الفصل الثامن

الراقصة الغامضة

أتذكر أيام الانتظار تلك؛ كانت من أسوأ أيام حياتي. كنت قد أصبحت في ذلك الوقت أمتلك قناعةً تامة بأن مِدينا هو حلُّ هذا اللغز برمته، ولكني لم أكن قد توصلت حتى تلك اللحظة إلى أي شيءٍ يستحق الذكر، وكنتُ مُضطرًا إلى الانتظار مثل المريض الذي ظلَّ ينتظر بجوار بركة حِسْدا حتى يحرك شيء ماءها. كان عزائي الوحيد هو تلك الكراهية الخالصة العتيقة الطراز تجاه الرجل، التي أصبحت تملأ صدري. لم أحاول إقناع نفسي بأني أفهم ما يزيد على قسمٍ صغير من شخصية الرجل، ولكني كرهتُ القسم الذي فهمته. كنت تابعًا له كعبد، وكانت كل قطرةٍ من دمائي الحرة تفور في عروقي؛ ولكني قررتُ أيضًا أن أتظاهر بأني عبد ذليل يُقَبِّل الأرض تحت قدمَي طاغية. يومًا ما سأثأر لنفسي، ووعدتُ نفسي بأن أنتقِم منه على كل شيءٍ فعله معي. وفي الوقت نفسه، حمدت الرب على أن غروره يُعميه، ما سيحجُب عنه نقاط الضعف في تظاهري بالخضوع له.

لم نكن نفترق أغلب أيام الأسبوع. فقد تناولنا الغداء معًا يومَين من إجمالي ثلاثة أيام، وذهبنا بالسيارة إلى برايتون أكثر من مرة طلبًا للهواء الطلق. كما دعاني إلى حفل عشاء أعده في مجلس العموم على شرف أحد رجال الدولة الكنديين الذي جاء إلى بريطانيا في زيارة، واصطحبني إلى حفل راقص راقٍ للغاية في منزل الليدي أميسفورت، كما أوصى بدعوتي إلى حفلٍ في عطلة نهاية الأسبوع أُقيم في ويرلسدن لأنه كان سيحضره. نفذتُ جدوله بالكامل تأديةً للواجب، ولكن ليس دون استمتاع بوقتي. في واقع الأمر، كانت معاملته لي رائعة في حضور أشخاصٍ آخرين؛ كان يُعاملني بودٍّ شديد، وكان يسألني دائمًا عن رأيي، ويُعاملني باحترامٍ ويسمح لي بالكلام، لدرجة أن بعضًا من الأشخاص الذين التقيتُهم وكانت ثمة معرفة سابقة بيننا تساءلوا عن التغيير الذي طرأ عليَّ. وصل لماري خطاب من أحد أبناء عمومتها يُخبرها فيه بأني أصبحتُ رجل مجتمع وأني أُبلي بلاءً حسنًا في هذا المجال؛ وأرسلت ماري الخطاب لي مُذيَّلًا بملاحظة تهنئة كتَبَتها بقلم رصاص. خلال تلك المناسبات، لم أكن أواجه أي صعوباتٍ في أداء مهمتي؛ فقد وقعتُ دون أن أشعر أسيرًا لسحر الرجل وكان من السهل عليَّ أن أؤدي الدور الذي يريد. ولكن أسلوبه معي كان يتغير عندما نصبح بمفردنا. فيتسلل الجفاف إلى نبرة صوته، وعلى الرغم من أنه كان لطيفًا بالقدر الكافي، فإنه لم يكن يكلف نفسه عناء تفسير الكثير من الأمور، وأصبح أسلوبه السلطوي مُعتادًا أكثر فأكثر. كنتُ معتادًا أن أعود إلى مكان إقامتي بعد هذه المناسبات وأنا أجزُّ على أسناني حنقًا. لم أعمل أبدًا في وظيفة أسوأ من الخضوع الطوعي لهذه السيطرة الوقحة.

حاولت مرارًا وتكرارًا، عندما كنتُ أنفرد بنفسي في غرفة نومي في النادي، أن أُجَمِّع الحفنة الصغيرة من الحقائق المؤكدة، ولكنها كانت تبدو دائمًا بقايا كثيرة من أحاجي مختلفة ولم تكن أي منها متوافقة مع أي من الأخريات. أخبرني ماكجيليفراي أنه لم يتوصل إلى شيء بشأن أوديل حتى تلك اللحظة، وأن المراقبين لميدان بالميرا لاحظوا أن المنزل المرصود لا يتلقى زيارات كثيرة فيما عدا التجار وعازفي الأرغن المُتجولين. ولم يرَ أي منهم سيدًا محترمًا يدخل المنزل أو يخرج منه، وعليه، يبدو أن تقديري لازدهار عمل مدام بِريدا كان خاطئًا. كانت ثمة امرأة دائمة الخروج من المنزل والعودة إليه، ولكنها لم تكن تخرج أبدًا سيرًا على قدمَيها، فكانت إما تركب سيارة أجرة أو سيارة خاصة، وعلى الأرجح أنها كانت المرأة نفسها في كل مرة، ولكنها كانت ترتدي دائمًا قلنسوةً وتُخفي ملامحها لتجعل التحديد المؤكد لهويتها أمرًا صعبًا. كانت ثمة الكثير من الملاحظات قليلة الأهمية؛ منها أن كميات كبيرة من الفحم أو حطب المدفأة تُوَصَّل إلى المنزل، وأن المرأة التي تُخفي ملامحها مرتَين فقط خرجت من المنزل مساءً ثم عادت بعد ساعتَين، ولكنها غالبًا كانت تخرج من المنزل نهارًا، وأن المُقيمين في المنزل يستيقِظون في وقت متأخر من النهار وينامون في وقتٍ مبكر من الليل، وأن صوتًا يشبه البكاء سُمع صادرًا من المنزل مرةً أو مرتَين ولكنه ربما كان صوت قِط. كان التقرير بوجهٍ عامٍّ هزيلًا، ورأيتُ أني إما اتبعت مسارًا خاطئًا، وإما أن عملاء ماكجيليفراي عديمو النفع.

ماذا كان لدي غير ذلك؟ شك واضح ومبرَّر في مِدينا. ولكن ما سبب شكي فيه؟ لم يكن سبب ذلك يرجع إلى طريقة تعامُله معي التي أكرهها فحسب، بل أيضًا لأنه كان يعمل في نوع قبيح من التنويم المغناطيسي، وأني كلما ازددتُ اقترابًا منه، قَلَّ إعجابي به. أدركتُ أن السمعة التي يتمتع بها في المجتمع زائفة، ولكنه لم يقترف جرمًا يُمكنني اتهامه به سوى الغرور. كان يعمل لدَيه رئيس خدم كان ملاكمًا محترفًا في الماضي، كما أنه كان من رواد الملاهي الليلية. أتذكر أني كتبتُ كل ذلك، وجلستُ أحدق فيما كتبتُ ذاهلًا، شاعرًا بمدى تفاهة الأمر برمته. بعدها دوَّنتُ القصيدة ذات الأبيات الستة، وحدقت فيها أيضًا، وفكرتُ في الفتاة، والشاب، والصبي الصغير الذي يهوى الطيور وصيد الأسماك. لم أكن أملك أي دليل يربط بين مِدينا وحالات الاختطاف، فيما عدا اعتقاد توم جرينسليد أنه سمع منه المعطيات الثلاثة التي ظهرت في القصيدة بشكلٍ ما، ولكن من المُحتمَل أن يكون توم مخطئًا، أو أن مِدينا عرف هذه المُعطيات بطريقة لا غُبار عليها. لم أكن أملك دليلًا يكفي لاتهامه بأي شيء. ولكن، كلما زاد تفكيري في أمر مِدينا، زادت شخصيته غموضًا وخبثًا في ذهني. كانت لديَّ قناعة، راهنتُ عليها بحياتي، بأني إذا ما ظللتُ مُلازمًا له؛ فقد أتوصل إلى بعض الحقائق الضرورية الدامغة؛ لذا، من دون أملٍ كبير أو قوي، بل بثقة تامة، قررتُ للمرة المائة أن أدع المنطق يتدخَّل ويدعم تخيلاتي.

من باب الواجب، زرت الطبيب نيوهوفر مرة أخرى. استقبلني دون تكلف، وبدا أنه نسي حالتي حتى بحث عنها في مفكرته.

وقال: «نعم، لقد زرت مدام بِريدا. وصلني تقريرها. لقد عالجَت صداعك، ولكنك لا تزال مُتوعكًا قليلًا، أليس كذلك؟ نعم، إذا سمحت. اخلع معطفك وصديريتك.»

فحصني بدقةٍ بالغةٍ، ثم جلس على مقعد مكتبه وبدأ يضرب ركبته بنظارته.

ثم قال: «لقد أصبحت حالتك أفضل، أفضل كثيرًا، ولكنك لم تُشف بعد. سيتطلب الأمر وقتًا ورعاية، ويرجع برمته، بالطبع، إليك. هل تعيش حياة هادئة؟ نصف حياتك تقضيه في المدينة والنصف الآخر في الريف؛ ربما ليست الحياة الأمثل لتحسُّن حالتك. حسنًا، لا أظن أن حالتك ستتحسن إن ظللتَ تعيش هكذا.»

«لقد قلتَ شيئًا عن صيد الأسماك في النرويج عندما زرتك المرة الأخيرة.»

«لا، طبقًا لحالتك العامة، لا أنصحك بذلك. إن حالتك مختلفة قليلًا عما افترضتُ في البداية.»

قلت. «هل تهوى صيد الأسماك؟»

قال إنه بالفعل يهوى صيد الأسماك، وتحدث لبضع دقائق مثلما يتحدث البشر. كان يستخدم دومًا صنارة كاسل كونيل المكونة من قطعتَين، ولكن كان وضعها ضمن أمتعة السفر كابوسًا. أما الطعوم، فشدَّد على ذكر هارلوز؛ لا شك في أنهم أفضل من يبيع الطعوم النرويجية. وارتأى أن ثمة اختلافات بين أنهار النرويج أكثر مما يظن أغلب الناس، وأن هارلوز يدركون ذلك.

واختتم حديثه بإعطائي بعض التعليمات البسيطة التي تتعلق بنظامي الغذائي والتريض.

سألته. «إذا ما عاد الصداع ليغزو رأسي، هل أذهب لزيارة مدام بِريدا مجددًا؟»

هز رأسه نفيًا. وقال: «الصداع لن يعود.»

دفعت له أتعابه، وبينما كنت أهم بالانصراف، سألته عما إذا كان سيحتاج إلى رؤيتي مجددًا.

فقال: «لن يكون هذا ضروريًّا. حتى فصل الخريف على الأقل. ربما أقضي قسمًا كبيرًا من هذا الصيف خارج لندن. وإذا شعرتَ بالمرض مجددًا، الأمر الذي لا أتوقع أن يحدُث، فلا بد بالطبع أن تأتي لزيارتي. وإذا ما كنتُ خارج المدينة، فيمكنك زيارة زميلي.» ودَوَّنَ اسمًا وعنوانًا على ورقة.

خرجت من المنزل متحيرًا للغاية. بدا الطبيب نيوهوفر خلال زيارتي الأولى مهتمًّا بصحتي للغاية، ولكنه كان يبدو الآن وكأنه يُريد التخلُّص منِّي. كان أسلوبه يُشبه تمامًا أسلوب تعامل طبيبٍ منشغل مع مريض متوهِّم. الغريب في الأمر هو أني بدأت أشعر بالمرض بالفعل، وربما كان هذا عقابي على تمارُضي سابقًا. ربما كانت تلك ردة فعل جسدي على قلقي الذهني، ولكني كنت أشعر بشعور غريب غير مُحدد أعتقد أنه يسبق إصابتي بالأنفلونزا. ولكني كنتُ حتى هذه اللحظة منيعًا ضد الأنفلونزا.

تلقيتُ تلك الليلة خطابًا آخَر من ساندي كان عبارة عن نصف ورقة مكتوب عليها بالآلة الكاتبة ويحمِل ختم بريد باريس.

كانت فحوى الخطاب كالآتي: «حافظ على قُربك من إم. افعل كل ما يريده منك. وضِّح له أنك قد قطعتَ علاقتك بي دون رجعة. هذا أمر على جانبٍ كبير من الأهمية.»

ذُيِّل الخطاب بتوقيع «بوكان»، وهو اسم حصان كان ساندي يعتقِد أنه أحد خيول السباق الفائزة. كانت معرفته بسباقات الخيول مثل معرفتي باللغة الصينية.

استيقظتُ صباح اليوم التالي بطعم سيِّئ في فمي وشعور بأني ربما أُصاب بالملاريا. لم أُصَب بالملاريا منذ خريف عام ١٩١٧، وأزعجتني فكرة أني قد أُصاب بها مجددًا. ولكني أصبحتُ في حالٍ أفضل عند الضُّحى، وبحلول الظهر، أدركتُ أني لن أمرض. ولكني كنتُ متوترًا مثل قِط وسط عاصفةٍ رعدية. انتابني ذلك الشعور الغريب بالترقُّب الذي اعتدت أن يُراودني قبل المعارك، وشعور خفي بالاضطراب ليس مُبهجًا بأي حالٍ من الأحوال؛ لم يكن قَلَقًا بالمعنى المُتعارَف عليه، بل شيء شديد الشبَه به. جعلتني هذه الأحاسيس أرغب في رؤية مِدينا، كما لو أن ثمة موضوعًا عالقًا بيننا يجب إنهاؤه.

ظل ذلك الشعور المشابه للشعور الذي ينتاب المرء أثناء جلوسه في غرفة استقبال طبيب الأسنان يُراودني طوال فترة ما بعد الظهر، وكدتُ أن أرتاح عندما وصلتني رسالة هاتفية في حوالي الخامسة من شارع هيل تطلُب مني التوجُّه إلى هناك في تمام السادسة. توجهتُ إلى نادي السباحة، حيث سبحت قليلًا وغسلت شعري بالشامبو، ثم توجهتُ إلى منزل مِدينا. في الطريق شعرت برجفةٍ في ساقَيَّ وبرودة في فُم معدتي، الأمر الذي أعاد لي ذكرى آلام الأسنان التي كنتُ أعاني منها خلال طفولتي. نعم، إنها هذه الآلام. كان شعوري مُماثلًا لشعور صبي صغير يترقَّب مغمومًا أن تُخلَع سِنُّه، ولم يتمكن كلُّ ما لدَي من توبيخٍ من إنهاء ذُعري. عندما وصلتُ إلى المنزل، بدا لي أكبر حجمًا وأكثر عزلةً مما رأيته من قبل، أظلمت تلك الليلة من شهر أبريل سريعًا وهبَّت رياح باردة متربة تحت سماء ملبدة بالغيوم.

كان أوديل هو من فتح لي الباب، وأدخلني إلى ردهة المنزل الخلفية حيث رأيتُ مصعدًا لم أكن أعرف أنه موجود. صعدنا بالمصعد إلى الطابق العلوي من المنزل، وأدركتُ أني على وشك الدخول مجددًا إلى المكتبة التي قضيت فيها سابقًا ساعات منتصف الليل الغريبة.

كانت الستائر مُسدلةً حاجبةً ضوء الغسق الربيعي الكئيب، وكانت الغرفة تُدَفَّأ بنار مدفأة كبيرة يحترق فيها الحطب، وكانت أيضًا الإضاءة الوحيدة في الغرفة. شممتُ رائحةً أخرى وسط رائحة الخشب المُحترق، فكانت ثمة بقايا نباتية تحترق في الفراغات بين خشب السنديان. لم تستحضر الرائحة الذكريات الكثيرة التي شممتُ فيها عبق البقايا النباتية في أماكن مُبهجة، بل ذكرى رائحة تلك الغرفة في ميدان بالميرا عندما رقدت معصوب العينَين وشعرت بأنامل خفيفة تلمس وجهي. انتابني فجأة شعور بأني قد أحرزتُ تقدمًا كبيرًا، وأن أمرًا مقدرًا على وشك الحدوث، وسقطَتْ عصبيتي من على كتفيَّ كالعباءة.

كان مِدينا واقفًا أمام المدفأة، لكنه لم يكن من استرعى انتباهي. كان ثمة شخص آخر في الغرفة، امرأة. كانت تجلس على المقعد عالي الظهر الذي كان مِدينا يجلس عليه الليلة السابقة، وكانت تجلس عليه وكأنها تجلس على عَرْش. أضاء ضوء نار المدفأة وجهها، ورأيتُ أنها قد بلغت من العمر أرذله، وأكسبتها الشيخوخة تلك البشرة الشمعية الشاحبة، إلا أن وهج النار صبغ بشرتها الشمعية بلون وردي. كان ثوبها مفرودًا وأسود وكأنه معطف طويل، وكانت تضع شرائط سميكة حول معصمَيها وعُنقها. كان شعرها رائعًا وكثيفًا، ومكومًا فوق رأسها، وكان ناصع البياض ناعمًا كالحرير. كانت تسند يدَيها على مسندي المقعد، وكانت يداها أكثر يدَين رقيقتَين وجميلتَين رأيتهما في حياتي رغم أنهما كانتا تُوحيان بامتلاكهما لقوة شديدة، كما لو كانتا مخالب طائر جارح.

ولكن وجهها هو ما أذهلني. كنتُ دومًا معجبًا بجمال كِبَر السن، خاصةً في النساء، ولكن جمال هذا الوجه كان جمالًا لم أحلُم بمثله من قبل. كان وجهها طويلًا، وملامحها كبيرة، ولكنها كانت متناسقة بشكلٍ رائع. عادةً ما يُوجَد في الوجوه المُسنة تغضُّن في عضلاتها أو اضمحلال لقسماتها، ما يجعلها تنحرف قليلًا عن المعنى المتعارَف عليه للجمال نحو جاذبيةٍ من نوعٍ مختلف. ولكن هذا الوجه كان خاليًا من التغضن والاضمحلال؛ فقد كان الفم حازمًا، ومنحنى الذقن دائريًّا، وقوس العينَين شامخًا مثل شابة فخورة.

ثم رأيتُ أن العينين اللتين ترمقان النار كانتا أكثر عينين مميزتين رأيتهما في حياتي. فحتى في هذا الضوء الخافت تمكنتُ من رؤية أنهما كانتا شديدتَي الزرقة. ولم تكن ثمة أي غشاوة أو ضعف بصر قد يفسد روعتهما. ولكني رأيت أيضًا أنهما ضريرتان. لا أعلم كيف عرفتُ ذلك، فلم تكن ثمة أي دلالة مادية عليه، إلا أن قناعتي بذلك كانت فورية وتامة. لم تكن هاتان العينان الرائعتان الشبيهتان بنجمتين تريان النور. أعين أغلب المكفوفين تُشبه كراتٍ زجاجية، نوافذ ميتة لمنزلٍ خالٍ، ولكنهما — كيف قد أصف هاتَين العينَين؟ — كانتا ستارتَين معتمتَين مسدلتَين في غرفة مليئة بالنور والحياة، كانتا أشبهَ بستائر مسرح تدور خلفها دائمًا أحداث درامية عظيمة. على الرغم من أن هاتَين العينَين كانتا كفيفتَين، بدا أنهما تشعَّان حيوية مُتوهجة، وأنهما تلمعان وتبرقان مثل الروح التي تقبع خلفهما.

أدركتُ أنه أروع وجه امرأة رأيتُه في حياتي. وأدركتُ في الوقت نفسه أني كرهتُه؛ فقد كان جمالُه شيطانيًّا، وكانت الروح في داخلِه تمور بكل الحقد النابع من الجحيم.

سمعت صوت مِدينا يقول: «هاناي، أحضرتُك إلى هنا لأني أردتُ أن أُعَرِّفك على أمي.»

تصرفتُ كما لو كنتُ مُمثلًا مسرحيًّا. فتقدمتُ نحو مقعدها، وأمسكتُ بإحدى يدَيها، وقبلتُها. بدا لي أن هذا هو التصرُّف المناسب. التفت الوجه نحوي، وشقَّت جمودَه ابتسامة، ابتسامةٌ تُشبه الابتسامات التي قد تراها على وجوه تماثيل الآلهة الإغريقية الرخامية.

خاطبَت المرأةُ مِدينا بلغةٍ لم أعرفها، وردَّ عليها. بدا أن أسئلةً وأجوبةً كثيرة تدور بينهما، ولكني لم أُكلف نفسي عناء محاولة البحث عن كلمة أعرفها. كنتُ منشغلًا بالصوت. لاحظتُ فيه تلك النبرة الناعمة التي ظلت تتردَّد في أُذنَي بينما كنتُ راقدًا في تلك الغرفة في ميدان بالميرا. واكتشفت مَن كان الشخص الثالث في ذلك المشهد.

ثم خاطبتني المرأة باللغة الإنجليزية، بلكنة لا تخلو من ذلك الإيقاع الغريب الذي حاولت تعقُّب مصدره بلا طائل.

«أنت صديق دومينيك، وأنا سعيدة بلقائك يا سير ريتشارد هاناي. لقد أخبرني ابني عنك. هلَّا جذبتَ مقعدًا وجلست بالقرب مني؟»

جذبتُ مقعدًا وثيرًا منخفضًا وطويلًا، وكان طويلًا ومنخفضًا للغاية لدرجة أن الجالس عليه سيُضطر إلى الاستلقاء. كان رأسي في نفس مستوى يدِها التي تضعها على مسند مقعدها. شعرتُ فجأة بتلك اليد تُوضَع على رأسي، وعرفتُ الآن لمستَها بعدما عرفتُ صوتها.

قالت: «أنا كفيفة يا سير ريتشارد، ومن ثَم لا يُمكنني رؤية أصدقاء ابني. ولكني أتوق إلى معرفة أشكالهم، ولديَّ أكثر من حاسَّة يمكنها أن تجعلني أعرف ذلك. هل تسمح لي بأن أُمرر يدي على وجهك؟»

قلت: «يمكنك فعل ما يحلو لك يا سيدتي. أتمنَّى لو كنتُ قادرًا على رد بصرك إليك.»

فقالت: «كلامك جميل. ربما تُصبح من المُقربين إليَّ.» وشعرت بالأنامل الرقيقة تعبث بجبهتي فوق حاجبَي.

كنتُ في وضعيةٍ تجعل نظري مُنْصَبًّا على الجزء المركزي المتوهِّج من النار، مصدر الضوء الوحيد في الغرفة، المُسدلة الستائر. كنت أعرف ما بصدد أن يحدث، فحولت بصري، متذكرًا التجربة السابقة، نحو الملفات الغارقة في الظلام الموضوعة على الأرفف السُّفلية خلف المدفأة. بدا الأمر وكأن الأنامل ترسم وشمًا برفقٍ على صدغَي، ثم بدأت ترسُم خطوطًا طويلة بنعومة عبر حاجبَي. شعرت بخمول مُبهج بدأ يزحف على عنقي وعمودي الفقري، ولكني كنتُ مستعدًّا جيدًا، وقاومت هذا الشعور بسهولة. لا شك في أن ذهني كان منشغلًا؛ فقد كنتُ أخطط لأفضل طريقة لممارسة لعبتي. أرجعت رأسي أكثر فأكثر وأرحتُها على ظهر مقعدي المبطن، وتركت جفنَي ينسدلان.

كانت الأنامل الناعمة دقيقة للغاية، فتركت نفسي أسقط إلى الخلف بعيدًا عن متناولها قبل أن تتوقف عما تفعله.

قال الصوت: «أنت نائم. استيقظ الآن.»

لم أدرِ كيف سأتظاهر بالاستيقاظ، ولكنها جنَّبتني عناء التفكير في ذلك. فهسَّ صوتها مثل الأفعى فجأة. وقالت: «قف! أسرِع؛ هيا، لا تتلكأ.»

هببتُ واقفًا على قدمَي بحيوية بالِغة، ووقفت أُحدق في النار متسائلًا عما يجدُر بي فعله بعد ذلك.

قال الصوت مُجددًا بلهجةٍ آمرة كما لو كان صوت رقيبٍ في الجيش: «انظر إلى سيدك.»

أعطاني هذا الأمر دليلًا على ما يجدُر بي فعله. كنتُ أعرف أين يقف مِدينا، فرمقته عيناي مثل الخادمة التي ترمق سيِّدَها، كما ورد في الكتاب المقدس. وقفتُ أمامه ذاهلًا ومشدوهًا ومُطيعًا.

فصاح: «انزل. انزل على أطرافك الأربعة.»

فعلت كما أُمرت مُمتنًّا لأنه تبيَّن أن مُهمتي كانت سهلة للغاية.

«اتَّجِهْ ناحية الباب؛ لا، على أطرافك الأربعة، افتحه مرتَين، وأغلِقه مرتَين، وأحضر لي فتاحة الخطابات من على الطاولة البعيدة تحملها بفمك.»

أطعتُ الأوامر، ولا شك في أن شكلي كان غريبًا بينما أتبختر على أطرافي الأربعة عبر الغرفة، كنتُ رجلًا عاقلًا يتصرَّف وكأن به مسًّا من الجنون.

أحضرتُ فتاحة الخطابات، وبقيتُ على أطرافي الأربعة مثل الكلب. قال: «انهض»، فنهضتُ.

سمعتُ المرأة تقول بصوتٍ ملؤه النصر: «لقد انكسر تمامًا»، وضحك مِدينا.

وقال: «بقي الاختبار الأخير. وسأضعه فيه الآن. إذا فشل فيه، فذلك يعني أنه لا يزال بحاجةٍ إلى المزيد من الترويض. لن يُمكنه التذكُّر، فعقله الآن ملك لي. لا تُوجَد أي مخاطرة.»

سار نحوي، وصفعني على وجهي بقوة.

تقبلتُ الصفعة في خنوع تام. لم أكن أشعر بالغضب حتى. في الواقع كنت سأُعطيه خدي الآخر كما ينصُّ الكتاب المقدس، ولكني فكرتُ في أن هذه قد تكون مبالغةً في التظاهر.

ثم بصق في وجهي.

أُقِرُّ أن هذا الفعل أزعجني كثيرًا. كان هذا الفعل أشبَهَ بأفعال الزنوج الأفارقة القذِرين، وواجهتُ صعوبة في تقبُّله في خنوع. ولكني نجحتُ في تمالك نفسي. ثَبَّتُّ عينَي على الأرض، ولم أُخرج حتى منديلي لأمسح به خدي إلا بعدما أشاح بوجهه عني.

وسمعته يقول: «لقد انكسر تمامًا. الغريب في الأمر أن هؤلاء الإنجليز الجبارين يخضعون بسهولةٍ أمام أي شخصيةٍ أقوى من شخصياتهم. لقد جعلته سلاحًا مفيدًا طوع يدي، يا أُمي.»

لم أسترع المزيد من انتباههما بعد ذلك وكأني قطعة أثاث، وكنتُ كذلك بالفعل بالنسبة لهم. كنت نائمًا، أو بالأحرى مُستيقظًا في عالَم خيالي، ولم أتمكن من العودة إلى حياتي العادية حتى أمراني بذلك. كانا يحسبان أنه لا يُمكنني أن أتذكر شيئًا سوى ما يُريدان منِّي تذكُّره. كان مِدينا جالسًا في مقعدي، ووضعَتِ المرأة يدَها على رأسه، وكانا يتحدَّثان كما لو كانا وحدَهما في الصحراء. ظللتُ طوال تلك الفترة واقفًا في مكاني على السجادة مرتبكًا، لا أجرؤ على الحركة، وأتنفَّس بالكاد، خشية أن أكشف تظاهري برمته.

كانا يبدوان كلوحة فنية جميلة؛ «عودة الابن الضال» أو «كبار السن في المنزل» لسمبكينز، الأكاديمية الملكية، ١٨٨٧. لا، بحق السماء، لم يكن ثمة ما يدل على ذلك. كان مشهدهما الذي أراه أمامي مذهلًا وحزينًا. كان الضوء المتراقص الصادر عن النار يسقط على هيئتَين تتَّسِمان بالجمال والوقار العتيقَين. كانت الهيئة العامة للمرأة، وضعية جسدها المذهلة، وصوتها الناعم بموسيقاه الغريبة، عالمًا خاصًّا لم يعرف السوقية قط، وكذلك كان الرجل الرشيق المُفعم بالحيوية وقسمات وجهه الفخورة. كانا أشبه بملكٍ وملكة في المنفى يُصدران مرسومًا بإراقة بحر الدم الذي سيُعيدهما إلى عرشهما. لاحظتُ للمرة الأولى أنه على الرغم من أنه ربما كان مِدينا شريرًا، فإنه أيضًا عظيم. نعم، الرجل الذي بصق عليَّ وكأني عامل في الإسطبل كان يمتلك أيضًا سمات أمراء. وأدركتُ أمرًا آخر. سوَّت لمسة المرأة الشعر فوق جبهته، والذي كان يُصففه في تصفيفة مربعة، ورأيت في الضوء الصادر عن النار هيئة رأسه في مقابل الستارة البيضاء خلفه، وكان مُستديرًا ككرة قدم. كنت قد شككتُ في ذلك عندما التقيتُه أول مرة، والآن تيقنتُ منه. بمَ يُنبئ رأس بهذا الشكل؟ راودتني ذكرى غامضة بأني سمعتُ من قبل أنه يعني الجنون؛ الانحطاط على أقل تقدير.

كانا يتحدَّثان بسرعة وبلا توقف، ولكن ما أثار غضبي هو أني لم أتمكن من سماع إلا القليل من حديثهما. كانا يتحدَّثان بصوت خفيض، وكنتُ أبعد عنهما مسافة ثلاث ياردات، ولم أجرؤ على التحرك ولو لبوصةٍ واحدة مقتربًا منهما. كما أنهما كانا يتحدَّثان بلغةٍ لا أعرف منها كلمةً واحدة، ربما كانت لغة الشوكتاو، وربما كانت الأيرلندية. لو كنت أعرف تلك اللغة، كنت سأعرف حينئذٍ كل ما كنتُ أريد معرفته. ولكن، كان مِدينا يتحدث بالإنجليزية في بعض الأحيان، ولكن بدا لي أن المرأة كانت تحاول باستمرار أن تُعيده إلى التحدُّث باللغة الأخرى. كان كل ما سمعتُه جملًا غير كاملة أغاظتني بشدة.

كان ذهني مُنتعشًا ولا يهدأ. هذه المرأة هي الغازلة الكفيفة المذكورة في القصيدة. لا شك في ذلك. يُمكنني تخيُّلها تغزل بجوار نار تستعر في الفحم النباتي، تؤجج نار الكراهية والجنون القديمة، وتدندن أشعارًا مَنسية. «بجوار الشجرة المقدسة.» إنها ليست إجدراسيل! نعم، إنها جوسبل أوك. يا إلهي، يا لي من أحمق لأني لم أُخمِّن ذلك سابقًا! جعلتني سعادتي بحلِّ أحد الألغاز الثلاثة بشكلٍ صحيح تمامًا أرغب في الصراخ. هذان المُحتالان يملكان حلَّ الأحجية بأكملها، كل ما عليَّ فعله هو مواصلة أداء الشخصية التي أتقمَّصها حاليًّا حتى أتمكن من حلِّها. كانا يحسبان أنهما يتعامَلان مع أحمق تمكنا من تنويمه مغناطيسيًّا، ولكنهما كانا يتعاملان في الحقيقة مع رجل متَّقِد الذهن بصورة غير طبيعية لا تتناسب مع رجل إنجليزي مُسن بطيء الحركة. كنتُ أتمنى لو عرفت ما يتحدثان بشأنه. لا شك في أنهما كانا ينشران أنباءً مغلوطةً عن بلدي، أو يُخططان لتدمير حضارتنا من أجل حلمٍ جنوني.

قال مِدينا في نفاد صبر شيئًا عن «الخطر»، كما لو أن غرضه هو الطمأنة. ثم لم أتمكَّن من فهم شيءٍ مما يُقال طوال بضع دقائق، حتى ضحك وكرر كلمة «الثاني.» كنتُ أبحث عن ثلاثة أشخاص، وإذا كان ثمة «ثانٍ»، فلا بد من وجود «أول» وربما «ثالث.»

قال مدينا: «إنه أسهل من يمكن التعامل معه. ومن الضروري أن يعود جيسون. لقد قررت أن يخرج الطبيب من الصورة. ليس لوقت طويل؛ حتى منتصف الصيف فقط.»

شدَّ التاريخ انتباهي بشدة. وكذلك فعلت الكلمات التالية؛ فقد استطرد قائلًا:

«بحلول منتصف الصيف سيُسَيِّلون أموالهم ويُصَفُّون أعمالهم. فلا خوف من عدم نجاح خطتنا. لعلكِ تذكرين أننا نملك الأفضلية. ثقي بي، سيسير كل شيءٍ وفقًا للخطة، ثم سنبدأ حياةً جديدة …»

ظننتُ أنها تنهَّدت، وتحدثت بالإنجليزية للمرة الأولى قائلة:

«أخشى في بعض الأحيان أن تكون قد نسيت وطنك يا دومينيك.»

لف ذراعه حول رأسها وجذبها نحو رأسه.

وقال: «محال يا أمي. تكمُن قوتنا في أننا نبدو وكأننا نسينا، ولكننا في الحقيقة لا ننسى.»

بدأتُ أشعر أن وقوفي على سجادة المدفأة هكذا مُرهق للغاية. كنتُ مضطرًا لأن أظل ثابتًا تمامًا، فربما سينظر مِدينا نحوي من وقتٍ لآخر، وكنت أعلم أن المرأة قوية السمع كالكلاب. ولكن بدأت ركبتاي ترتجِفان من التعب وبدأ رأسي يدور، وخشيتُ أن أسقط فجأة مغشيًّا عليَّ مثلما يحدث مع الجنود الذين يقفون حرسًا حول التوابيت الملكية. بذلتُ قصارى جهدي لكي أتغلَّب على التعب المتزايد، وأملتُ أن أتناساه عبر توجيه تركيزي بالكامل للجُمَل الناقصة التي أسمعها من وقتٍ لآخر.

كان مِدينا يقول: «لديَّ أخبار من أجلكِ. خاراما في أوروبا، ويقترح أن يأتي إلى إنجلترا.»

«هل ستقابله؟» ظننتُ أنني سمعتُ نبرة قلقٍ في صوتها.

«بالتأكيد. أُفَضِّل رؤيته على رؤية أي إنسانٍ آخر على وجه الأرض.»

«كن حذرًا يا دومينيك. أُفَضِّلُ أن تقتصر على معارفك القديمة. أخشى تلك المعارف الجديدة القادمة من الشرق.»

ضحك. وقال: «إنها لا تقلُّ قِدَمًا عن معارفنا، وربما أقدم. وجميع المعارف واحدة. لقد تذوقت تعاليمه بالفعل، ولا بد أن أتشرَّبها بالكامل.»

كان هذا آخِر شيءٍ سمعته، ففي هذه اللحظة، خرجتُ من المشهد بطريقةٍ لم أكن لأفعل أفضل منها ولو ظللتُ أفكر فيها مليًّا. فقد خارت ساقاي فجأة من تحتي، ودارت الغرفة من حولي، وسقطتُ على الأرض مغشيًّا عليَّ. ولا بد أني سقطت بقوة؛ فقد كسرتُ ساقَ إحدى الطاولات الصغيرة.

عندما استعدت وعيي، بعد دقيقةٍ أو اثنتَين على ما أظن، كان أوديل يبلل وجهي بالماء، وكان مِدينا يقف قريبًا منَّا مُمسكًا بزجاجة براندي وعلى وجهه أمارات جدِّيةٍ وقلق.

قال بطريقة صديق قلِق: «صديقي العزيز، لقد أرعبتني. هل أنت مريض؟»

«لم أكن أشعر أني بحالٍ جيدة طوال اليوم، وأظن أن جوَّ الغرفة الحار أفقدني الوعي. أنا آسف للغاية على حماقتي. يؤسِفني أنني حطمت أثاثك. أرجو ألا أكون قد أرعبت السيدة.»

«أي سيدة؟»

«والدتك.»

نظر لي بوجهٍ خالٍ تمامًا من التعابير، وأدركتُ أني ارتكبت خطأً.

«معذرةً؛ ما زلتُ أشعر بالدوار. ربما كنتُ أحلم.»

أعطاني كأسًا من البراندي ووضعني في سيارة أجرة. قبل مسافةٍ طويلة من النادي، كنتُ قد استعدت عافيتي، ولكن ذهني كان مزدحمًا بشدة بالأفكار. لم أكن قد وضعتُ يدي مصادفةً على خيطٍ واحد، بل على الكثير من الخيوط، وعلى الرغم من أنها كانت مُعقدة للغاية، كنتُ آمل أن أتمكن ببعض الحظ من تتبعها. أكلتُ أقل القليل على العشاء تلك الليلة، وكان ذهني مشوشًا للغاية ولم أتمكن من التفكير في أي شيء. فركبتُ سيارة أجرة إلى جوسبل أوك، وطلبت من السائق أن ينتظرني، ثم توجهتُ بعد ذلك إلى ميدان بالميرا. بدا المكان وكأنه كان مُهملًا ومُتعفنًا منذ قرونٍ كما بدا في هذه الليلة المعتمة العاصفة، وكان المنزل رقم ٤ يبدو وكأنه مقبرة مغلقة. فتحتُ البوابة بعدما تأكدتُ من أن لا أحد يراني، وتسللتُ نحو الباب الخلفي حيث يدخل التجار. كانت ثمة بعض مبانٍ إضافية مهدمة، وحديقة خلفية نما عشبها طويلًا وظهرت من وسطه مناشر غسيل قبيحة، بدا المكان أشبهَ بجبانة مُهملة. في هذا المنزل كان يوجد القَدَرُ الرهيب الأعمى الذي يغزل. وبينما كنت أتسمع ما يُوجَد داخل المنزل، سمعت من مكانٍ ما في الداخل صوت بكاء بطيء يُمزق نياط القلب. وتساءلتُ عما إذا كان هذا الصوت هو صوت الفتاة الصغيرة الغريبة الشكل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤