الرئيس برجر
هو ثاني رؤساء جمهورية الترنسفال، وُلد في مستعمرة الكاب، ثم غادرها وهو في السابعة عشرة من عمره، واستوطن بلاد الترنسفال، وكان رجلًا فاضلًا متوقد القريحة، شديد الذكاء، مشهورًا بالفصاحة، وقد انتظم في سلك الكهنة وقضى سنينَ معهم، ثم تركهم وتفرَّغ للأعمال السياسية، وكان يخدم وطنه ليلًا ونهارًا، مشتغلًا بما يعود بصالح بلاده وبما يُكسِبه رضاءَ أبناء وطنه عنه.
وفي سنة ١٨٧٢ انتخبه البوير رئيسًا للجمهورية بدلًا من بريتوريوس الذي انتخبه بوير
أورنج بعد ذلك رئيسًا لجمهوريتهم، وأما المستر برجر فلما عُهِدت إليه زمام الجمهورية،
رغب في نظمها سلك الممالك المتمدنة؛ فأراد أن يُوجِد بها السككَ الحديدية والأسلاكَ
البرقية وصكَّ النقودِ لتسهيل موارد الثروة، وكانت مشروعاته هذه ضد إرادة البعض من
أغبياء البوير؛ لأنهم كانوا يخافون ثقلَ الضرائب، ولذلك كانوا يضعون العقبات في سبيله،
وحينما أراد أن يبرز رغبته إلى عالم الوجود، بادَرَ بالسفر إلى أوروبا وما راعى إشارةَ
الأطباء الذين كانوا يَنْهونه عن السفر لعدم موافقته لصحته، بل نبذها ظهريًّا وأناب عنه
المستر كروجر،١ وكان سفره في أوائل سنة ١٨٧٥، وزار أولًا إنكلترا ثم توجَّه منها إلى
هولندا، وعرض مسألة إنشاء السكك الحديدية على أغنيائها، فتألَّفت منها شركةٌ رأسُ مالها
تسعون ألف جنيه، واشترت به بعضَ الأدوات اللازمة تحت ملاحظته، وعاد إلى بلاده في أبريل
سنة ١٨٧٦، فقُوبِل بمزيد الحفاوة والإكرام. وفي أثناء غيابه كان قد انتظم في مجلس
الفولسكراد أعضاءٌ لم يكونوا على وفاقٍ معه، فصاروا يحرِّضون المستر كروجر على مضادته،
ولما تمت أعماله قدَّروها حقَّ قدرها، حتى إن الذين كانوا يعارِضون عليها صاروا في
مقدمة الراضين عنها.
١
هو بولص كروجر، وُلِد في ١٠ أكتوبر سنة ١٨٢٥ بمستعمرة الرأس، وهاجر مع إخوانه
البويرَ إلى الناتال، ثم عبر معهم نهر الفال، وقد كان أولًا فلاحًا، ثم كلافًا،
فجنديًّا، فقسيسًا، فقائدًا للجيش، ثم انتُخب رئيسًا للجمهورية في سنة ١٨٨٢،
وأُعيد انتخابه جملةَ مرات. وقد اشتُهِر بالقوة والشجاعة وسرعة الجري في صباه،
حتى إنه كان يجاري الجواد، ومن مميزاته أيضًا توقُّد قريحته، مع كونه لم يتعلم
في صِغَره أكثرَ من المطالعة في الكتاب المقدس، ثم تعلَّم اللغة الإفرنسية في
كِبَره وصار يُحسِن التكلم بها، ويكره اللغةَ الإنكليزية ومَن يتكلم بها أيضًا؛
ولذلك أبى أن يتعلَّمها، واشتُهِر أيضًا بكرهه للمقامرة واليانصيب، وكلِّ ما
يشمُّ منه رائحةَ الميسر، ومع وجوده بهذا المنصب العظيم، لم يزل ميَّالًا
للبساطة في معيشته، وأهل بلاده يلقِّبونه «عم بولص». وأما منزله فإنه لا يضاهي
مقامَه لحقارته، ولم يكن فيه شيء من الزخارف والأثاث الثمين، الذي يُوجد عند
أمثاله، وفي الساعة الخامسة صباحًا تكون زوجته واقفةً في المطبخ لعمل القهوة
ومناولتها له بيدها، وبعد ذلك تجلس بجانبه فيملأ غليونه، ويبدأ في القراءة في
التوراة، ثم يتناول قليلًا من الطعام، ويغادر المنزلَ ويذهب إلى ديوان الحكومة.
وقد رُزِق ١٩ ولدًا تُوفِّي منهم تسعة.