الانضمام
ولما علم السكسونيون بعد إتمام الصُّلْح بأن الترنسفال لم تزل مستقلة؛ أرادوا تجديد النزاع حتى ينتقموا من البوير، ويأخذوا بثأرهم منهم، ولما كانت معاهدة الصلح لم تمضِ عليها إلا أيام قلائل لم يرُقْ في عين سكسوني أن يُبدِي حَراكًا، بل ترك ذلك لستيواو رئيس إحدى قبائل الزولس، فأرسل هذا الأخير رسولًا من قبيلته بمكتوبٍ إلى حكومة الترنسفال، يعلنها باستقلاله ورفض سيادة الجمهورية والقتال بينهما إذا أنكرت عليه ذلك. وكان وصول مكتوبه في ١١ أبريل سنة ١٨٧٧، وفي الحال حشد رجاله على الحدود، ولمَّا علم بذلك السير شيبستون خاف العاقبة، وتوجَّه في الحال إلى الرئيس برجر للمفاوَضة في مكتوب ستيواو، فاستدعى الرئيس أعضاءَ مجلس التنفيذ، فأقروا على إرسال مكتوب إلى ستيواو ويعلنونه بضم الترنسفال إلى إنكلترا، ويهدِّدونه بالقوة الإنكليزية إذا أصرَّ على حشد جيوشه أو تعدَّى الحدود. ولو تأخَّر هذا المكتوب أسبوعًا واحدًا لَكانت مضارب الزولس دقَّت في بريتوريا، ولمَّا وصل هذا المكتوب إلى ستيواو فرَّقَ رجالَه وأرسل إلى السير شيبستون يقدِّم له الطاعة، ويعلنه بأنه فرَّقَ رجاله لما علم أن بلاد الترنسفال قد انضمت لإنكلترا.
وفي ١٢ أبريل سنة ١٨٧٧ أُعلِن رسميًّا ضمُّ جمهورية الترنسفال لإنكلترا، وكانت ساعة ذلك الإعلان هائلة جدًّا، وقد كان المندوب الإنكليزي يخشى حدوثَ ثورة، ولكن كان يزيل الصعاب ويزحزح العثرات بحكمته وتدبيره، ومن جملة ما فعل من هذا القبيل عدم رفعه الراية الإنكليزية؛ لئلا تكون سببًا في شبوب نار العداوة، ولئلا يتخذها الأعداءُ فرصةً لإظهار ما تكنُّه بواطنهم، وأبقى ذلك ريثما يستتِّب الأمن، وأخذ من فوره يسعى في اتخاذ الطرق اللازمة لإماتة روح التعصُّب، غارسًا في أفئدة الشعب بذور الألفة والمحبة، موفِّقًا بين آراء الأحزاب المختلفة، فنجحت مساعيه وخابر حكومته بكل ما تم، فأُعجِبت لمهارته وحُسْن درايته ولما أتى به من الأعمال الجليلة التي كانت تستلزم إهراقَ دماء الألوف في سبيل إتمامها. وفي ٣١ مايو ورد من لندرا كتابًا إلى السر شيبستون يتضمَّن ممنونية جلالة الملكة وشكرها له على أعماله، وبعد ذلك أراد الذهاب إلى إنكلترا للمفاوضة مع حكومته فيما يلزم أعماله لتحسين تلك البلاد وإصلاحها، فوفدت عليه رؤساءُ القبائل وعظماء الأوروبيين ليودِّعوه، فغادرهم في ٢٠ يونيو، مزوَّدًا بدعائهم ومستصحبًا محبتهم، وأناب بدله السير أون لانيون. ولما وصل السر شيبستون إلى إنكلترا قدَّم تقريرًا مطولًا لحكومته، أوضح فيه كل أعماله التي أدَّاها وأضاف إليه ما رأى إجراءه لازمًا لإصلاح تلك البلاد، وبيَّن أنْ لا مانعَ من رفع الراية الإنكليزية الآن على بلاد الترنسفال، فانتدبت إنكلترا لذلك الماجور كلارك، فوصل إلى بريتوريا في ٢٠ من شهر يوليو، وبعد وصوله بيومَين عزم بعض رعاع البوير بإغواء حزب الدوبرز على قتل الماجور كلارك قبل أن يرفع الراية على بلادهم. وفي ذات ليلة اجتمعوا بعدما ثملوا بالخمور وأرادوا الهجوم على منزله والفتك به، ولكنه وقف على ما يضمرونه له، وعندما قربوا من المنزل وقف أمام نافذةِ غرفته وقال لهم بكل هدوء: «إنني أرى رءوسكم مثقلة بالخمر، وأقدامكم لا تقوى على حمل أجسادكم، فأنصحكم أن تتوجَّهوا إلى منازلكم لتستريحوا وتستفيقوا.» فلما سمعوا منه ذلك ورأوه مستيقظًا، خابت مساعيهم وعادوا على أعقابهم، ولم يحدث ما يكدِّر الصفا في تلك الليلة.
وفي ٢٣ يوليو سنة ١٨٧٧ وصلت أورطتان من الجيش الإنكليزي إلى بريتوريا، فأرسل الماجور كلارك يستدعي رؤساء القبائل عمومًا لحضور الاحتفال برفع العلم البريطاني، فحضر الجميع واصطفَّتِ الجنود الإنكليزية حول ديوان الجمهورية، ورُفِعت الراية بيد الكولونل بروك، وبعد ذلك اشتُهِر رسميًّا انضمام بلاد الترنسفال لإنكلترا، وكان فرح الأمة الإنكليزية عظيمًا جدًّا.