الشعور
(١) حب الحركة
الأطفال ذوو نشاطٍ بالطبع، فلا يُمكنُ أن يُقلعوا عنه أو يقفوا عن الحركة، بل هُم متحركون دائمًا ولا بُدَّ لهم في أوقات التنبُّه أن يفعلوا شيئًا.
ولا يخفى أنه يَصْعُبُ على الإنسان حتى ولو كان كبيرَ السن أن يظل بلا حراك مدةً طويلة، وإلا أدى الأمرُ إلى اعتقال العضل، فلا يصح — من باب أولى — أن يكلف الأطفال الجمود على وضع واحد مدةً طويلة.
يندر أن يرتاح الأطفال إلى الجلوس بلا عمل؛ فإن القلق والاضطراب اللذَين يصادف منهما الأمهات والمعلمون متاعب جمة، هما — في الحقيقة — شيءٌ من محاولة الروح بواسطة الجسم الحصول على عمل لما انطوت عليه من القُوى. فإذا أراد المعلم أن يصرف عنه المشقة فما عليه إلا أن يسد حاجة نفوس الأطفال بأن يهيئ لهم أمرًا يشتغلون به. بذلك يقف قلقُ أفكارهم وإضرابُ ذهنهم؛ إذ تتوجه وتنحصر في العمل الذي بين أيديهم، وبذلك يكونُ العقل في هدوء وهو في شغل شاغل.
ونقول إنه إذا لم تكن أيدي الأطفال مشتغلةً بشيء أثناء الدرس فلا بد أن تكون عالقةً بأذًى أو مثل ذلك، اللهم إلا إذا كان المعلم لهم في حلاوة الدرس شغل عظيم؛ لذلك ينبغي أن يبتدع شيئًا يشغل أيديهم كرفعها إشارةً إلى الاستعداد للإجابة على سؤال، وكالتأشير أو الكتابة أو الرسم على السبورة، وغير ذلك.
(٢) العطف وعلاقتُهُ بالثواب والعقاب
العطف مشاركة الغير في شعوره بالتألُّم أو الفرح له. ويمكننا أن نقول إن إنصاف المرء أخاه هو في الحقيقة مجردُ عطف ممثل بالعمل؛ لأن العطف يدفع مَنْ قد يكون متهيئًا لفعل الشر إلى أن يحل نفسه مَحَلَّ المأذي.
إننا في حالة العطف نتمثل شعورَ الغير في أنفسنا. ولكن ليس للعطف من سبيل إلى قُلُوب الأطفال حتى يكونوا قبل ذلك قد عرفوا مدلول كثيرٍ من علامات الألم والحُزن والسرور وهلم جرًّا، ولا بد لهم لمعرفة هذه العلامات أن تكون هذه الإحساسات قد قامت في أنفسهم. ومن هنا يرى استحالة قُدرة الطفل الصغير على مشاركة رجُل كبير في عواطفه؛ لأنه لا يدركها.
هذا وإذا أمكن إغراء الطفل أن يقسم لعبه بينه وبين طفل آخر ففي هذا أول مظاهر العطف الناشئ في الفؤاد.
إذا دخل الطفل المدرسة لأول مرة فإن غرضه من العمل الحصول على ثناء معلمه، وهذا باعثٌ ذاتيٌّ أناني، ولكن إذا نشأ العطف بين التلميذ والمعلم فإنما يكون اجتهادُهُ وحفظه دروسه ليرضي معلمه. وهذا شعور لا شخصي فضلًا عن أنه شعور أرقى بكثير من مجرد حب الثناء.
فلكي ينشأ العطف بين المعلم وبين الأطفال الذين وُكل إليه أمرهم، ولاستبقاء هذا العطف؛ يجدر بالمعلم أن يُظهره لهم، وذلك بمشاركتهم في مساءاتهم ومسراتهم على السواء. بذلك يحصل على ما يريد منهم من مشاركتهم إياه في رغباته.
هذا ويجب على المعلم عند المعاقبة والإثابة أن لا ينسى أثر العطف.
نعم إنه يَستحيلُ غَضُّ النظر عن الإحساسات الدنيا التي في الأطفال، ولكن يؤثر أن يكون الجزاءُ في فرق الأطفال الذين هم أكبرُ من السابقين سنًّا، بألفاظ المدح والثناء لا بالمكافآت المادية وإلا ظن الطفل أن قيمةَ المكافآت المادية أعلى من صواب الفعل الذي مِنْ أجلِهِ منحت هذه المكافأة. ويحسن أن لا يعتاد المعلم منح «درجات» لكل درس من الدروس وإلا اعتاد التلميذ العمل لمجرد الحصول على شيء من الجزاء أو المكافأة، وهناك تنشأ المنافسة والمباراة، وكلتاهما قاضيةٌ على خلة العطف.
ولما كان تألُّم الإنسان لآلام غيره أسهلُ مِن سروره لِما يناله من السرور؛ فإنه يصعب أن يسر المعلم الغرفة بأجمعها بمنحه واحدًا منهم مكافأة. فلا يصح أن يكون منح المكافآت محاباة من المعلم أو سواه، بل يجب أن تمنح من أجل المواظبة ولمن يكون من الأطفال قد آذن بترك المدرسة وكان قد أحسن العمل فيها.
ولهذا السبب أيضًا لا تصح معاقبة طفل أمام قرنائه في الفرقة وإلا فإنهم إن انصرفوا لحظة عن التفكير في الذنب الذي من أجله يعاقب قرينُهُم ضاع أثر العقاب من نفوسهم بعطفهم عليه.
عطف الجماعة
أفعال أي شخص تتأثر بأفكار مَنْ يُحيطون به وبأفعالهم. والأطفال على وجه التخصيص مَيَّالُون إلى التقليد. فالطفل في المدرسة يفعل ما يفعله إخوانه. فإذا كانوا ملتفتين أو مطيعين كان ذلك، والعكس بالعكس. فأما إذا لم يفعل كما يفعلون فإنه يخرج بذلك من حيز مشاركتهم ويعتزلهم ويصبح في نفسه كيانًا مستقلًّا بذاته، وهو أمرٌ لا يخفى عن إخوانه فينبرون من أجل ذلك إلى اضطهاده والسخط عليه.
وقد عبر عن هذا بعطف الجماعة، وهو مِن أهم العوامل في التربيتين الأدبية والعقلية.
من هنا نرى الحاجة إلى انتشار روحٍ أدبية في المدرسة؛ إذ إن الطاعة والالتفات والاجتهاد أمورٌ لا يُبْدِيها الطفل في المبدأ إلا تقليدًا ومعاطفة لا حبًّا منه في القيام بصالح الأعمال.
(٣) الشعور العقلي
هو الإحساس والميل إلى المعرفة قد يسمى أحيانًا غريزة العجب أو غريزة حب التعلم. وبما أن الأطفال مستفسرون بالطبع، ولا ينفكون عن السؤال؛ فإنه يجدر بالمعلم أن ينمي هذا الشعور ويجيب طلبته. وليذكر المعلم أنه يجب أن يعمل على طبع حُبِّ العلم لذاته في أذهان الأطفال.
الميل إلى الجمال
هو الشعور بالحس، وللأطفال من شهود الأشياء مسرة فهم يبتهجون من رؤية الأزهار والألوان الزاهية والصور، واستماع ألحان الموسيقى وأمثال ذلك. فيمكن — والحالة هذه — الانتفاع به في التربية؛ إذ إن مثل هذه الأشياء يعين على حصول التنبُّه والالتفات.
الإرادة
هي قدرةُ العقل على إيضاح آرائه وإحساساته فيما تسميه فعلًا، ويمكن تعريفها بأنها جهد موجه إلى غرض محدود أو فاعلية ذاتية تظهر في الإصرار الذاتي والتكيُّف الذاتي.
فإذا هممنا بفعل لغرضٍ مقصود استلزم ذلك شيئًا من جهة الإرادة، ولكن لا يتوقف هذا الفعل على وجود غرض مقصود فحسب، ولكن على اختيار الطرق التي تُفضي إلى هذا الغرض أيضًا.
- (١)
أننا نرغب في اللاذِّ وننصرف عن المؤلم.
- (٢)
إذا كانت اللذة أكبر أو الألم أشد كان العقل أشدَّ جهدًا.
- (٣) يتوقف مقدارُ الجهد على حالة الأعضاء الجسمانية، وعلى ذلك فكل فعل من أفعال الإرادة يشمل:
- (أ)
الشعور: إما باللذة أو بالألم.
- (ب)
الرغبة: في الانتقال إلى حالة أو شأن يخالف الحاضر.
- (جـ)
التدبُّر: في فعل الفعل أو تركه.
- (د)
التحيُّز والعزم: على فعل الفعل.
- (أ)
نمو الإرادة
- الأول: دور الفعل غير الاختياري أو الغريزي في الطفل، مثل صراخه ورفسه؛ فإنهما ليسا مرسومين من قبل، بل يحدثان من غير إدراك الإرادة الحقيقية ولا موافقتها.
- الثاني: دور الاختيار، وذلك إذا فعلت هذه الأفعال بقصد ولكن من غير تدبُّر ولا تخير حقيقي. هنا لا يكون للفعل إلا دافعٌ واحدٌ هو إجازة الإرادة بالفعل دون ضَبْطِها له.
- الثالث: دور التدبر، وهنا يكون للفعل دافعان على الأقل، أحدهما لفعل الفعل وثانيهما لتركه، والفعل في هذه الحالة يكون بإجازة الإرادة وضبطها له.
فظاهرٌ مما سبق أنه كلما كان الطفل أحدث سنًّا كانت قوة إرادته أَقَلَّ نموًّا. وظاهر أيضًا أَنَّ سير النمو يبتدئ من دور الفعل غير الاختياري، وينتهي إلى دور الفعل الاختياري أو المتدبر، وبعبارة أُخرى من دور الاندفاع إلى دور الرشد.