الفصل التاسع

حينما تعرفت على ساحر قوي

أول ما فعلته صباح اليوم التالي هو زيارة هارلوز، بائعي معدات الصيد. كانوا يعرفونني جيدًا؛ فقد اعتدتُ على شراء صناراتي منهم، وكان أحد المساعِدين قد زارنا في فوسي لتعليم ماري كيفية استخدام صنارة الخيزران الخفيفة. ودخلتُ معه في حديثٍ طويل عن الأنهار النرويجية وخواصها، وسرعان ما أعطاني رأيه عن أفضل الطعوم. سألته عن النهر الذي يجدُر بي زيارته أولًا، وأخبرَني أنه خلال المواسم العادية يجدُر بي البدء بنهر نيردال وجزيرة سكارسو. ثم سألته عما إذا كان يعرف صديقي الطبيب نيوهوفر. فقال: «كان هنا عصر الأمس. سيذهب إلى جزيرة سكارسو هذا العام، ويأمُل أن يبدأ رحلة الصيد في الأسبوع الأخير من شهر أبريل. أظن أن هذا وقتٌ مبكر للغاية، رغم أن الناس يبدءون صيد أسماك السلمون في هذا النهر في السابع عشر من أبريل. أرى أن أنسب وقتٍ للصيد هو الأسبوع الأول من شهر مايو.» طرحتُ العديد من الأسئلة عن جزيرة سكارسو، وقيل لي إن أفضل مكانٍ للصيد في نهر ميردال هو عند منبع نهر ميردالفيورد. لا يوجد إلا مسطح مائي واحد يصلح للصيد يبلُغ طوله حوالي ثلاثة أميال قبل النهر الهادر، ولكن كل ياردة منه تستحقُّ العناء. أخبرتُه أني كنتُ آمُل أن أتمكن من الذهاب إلى مدينة ليردال في شهر يونيو، ولكني مُضطر إلى أن أتخلى عن هذه الفكرة هذا العام وأن أرتضي بالذهاب إلى اسكتلندا. اشتريتُ بكَرة خيط صيد جديدة، وكمية من طُعم أسماك السلمون البحري، وكتيب عن الصيد في النرويج.

ثم ذهبت للقاء ماكجيليفراي الذي كنتُ قد حددتُ معه موعدًا عبر الهاتف.

قلت له: «لقد أتيتُ لطلب المساعدة منك. بدأت أحرز تقدمًا، ولكن الأمر حسَّاس للغاية، ويجدُر بي أن أتحرَّك بحذَر شديد. بادئ ذي بدء، أريد منك أن تتبع تحركات الطبيب نيوهوفر الذي يسكن شارع ويمبول. سيذهب إلى النرويج في وقت ما خلال الأسبوعين القادمين إلى جزيرة سكارسو من أجل الصيد، وستكون نقطة انطلاقه هي مدينة ستافانجر. اكتشِف الباخرة التي سيركبها واحجز لي أنا أيضًا قمرةً فيها. من الأفضل أن أستخدِم اسمي القديم، كورنيليوس براند.»

سألني مؤنِّبًا: «هل تُفكر في مغادرة إنجلترا في مثل هذا الوقت؟»

«لا أعلم. ربما أذهب وربما لا، ولكن في كلتا الحالتَين، لن أظل بعيدًا لفترة طويلة. على أية حال، اكتشِفْ ما يفعله الطبيب نيوهوفر. لنتحدَّث الآن عن الموضوع الأهم. هل قررتَ موعد القبض على العصابة؟»

«للأسباب التي ذكرتها لك، يجِب ألا يحدُث ذلك قبل منتصف الصيف. إنه عمل مُعقد للغاية، وعلينا أن نعمل وفق جدول زمني. لقد حددتُ العشرين من يونيو موعدًا مؤقتًا.»

«أظن أنه يجدُر بكم اختيار تاريخ أقرب.»

«لماذا؟»

«لأن العصابة تُخطط لتصفية أعمالها بحلول منتصف الصيف، وإذا لم تُسرعوا، فربما تسحبون شباككم من المياه لتجدوها خاوية.»

سألني وقد أحمرَّ من فرط الانفعال وجهه الخالي من المشاعر عادةً: «كيف عرفت ذلك بحق السماء؟»

«لا يُمكنني أن أُخبرك. لقد تعثرتُ في هذه المعلومة أثناء بحثي عن الرهائن، وأؤكد لك أنها صحيحة.»

«ولكن، يجدُر بك أن تُخبرني بالمزيد. إذا كنتَ تملك معلوماتٍ جديدة عما تُطلِق عليه «العصابة»، فمِن المُهم للغاية أن أعرفها.»

«لا أملك أي معلوماتٍ جديدة. لم أتوصَّل إلا إلى تلك المعلومة التي أخبرتُك بها. في واقع الأمر، لن يُمكنني إخبارك بأي شيءٍ آخر أيها العجوز إلا إذا أخبرتك بكلِّ شيء. صدِّقني، أنا أبذل قصارى وسعي.»

بعدما أمعنتُ التفكير في الأمر، كنتُ قد قررتُ أن أحتفظ بموضوع مِدينا لنفسي وساندي فقط. كانت فرصتنا الوحيدة في التغلُّب عليه هي ألا تُراوده أي شكوك بشأني، والحذَر من إخبار شخصٍ على شاكلة ماكجيليفراي فقد يثير شكوكًا من شأنها أن تُدمر كل ما حقَّقناه حتى الآن. زمجر ماكجيليفراي غير راضٍ عما قلت. وقال: «أظن أنك تُريد أن تؤدي المهمة بطريقتك. حسنًا إذن، سنُحدِّد العاشر من يونيو تاريخًا ليوم القبض على العصابة. لعلك تدرك بالطبع أن عملية القبض على الجميع يجب أن تتمَّ في الوقت نفسه؛ لهذا السبب تحتاج العملية إلى الكثير من التنظيم. بالمناسبة، تُواجهك المعضلة نفسها مع الرهائن. لا يمكنك أن تُحرِّر أحدهم من دون الاثنين الآخرين، وإلا ستنكشف العملية برمتها؛ ليس عمليتك فحسب، بل عمليتي أيضًا. هل تدرك ذلك؟»

قلت: «نعم، أدرك ذلك، وأدرك أيضًا أن العمل وفقًا لجدولك الزمني يقلل الوقت المتاح لي إلى ما يقلُّ عن الشهرَين. وإذا ما نجحتُ في مهمتي، لا بد أن أنتظر حتى الليلة السابقة لبدء عمليتك. أظن أنه لا يُمكنني أن أتحرك قبل التاسع من يونيو، أليس كذلك؟ ماذا لو عثرتُ على واحدٍ فقط من الرهائن الثلاث؟ سأنتظر حتى التاسع من يونيو لأُنقِذه من بين براثنهم. ثم تضرب أنت ضربتك، وماذا سيحدث للرهينتَين الأخرَيَين؟»

هز كتفَيه. وقال: «أخشى أنهما سيُلاقيان مصيرًا سيئًا. لعلك تُدرك يا ديك أن ثمة تحالفًا بين العصابة التي أريد تدميرها والأشخاص الذين اختطفوا الرهائن، ولكني أعتمد على أنهما جماعتان مختلفتان. قد أقبض على كل أفراد العصابة من دون أن يصِل خبر، ولو من بعيد، إلى الجماعة الأخرى. لا أعلم، ولكني على يقينٍ من أننا إذا ما عثرنا على الجماعة الثانية حتى، فلن نتمكَّن من إثبات وجود أي علاقة بين الجماعتَين. الجماعة الأولى مكونة من أشخاص أشرار للغاية، أما الجماعة الثانية فمكونة من فنانين عظماء.»

قلت: «لا فارق، آمُل أن أتمكن من العثور على رهينة واحدة على الأقل، ويتطلَّب هذا معرفة من اختطفوهم.»

«لن أتدخل في عملك، ولكني على استعدادٍ للتضحية بأي شيء حتى أعرف كيف تعمل وأين. سأمنحك المزيد من الحرية! ولكني أتساءل عما إذا كنتَ ستتمكن من الوصول إلى رأس الأفعى التي دبَّرَت الأمر برمته.»

قلت: «أنا أيضًا أتساءل عن هذا»، ثم انصرفت.

لقد كنتُ أتظاهر بالمرض، ويبدو أني سأنال الآن عقابي على ذلك بأن أمرض بالفعل. فقد شعرتُ بالإعياء لما تبقى من ذلك اليوم، وبحلول المساء أصبحتُ واثقًا من أن حرارتي قد ارتفعت. فكرتُ أنني ربما أُصبتُ بالأنفلونزا، فتوجهتُ بعد العشاء لزيارة طبيب التقيتُه في فرنسا. تجاهل الطبيب درجة حرارتي. وسألني: «ما نوعية الحياة التي كنتَ تعيشها على مدار الأسابيع الماضية؟» وعندما أخبرته بأني كنتُ أطوف لندن في انتظار تطورات عملٍ مُمل، قال إن هذه هي المشكلة. «أنت مُعتاد على حياة مفعمة بالنشاط في الهواء الطلق، ولكنك ظللتَ قابعًا داخل المدينة، تأكل كثيرًا ولا تتحرك بما يكفي. عُد إلى منزلك غدًا، وستستعيد عافيتك كاملةً.»

«أريد أن أظل مريضًا لبعض الوقت؛ فلنقل أسبوعًا.»

بدت الحيرة على وجهه، ثم انفجر ضاحكًا.

وقال: «حسنًا، إذا أردتَ سأُعطيك مذكرةً مكتوبًا فيها أنه يجب عليك العودة إلى الريف على الفور وإلا لن أتحمَّل عواقِب عدم الانصياع لذلك.»

«أودُّ ذلك، ولكن ليس بعد. سأتصل بك هاتفيًّا عندما أريد أن أفعل. وحتى ذلك الحين، هل تقول إني على خير ما يُرام؟»

«لا شيء يستعصي علاجُه على مباراة إسكواش والقليل من دواء إينو.»

«حسنًا، عندما تُرسِل تلك المذكرة، اكتب فيها أني بحاجة إلى أسبوع من الراحة في الفراش في منزلي — والزيارات ممنوعة — علاج عادي بالراحة.»

قال: «حسنًا. إنها وصفة ينبغي على جميع البشر اتِّباعها أربع مرات كل عام.»

عندما عدتُ إلى النادي، وجدت مِدينا في انتظاري. كانت زيارته الأولى لي هناك، وتظاهرتُ بأني سعيد برؤيته — تظاهرت بالإحراج والابتهاج — وأخذته إلى غرفة التدخين الخلفية حيث تحدثتُ سابقًا مع ساندي. أخبرته أني مريض، وبدا متعاطفًا معي بشدة. وعندما تذكرتُ خطاب ساندي الأخير، بدأتُ ألعن حظي. علَّقَ على دفءِ وعزلةِ الغرفة الصغيرة، التي كنَّا نجلس فيها معًا.

قلت: «لم تكن الغرفة هادئةً عندما كنتُ فيها آخِر مرة. فقد تعاركتُ هنا مع ذلك المجنون أربوثنوت قبل أن يسافر للخارج.»

رفع بصرَه نحوي عندما سمع الاسم.

«تعني أنكما تشاجرتما. كنتُ أحسبكما صديقَين قديمَين.»

«كنا كذلك في الماضي. أما الآن، فلا أودُّ أن أراه مرة أخرى طيلة حياتي.» فكرتُ في أنه يجدُر بي أن أؤدي دوري على الوجه الأمثل، رغم أن الكلمات اختنقت في حلقي.

نظر لي راضيًا.

وقال: «قلتُ لك إني لم أنجذب له على الإطلاق.»

صِحْتُ: «تنجذب له! لقد جُن الرجل تمامًا. لقد نسي أخلاقه، وما تربى عليه، وكل ما كان عليه ذات يوم. لقد عاش لفترة طويلة بين الشرقيين المُتكبرين حتى انتفخَ رأسه وأصبحَ في حجم اليقطينة. كان يريد أن يُملي عليَّ رغباته، وقلت له إني سأفكر في الأمر، و… حسنًا، دارت بيننا المشاجرة المعتادة. لقد عاد إلى الشرق، المكان الوحيد الذي أصبح مناسبًا له، و… لا! لا أريد أن تقع عيناي عليه مرةً أخرى أبدًا.»

كانت ثمة لمحة رضا في صوته؛ فقد ظن، كما أردتُه أن يفعل، أنَّ تأثيره عليَّ قد أصبح قويًّا بما يكفي لأن أقطع علاقة صداقةٍ قديمة للغاية. «أنا واثق من حكمتك. لقد عشتُ في الشرق وأعرف أمورًا عن أساليبهم. ثمة طريق المعرفة، وطريق الأوهام، واختار أربوثنوت الطريق الثانية. نحن صديقان يا هاناي، وثمة أمور كثيرة أودُّ إخبارك بها ذات يوم؛ ربما في القريب العاجل. لقد صنعتُ لنفسي مكانةً في العالم، إلا أن الهيئة التي يراها العالم ليست سوى جزءٍ يسير من حقيقتي. القوة الحقيقية الوحيدة هي المعرفة، وقد حُزتُ معرفةً ستكون معارف أربوثنوت تافهة مقارنةً بها.»

لاحظتُ أنه تخلى عن أسلوبه البسيط المُهذب المتواضع الذي رأيته خلال لقائنا الأول. فقد كان يتحدَّث إليَّ الآن بأسلوبٍ سلطوي ومتعجرف، يكاد يكون غرورًا.

استطرد قائلًا: «لم يحدث من قبل اقتران حقيقي بين الشرق والغرب. وأصبحنا نميل في العصر الحالي إلى وضع تفسيرات زائفة لكلمة قوة. أصبحنا نراها من منظورٍ مادي مثل المال، أو السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي. ولكنها لا تزال تعني، مثلما تعني دائمًا، السيطرة على أرواح البشر، وبالنسبة لمن يستطيع السيطرة عليها، سيكون كل شيءٍ آخر ثانويًّا. مِمَّ تنبع هذه القوة؟ ينبع جزء منها من معرفة مكنونات قلوب البشر، وهذا شيء مختلف تمامًا عن العبارات المُبتذلة الكثيرة التي يتشدَّق بها من يزاولون مهنة الطب النفسي. وينبع جزء آخر من الهيمنة الطبيعية للروح والتي تنبع بدورها من امتلاك بعض البشر لمقومات بشرية مُعينة تفوق غيرهم. يمتلك الشرق المعرفة السرية، ولكن على الرغم من أنه قادر على توفير الممارسة، فإنه غير قادر على توفير الممارِسين. أما الغرب، فيمتلك الأدوات، ولكنه لا يمتلك العلم الذي يُمكِّنه من استخدامها. لذا، كما قلت لك، لم يحدث من قبل اقتران حقيقي بين الشرق والغرب، ولكن إذا حدث، فإن نتاج هذا الاقتران سيحكم العالم.»

كنتُ أتشرَّب كلماته بكلتا أذنيَّ، وأغمغم بصوتٍ ينمُّ عن الموافقة. أوشكت أخيرًا على أن أحوز ثقته، ودعوت الربَّ أن يُلهمه المضيَّ قدمًا في حديثه. ولكنه بدا مترددًا حتى طمأَنَته نظرةٌ ألقاها على وجهي الذي اكتسى بأمارات الاحترام. وقال: «بعد غد، سيصل رجلٌ إلى لندن، رجلٌ آتٍ من الشرق، وهو أستاذٌ كبيرٌ في هذه المعارف. بمجرد أن تراه، ستُصبح من أتباعه. لن تفهم الكثير من تعاليمه، فلستَ إلا مبتدئًا، ولكنك ستكون في حضرة الحكمة نفسها.»

غمغمت بأن ذلك سيُشرفني.

«ستتفرغ تمامًا طوال ذلك اليوم. ربما نلتقي به في المساء.»

ثم انصرف بعدما أعطاني أكثر وداعٍ لا مبالٍ على الإطلاق. هنَّأت نفسي على حصولي على الوظيفة التي أردت، التابع الذي يؤخَذ انصياعه على أنه أمرٌ مُسَلَّمٌ به لدرجة أنه يُعامَل وكأنه قطعة أثاث. من وجهة نظر مِدينا، كان تصرُّفه مبرَّرًا، فلا بد أنه ظن أن سيطرته على عقلي الباطن أصبحت محكمةً للغاية، بعد كل الاختبارات التي مررتُ بها، وأن روحي أصبحت عجينةً طيعة بين يدَيه يُشكلها كيفما يحلو له.

في صباح اليوم التالي، ذهبت إلى فوسي وأخبرت ماري أن تتوقع عودتي في القريب العاجل لأقضي معها يومًا أو يومَين. لم يسبق مطلقًا أن أزعجتني بالأسئلة، ولكن لا بد أن شيئًا ما في وجهي أنبأها أني أتتبع خيطًا في القضية؛ فقد سألتني عن المستجدَّات وبدت مُصِرَّةً على معرفتها. أقررتُ لها أني توصلتُ إلى شيء ما، وقلتُ لها إني سأخبرها بكل شيءٍ عندما أعود للمنزل المرة القادمة. كان هذا الفعل حكيمًا، فماري عبقرية في حفظ الأسرار وكنتُ بحاجة إلى مخزنٍ لما توصلتُ إليه تحسبًا لفقداني ذاكرتي.

عندما عدتُ إلى المدينة وجدتُ رسالةً أخرى من ساندي، وصلت أيضًا من فرنسا، مُوَقَّعَةً باسم «آلان بريك»؛ كان ساندي لا يزال يستخدم أسماء خيول السباق الفائزة. لم تزد الرسالة عن سطرَين يُحثني فيهما مرةً أخرى على جعل مِدينا يُصدِّق أن صداقتنا قد انتهت وأنه سافر إلى منطقة شرق قناة السويس بلا رجعة.

كما وصلتني رسالة من ماكجيليفراي مفادها أن الطبيب نيوهوفر قد حجز مقصورة على متن الباخرة المغادرة إلى مدينة جودرون، التي ستغادر مدينة هول في السادسة والنصف مساءً، في اليوم الحادي والعشرين من الشهر، وأن ثمة حجزًا آخر باسم حضرة المُحترم سي براند، على متن الباخرة نفسها. ساعدني هذا على اتخاذ قراري، فكتبتُ رسالة إلى الطبيب أطلب منه فيها تلك المذكرة التي وعدَني بها، وأن يؤرِّخها باليوم التاسع عشر من الشهر. كنت منشغلًا بوضع خطة، فبدا لي أنه من واجبي أن أتَّبع الخيط الوحيد الذي تكشَّف لي، رغم أن هذا يعني أن أدع بقية المهمة بكاملها تتوقف. كنت أتوق إلى التحدُّث مع ساندي أكثر من أي وقتٍ مضى، ولكنه كان يؤدي دور المغفل في فرنسا ويرسِل لي رسائل لعينة. كما اتصلتُ بآرتشي رويلانس، وابتهجتُ عندما وجدته لا يزال في المدينة، وعرفت أنه يُقيم في ترافيلارز، وحددت معه موعدًا في صباح اليوم التالي.

قلت لآرتشي عندما التقينا: «آرتشي، أريد أن أطلب منك معروفًا كبيرًا. هل ثمة شيء مُهم قد يشغلك خلال الأسبوعين القادمَين؟»

أقر بأنه كان يفكر في العودة إلى اسكتلندا ليُراقِب زوجًا من طيور الطيطوي الأخضر الساق في عشِّه.

«كُن رجلًا خيِّرًا ودَع طيور الطيطوي الأخضر الساق وشأنها. قد أُضطَر إلى السفر إلى النرويج في اليوم الحادي والعشرين من الشهر، وأريد أن أعود إلى الوطن في أسرع وقتٍ ممكن. والسفن البخارية بطيئة للغاية.»

قال مقترحًا: «تريد مدمرةً.»

«اللعنة، لسنا في حالة حرب. كن منطقيًّا. أريد طائرةً، وأريدك أنت أن تجهزها لي.»

أطلق آرتشي صافرة طويلة عالية.

وقال: «أنت مليء بالمفاجآت يا ديك. ليس من السهل أن يكون المرء صديقك. أعتقد أن بوسعي إنجاز المهمة. ولكن يجدُر بك أن تختار طقسًا مناسبًا للطيران. وما أذكره عن النرويج أنها لا تحتوي على الكثير من أماكن الهبوط الجيدة. ما المكان الذي تريد الهبوط فيه؟»

أخبرته أني أريد الهبوط عند منبع نهر ميردالفيورد.

فقال: «يا إلهي! لقد ذهبت إلى هناك من قبل. جميع الأراضي هناك منحدرة مثل جوانب منزل.»

«نعم، ولكني كنت أدرس الخريطة، وثمة بعض الجزر الصغيرة الملائمة للهبوط بالقُرب من المنبع، وهي تبدو مستوية على الخريطة. أنا جاد تمامًا في ذلك يا صديقي العزيز. أنا منخرط في مهمة فشلها يعني خسارة أبرياء لحياتهم. سأخبرك كل شيء عنها قريبًا، ولكن حتى أفعل، عليك أن تثق بي.»

نجحت في إبهار آرتشي بالقدر المناسب، بل وإثارة لعابه للمشاركة في المغامرة، فلم يكن رجلًا يتخلَّف عن أي شيءٍ قد يتضمن مخاطرة ويتطلب جرأة. وعدني بزيارة هانسن، وهو رجل كان أحد زملائه في كتيبته في الجيش، وكان يُعتَقَد أنه طار عدة مرات عابرًا بحر الشمال. عندما هممتُ بالانصراف، رأيتُ أنه كان مسرورًا للغاية بالفكرة، فإن لم يكن سيستطيع مراقبة طيوره المباركة، فإن أقرب شيء تالٍ إلى قلبه هو أن تسنح له الفرصة لأن يكسر رقبته في مغامرةٍ ما.

توقعت أن يستدعيني مِدينا لألتقي بساحِرهِ في جُحرٍ ما في إيست إند أو في منزلٍ مُستأجَرٍ في بلومزبيري. ما أثار دهشتي هو أني دُعيت إلى فندق كلاريدجز في التاسعة والنصف ذلك المساء. عندما وصلت إلى الفندق كان من الصعب أن أصدق أن مكانًا مُنارًا بمثل تلك الأضواء المبهرة ويعج بهذا الزحام قد يُخفي أي شيءٍ غامض. كان ثمة حفل راقص عادي مُقام، وكان ثمة الكثير من الأشخاص الذين تناولوا عشاءً جيدًا يجلسون حول طاولاتهم المتناثرة ويشاهِدون. كان مِدينا واقفًا بجوار المدفأة يتحدَّث إلى رجلٍ يضع الكثير من الميداليات الصغيرة ونجمة، ورأيت أنه توم ماكين، الذي كان قائدًا للواء الفرسان في فرنسا. أومأ مِدينا لي في لامبالاة، وأحدث توم صخبًا عاليًا عندما رآني، فلم نكن قد التقَينا منذ سنوات.

قال موضحًا: «جئتُ مدعوًّا إلى عشاءٍ رسمي. وخرجت للحظات لكي أعطي بعض التعليمات الخاصة بسيارتي. كنتُ أخبر مِدينا عن الخدعة القذرة التي مارسَتْها الحكومة على جماعتي القديمة. كنت أقول له إن قلةً من أمثاله من أصحابنا الموجودين في بيت القرود اللعين ذاك في ويستمنستر هم الذين بوسعهم أن يُثيروا جلبةً حول ما يحدث. أنت تدعمني يا هاناي بالطبع. ما أريد قوله هو …» وظل يتحدَّث ويُكرر عبارات على غرار «بالطبع»، و«إذا ما تبعتني»، و«هل تفهم ما أعني»، التي تُميز أسلوب الحديث البريطاني غير المترابط.

انسحب مِدينا من الحوار بلُطف. وقال: «معذرة يا توم، يجب أن أنصرف الآن. هل ستتناول العشاء مع برمينستر يوم الخميس؟ سنتحدَّث عن هذا الأمر حينئذ. أنا أتفق معك أن الأمر برمَّته مُشين للغاية.»

أشار مِدينا لي، واتجهنا معًا نحو المصعد. في الطابق الأول، حيث تُوجَد الأجنحة الرئيسية بالفندق، كان ثمة رجل هندي يعتمر عمامةً يقف في انتظارنا في الرواق. قادنا إلى غرفة استقبال، ثم اختفى عبر بابٍ قابلٍ للطي. تساءلتُ عن مدى غرور ذلك الساحر الشرقي ليسكن في غرفةٍ مثل تلك، فالمرة الأخيرة التي دخلتها كان يسكنها وليُّ عهدٍ أراد أن يتحدَّث معي عن مشكلة ما في الأناضول.

همس مِدينا بنبرة إجلالٍ مفاجئة في صوته: «أنت على وشك أن تقابل خاراما. ربما لا تعرف من يكون، ولكن ملايين في الشرق يُبجلونه وكأنه إله. كان لقاؤنا الأخير في كوخٍ يقع في طريق جبلي منعزل ووعرٍ في جبال كاراكورام، وها هو الآن يُقيم في هذا الفندق المُذهَّب حيث تُعزف موسيقى الرقص الغربي في الطابق السفلي. هذا مثال على توحيد كل القوى.»

فُتِحَ الباب، وأشار لنا الخادم بالدخول. دخلنا إلى غرفة كبيرة مفروشة بالنُّسَخ المعتادة طبق الأصل للأثاث الفرنسي؛ كانت حارَّةً للغاية، ويحمل هواؤها عبقًا، نفس هيئة المكان الذي يجتمع فيه المُمولون الدوليون لإبرام صفقاتهم وهم يشربون البراندي ويُدخنون السيجار الضخم، أو حيث يلتقي نجوم السينما بأصدقائهم. كانت الغرفة مُبهرة الإضاءة، وخانقة ومبهرجة، يُمكنك القول إنه لا تُوجَد بيئة أكثر ابتذالًا من ذلك. ولكن عندما أعدتُ النظر، لم أشعر بأنها بيئة عامة؛ فقد لاحظتُ أنها تحمل الطابع الشخصي للرجل الجالس على الأريكة التي تُوجَد عند الجانب الآخر منها. أدركتُ أنني جالس أمام رجلٍ قادر على أن يحمِل معه أينما ذهب المناخ الذي يُفضله، ويمكنه تغيير مُحيطه كما يحلو له، سواء كان أحد أكواخ جبال البامير أو أحد مطاعم لندن.

أدهشني صِغَر سنِّه. كان شعره مُختفيًا تحت عمامة ضخمة، ولكن وجهه كان أملسَ وخاليًا من الشعر، ولم تفقد هيئته رشاقة الشباب، وفقًا لما رأيتُ منه. كنتُ قد توقعتُ أن يكون رجلًا مُسنًّا هزيلًا تصِل لحيتُه إلى مئزره، أو سيدًا بدينًا ذا وجهٍ أملس مثل الخصيان. كنتُ قد نسيت أن هذا الرجل من سكان التلال. فما أثار دهشتي أنه كان يرتدي ملابس سهرة عادية، وأنيقةً أيضًا، وفوقَها عباءة من الحرير الخفيف. كان قد رفع قدمَيه على الأريكة، ولكنه لم يكن يجلس مُتربِّعًا. أمال رأسه قليلًا عندما دخلنا، وانحنَينا كِلانا أمامه. تحدَّث مِدينا إليه بلغةٍ هندية ما، وردَّ عليه بصوتٍ أشبَهَ بخرخرة قطة ضخمة.

أشار لنا بالجلوس، ولم يكن ينظر إلينا، بل عَبْرَنا، وعندما كان مِدينا يتحدَّث، كنتُ أركز عينَي على وجهه. كان له ذلك الوجه النحيل البارز الوجنتَين الذي يُميز نسْلَ رجال التلال الصافي، لم يكن يُشبه وجوه المغول، بل أقرب شبهًا بوجوه العرب، نفس الوجه الذي تجِده لدى القوات البشتونية. ولكن على الرغم من أنه بدا صلدًا مثل الجرانيت، وقاسيًا مثل الشيطان، كان يحمل لمحةً لطيفةً ماكرةً وكريهة، مثل لُطف رجلٍ لا يحتاج أبدًا إلى توجيه لكمةٍ في ثورة غضب، فهو قادر على الوصول إلى مُبتغاه بطرُقٍ أخرى. كان حاجباه مُستقيمَين وكثَّين، تلك الهيئة التي كنتُ أربطها دائمًا بموهبةٍ في الرياضيات، وكانا أعرض مما هو شائع لدى الشرقيين. لم أتمكن من رؤية عينَيه؛ فقد كانتا نصف مُغلقتَين طوال الوقت، ولكن كان ثمة شيء غريب يتعلَّق بمكانهما في رأسه، وكانتا مائلتَين بطريقةٍ غريبة على العكس مما تبدو عليه أعين الصينيين. كان فمه مرفوعًا عند كِلا ركنَيه كما لو كان يضحك بسخريةٍ على الدوام، ولكن كانت ثمة لمحة من المرح تكسو وجهه، ولكنه كان مَرَحًا جامدًا كما لو كان منحوتًا على وجه تمثال حجري.

كانت تلك من المرَّات النادرة التي أرى فيها إنسانًا وسيمًا للغاية ومُنفرًا للغاية في الوقت نفسه، ولكن امتزج الجمال والرُّعب معًا ليُعطياه مظهرًا ينضح بالقوة الغاشمة. كنتُ متشككًا للغاية في هذا الساحر الشرقي، مثلما كنتُ متشككًا في أساليب مِدينا؛ فقد فشل في تطبيقها عليَّ. ولكن عندما نظرتُ إلى تلك الملامح الشريرة، تخيلتُ عالَمًا من المعارف الرهيبة، وبشاعة تعبقها رائحة الشر، وقوة أشبه بالريح العاتية أو الطاعون. لسببٍ ما، تذكرت حديث ساندي في نادي الخميس عن أن الخطر الحقيقي في العالم يكمن في سيطرة النفس على النفس. كان هذا الهمجي الأسمر هو كاهن هذه السيطرة القذرة، وكانت تعتمل في صدري في ذلك الحين رغبة جامحة في أن أوسِعَه ضربًا.

كان ينظر نحوي، وبدا أنه كان يطرح سؤالًا أجابه مِدينا. أظن أنه كان يسأله عما إذا كنتُ من مُريديه، أو أيًّا كانت الكلمة الصحيحة، تابعًا مُنكسرًا ومُطيعًا تمامًا.

ثم فوجئت بأنه يتحدَّث الإنجليزية، إنجليزية سليمة، مع تلك اللكنة الهندية التي يكثُر فيها التلفُّظ بالمقطع الصوتي تشي.

قال: «لقد قطعتَ شوطًا طويلًا في طريق المعرفة يا أخي. لم أكن أظن أن أحد أبناء العالَم الغربي يُمكنه أن يُحقق مثل هذا التقدُّم في مثل تلك الفترة القصيرة. لقد حزتَ اثنَين من مفاتيح السيادة الثلاثة؛ فقد تمكنتَ من جعل رجلٍ ينسى ماضيَه، وأن يبدأ حياةً جديدة خاضعة لإرادتك. ولكن، ماذا عن المفتاح الثالث؟»

شعرت أن نبرة صوت مِدينا تحمل لمحةً من خيبة الأمل. قال: «المفتاح الثالث هو ما أبحث عنه أيها المُعلم. ما الفائدة المرجوة من محو الماضي وفرض سيطرتي إن لم تكن دائمة؟ أريد المفتاح الثالث، لأُغلق الباب، حتى أسيطر على سجيني إلى الأبد. هل يُوجَد مفتاح كهذا بالفعل؟»

«المفتاح موجود، ولكن العثور عليه ليس بالأمر السهل. أي سيطرة تضعف بمرور الوقت، ويُمكن أن تنكسِر بسبب حادث، فيما عدا السيطرة على الأطفال الصغار، وبعض النساء، وضعاف العقول.»

قال مدينا بغضب: «أعلم هذا. ولكني لا أُريد تابِعين من الرُّضَّع والحمقى والنساء فقط.»

«قلت بعض النساء فقط. ربما يمكن السيطرة على نسائنا جميعهن، ولكن في حالة النساء الغربيات اللاتي يتمتعن بصلابةٍ تُكافئ صلابة الرجال، لن يمكنك السيطرة إلا على أكثرهن لينًا وضعفًا.»

«تلك هي المشكلة التي أُواجهها. أريد سيطرةً دائمة، ودون الحاجة إلى مراقبة دائمة من طرفي. حياتي حافلة، والوقت ثمين. أخبرني أيها المُعلم، هل ثمة طريقة لتحقيق ذلك؟»

استمعتُ إلى هذه المحادثة مرتعِدَ الفرائص. لقد عرفت خطط مِدينا الآن، وأدركتُ أنه هو العقل المدبر لعمليات الاختطاف. كما أدركتُ كيفية تعامُله مع الرهائن الثلاث، وكيفية عرضه للصفقات. كان القتلة أبرياء مقارنةً به، فالقتلة يأخذون الحياة فحسب، بينما يأخذ هو الروح نفسها. لقد كرهته وذلك المُحتال الأسمر أكثر مما كرهتُ أي شخصٍ في حياتي، وبذلت جهدًا خارقًا لأمنع نفسي من أن أُمسك بهما من عنقَيهما. عادت إلى ذاكرتي القصص الثلاث بعدما كدتُ أنساها وأُواريها في مؤخرة ذاكرتي خلف تجاربي الجديدة. رأيت وجه فيكتور المُجهَد مجددًا، وسمعت صوت السير آرثر واركليف المُتهدج، وتأجَّج غضبي بشدة وكاد يخنقني. كانت سرقة الأرواح هي أسوأ عمل شائن نشره الشياطين بين بني البشر. لا بد من أن مشاعري ظهرت على وجهي، ولكن لحُسن الحظ لم يكن الاثنان ينظران نحوي.

كان الهندي يقول وشبح ابتسامةٍ مقيتة يرتسِم على شفتيه: «ثمة طريقة، بالطبع توجَد طريقة. ولكنها طريقة من الصعب تنفيذها في بلدك، ولكن من المُمكن تنفيذها في بلدي. أعلَم أن شرطتكم ليست هينة، وأن لدَيك سمعة جيدة بين عامة الشعب، ومن الضروري الحفاظ عليها. ثمة طريقة أخرى قد تكون أبطأ، ولكن نجاحها مؤكد أيضًا، إذا ما نُفِّذَت بجرأة.»

بدا أن المُعلم يفتح عينَيه نصف المُغمضتَين، وظننتُ أني رأيت أن بياضهما معتمٌ، الأمر الذي يُصاحب تعاطي المخدرات.

وقال: «مَن تريده أن يكون عبدًا لك، عليك أن تسلُبه ذاكرته أولًا، ثم تُخضِعه لإرادتِك. ولكي تُحافظ على خضوعه لإرادتك، يجب أن تجعله في صحبتك دائمًا وأن تُعزز سيطرتك عليه. ولكن هذا أمر مُرهق، وإذا ما ابتعد عنك العبدُ ولم ترَه كثيرًا، ستضعف سيطرتك عليه، إلا في حالة الأطفال الصغار، كما قلتُ سابقًا. ثمة طريقة لترسيخ الرابط بينكما، وهو كالآتي. خُذ من تريد السيطرة عليه إلى حياةٍ مُماثلة للحياة التي اعتاد عليها سابقًا، وهناك، وسط المُحيط الذي يألفه، أحكِم سيطرتك عليه. سيتطلَّب تأثيرك وجود الألفة؛ فعلى الرغم من أن الذاكرة الواعية قد مُسحت، ستظل الذاكرة الباطنة قائمة، وبعد قليلٍ ستكون بمثابة طبيعته.»

قال مِدينا شارد الذهن: «فهمت. لقد خمنتُ ذلك بالفعل. أخبرني أيها المُعلم، هل يمكن التخلُّص من السيطرة بعد إنشائها؟»

«لن يمكن كسرُها بواسطة مَن يخضع لها. السيد فقط هو من يُمكنه إنهاؤها.»

بعد ذلك، عادا يتحدثان باللغة الأجنبية التي لا أفهمها. بدا لي أن المعلم بدأ يملُّ مِن المقابلة؛ فقد رنَّ جرسًا وعندما دخل الخادم، أعطاه بضع تعليماتٍ سريعًا. فنهض مِدينا وقَبَّلَ اليد التي مدَّها له المُعلم، وفعلتُ مثلما فعل بالطبع.

سأل مِدينا: «هل ستبقى هنا لفترة أطول أيها المُعلم؟»

«يومَين. ثم لدي ما أفعله في باريس ومكان آخر. ولكني سأعود في شهر مايو، وسأستدعيك حينئذٍ مرةً أخرى. فلتزدهر يا أخي. وليكن إلهُ الحكمة في عونك.»

هبطنا إلى الطابق السُّفلي حيث الحفل الراقص والعشاء. كان حفل العشاء الرسمي في نهايته، وكان توم ماكين يُهرع عبر الردهة مُتجهًا نحو مجموعة من أصدقائه الذين سيُكَرَّمون. تعين عليَّ أن أقول شيئًا لمِدينا لكي أختتم الأمسية، ومنحني التناقُض بين المشهدَين فكرةً. بينما كنا نرتدي معطفَينا، قلتُ إن الأمر يبدو وكأني أخرج من النور إلى الظلام. وافقني على ذلك. وقال: «كما لو أنك تسقُط من العالم الحقيقي إلى عالم الظلال.»

كان جليًّا أنه يرغب في أن يُترَك وحدَه لمتابعة أفكاره، فلم يُطلَب مني أن أسير معه إلى منزله. وكان لدَيَّ أنا أيضًا الكثير من الأمور التي كنتُ أريد التفكير فيها. عندما عدتُ إلى النادي، وجدت رسالة موقَّعة باسم «سبيون كوب»، وتحمل طابعًا بريديًّا إنجليزيًّا.

وكان فحواها: «قابلني في اليوم الحادي والعشرين لتناول الإفطار في نُزُلٍ يُدعى «المرأة الصموت» على طريق فوسي وكأنك ذاهب من كولن إلى ويندراش. ثمة الكثير الذي أودُّ أن أُخبرك به.»

حمدتُ الربَّ على عودة ساندي إلى أرض الوطن مجددًا، رغم أنه يختار أماكن غريبة للقاء. كان ثمة شيء أريد أن أُخبره به أيضًا. جعلتني هذه الليلة أطَّلع على ما يدور في عقل مِدينا، وعلاوةً على ذلك، التمعت في ذهني خطة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤