الفضيلة الأدبية والقانون
الفضيلة الأدبية هي الخضوع للقانون الأدبي. والقانون الأدبي هو مجموعُ قواعد السلوك التي يحس الإنسان بأنه ملزم بالعمل عليها. وعلى ذلك فالفضيلة الأدبية تشمل الخيرية في الفعل بصرف النظر عن خيرية النفس.
وأصل هذه القواعد السلوكية فيما فطر الناس عليه من الميل الغريزي إلى ايلاف أنفسهم زمرًا وجماعات، فهم مِن أجل ذلك مرتبطون بعضهم ببعض في العائلة ومرافق الحياة والمجتمع المدني والدين وفي الحكومة.
ومن ثم نشأت الحاجةُ إلى القوانين مدنيها وأدبيها، وإلا فإذا كان من خليقة الإنسان أن يعيش وحده لما كانت هناك حاجة إلى تلك القوانين لامتناع الجرائم التي يعاقب عليها، وحينئذٍ لا تقوم فضيلةٌ ولا تتضع.
ولكن لَمَّا كان الناسُ مفطورين — كما قلنا — على الارتباط بعضهم ببعض بروابط، وكان لكل فردٍ في علاقته بغيره من أعضاء المجتمع أو الزمرة التي يعيش فيها حقوقٌ محدودةٌ وامتيازاتٌ معروفةٌ؛ فلكي يكفل تمتعه بهذه الحقوق والامتيازات أُلقيت عليه إلزامات محدودةٌ وتبعاتٌ موضوعةٌ هي القواعد أو الأوامر أو القوانين.
(١) القوانين
- أولًا: قد يفيد اللفظ معنى قاعدة أو أمر يجب الخضوع له. وهذا الأمر وضعتْه سلطةٌ عُليا قادرة على تنفيذه. ومن مجموع هذه الأوامر تتكون قوانينُ البلد أو الحكومة، وهذه قابلةٌ للتغيير وقد تُخالف اختيارًا وإن كان مخالفها معرضًا للعقاب.
- ثانيًا: قد يفيد اللفظ معنى النظام الذي يشعر بوجوده بين مظاهر معينة من مظاهر الطبيعة كما يقال «قانون الطبيعة»، وتلك قوانينُ لا تتغير ولا تخالف.
فالقوانين التي قد تتغير أو تخالف إذا تغيرت الأحوال التي تقتضيها تسمى «فرضية»، ومعنى ذلك أنها صحيحةٌ على فرض أو زعم أن هذه المقتضيات لا تتغير.
أما القانون الأدبيُّ فهو غير متغير وإن أمكن أن يخالف اختيارًا. وهو سارٍ على الناس جميعهم في كل زمان ومكان وكل ظرف وحال. وليس فرضيًّا؛ لأنه لا يتغير بحالة ولا فرض بل هو حتميٌّ لا استثناء فيه، وهو في الحقيقة أمرٌ أو إلزامٌ لا مَفَرَّ منه.
وقد نعت العالِمُ «كانْت» هذا القانون الأدبي بقوله: إنه إلزام حتمي؛ أي أنه قطعي أو أمر ليس له استثناء.
الفرقُ بين القانون الأدبي والمدني
- (١)
القانون المدني أو قانون البلد هو فرضي، وهو قابل للتغيير، أما القانونُ الأدبيُّ فهو حتميٌّ غيرُ قابل للتغيير.
- (٢)
قد يكون القانون المدني فاسدًا، ولكن القانون الأدبيَّ بطبيعته لا يُمكن أن يكون كذلك.
- (٣)
إذا كان القانون المدني صالحًا فهو داخلٌ في القانون الأدبي، ومكون جزءًا منه؛ لأن هذا أعلى وأشمل.
- (٤)
لا يعنَى القانون المدني إلا بالأفعال، أما القانون الأدبي فبالأفعال وبواعثها أو ما كان له تأثيرٌ في هذه الأفعال.
- (٥)
القانون المدني تشرعه وتنفذُهُ سلطةٌ خارجةٌ كالحكومة. ولكن القانون الأدبي تشرعه وتنفذُهُ سلطةٌ باطنيةٌ، هي الضميرُ أو الوجدان.
- (٦)
القانون المدني لا يتطلبُ من الفرد إلا أن يرعَى الواجبات التي هي ضروريةٌ لاستمرار الحياة الاجتماعية؛ أي المجتمع، ولكن القانون الأدبيَّ يتطلب من الفرد أن يكون من الصلاح على ما يستطيع؛ أي أن يعيش به على أرقى مثل في الحياة.
(٢) الإلزامات الأدبية، أو ما ينبغي
كل ما يربطنا هو إلزام. وفي الاصطلاح القانوني هو رابطةٌ تشملُ العقوبة عند التقصير، ففي الإلزام معنى الخضوع والطاعة للقانون، ومنها تتألفُ سلطةُ القانون الأدبي. والمراد بالإلزام الأدبي ما يدعونا إلى اعتبار القانون الأدبي ساريًا علينا ملزِمًا لنا.
- (١)
أن الإلزام يقوم على الصفة الافتطارية للمصدر الذي يكشف عن القانون.
- (٢)
أن الإلزام يقوم على القانون المكتشف افتطاريًّا، ولا سيما على أنه عام غير خاص.
- (٣)
أن الإلزام يعتمد على الجزاءات التي ينفذ بها القانون الأدبي، والتي بها يُعاقب على كل الأفعال التي لا تكون وفاقًا لهذا القانون.
الجزاءات
الجزاء يشملُ الآلام واللذائذ التي تتعلق بأي قانون، فالآلام هي القصاصات أو العقوبات المترتبة على عدم الطاعة، واللذائذ هي المكافآت على الطاعة.
وبما أن القانون المدني إنما يحاول به منع الفعل السيئ، ولا يعمل على تنشيط الأعمال الصالحة أو المكافأة عليها؛ فالجزاءات القانونية تُفيد القصاص فقط، ولكن الجزاءات الأُخرى تشمل المكافآت واللذائذ المترتبة على الطاعة للقانون، كما تشمل القصاصات والعقوبات المترتبة على عصيانها.
تقسيم الجزاءات
- (١)
جزاءاتٌ جسمانيةٌ صادرةٌ عن الطبيعة وقصاص هذه نتيجة الإفراط البدني وغيره، مثال ذلك ما يُصيب الإنسان من المرض والآلام وأمثالها والصحة أيضًا.
- (٢) جزاءات أدبية وتنقسم قسمين:
- (أ)
الجزاءات الأدبية الخارجية أو الجزاءات الاجتماعية؛ أي التي تصدر عن رأي الجماعة أو رأي الإخوان مثال ذلك المحبة والكراهة والمودة والاحترام، وأشباه ذلك.
- (ب)
الجزاءات الأدبية الباطنية؛ أي الآلام التي يسببها الضمير أو الوجدان كارتياحه ووخزه وهلم جرًّا.
- (أ)
- (٣)
الجزاءات القانونية أو السياسية، وهي العقوبات التي توجبُها قوانينُ البلد.
- (٤)
الجزاءات الدينية؛ أي أنواع الثواب والعقاب التي قسمها الله تعالى، مثال ذلك الجنة والنار.
إن استعمال الجزاءات مفيدٌ من حيث إنه يساعد على إحداث عاداتٍ حسنة تُفضي إلى حُسن السلوك. ولكن يجب على المعلم في المدرسة أن يستفزَّ الراقي من إحساسات الأطفال، فأما استعمالُ الجزاءات — وهي ضرورية للأطفال الصغار — فيجب أن يتدرج فيه على الرجعى شيئًا فشيئًا حتى لا يعمد إليها.