فظائع البوير
أما أراضي البوير الواسعة، فقد امتلكوا بعضَها بالحيلة وبعضَها بحد الحسام، وقد كانوا شديدي الرغبة في اتساع مملكتهم، فنجحوا نجاحًا عظيمًا في زمن قليل، وأصبحت مساحةُ أرضهم تكفي لأمثالهم أضعافًا، وقد كان يذهب الرجل منهم إلى شيخ إحدى القبائل، ويرجوه أن يسمح له بأن تُرعَى ماشيته بقطعةِ أرضٍ من أراضيه، فمتى سمح له ونزلت بها ماشيتُه يدَّعي امتلاكَها، فإذا أتى صاحبُ الأرض يطالِب بها، يهينه ويحتقره، فيذهب إلى شيخِ قبيلةٍ لرفع شكواه، ويذهب معه البويري ومعه رأسان من الغنم هديةً للشيخ، الذي لعِلمه بقوة البوير ونفوذ كلمتهم يضطر صاغرًا لقبول الهدية والتصريح بتسليم الأرض إليه. وحينما كان الرئيس برجر متغيبًا في أوروبا، طلب النائبُ عنه من ستيواو ملك الزولس تغيير الحدود الفاصلة بين أملاك الطرفَيْن، وأعلنه بأنه إذا لم يبادر لإجابة طلبه، يجرِّد عليه عشرة آلاف مقاتل لتنفيذ طلباته بالرغم عنه، فاستاءت الزولس من تهديده ووعيده، واشتدَّ الخلاف بينهما حتى كاد أن يُفضِي إلى القتال، فطلب الطرفان تدخُّلَ حاكمِ مستعمرةِ الكاب ليحكم بينهما، فأجاب طلبهما وحدَّد بمعرفته التخوم، وفي ١٨ أغسطس سنة ١٨٧٥ قامت البوير تدَّعي بأن الحدود التي حُدِّدت بمعرفة حاكم الكاب مُجحِفةٌ بحقوقهم؛ فتشَّكلت لجنة للنظر في ذلك وأعادت تحديد التخوم مرةً ثانية، نال فيها البوير ما سدَّ أفواهَهم.
أني أرسلت إليك أخي ليخبرك عمَّا نقاسيه من سُوء معاملة البوير، وما نتحمله من قساوتهم واستبدادهم.
ولما وصل هذا الرسول إلى الحاكم أخذ يقصُّ عليه بعضًا من أفعالهم، فقال: «إنه في يوم من الأيام تعدَّى أحد خدَّام البوير على رجل من قبيلتنا، وأخذ يضربه ضربًا حتى أسالَ الدمَ من جسمه، ولم يكن هذا المسكين جنى ذنبًا يستحق عليه ذلك، فخوفًا من الوقوع في المشاكل كظمنا غيظَنا، ولزمنا السكوت. وفي مرة أخرى بينما كان أحد رجالنا جالسًا في حقله، إذ أقبل عليه رجل من البوير ممتطيًا صهوةَ جواده، فنزل من فوقه وأمسك الرجل، ووضع حبلًا في عنقه وربطه في السرج ثم ركب جواده، وأخذ يجري فتهشَّمت عظام الرجل، وفارقَ الحياةَ الدنيا شهيدَ القسوة والاستبداد. ومما يزيدنا حزنًا أنهم يلقِّبوننا بالمتوحشين، وهم يأتون أعمالًا تَنفر الوحوش منها. وقد حكى لنا أحد رجالنا أنه ذات يوم قبض عليه رجلٌ منهم، وأخذ يضربه ضربًا شديدًا، حتى أُغمي عليه فأدخله منزله، وجعل يذيقه أنواع العذاب، وهو يستغيث ولا مُغيث، إلى أن تحرَّكت الشفقةُ في قلب زوجة البويري فمنعته عنه بكل جهد.»
ثم بعد أن استراح الرسول وهدأ روعه استأنف الحديث وقال: «إنَّا لم ننسَ فظيعة سنة ١٨٦٥ حينما كان البوير يقاتلون قبيلةَ الكفرة في جهة زوتنسبرج، وهرب من هذه القبيلة عددٌ عظيم واختبئوا في مغارة هناك، فأحضَرَ البوير أخشابًا وأعشابًا ووضعوها على باب المغارة وأشعلوا النار فيها، فأحرقوهم عن آخِرهم، ولم تزل للآن إشارةُ الدخان في سقف المغارة تشهد على ذلك، وأيضًا العِظامُ المتراكمة فوق بعضها أقوى شاهد. ومن فظائعهم أثناء الحروب أنهم يجمعون أطفالنا ويضعون عليهم عشبًا يابسًا ويحرقونهم، وإذا أردتَ أن أعدِّد لك فظائعهم يطول بي الشرح، ولكني ذكرت ما ذكرت لنقف على أعمال هؤلاء الناس وكيفية معاملتهم للجنس الأسود.»
تجارة الرقيق
أمَّا البوير فلم يراعوا معاهدةَ نهر الفال، ونبذوا بنودَها ظهريًّا، فكانوا يأخذون أطفال العبيد بعد أن يقتلوا والديهم ويربونهم، ومتى شبَّ الطفل وجد نفسه بين ظهرانيهم لا يعرف والدَيْه، فيكون عبدًا لمربيه، يسخِّره ويحمِّله أثقال الأشغال، ويبيعه متى شاء، وكان أكثرهم نخَّاسين على هذه الصورة، وشُوهِد ذات يوم أحدهم شاحنًا قطارًا بالعبيد الصغار ذكورًا وإناثًا، وصار يبيعهم باسم قطع الأبانوس الأسود، باعتبار القطعة ثلاثة عشر جنيهًا، أو يأخذ بدلًا عنها عجلًا أو حصانًا.