الفصل السابع

بعض تجارب التلميذ

لم أرَ ساندي مُجددًا؛ فقد ركب القطار الليلي إلى باريس في مساء اليوم التالي، وكان عليَّ أن أذهب إلى أوكسفورد صباح ذلك اليوم لأُدلي بشهادتي في قضية تُنظَر أمام المحكمة. ولكني وجدتُ رسالةً موجهةً لي في النادي عندما عدتُ صباح اليوم التالي. لم تحتوِ الرسالة على شيءٍ سوى الكلمات الآتية: «لم يُسفر البحث عن شيء، لا يوجد شخص ثالث في المنزل.» لم أكن آمُل أن تسفِر حملة ساندي الاستكشافية في ميدان بالميرا عن نتائج، ولم أُعِر الأمرَ المزيدَ من التفكير.

لم يعُد ساندي بعد أسبوع، ولا بعد أسبوعَين، وبعدما أدركتُ أنه لم يتبقَّ لي إلا أكثر من شهرَين بقليل لأتمَّ مهمتي، بدأ صبري ينفد. ولكني كنت أشغل وقتي بالتفكير في مِدينا، كما ستعرفون.

أثناء قراءتي لرسالة ساندي، ظهر توربين، ورجاني أن أذهب معه في نزهة في سيارته الجديدة من نوع دولاج لنتحدث. أصبحت حالة الماركيز لا تور دو بين أسوأ مما كانت عليه؛ فقد صار جفناه أثقل، وأصبح أكثر وداعة. قاد السيارة بي لمسافة أميال في عمق الريف عبر غابة ويندسور، وبينما كان ينطلق بالسيارة بسرعة ستين ميلًا في الساعة، كشف عما يعتمل في صدره. بدا وكأنه على شفا الجنون؛ بل كان قد جُن بالفعل، ولم يمنعه من إرداء نفسه صريعًا إلا ثقتُه الواهية بي التي كانت في غير محلِّها بلا أدنى شك. كان مُقتنعًا أن أديلا فيكتور قد لقيَتْ حتفها، وأنه لن يتمكن أحد أبدًا من العثور عليها. أنَّ قائلًا: «اللعنة على رجال الشرطة الذين تُحابيهم! الناس لا يختفون بلا أثرٍ إلا في إنجلترا.» ولكنه اختتم حديثه قائلًا إنه سيبقى حيًّا حتى يقتصَّ لها، لأنه كان يؤمِن بأن الربَّ سيُوقِع قاتلها في يدَيه يومًا ما. كنت أشعر بأسفٍ شديد عليه، فخلف مظهره المتعالي دون إفراط، كان يشعر بعذابٍ شديد، وأعتقد أنني لو كنت مكانه لجُننتُ دون أدنى شك. سألني عما إذا كان هناك أمل، فأعطيته أملًا، وأخبرته بما لا أعتقد؛ أنني أرى ضوءًا في نهاية النفق المُظلم، وأنني مفعم بالثقة بأننا سنتمكن من إرجاع قُرة عينِه إليه سليمةً مُعافاة. تهلَّل وجهه عندما سمع هذا وأراد عِناقي، وكاد أن يقلب السيارة الدولاج بنا في مصرف ويُرسِلنا إلى الحياة الأبدية. كان يتحرَّق لأن يفعل شيئًا، وأراد أن أعِدَه بأن أضمَّه إلى فريقي في أقرب وقتٍ ممكن. جعلني ذلك أشعر بالذنب، فلم يكن لدَيَّ أيُّ فريق، ولم يكن يُوجَد حتى خيط لأتتبَّعه، فحولتُ دفة الحديث سريعًا نحو الآنسة فيكتور لِكيلا يطرح عليَّ المزيد من الأسئلة.

وصفَها لي بالتفصيل وكأنه يُلقي على سمعي نثرًا منظومًا. استنتجت من كلامه أنها نحيلة ومتوسطة الطول، تركب الخيل وكأنها ديانا وترقُص وكأنها حورية. كان لون بشرتِها وشعرها يُشيران إلى أنها سمراء، ولكن لون عينَيها كان رماديًّا داكنًا، وكان صوتها ذلك الصوت الناعم الذي عادةً ما يصاحب لون العينَين هذا. بالطبع، صاغ توربين هذا الوصف بلغةٍ شعرية تخلَّلتها كلماتٌ فرنسية أكثر من مرة. أخبرني بكل شيءٍ عنها؛ عِشقها للكلاب، وعدم خوفها من أي شيءٍ في العالَم، وسيرها بخطواتٍ واثقة، ولثغتها المبهجة عندما تتحمَّس. بعدما انتهى من وصفها، شعرتُ أني كونتُ فكرة كافية عن الآنسة فيكتور، خاصةً بعدما فحصتُ حوالي خمسين صورة لها في مكتب ماكجيليفراي.

عندما اقتربنا من المنزل مجددًا، خطر لي أن أسألَه عما إذا كان يعرف مِدينا. فقال لا، ولكن مِدينا كان سيتناول العشاء في منزل آل فيكتور في تلك الليلة؛ كان حفلَ عشاءٍ صغيرًا كان أغلب حضوره من السياسيين. «إن السيد فيكتور رجل رائع. لم يُغير شيئًا من نظام حياته، وأصدقاؤه يظنون أن أديلا في نيويورك في زيارة وداع. إنه يُذَكِّرني بقصة الصبي الإسبرطي والثعلب.»

قلت: «أخبر السيد فيكتور، بعد التحية، أنه يُسعدني أن أتناول العشاء في منزله الليلة. لديَّ دعوة مفتوحة. في الثامنة والربع، أليس كذلك؟»

تبيَّن في النهاية أن المجموعة المدعوة مجموعة صغيرة للغاية ومُنتقاة: وزير الخارجية، ومِدينا، وباليسار ييتس، ودوق ألسيستر، ولورد صانينجدايل، والمستشار الأعلى السابق، والوزير الفرنسي لوفاسير، بالإضافة إلى توربين وأنا. لم يكن بين المدعُوِّين نساء. كان أسلوب التعامل بين الدوق والسيد فيكتور درسًا في قوة الاحتمال، ولم يكن أحد ليخمِّن أبدًا أن هذين الرجلَين كانا يعيشان كابوسًا. لم يكن المدعوون يتحدثون كثيرًا فيما عدا صانينجدايل الذي كان لدَيه الكثير مما أراد أن يقوله عن الكتاب الجديد الذي ألَّفَه أحد الألمان عن المدلول الرياضي للَّانهائية، وهو موضوع لم يتمكَّن عقلي الثخين من فهمه رغم شرحه العبقري. كان وزير الخارجية ولوفاسير يتحدثان همسًا، وكان توربين جالسًا بينهما، وكان بقية الحضور صامِتين كعِصي خشبية فيما عدا مِدينا. توفرَت لي فرصة جيدة لملاحظة قُدرته على التحاور، ويجدُر بي القول إني ذُهلت من مهارته في هذا السياق. فقد كان هو مَن تمكن من تحويل حديث صانينجدايل عن اللانهائية من مونولوج يؤدِّيه بمُفرده إلى حوارٍ مُثمر عندما طرح عليه سؤالًا مناسبًا. بعد ذلك تحوَّلت بنا دفة الحديث إلى السياسة، وسُئل مِدينا عما يحدُث في البلاد؛ إذ كان قد عاد للتوِّ من مبنى الحكومة.

فقال: «إنهم يضعون اللمسات الأخيرة على القرارات المُعتادة، إيقاف بعض النصَّابين التابِعين لحزب العمال عن العمل.»

أثار هذا التعليق حفيظة صانينجدايل، الذي كان يُفَضِّل حزب العمال، واستمتعتُ بمشاهدة أسلوب مِدينا في امتصاص غضب المستشار الأعلى السابق. فقد أدخله في جدالٍ هادئ، دون أن يتخلَّى عن موقفه، وصبغ الموضوع برمته بصِبغةٍ من التفاهم الظريف المُنفتح. شعرت أنه كان يعرف عن الموضوع أكثر مما يعرف صانينجدايل، أنه كان يعرف قدرًا كبيرًا يسمح له بأن يمنح خصمه وسيلةً لإنقاذ نفسه دون أن يخشى الهزيمة. علاوةً على ذلك، لم ينسَ أنه مدعوٌّ على العشاء، فلم يعلُ صوته أو يستخدِم نبرة غير مناسبة، وتمكن من جعل الجميع يفعلون مثله.

بدا لي رجلًا من نوعٍ استثنائي. كان يُعاملني كما لو كنَّا صديقَين قديمَين، بمزاحٍ وَوُدٍّ ولكن دون أن يتخطى حدود الاحترام، وأجبرني على أن أشارك في جزءٍ كبير من الحديث. بدوتُ ذكيًّا، بفضل تأثيره، وأبهرتُ توربين الذي كان يعتقد أني لا أملك أي مواهب سوى القتال. ولكني لم أنسَ الهدف من حضوري، وإن حِدتُ عنه، كان مرأى فيكتور والدوق يُذكرني به. راقبتُ الرجلَين، الرجل النحيل ذا اللحية الرمادية الذي يبدو أشبه بأميرال بحري بفضل عينَيه الداكنتَين الثاقبتَين، والرجل الآخر العريض الفك، الأحمر الوجه، الذي يُكلل رأسَه شعر فضي ناعم، ورأيتُ أن الألم ألقى بظلاله على أركان شفتَي وعينَي الرجلَين حينما كان وجه أحدهما يسترخي. وراقبت مِدينا، النموذج الأمثل للرجل الإنجليزي المُهذب واللطيف والمنفتح. لاحظتُ أنه يُراعي ألا تكون ملابسه مُبهرجة، فلم يرتدِ أبدًا صدريات غريبة التصميم أو ربطات عنقٍ ملفوفة بأناقةٍ مُبالغٍ فيها. كان، في أخلاقه ومظهره، تجسيدًا حيًّا للتربية الجيدة المُتواضعة. كانت مهمَّتي أن أُسايره في لعبته، وتعمدتُ أن يكون إخلاصي له ظاهرًا. ربَّت الدوق المسن، الذي لم ألتقِ به من قبل، على كتفي بينما نُغادر غرفة الطعام. وقال: «أنا سعيد أنك ومِدينا أصبحتما صديقَين يا سير ريتشارد. حمدًا للرب أن ثمة رجالًا مثله في جيل الشباب. يجدُر بهم أن يمنحوه منصبًا وزاريًّا على الفور، أن يدخلوه المُعترك السياسي. إن لم يفعلوا، سيعثر على مجالٍ أكثر إثارة من السياسة.»

باتفاق ضِمني غادرنا المنزل معًا، وسِرنا في الشوارع جنبًا إلى جنب، كما فعلتُ على مدار الليالي الثلاث السابقة. فكرتُ، يا له من تغيير ألَمَّ بوجهة نظري! إذن لقد كنتُ أعمى، وصرتُ الآن بصيرًا. علَّق مِدينا ذراعَه بذراعي عندما دخلنا شارع بول مول، إلا أن ضغطه على ذراعي كان أقربَ إلى التملُّك من الود.

قال: «هل تُقيم في ناديك؟ لِمَ لا تأتي وتُقيم معي أثناء وجودك في المدينة؟ ثمة مساحة أكثر من كافية في منزلي في شارع هيل.»

أخافني هذا الاقتراح. فإقامتي معه في هذا الوقت ستدمر خططي بالكامل؛ ولكن، بافتراض أنه أصر، هل يُمكنني أن أرفض بينما يجدُر بي أن أتظاهر بأني تحت سيطرته؟ ولحُسن الحظ لم يُصر. قدمت له الكثير من الأعذار؛ خطط لم أُتِمَّها، واضطراري للسفر المُتكرر إلى الريف، وأمور من هذا القبيل.

فقال: «لا بأس. ولكني سأُكرر عرضي هذا مجددًا، ولن أقبل بأي رفض.»

كانت كلماتٍ عادية قد تُستَخدَم بين الأصدقاء، ولكنها أزعجتني إلى حدٍّ ما رغم أن النبرة التي استخدمها كانت عادية.

سألني: «كيف حالك؟ أغلب مَن عاشوا حياةً تُشبه حياتك يجدون الربيع الإنجليزي مزعجًا. لا تبدو في حالٍ جيدة مثلما كنتَ خلال لقائنا الأول.»

«هذا صحيح. كنتُ متعبًا الأسبوع الماضي؛ أُصِبتُ بصداع، وفقدان للذاكرة، وذهني مُشوش، وأشياء من هذا القبيل. أظن أنها حُمَّى الربيع. زرت طبيبًا ولكنه قال إن الحالة لا تدعو للقلق.»

«مَن ذلك الطبيب؟»

«الطبيب نيوهوفر في شارع ويمبول.»

فأومأ برأسه. وقال: «سمعت به. يُقال إنه طبيب جيد.»

قلتُ بجرأة: «لقد أعدَّ لي جلسة تدليك. ونجحت الجلسة في إزالة الصداع على أية حال.»

«يُسعدني سماع ذلك.»

ثم ترك ذراعي فجأة.

وقال: «سمعتُ أن أربوثنوت سافر للخارج.»

كانت ثمة نبرة باردة في صوته رددتُ عليها سريعًا.

قلت في لامبالاة: «قرأتُ ذلك في الصحف. إنه حالة ميئوس منها. حالة مُثيرة للشفقة، فرغم إمكاناته الكبيرة، لا يُمكنه البقاء في مكانٍ واحد لفترة طويلة، وهذا يجعله عديم الجدوى.»

«هل تهتم كثيرًا لأمر أربوثنوت؟»

قلت بلا حياء: «كنتُ كذلك في الماضي. ولكن حتى لقائنا منذ بضعة أيام، لم نكن قد التقَينا لسنوات، ويجدُر بي القول إنه أصبح غريب الأطوار. ألا تظن أنه تصرَّف بغرابة خلال عشاء الخميس؟»

هزَّ كتفَيه. ثم قال: «لم يُعجبني. فليس فيه شيءٌ إنجليزي على الإطلاق. ثمة لمحة شرقية حادة في مسلكِه، لا أعلم كيف حصل عليها. قارِنْه بالرجال الذين سهرنا معهم الليلة. حتى ذلك الفرنسي — حتى فيكتور، رغم أنه أمريكي ويهودي — ستجد أنهم يُفكرون مثلنا.»

وصلنا إلى باب النادي، وعندما توقفت عن السير، نظر إلى وجهي.

وقال بلهجة آمرة: «إذا كنتُ مكانك، كنتُ سأقاطع أربوثنوت.» ابتسمتُ ابتسامة خجِلة مقاومًا رغبةً جامحة في أن أعتصِر أذنَيه.

دخلتُ فراشي ساخطًا. فذلك الأسلوب المُتملك الجديد، ومعاملتي كأني تابع له جعلاني أكره مِدينا فجأة. لم أكن قادرًا على ربطه بمحاولة تنويمي مغناطيسيًّا، وعلى الرغم من ثِقتي، كنتُ أميل إلى الاعتقاد أن الأمر لا يتعدَّى مجرد تدخُّل وقح من مُعجب، الأمر الذي كنتُ أمقته بشدة، ولكن ليس لدرجة إثارة الكراهية في صدري. ولكني الآن — مع شعوري بأنه قد سيطر عليَّ كتابع له، لأنه ظن أنه أصبح يمتلك سيطرة سافرة عليَّ — أصبحت أستشيط غضبًا. وزادت إساءته لساندي الطين بلة، الإساءة التي اضطررت لأن أسمح بها بكل خنوع. شرقي، يا إلهي! وأقسمتُ أن نجعله أنا وساندي يندم على تلك الكلمة قريبًا. أقضَّ التفكير في هذا الأمر منامي. كنت مستعدًّا تمامًا في هذه اللحظة لتصديق أن مِدينا قادر على فعل أي عملٍ مُشين، وقررتُ أنه وحدَه من يمتلك حل لغز الرهائن الثلاث. ولكني طوال الوقت كنتُ أُدرك تعِسًا أني لو أخبرتُ أحدًا بما أفكر به، فيما عدا ساندي، فسيتهمونني بالجنون. كنتُ مدركًا أن سمعة الرجل الطيبة راسخة في أذهان الجميع وكأنها الدستور البريطاني.

ذهبت صباح اليوم التالي لزيارة ماكجيليفراي. وأخبرتُه أني لم أكن متكاسلًا، وأني أتتبع خيوطًا خاصة بي، أظنُّها واعدة أكثر من استقصاء أمر ذلك النبيل الريفي من شروبشاير. قلت إني ليس لدَيَّ شيء أُخبره به بعد، وإني لا أُحبِّذ أن أُعطيه ولو لمحة عما أتتبع من خيوط حتى أصل لبعض النتائج. ولكني كنتُ بحاجة لمساعدته، وبحاجة إلى خيرة رجاله.

قال: «يُسعدني أنك بدأت العمل يا ديك. أنا في انتظار أوامرك.»

«أريدك أن تُراقب منزلًا. المنزل رقم ٤ ميدان بالميرا، شمالي لندن. حسب معلوماتي، تقطنه امرأة يُقال إنها خبيرة تدليك سويدية تدعو نفسها مدام بريدا، وخادمة أو أكثر، وفتاة صغيرة غريبة المظهر. أريدك أن تُعدَّ سجلًّا دقيقًا عن كل مَن يدخل هذا المنزل، وأريد أن أعرف بشكلٍ خاص مَن يقطنون في هذا المنزل والمُتردِّدين الدائمين عليه. يجب أن يتم كل هذا في سريةٍ تامة حتى لا يشعر هؤلاء الأشخاص بأنهم مُراقَبون.»

دَوَّنَ تفاصيل طلبي.

فاستطردتُ قائلًا: «أريد أن أعرف أيضًا السجل الجنائي لرئيس خدم مِدينا.»

فأطلق صافرةً. وقال: «مِدينا. هل تقصد دومينيك مِدينا؟»

«نعم. أوه، أنا لا أُشكك في تورطه في الأمر.» ضحكنا كِلانا وكأن دعابة جيدة أُلقيت. «ولكني أودُّ أن أعرف تفاصيل عن رئيس خدمه لأسبابٍ لست مُستعدًّا بعدُ للإفصاح عنها لك. إنه يُدعى أوديل، وله مظهر ملاكم وضيع. اكتُشِف كل ما يُمكنك اكتشافه عن ماضيه، وقد يكون وضعُه تحت المراقبة تخطيطًا جيدًا. أنت تعرف أين يقع منزل مِدينا في شارع هيل. ولكن، أرجوك أن تجعل كل هذا يتم في سرية تامة.»

«سأفعل هذا من أجلي أنا. فلا أريد أن يتصدر اسمي عناوين الصحف المسائية؛ «الشرطة تراقب منزل عضو في البرلمان. زلة أخرى من زلات الشرطة».»

«هل يمكنك أيضًا أن تجمع كل ما تملِكه من معلوماتٍ عن مِدينا؟ ربما أعطتني هذه المعلومات خيطًا لأتتبَّعه عن أوديل.»

قال في جدية: «ديك، هل أصابتك الأوهام؟»

«لا، على الإطلاق. لا تتصوَّر أنني غبي لدرجة أن أظنَّ أن ثمة شيئًا مُريبًا يتعلق بِمدينا. لقد أصبحنا صديقَين مُقربَين، وهو يعجبني كثيرًا. الجميع يشيدون به، وكذلك أنا. ولكن لديَّ بعض الشكوك التي تدور حول السيد أوديل، وأودُّ أن أعرف من أين أحضره مِدينا وكيف. إنه ليس النوع المعتاد من الخدم.» بدا لي حينئذٍ أنه من المهم للغاية ألا أدع أحدًا يعرف بشكوكي في مِدينا سوى ساندي، في ذلك الحين على الأقل؛ فقد كانت فرصتنا تكمن في ثقته التامة في أن الجميع يرَونه شخصًا فاضلًا.

قال ماكجيليفراي: «حسنًا. سأفعل ما تطلب. فلتستمر في عملك بطريقتك يا ديك. لن أُملي عليك ما تفعل. ولكن تذكر أن الأمر جاد للغاية، وأن الأيام تمر سريعًا. لقد أصبحنا في شهر أبريل، وأمامك مهلة قصيرة حتى منتصف الصيف لكي تنقذ ثلاث أرواح بريئة.»

غادرتُ مكتبه وصدري مُفعم بغمٍّ هائل؛ فقد أدركت فجأة مدى قصر المهلة ومدى فداحة المهمة التي لم أبدأها فعليًّا بعد. اعتصرتُ ذهني مفكرًا في خطوتي التالية. سأزور الطبيب نيوهوفر مرة أخرى في غضون بضعة أيام، ولكن من غير المُرجح أن أجد أي مساعدة هناك. ربما سيرسلني مجددًا إلى ميدان بالميرا، أو ربما أحاول أن أُحدد موعدًا مع مدام بريدا بنفسي مختلقًا عِلَّةً جديدةً ألمَّت بي، ولكن من المُحتمَل أن تكرر العملية السابقة معي، وبهذا لن أكون قد حققت أي تقدم. عند مراجعتي لما حدث، لم يكن نيوهوفر وميدان بالميرا سوى اختبارٍ لإذعاني لسيطرة مدينا، ومفتاح كشف تعقيدات السرد يكمن عند مِدينا. كان الجلوس والانتظار وعد الأيام الثمينة التي تمر أمرًا يبعث على الجنون، وكنتُ أتوق لاستشارة ساندي. فكرتُ في الذهاب إلى فوسي لقضاء اليوم؛ فقد كانت رؤية ماري وبيتر جون بطريقةٍ ما تُهدئ ذهني وتُقوِّي من عزيمتي. جاءت الراحة في صورة اتصال من مِدينا في نهاية الأسبوع يدعوني لتناول الغداء معه.

تناولنا الغداء في منزله، الذي كان مخزنًا رائعًا للكثير من الأشياء الجميلة التي تمكنت من رؤيتها الآن في ظهيرة شهر أبريل المشمسة. لم يكن المنزل كما تخيلت؛ فقد كان مليئًا بالقطع الثمينة التي تستحق العرض في المتاحف، وكان الأثاث بالكامل مناسبًا تمامًا للعصر. أُحِبُّ الغرف التي تمتلئ بالكثير من الأشياء المبهجة، والتي تبدو وكأن أشخاصًا عاشوا فيها على مدار أجيال. كانت جدران غرفة الطعام مكسوة بخشبٍ مَطلي باللون الأبيض، وفوق المدفأة لوحة تحمل توقيع فان ديك، وتُزين الجدرانَ مجموعةٌ رائعةٌ من مطبوعات القرن الثامن عشر. وخلال تناول وجبة الغداء العامرة، لم يشرب مِدينا سوى الماء كعادته، بينما أخذتُ أنا المسلوب الإرادة بضع رشفات من نبيذ ألماني مُعتق، ومن خمر أكثر تعتيقًا، ومن براندي يبدو وكأنه منذ عصور ما قبل التاريخ. كان أوديل هو من يقوم على خدمتنا، وتمكنتُ من تفحُّصه جيدًا؛ رأسه الغريب الشكل، ووجهه الشاحب النحيل، وحاجبيه الأسودَين الكثَّين اللذَين يُظلِّلان عينَيه الضيقتَين. كنت واثقًا من أن عينَيَّ لن تُخطآه لو رأيتُه مجددًا. لم نقترب طوال فترة تواجدي في المنزل من المكتبة الموجودة في الطابق العلوي، ولكن جلسنا بعد الغداء في غرفة تدخين صغيرة تقع في نهاية الردهة، تحتوي على خزانات زجاجية وضع فيها مُضيفي صناراتِه وبنادقه، وبعض رءوس محنطة لغزلان ووعول.

أثناء سيري في شارع هيل، قررتُ أني سأقنع مِدينا للمرة الأخيرة باستسلامي التام له. سيحتاج إلى إثبات أني أصبحتُ رهن إشارته، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجعله يكشف عن وجهه الحقيقي. كنتُ أكره الأمر برمَّته، وأثناء سيري في دفء الظهيرة الممتع، فكرت بمرارة في أني ربما كنتُ الآن أصطاد أسماك السلمون في اسكتلندا، أو ربما كنت سأفعل ما هو أفضل من ذلك، وهو ركوب الخيل على مهل مع ماري في سهول كوتسوولد.

ظللت طوال الغداء مُثبتًا عينَيَّ عليه كالكلب الذي يُثبِّت عينَيه على سيده. تساءلتُ عدة مرات عما إذا كنتُ أبالغ في هذا الفعل، ولكن بدا أنه يتقبل وفائي بهدوء تام. كنتُ أظن عندما التقيتُ مِدينا لأول مرة أنه ليس مغرورًا؛ ولكني اكتشفت الآن أنه مغرور للغاية، مغرور بكل ما تحمِله الكلمة من معنى، وتواضُعه أمام الجمهور ما هو إلا قناع يخفي خلفه زهوه الهائل بنفسه. تخلى عن التظاهر، وظهر وجهه الحقيقي، وتحت قناع الدماثة رأيتُ روحًا باردة ومغرورة للغاية. لم يكن ثمة شيء أسوأ من ذلك؛ فقد كان هذا أسوأ ما يُمكن. كان فخورًا لدرجة أنه لم يتفاخر بالكلمات، ولكن كان سلوكه بالكامل عبارة عن تفاخُر مُستمر. كان يسخر من كل شيءٍ فيما عدا عبادته لنفسه، كما توقعت. كان الأمر سيبدو وقاحةً لا مثيل لها، لولا أنه يؤدِّيه بمهارةٍ منقطعة النظير. وجدتُ أن أداء دوري كان سهلًا؛ فقد كنت ذاهلًا للغاية بالفعل ولم أجد صعوبةً في إظهار ذلك.

الغريب في الأمر أنه تحدث عني كثيرًا. بدا أنه يحاول جاهدًا أن يجتث الأعراف والمعايير، مثل قواعد الشرف والتعامل، التي قد يحترمها شخص مثلي، وأن يدمرها تمامًا بسخريته. شعرت أنني أنظر إلى محاولةٍ لجعل الشر يبدو خيرًا والخير يبدو شرًّا، الأمر الذي أعلم يقينًا أنه من تخصص الشيطان نفسه. وبالطبع، أذعنتُ دون مقاومة. لم يحظَ سيدٌ من قبل بتابعٍ أكثر إذعانًا مني. كما حطم طموحاتي المتواضعة. حياة الريف، والزوجة والعائلة؛ أخبرَني أن كل هذا أكثر تفاهة من فكرة عابرة. وأسهب في الإطراء عليَّ، وتقبلتُ أنا كل هذا بوجهٍ تعلوه أمارات البلاهة. كنت جاهزًا لأمور أكبر سيُرشدني إليها. ووصف لي بعض هذه الأمور؛ المُغري في الأمر أنها كانت أمورًا مُحترمة، ولكن بدا بطريقة ما أنها لا تناسب السياق عند مقارنتها بحديثه السابق. كان من الجلي أنه يُعِدُّني تدريجيًّا لأمرٍ ما لم أكن جاهزًا له بعد. تمنيتُ لو أن ساندي رآني جالسًا في مقعد مِدينا الوثير، أُدخن سيجارًا من خزينه، وأوافق على كل ما يقول وكأني تلميذةٌ صغيرة ترغب في الحفاظ على علاقتها بمُعلمتها. ولكني لم أواجه صعوبةً في التظاهُر بذلك؛ فقد كان حديث الرجل بارعًا ومقنعًا، وعلى الرغم من إنكار عقلي لما يحدث، أذعن لساني دون مقاومة. كان يتحدَّث بمرحٍ استثنائي، وكان عطوفًا، كما لو كان حارسًا يعطف على كلب كسير.

تلعثمت وأنا أشكره عند عتبة المنزل. وقلت: «ليت بوسعي أن أخبرك ما تعنيه صداقتك لي. إنها … إنها أهم ما حدث لي في حياتي. ما أعني قوله هو …»، ولجأت إلى ما قد يفعله جندي بريطاني معقود اللسان عادةً.

نظر لي بعينَيه الساحرتَين، ولكن لم يبدُ فيهما أي عطف، فقط السيطرة والتعالي. أظن أنه كان راضيًا بامتلاكه شخصًا على استعدادٍ لأن يخدمه بجسده وروحه.

كنتُ راضيًا أنا أيضًا، وسرتُ مبتعدًا عن المنزل أشعر بسرورٍ أكبر مما شعرتُ به لأيام. وفكرت في أنه لا شكَّ في أن الأمورَ سوف تبدأ بالتحرُّك الآن. جاءني التشجيع في النادي أيضًا في صورة خطابٍ من ساندي. كان الخطاب يحمِل ختمًا بريديًّا فرنسيًّا لم أتمكن من قراءته، ولم يكن الخطابُ طويلًا، ولكنه شجَّعني كثيرًا.

قال ساندي في الخطاب: «لقد حققتُ تقدمًا، ولكن لا يزال ثمة الكثير الذي يتعين عليَّ أن أفعله ولن يُمكننا التواصُل لبعض الوقت. ولكني سأُرسل لك من وقتٍ لآخر خطاباتٍ عليك أن تحرقها بعد قراءتها مباشرةً. سأوقع الخطاباتِ ببعض الحروف اليونانية — لا، لن تتمكَّن من قراءتها — بأسماء أحدث الخيول الفائزة في سباق الديربي. احفَظ هذا الأمر سرًّا بيننا؛ لا تُخبر أحدًا به ولا حتى ماك. وأرجوك لا تبتعِد عن إم واخدمه كأنك عبدٌ له.»

لم يحوِ الخطاب الكثير، ولكنه كان يبعث على الأمل، على الرغم من أن الوغد لم يكن يُخطط للعودة إلى الوطن قريبًا. تساءلت عما توصَّل إليه؛ فكرتُ في أنه من المؤكد أنه يقف على أرضٍ صلبة، فلم يكن ممَّن يتحدثون عن إحراز تقدُّمٍ باستخفاف.

لم يكن لديَّ شيء لأفعله ذلك المساء وبعد العشاء، ولم أكن أشعر بالتعب لدرجة أن أرغب في الجلوس لأُدخن وأقرأ. لم يكن يُوجَد أحد في النادي قد أرغب في التحدُّث إليه، فذهبتُ إلى حانة أخرى اعتدت الذهاب إليها حيث توجد فرصة للقاء أشخاص من الجيل الأصغر سنًّا والأكثر مرحًا. في واقع الأمر، كان أول من رأيته هناك هو آرتشي رويلانس الذي حياني بصوتٍ عالٍ وقال إنه أتى إلى المدينة منذ بضعة أيام لزيارة الطبيب. كان قد مر بموقف عصيب في أحد سباقات الحواجز في وقت سابق من ذلك العام عندما كاد أن يكسر رقبتَه، ولكنه قال إنه استعاد لياقته كاملةً فيما عدا بعض التيبُّس في عضلات كتفيه. كان قد أُصيب إصابة بالِغة جعلته كسيحًا مثل البط بسبب سقوط طائرته خلال الحرب قبل الهدنة مباشرةً، ولكنه تعافى بسرعةٍ مذهلة. وبسبب طبيعته العنيدة، كان يسير أكثر مما اعتاد في السابق، وكان يؤدي مهمة تتبع الغزلان بحماسة. أظن أنني ذكرت سابقًا أنه كان شريكي في استئجار غابة ماتشراي.

اقترحت عليه أن نذهب إلى حفل موسيقي أو أن نحضر الفصل الثاني من إحدى المسرحيات، ولكن آرتشي اقترح فكرة أخرى. كانت إحدى تقليعاته الجديدة أنه أصبح مبتدئًا في الرقص، رغم أنه لم يكن راقصًا جيدًا قبل حادث التحطُّم الذي تعرض له، ولن يتمكن من الرقص ثانيةً أبدًا. قال إنه يرغب في مشاهدة أحدث الصيحات واقترح أن نذهب لنقضيَ ساعة في نادٍ صغيرٍ (وأضاف: منتقى) في مكان ما في ماريلبون، كان يعتقد أنه أحد أعضائه. قال إن سمعة النادي سيئة للغاية؛ إذ كانت تجري فيه مقامرات بمالِغ كبيرة، الأمر الذي كان مُخالفًا لقوانين الترخيص، لكنه مكان يمكن للمرء فيه مشاهدة أفضل عروض الرقص. لم أُبدِ اعتراضًا، فسِرنا في شارع ريجينت في ذلك الوقت من اليوم الذي يتَّسِم بهدوء لا يُضاهى بعدما عاد أصحاب الأشغال إلى بيوتهم وقبل أن تبدأ المسارح والمطاعم عملَها.

كانت ليلةً رائعة من ليالي شهر أبريل، وذكرتُ أنني أتمنَّى لو كنتُ في مكان أفضل حيث يُمكنني الاستمتاع بالطقس الربيعي. قال آرتشي: «عدتُ لتوِّي من المُستنقعات الاسكتلندية. يا إلهي! كانت طيور الكروان تملأ الدنيا بتغريدها المُبهج. إنها طيور تساوي ثقلها ذهبًا. عُد معي يا ديك يوم الجمعة، سأُعلمك الكثير من الأمور. أنت رجل حكيم، ولكن ربما كان من الأفضل لك أن تكون من محبي الطبيعة.»

فكرت في كمِّ العروض التي تلقيتُها ولا يمكنني قبولها، عندما هبت ريح خفيفة في شارع لانجام بلايس. ثم تمنيتُ لو أخرجتني المهمة من المدينة إلى الهواء الطلق، حيث يُمكنني التريض قليلًا. وكانت نتيجة ذلك أني كنت في مزاج سيِّئ عندما وصلنا إلى وجهتنا التي كانت في أحد الشوارع بالقُرب من ميدان فيتزروي. كان الدخول إلى المكان صعبًا وكأنه الفاتيكان. تطلَّب الأمر مناقشةً طويلة وبقشيشًا أعطاه آرتشي إلى البواب ليُقنعه بأننا من نوعية الحثالة المناسبة للمكان قبل أن يسمح لنا بالدخول. وجدنا نفسينا أخيرًا في غرفة مُزدانة بزخارف صينية زائفة، ومضاءة بإضاءةٍ مبهرة، وكان عشرون زوجًا من الراقِصين يرقصون وحوالي عشرين زوجًا آخرين جالسين إلى طاولات صغيرة يشربون.

دفع كل منا خمس شلنات مقابل المشروبات، وعثرنا على طاولةٍ فارغة وبدأنا نشاهد العرض. بدا لي العرض برمَّته سيِّئًا وكئيبًا. كانت فرقة موسيقية من الزنوج تعزف، وبدا وكأن قرودًا ترتدي بِدَل سهرة، تُصدر نوعًا من أصوات الصليل غير المنغمة، وعرائس تحريك ذات وجوه حزينة ترقص على وقعِها. لم تكن هناك أي بهجةٍ أو إثارة في هذا الرقص، بل نوع من الإتقان المُمل. كان رجال نحيلون، برءوس تُشبه رءوس الأرانب وشعر مُصفف مستقيم نحو الخلف بدايةً من حواجبهم، اعتقدتُ أنهم شركاء رقص محترفون، يضمون إلى صدورهم نساءً من كل شكلٍ وعمر، ولكنهن اشتركن جميعهن في الأعيُن الخالية من الحياة وأقنعة التظاهر التي يضعنها على وجوههن، والحركات المُتقنة البشعة التي تُشبه حركات الآليين التي يؤدِّينها على إيقاع الزنوج. عليَّ أن أُقر بأن العرض كان رائعًا، ولكن لم أكن أُقدِّر بطبيعتي هذا النوع من الفنون.

قلت لآرتشي: «لا يمكنني تحمُّل المزيد من هذا.»

«إنه رقص سيِّئ. ولكن يُوجد راقص أو اثنان من ذوي الأداء العالي. انظر إلى تلك الفتاة التي تُراقص اليهودي الشاب، التي ترتدي الثوب الأخضر.»

نظرت إلى حيث يشير ورأيت فتاة نحيلة، حديثة السن جدًّا، ربما كانت جميلة، ولكن ملامحها اختفت خلف الكثير من مساحيق التجميل وطريقة تصفيف شعرها السخيفة. رغم أني لم أكن خبيرًا في الرقص؛ فقد رأيتُ أنها راقصة بارعة للغاية؛ فقد كانت كل حركة من حركاتها مُتعةً للعين، وكانت ترسم وحدَها لوحةً جميلة وسط هذا العرض القبيح. ولكني ذُهلت عندما رأيت وجهها. كان وجهها غامضًا، إذا كنتَ تفهم ما أقول، خاليًا من أي تعبيرات وكأنها مومياء، تجسيد مُريع للموتى الأحياء. تساءلتُ عن التجربة التي مرَّت بها هذه المسكينة لتجعلها تبدو أشبه بالسائرين نيامًا.

عندما حولتُ بصري بعيدًا عنها، لفتت نظري هيئةٌ أخرى بدت مألوفة. كان أوديل رئيس الخدم، مُتأنقًا للغاية ليقضي الليلة في الخارج؛ فقد كان يرتدي صديرية بيضاء وأزرار قميصه مُرصعة بالماس. كانت كل سمات الرجل تدل على أنه مُلاكم مُحترف بعدما رأيته خارج عمله؛ كنت قد رأيت عشرات مثله يقفون خلف مشارب الحانات الرياضية. لم يرني، ولكني كنت أراه جيدًا، ولاحظت أنه هو أيضًا كان يُراقب الفتاة التي ترتدي الثوب الأخضر.

سألت آرتشي. «هل تعرف مَن تكون؟»

«إحدى الراقصات المُحترفات. يا إلهي، إنها بارعة في الرقص، ولكن المسكينة تبدو وكأنها تعيش حياة عصيبة. أودُّ أن أتحدَّث إليها.»

ولكن الموسيقى توقفت في تلك اللحظة، ورأيتُ أوديل يشير إلى الراقصة. فتوجهت نحوه في طاعةٍ وكأنها كلبتُه الأليفة، فقال شيئًا ما لرجل آخر بصحبته، رجلٍ ذي لحية سوداء، وخرج الثلاثة من الباب الذي يقع على الناحية الأخرى من القاعة. بعد لحظاتٍ لمحتُها وقد وضعت عباءة على كتفَيها وتخرج من نفس الباب الذي دخلنا منه.

ضحك آرتشي. وقال: «ربما كان ذلك الرجل الضخم الجثة زوجها. أراهن أنها تُنفق على كليهما من عملِها راقصةً في مثل هذا المكان، وأنه يضربها كل ليلة. سأتلو صلاتي الأخيرة قبل أن أُفكر في مواجهة هذا الرجل.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤