المهاجرة من الناتال
لم تطُل مدة إقامة البوير في الناتال؛ وذلك أن بريطانيا العظمى أرادت ضم الناتال إلى أملاكها، فألغت القرار الذي أصدره استوكنستروم حاكم مستعمرة الرأس قبلًا، القائل فيه بأن نفوذ جلالة الملكة وسلطتها تنبسط إلى درجة ٢٩ من العرض، وطلبت احتلالها احتلالًا حربيًّا، فاعترض البوير عليها، وجاهروا بالعصيان والاستقلال. وفي ٢٠ مايو سنة ١٨٤٢ أرسلت إنكلترا من بلاد الرأس إلى مينا الناتال ٣٥٠ جنديًّا بقيادة الكابتن سميث ومعهم خمسة مدافع وخمسة وستون عربة تحمل المؤنة والذخيرة. ولما وصلوا أخذوا في إقامة الحصون، فأرسل إليه بريتوريوس يطلب منه الكف عن العمل، فلم يعبأ بكلامه وأعلنه بأنه تعيَّن حاكمًا للناتال، ويأمره بأن ينجلي عن بلدة كونجيلا الواقعة شمال المينا، فما أجاب طلبه؛ وعلى ذلك أخذ الكابتن المذكور مدفعين و١١٥ عسكريًّا وسار بهم قاصدًا كونجيلا لطرد البوير، فأرسل إلى بريتوريوس يطلب منه المقابلة للمفاوضة في الأمر قبل استفحاله، فأجاب الطلب، ولكنهما افترقا على غير اتفاق.
وطلب بريتوريوس مرة أخرى من الكابتن سميث إيقاف بناء الحصون فأبى الكابتن ذلك؛ وحينئذٍ ابتدأ القتال بين الطرفين وظل مستمرًّا إلى ٢٣ مايو، فلم يتمكن الإنكليز من فتح كونجلا، فعولوا على المسير إليها ليلًا ليفتحوها عنوةً، فقامت فرقة ثانية في الساعة الحادية عشرة مساءً، وكان سيرهم سرًّا، ولكن غاغة المدافع والعربات هتكت السر وأيقظت البوير، فاختبأ منهم ٨٠ رجلًا في غابة عظيمة بطريق الإنكليز، فبينما هم سائرون لا يحسبون للعدو حسابًا تساقط عليهم الرصاص كالبرَد، ولشدة الظلام لم يتمكن الإنكليز من مشاهدة البوير، فتقهقروا، وكانت خسارتهم ٢٣ قتيلًا و٤٥ جريحًا، وظلت الحرب سجالًا بينهما حتى ١٥ يونيو سنة ١٨٤٢، حتى تمكنت إنكلترا من التغلب عليهم، وامتلكت بلاد الناتال، ونظمت بها حكومة شوروية، ورتبت لها القوانين اللازمة. وفي أواخر سنة ١٨٤٥ ذهب برتوريوس إلى الكاب ليعترض على هذا الاحتلال فأبى حاكم الكاب وقتئذٍ هنري بوتجيتر مقابلته، فرجع إلى الناتال. وبعد مدة قليلة استبدلت إنكلترا هذا الحاكم بآخر يُسمى هاري سميث، فذهب هذا الأخير بناءً على أمر حكومته للنظر في مطالب البوير، وتدبير الطرق المسهلة لراحتهم، فخولهم كل ما تتوق إليه أنفسهم، فمكثوا بعد ذلك صامتين مدة من الزمن، ولكن في نفوسهم صوت يدعوهم إلى الشر. فأخذ بريتوريوس يدس الدسائس ويوعز الصدور ضد الإنكليز، إلى أن حمل إخوانَه على محاربتهم في نقطة أخرى غير الناتال، وجعل مركز قصده بلاد الأورنج، وبعدما جمع من أطاعه سار برجاله وعبَر نهر أورنج، ووصل إلى بلوم فنتين، ولم يكن بها غير ضابط إنكليزي وقليل من الجند، وعدد قليل من البوير الخاضعين لبريطانيا العظمى، فعلمت بذلك إنكلترا وأرسلت مددًا من مدينة الرأس، فعجز بريتوريوس عن محاربتهم، وانسحب إلى جهة بلومباتز، وكان ذلك في شهر أغسطس سنة ١٨٤٨.