الرحيل إلى الترنسفال
ولما انخذل البوير أيضًا في جهة أورنج ساروا بقيادة بريتوريوس إلى جهة الشمال، طالبين
وطنًا يعيشون فيه مستقلين، فذهبوا أولًا إلى ميدلبرج، وكانت البوير قد أخذتها أولًا من
البازوتس في سنة ١٨٣٩، فأقاموا مع إخوانهم هناك، وصارت أملاكهم تمتد شيئًا فشيئًا. وفي
سنة ١٨٤٨ شرع البوير المقيمون بها يؤسسون حكومة جمهورية مستقلة، فانتخبوا لها رئيسًا،
ثم ألفوا مجلس الفولسكراد ومجلس التنفيذ، وجعلوا عاصمة حكومتهم مدينة ميدلبرج، فتشبَّه
بهم بريتوريوس وأسس له جمهورية ثانية، صار هو رئيسًا عليها، وجعل عاصمتها مدينة
بوتشستروم، وعقدوا الخناصر على امتلاك الأراضي الواسعة في هذه الجهات الشاسعة، حيث بها
قبائل البازوتس. ولما درى هؤلاء بأن البوير طامعون في امتلاك أراضيهم اتحدوا على
مقاومتهم، وصاروا يقاتلونهم جهد استطاعتهم، فكانت تذهب أتعابهم هباءً منثورًا. وفي
أواخر سنة ١٨٥١ طلبت البوير من إنكلترا الاستقلال، فلبَّت طلبهم لما رأتهم أبدوا من
الهمم مما يشهد لهم بالفخر والعظمة، وانتدبت الميجر هوج والميجر أون لتحديد التخوم
الفاصلة ما بين مستعمرة الناتال وأملاك البوير الجديدة التي سُميت بلاد الترنسفال،١ ولما وصلوا إلى هناك تشكلت لجنة من البوير يرأسها بريتوريوس، واتحدت مع
المندوبين الآنف ذكرهما، وتم الاتفاق بينهما على ما يرضي الطرفَين، وعملت معاهدة بذلك
في أول يناير سنة ١٨٥٢، وهذه هي أهم بنودها:
- أولًا: يُعتبر نهر الفال حدًّا فاصلًا ما بين مستعمرة الناتال وأملاك البوير.
- ثانيًا: ليس للحكومة الإنكليزية حق التداخل في أحكامهم الإدارية أو السياسية.
- ثالثًا: منع تجارة الرقيق منعًا كليًّا.
- رابعًا: ليس للبوير الحق في عقد معاهدات أو اتحاد مع القبائل القاطنة في شمال الترنسفال.
- خامسًا: منح حرية التجارة.
- سادسًا: الأسلحة النارية والذخائر لا تُنقل من بلاد الكاب إلا بإذن وإطلاع الحاكم الإنكليزي عليها.
وبعد هذه المعاهدة أخذت الترنسفال تسعى في الارتقاء وتوسيع دائرة نفوذها. ومن سنة ١٨٥٢ إلى سنة ١٨٧٦ لم يحدث بينها شيء تاريخي يستحق الذكر سوى بعض حوادث حدثت في أعوام مختلفة، سنتكلم عليها.
١
الترنسفال: كلمة مركبة من كلمتين، ترانس أعني ما وراء، وفال اسم نهر
هناك.