هذه الأماكن، لم يكن من الصعب تحديد من منهم مُختلف عن الآخرين. كانوا جميعهم مجرد دُمًى، ولكن كانت الدمية التي كنتُ أبحث عنها أكثرهم شبهًا بالدُّمى. كنتُ أبحث عن فتاةٍ بلا عقل أو روح، وعثرتُ عليها. كما أني حصلتُ على دليلٍ بدأتُ من عنده. أوديل.»

«الفتاة ذات الثوب الأخضر.»

أومأتُ بالإيجاب. «لم أكن واثقة منها بالطبع حتى جعلتُ عشيقها يُساعدني. إنه رجل طيب، صديقك الماركيز الفرنسي. لقد أدى دوره ببراعة. لن يُفيد أن نحاول إيقاظ أوديل فيكتور الآن. لم نثِق في أنها ستكون قادرةً على الحفاظ على نفس مظهرها دون إثارة الرِّيبة، حتى يأتي يوم تحرير الرهائن. ولكن ثمة أمر يجب فعله، وتلك هي مُهمتي بالتحديد. لقد أصبحنا صديقتَين، وكنا نتحدث، وجعلتها تتعلق بي قليلًا، كما لو كانت كلبًا يتعلق بصاحبه. وهذا سيوفر لي فرصة إتمام الخطوات المُتبقِّية سريعًا عندما يحين الوقت. لا يمكنك أن تستعيدَ روحًا مختفيةً دفعةً واحدةً إلا بعد أن تُرسي أساسًا ما. علينا أن نكون حذِرين جدًّا، فثمة من يُراقبها عن كثب، ولكني أظن، بل أثق، أن كلَّ شيءٍ يسير حسب الخطة.»

صحت قائلًا: «أوه، أحسنتِ! تلك كانت الرهينة الثانية. ويُمكنني أن أقول لكِ إنني عثرتُ على الرهينة الأولى.» قصصتُ عليها مُلخصًا لما فعلتُ في النرويج. «اثنان من الرهائن المساكين سيخرجان من الأسر على أية حال. إني لأتساءل إن كان يجدُر بنا أن نُخبر فيكتور والدوق بالخبر. من شأن ذلك أن يُخفِّف من قلقهما.»

أجابتني: «لقد فكرتُ في ذلك، ولكن الكولونيل أربوثنوت رفض رفضًا قاطعًا. قال إن هذا قد يتسبَّب في إفساد كل شيء. إنه يأخذ المهمةَ على محمل الجد للغاية. وكذلك أفعل أنا. لقد رأيتُ السيد مِدينا.»

سألتُ في ذهول: «أين؟»

«جعلتُ عمَّتي دوريا تصحبني إلى حفلٍ كان أحد حضوره. لا تقلق. لم أتعرف إليه، ولم يسمع اسمي على الإطلاق. ولكني راقبتُه، وكنت أشعر بخوفٍ لم أشعر به من قبل في حياتي لأني كنتُ أعرف مدى خطورة الموقف. إنه جذاب للغاية؛ لا، ليس جذابًا، بل مُغْوٍ، وهو بارد وقاسٍ مثل الفولاذ البارد. أنت تعلم انطباعاتي عن الناس التي لا يُمكنني تفسيرها؛ تقول إنها لا تخطئ أبدًا. حسنًا، شعرتُ وكأنه إنسان خارق. تنبعث منه الثقة والقوة كأنه إله، ولكنه إله من عالَم ضائع. وأدركتُ أنه، مثل إلهٍ أيضًا، يبتغي امتلاك أراوح الناس. إن طلاح البشر يبدو صلاحًا مقارنةً بفخر هذا الشيطان بشروره. أظن أنني لو كنتُ قادرةً على ارتكاب جريمة قتل، لكانت حياته هي التي أودُّ أن أُنهِيَها. سأشعر حينها بمثل ما شَعَرَتْ به شارلوت كورداي عندما قَتَلَتْ جون بول مارا. أوه، إنني أشعر بالرعب منه.»

قلتُ بحسم: «أما أنا فلا أخشاه، وأتعامل معه عن قُرب أكثر من غالبية الناس.» جعلني مقدار ما حقَّقنا من نجاح أشعر بالثقة.

قالت: «الكولونيل أربوثنوت قلِقٌ عليك. خلال مرَّتَي لقائنا في لندن، لم يتوقف عن الحديث عن ضرورة أن تظل قريبًا منه. أظن أنه كان يريد مني أن أُحذرك. كان يقول إن الطريقة الوحيدة لقتال شخص يمتلك سلاحًا بعيد المدى هي أن تلتحِم معه. ديك، ألم تُخبرني بأن السيد مِدينا اقترح عليك أنه يجدُر بك أن تُقيم معه في منزله؟ شغل هذا الأمر تفكيري طويلًا، وأعتقد أنها الخطة الأكثر أمانًا. فبمجرد أن يرى أنه قد ضَمِن ولاءك، سينسى أمرك.»

«سيكون وضعي عسيرًا للغاية، فلن أتمكن من التحرك بحرية. ولكني مع ذلك أعتقد أنكِ مُحِقَّة. قد تصبح الأمور محمومة للغاية مع اقتراب اليوم الموعود.»

«علاوةً على ذلك، قد تكتشف شيئًا عن الرهينة الثالثة. هذا الصبي الصغير يفطر قلبي. ربما تمكن الاثنان الآخران، يومًا ما، من الهرب دون مساعدة، ولكن إذا لم نعثر على هذا الصغير فسيظل مفقودًا إلى الأبد. يقول الكولونيل أربوثنوت إنه، حتى إذا ما عثرنا على الصبي، فقد يكون من الصعب استعادة عقله إلى حالته الأولى. إلا إذا … إلا إذا …»

كان وجه ماري قد تجهَّم، إذا ما أمكن استخدام هذه الكلمة لوصف امرأة بهذه الدرجة من الرقة والوداعة. كانت تضمُّ يدَيها معًا بقوة، وأطلت من عينَيها نظرة شاردة مُتوترة.

هتفت: «سأعثر عليه. اسمع يا ديك. هذا الرجل يحتقر النساء ويُلغيهن من حياته تمامًا، ولكنه قادر على استخدامهنَّ كأدوات. ولكن ثمة امرأة على استعدادٍ للتضحية بكل نفيسٍ وغالٍ في سبيل التغلُّب عليه. عندما أفكر في ديفيد الصغير، يُجَن جنوني ويغزو الإحباط صدري. أنا أخاف من نفسي. ألا تملك أي أملٍ تُمِدني به؟»

قلت في كآبة: «لا أملك أي بارقة أمل. ماذا عن ساندي؟»

هزَّت رأسها بالنفي. «إنه صغير للغاية، ذلك الصبي المسكين، ومن السهل إخفاؤه.»

«لو كنا في وسط أفريقيا، كنتُ سأجر مِدينا من عنقه، وأُثبِّته في الأرض بالأوتاد وأظل أُعَذِّب فيه حتى يتقيأ.»

هزَّت ماري رأسها نفيًا مجددًا. «تلك الأساليب عديمة الجدوى في حالتنا هذه. سيسخر منك، فهو ليس جبانًا؛ لا أظن أنه كذلك على الأقل. كما أنه واثق من أنه مَحمِيٌّ بصورةٍ رائعة. هذا بالإضافة إلى أنه مُحصَّن بسمعته الجيدة وشعبيته، وعقله الأكثر ذكاءً من عقولنا جميعًا. يمكنه أن يلقي بتعويذة العمى على العالم بأسره؛ على جميع الرجال، وتقريبًا على جميع النساء.»

جعلني وصول الآنسة ويموندام أنهض لأنصرف. كانت لا تزال غريبة الشكل كعادتها دائمًا، بشعرِها الكثيف المصبوغ بلونَين الذي تكوِّمه فوق وجهها الأبيض الطويل. كانت ترقُص في مكانٍ ما، وبدت منهكةً ومتحمسة في نفس الوقت. قالت لي: «كانت ماري تقضي وقتًا طيبًا. ولا يُمكنني مجاراة شبابها وحيويتها في سنِّي هذه. هل تُقنعها بأن تُغير من تصفيفة شعرها؟ إن تصفيفة شعرها الحالية عتيقة الطراز فيبدو مظهرها بالكامل نشازًا. لقد تحدثت نانسي ترافيرس عن ذلك الليلة. قالت إذا ما غيَّرت ماري من مظهرها بالطريقة الصحيحة، فستكون أجملَ امرأةٍ في لندن. بالمناسبة، لقد التقيتُ صديقك آرتشي رويلانس في بارمينترز. سيتناول الغداء معنا هنا يوم الخميس. هل ستأتي يا ريتشارد؟»

أخبرتُها بأني لستُ واثقًا من خُططي وأني أظن أنني قد أكون خارج المدينة. ولكني رتبتُ الأمور مع ماري قبل انصرافي بأن تترك لي رسائل في النادي تُخبرني فيها بأي مستجداتٍ تأتي من ساندي. بينما كنتُ أسير عائدًا إلى مكان إقامتي، أُصِبتُ بعدوى لوعَتِها على ديفيد واركليف الصغير. كان ذلك هو أثقل الأمور وطأةً في المهمَّة برمَّتها، ولم أرَ أي بادرة أمل فيه، فرغم أن كل شيءٍ آخر كان يسير وفقًا لخطة، ربما لن نتمكن أبدًا من مُعاقبة مِدينا على جرائمه. كلما زاد تفكيري في الأمر، زادت قناعتي بضعف موقفنا القانوني ضده. ربما نتمكَّن من تحرير الرهائن، ولكننا لن نتمكن أبدًا من إثبات أن له علاقة بهم. يمكنني أن أُقدم دليلًا دامغًا ضده بالطبع، ولكن من الذي سيُصدقني ويكذِّبه؟ كما أنه لا يُوجَد أحد يدعم قصتي. فبافتراض أنني اتهمته بالخطف، وقصصت ما أعرفه عن الغازلة الكفيفة، ونيوهوفر، وأوديل، ماذا سيحدث؟ سيسخر العالم منِّي، وربما أضطر لدفع تعويضات كبيرة عن التشهير. كنتُ واثقًا من أن تابعِيه لن يخونوه؛ لا يمكنهم ذلك؛ حتى وإن أرادوا، فهم لا يعرفون أي شيء. لا، كان ساندي مُحقًّا. ربما حقَّقنا قدرًا من النجاح، ولكننا لن ننتصر. ومع ذلك كان النصر وحدَه هو الذي سيمنحنا النجاح الكامل، لأنه فقط عندما نكسر أنفه، وترتعد فرائصه رعبًا، سنتمكَّن من استعادة الصبي الصغير. سِرتُ في الشوارع الخالية ونار اليأس تضطرِم في صدري.

كان ثمة أمر واحد يُحيرني. ماذا كان ساندي يفعل في ذلك المنزل خلف متجر التحف، إن كان هذا هو ساندي حقًّا؟ أيًّا من كان في المنزل لا بد أنه كان على علاقة بالرجل الحزين المكتئب الذي كنتُ أراقبه من وراء باب غرفة النوم. كان هذا الرجل من حاشية مِدينا؛ لم يكن لدَي أي شك في دقة ذاكرتي. هل كان ساندي يتعاون مع شخصٍ من داخل معسكر العدو؟ لم أعرف كيف كان هذا مُمكنًا، فقد أخبرني بأن مِدينا يمثل خطرًا على حياته، وأن فرصة نجاته الوحيدة تكمُن في إقناع مِدينا بأنه خارج أوروبا. عندما ذهبتُ إلى فراشي، كان أمر واحد واضح في ذهني. إذا طلب مني مِدينا أن أُقيم معه في منزله، سأوافق. ربما كان ذلك أكثر أمانًا، ولكني لم أكن أهتم كثيرًا بالأمان، بل أهتم بمدى الفائدة التي ستعود عليَّ. ربما أكتشف شيئًا عن الرجل الحزين المكتئب.

ذهبتُ صباح اليوم التالي للقاء مِدينا، فقد أردتُ أن يعتقد أني لا أطيق الابتعاد عنه. كان مسرورًا للغاية بشأن أمرٍ ما، وقال إنه سيذهب لقضاء يومَين في الريف. جعلني أبقى لتناول الغداء معه، وعندها تمكنتُ من إلقاء نظرةٍ أخرى على أوديل الذي بدا أكثر بدانة. قلتُ لنفسي: «يبدو أن ذهنك يا صديقي لم يعُد يعمل بكفاءته المعهودة. إنك لم تعُد تساوي وزنك خردةً حتى.» كنتُ آمُل أن يذهب مِدينا في عطلة، فقد كان يتحدَّث عن الأمر كثيرًا مؤخرًا، ولكنه قال: «لا أمَل في ذلك.» كان ذاهبًا إلى الريف من أجل العمل؛ كانت هناك ضيعة، كان هو أحد أمنائها، تحتاج إلى بعض الاهتمام. سألته عن مكانها في إنجلترا، فقال شروبشاير. كان يُحب هذا المكان وواتته فكرة أن يشتري منزلًا هناك عندما يُصبح لدَيه المزيد من وقت الفراغ.

قادني هذا الموضوع إلى الحديث عن شِعره. دُهِشَ عندما عرف أني كنتُ أدرس كتيباته، ورأيتُ أنه اعتبر ذلك دلالةً على إخلاصي له. ذكرتُ بعض التعليقات المُتملِّقة عن مناقب أشعاره، وقلتُ إن الجهلة أمثالي حتى، يُمكنهم رؤية مدى براعتها. كما قلتُ إني أراها حزينة إلى حدٍّ ما.

قال: «حزينة! إننا نعيش في عالَمٍ أحمق يا هاناي، وعلى مَن يتمتع بالحكمة أن يحافظ على سعادته. يفقد النصرُ بعضًا من متعته عندما يتحقق على حساب الحمقى.»

ثم سألَني عما يؤخِّرني. «لقد أخبرتك منذ أسابيع أني أريدك أن تأتي لتُقيم معي في منزلي. وها أنا أُكرر عرضي لك، ولن أقبل الرفض.»

تلعثمت قائلًا: «هذا كرم كبير منك. ولكن، ألن أُعيق حركتك؟»

«لا، على الإطلاق. فالمنزل، كما ترى، واسعٌ كأنه ثكنة عسكرية. سأعود من شروبشاير يوم الجمعة، وأتوقَّع منك أن تنتقِل للسكنى هنا مساء الجمعة. وربما نتناول العشاء معًا.»

كنتُ مسرورًا، فقد منحني هذا مهلةً ليومٍ أو اثنين لأضع خطة. غادر مِدينا المدينة عصر ذلك اليوم، وقضيتُ أنا أمسيةً مفعمة بالقلق. كنت أريد أن أكون مع ماري، ولكن بدا لي أنه كلما قلَّت لقاءاتنا، كان أفضل. كانت ماضيةً قُدُمًا في تنفيذ مهمتها، وإن ظهرتُ أنا في الوسط الذي تتعامل معه، فقد أُخرِّب كل شيء. لم يكن اليوم التالي أفضل من سابقه؛ فقد كنتُ في الواقع أتوق لعودة مِدينا حتى أشعر بأنني أفعل شيئًا ما، فلم يكن هناك أي شيءٍ لأفعله، وعندما أكون عاطلًا، تغزو الأفكار عن ديفيد واركليف ذِهني لتُعذبني. ذهبتُ إلى هامبتون كورت وأخذتُ جولةً طويلةً على ضفة النهر سيرًا على قدمَي؛ ثم تناولتُ الغداء في النادي، وجلستُ في غرفة التدخين الخلفية الصغيرة، مُتفاديًا أي شخصٍ أعرفه، ومحاوِلًا أن أقرأ كتابًا عن الترحال في شِبه الجزيرة العربية. غفوتُ جالسًا في مقعدي، واستيقظتُ في حوالي الحادية عشرة والنصف، وكنتُ أجرُّ قدمَيَّ جرًّا نحو الفراش عندما أتى خادمٌ وأخبرني بأن هناك من يريد التحدُّث إليَّ عبر الهاتف.

كانت ماري؛ كانت تتحدَّث من شارع جريت تشارلز، وكان صوتها حادًّا وقلقًا.

قالت لاهثةً: «لقد وقعَت حادثة مؤسِفة يا ديك. هل أنت وحدك؟ هل أنت واثق من أن لا أحد بجوارك؟ لقد أفسد آرتشي رويلانس كل شيء. لقد أتى إلى المرقص الليلة، وكانت أديلا فيكتور موجودة، ومعها أوديل. كان آرتشي قد رآها من قبل، كما تعلم، ولا بد أنه انجذب لها بشدة. لا! لم يتعرف عليَّ، فعندما رأيتُه، وقفتُ بعيدًا. ولكن لا شك في أنه تعرَّف على الماركيز. كان يُراقِص أديلا، وأظن أنه قال لها شيئًا لا يليق؛ على أية حال جعل نفسه مُلفتًا للنظر. ونتيجة هذا، تقدم أوديل نحوهما ليأخذها بعيدًا؛ أظن أنه يتشكَّك في أي أحدٍ على شاكلة آرتشي، ووقع بينهما شجار. لم يكن المرقص مزدحمًا، حوالي دزينة من الزبائن فقط، وأغلبهم من الأشقياء. سأل آرتشي عن الحقِّ الذي يُخَوِّل أوديل أن يسحب الفتاة بعيدًا، ففقد أعصابه، واستُدعي مدير المكان، الرجل ذو اللحية السوداء. دعم المديرُ أوديل، فأقدم آرتشي على تصرُّفٍ غبي للغاية. قال إن اسمَه هو السير أرتشيبالد رويلانس، وإنه لن يسمح ليهودي أن يُملي عليه ما يفعل، والأسوأ أنه قال إنه صديق الماركيز دو لا تور دو بين، وإنه سيتفق معه على إغلاق هذا العرض، وإنهما لن يتركا فتاةً مسكينةً تتلقى الأوامر من مُتنمِّرٍ أمريكي حقير. لا أعلم ما حدث بعد ذلك. كان النساء يَجرين خارج المكان، وكان عليَّ أن أحذو حذوهن. ولكنها مشكلة عويصة يا ديك. لست قلقةً على آرتشي، رغم أنه ربما يكون قد أُوسِع ضربًا، بل على الماركيز. إنهم بلا شك يعلمون من يكون، وكل شيءٍ عنه، ويتذكرون علاقته بأديلا. ولا شك في أنهم سيستخدِمون طريقةً مريعةً ليتأكدوا من أنه لن يُعرضهم للخطر مجددًا.»

صرختُ قائلًا: «يا إلهي، يا لها من كارثة! ماذا بيدي أن أفعل؟ لا يُمكنني التدخل!»

أتاني صوتها مُترددًا يقول: «لا. أظن أنه لا يمكنك ذلك. ولكن يمكنك أن تُحذِّر الماركيز، إن لم يكن شيء قد حدث له بعد.»

«فرصة تحذيري له ضئيلة. أولئك الأشخاص لا يُضيعون وقتًا. ولكن، اذهبي إلى فراشكِ، ونامي يا عزيزتي. سأبذل أقصى ما في وسعي.»

كان أقصى ما في وسعي في تلك الساعة من الليل محدودًا للغاية. اتصلتُ بمنزل فيكتور، وكما توقعتُ لم يكن توربين قد عاد بعد. ثم اتصلتُ بمنزل آرتشي في شارع جروسفينور، وجاءتني الإجابة نفسها عنه. لم أكن سأستفيد شيئًا من ذهابي إلى أزقة ماريلبون، فذهبتُ إلى فراشي وقضيتُ ليلةً مريعة.

وفي ساعة مبكرة للغاية من صباح اليوم التالي، وصلتُ إلى شارع جروسفينور، وحصلتُ على بعض الأخبار. فقد تلقى خادمُ آرتشي اتصالًا من أحد المستشفيات مفادُه أن سيده تعرض لحادث، ويطلبون منه الحضور وإحضار بعض الملابس. فأعدَّ حقيبة، واتجهنا معًا إلى المستشفى على الفور، ووجدنا آرتشي المسكين راقدًا في الفراش، وكان من الناحية الرسمية ضحية حادث سير. لم تكن حالته تبدو بالغة السوء، ولكن وجهه كان في حالة يُرثى لها، فكانت ثمة هالات زرقاء حول عينَيه وضمادة تُغلف فكه، وعندما غادرَت المُمرِّضة الغرفة، التفتَ نحوي.

وقال بصوتٍ أشبه بالصفير من بين أسنانه المُحطمة: «لعلك تذكر ما قلتَه عن الملاكم ذي أزرار الأكمام الماسية. لقد تشاجرتُ معه ليلة أمس وأوسَعني ضربًا. لا يُمكنني أن أجاري ملاكمًا محترفًا، وأبطأتني ساقي المُصابة.»

قلت: «لقد ورطتَ نفسكَ في الشجار ولكنك تصرفتَ بنُبل. ما الذي جعلك تتشاجر في مرقص؟ لقد جعلتَ موقفي في المهمة التي أتولَّاها عصيبًا.»

سألني: «ولكن كيف؟» ولكن منعته الضمَّادة على فكه، التي كادت تسقط، من مواصلة الحديث.

فقلت له: «لا تشغل نفسك بالكيفية حاليًّا. أريد أن أعرف ما حدث بالضبط. إن الأمر أهم بكثير مما تظن.»

قصَّ عليَّ القصة نفسها التي سمعتُها من ماري، ولكن مُطَعَّمة بكثير من العنف. أنكر أنه أفرط في تناول الشراب أثناء العشاء؛ «لم أشرب إلا كوبًا صغيرًا من الويسكي والصودا، وكأسًا واحدةً من الخمر.» كان يبحث عن الفتاة ذات الثوب الأخضر منذ فترة، وعندما وجدها، لم يكن ليفوِّت فرصة التعرف إليها. «فتاة صغيرة حزينة لا يُمكنها أن تدافع عن نفسها بأي شيء. لقد تعرضَتْ للاستغلال بقسوةٍ من قِبَلِ بعض الخنازير، يُمكنك أن ترى ذلك في عينَيها، وأظن أن الملاكم هو الجاني. على أية حال، لم أستطع تحمُّل أن يأمرها وكأنها أَمَة. فأخبرتُه بذلك، ثم ظهر رجل ذو لحية سوداء وبدآ يتشاجران معي. ثم ارتكبتُ فعلًا أحمق لعينًا. حاولتُ أن أجعلهما يتراجعان بإخبارهما بهويتي، وكان توربين موجودًا، فذكرتُ اسمه أيضًا. كان تصرفًا دنيئًا منِّي، ولكني تصورتُ أن لقب ماركيز سيُخيف تلك المجموعة.»

«هل شارك في العراك؟»

«لا أعرف؛ أظن أني رأيتُ من يجرُّه من رقبتِه في البداية. على أية حال، وجدتُ نفسي في مواجهة الملاكم، واسودَّت الدنيا أمام عيني، وكنتُ أُفضِّل لو تعاركتُ مع دزينة من الرجال. لم أبقَ إلا جولةً واحدة، فقد أعاقتني ساقي المُصابة، على ما أظن. كِلْتُ له لكمةً أو لَكْمَتَين على وجهه القبيح، وأظن أنه كَالَ لي لكمةً قاضية. بعد ذلك، لا أذكر أي شيءٍ مما حدث حتى أفقتُ في هذا الفراش شاعرًا وكأني خرجتُ من مفرمة. يقول الناس هنا إنني أُحضِرتُ بواسطة شرطيَّين، ورجل يقود سيارة قال إنني ارتطمتُ بمقدمة سيارته عند ناصية أحد الشوارع وآذيتُ وجهي. كان الرجل شديد القلق عليَّ، ولكنه رفض ذِكر اسمه وعنوانه. كرمٌ زائدٌ من عمال النظافة أن يبذلوا قصارى جهدهم لعدم انتشار الفضيحة. ديك، هل تظن أن هذا الخبر قد يصل إلى الصحف؟ لا أريد أن يتصدَّر خبر تورُّطي في هذا الشجار السوقي عناوين الصحف، فأنا أفكر في الترشح للبرلمان.»

«لا أعتقد أنك ستسمع كلمة أخرى عن هذا الأمر، إلا إذا أفرطتَ أنت في الحديث عنه. اسمع يا آرتشي، عِدني أنك لن تقترِب من هذا المكان مجددًا أبدًا، ولن تبحث عن الفتاة ذات الثوب الأخضر تحت أي ظرف. سأُخبرك بأسباب طلبي هذا يومًا ما، ولكني أريدك أن تثق في أنها أسباب وجيهة. ثمة أمر آخر. عليك أن تبتعِد عن توربين. كل ما آمُله هو ألا تكون قد تسببت له الليلة الماضية في ضررٍ لا يمكن إصلاحه بسبب حماقتك.»

حاول آرتشي باستماتة تبرير موقفه. فقال: «أعلمُ أني تصرفتُ بدناءة. سأذهب إلى توربين بمجرد أن أخرج من هنا وأعتذِر له. ولكنه بخير، أنا واثق من ذلك. لم يكن يسعى إلى الشجار مثلي. أظن أنه طُرِدَ إلى الشارع ولم يستطع الدخول مجددًا.»

لم أُشارك آرتشي تفاؤله، وسرعان ما تحولَتْ مخاوفي إلى يقين. خرجتُ من المستشفى إلى شارع كارلتون هاوس تيراس مباشرةً، ووجدتُ السيد فيكتور يتناول إفطاره. وعرفتُ أن الماركيز دو لا تور دو بين كان يتناول عشاءه في الخارج ليلة أمس، ولم يعُد منذ ذلك الحين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤