العناصر
واليوم تُعتبَر الفكرةُ القائلة بأن العناصر تتكوَّن من مجسمات أفلاطونية فكرةً خاطئة، ولكنها كانت أصلَ الفكرة المثمِرة القائلة إن الخواص العيانية (أي التي تُرى بالعين المجردة) للمواد تترتَّب على تراكيب المكونات المجهرية التي تتألَّف منها، وقد استمرت فكرة هذه «العناصر» خلال العصور الوسطى ولما بعدها، مدعومةً بعناصر أخرى قليلة اكتشفها الخيميائيون؛ أيِ الكيميائيون القدماء والسابقون على علماء الكيمياء الحديثة. كان أشهر هدف لأولئك الخيميائيين هو تحويل العناصر الخسيسة إلى عناصر نفيسة، ولا سيما محاولتهم تحويل معدن الرصاص الرخيص إلى معدن الذهب النفيس، الذي جعله جمالُ لونه الجذاب وندرته و«خموله» الكيميائي من أكثر المواد نفاسةً منذ فجر الحضارة.
ولكن فضلًا عن أن فلاسفة الإغريق كانوا يعتبرون العناصر موادَّ يمكن أن تكون موجودة بالفعل، فإنهم كذلك فكروا فيها على أنها أسس أو ميول أو قدرات تؤدي إلى خواص العناصر التي يمكن ملاحظتها. وهذا التمييز الدقيق بين الصورة المجردة للعنصر وبين صورته القابلة للملاحظة لعب دورًا مهمًّا في نشوء علم الكيمياء، على الرغم من أننا في هذه الأيام نجد أن المعنى الأكثر دقةً غيرُ مفهومٍ حتى من قِبَل الكيميائيين المحترفين، ومع ذلك فقد عملت فكرة العنصر المجرد كمبدأ إرشادي أساسي لبعض روَّاد منظومة الجدول الدوري، مثل ديمتري مندليف الذي يُعَدُّ المكتشف الرئيسي لهذا الجدول.
ويمكن اعتماد الكثير من المواد التي في قائمة لافوازييه كعناصر بناءً على المواصفات الحديثة، ولكن هناك أشياء أخرى مثل اللوماير (الضوء) والكالوريك (الحرارة) لم تَعُدْ تُعتبَر من العناصر، ومن المتوقَّع أن يساعد ما يتحقَّق من تقدُّم سريع في تقنياتِ فصلِ المواد الكيميائية وتمييزها على مدى السنوات القادمة؛ علماءَ الكيمياء في بسْطِ هذه القائمة وتوسيع نطاقها، ويُتوقَّع أن تفيد هذه التقنية المهمة من التحليل الطيفي باستخدام المطياف — تلك التقنية التي تقيس الطيفين الانبعاثي والامتصاصي لأنواعٍ مختلفة من الإشعاع — في استحداث وسيلةٍ شديدةِ الدقة، يمكن عن طريقها تحديدُ كلِّ عنصرٍ من خلال البصمة الخاصة به. واليومَ نعرف نحو ٩٠ من العناصر الموجودة في الطبيعة، وفضلًا عن هذا أمكن تخليق نحو ٢٥ عنصرًا إضافيًّا بطريقة اصطناعية.
اكتشاف العناصر
عُرِفت بعض العناصر مثل الحديد والنحاس والذهب والفضة منذ فجر الحضارة، وهذا يعكس الحقيقة القائلة بأن هذه العناصر يمكن أن توجد في صورة غير متحدة، أو أن من السهل فصلها من الخامات المعدنية التي توجد فيها.
يطلِق علماءُ التاريخ والآثار على أحقاب معينة في التاريخ البشري أسماءً مثل العصر الحديدي أو العصر البرونزي (البرونز سبيكة من النحاس والقصدير)، وقد أضاف الخيميائيون المزيدَ من عناصرَ عدَّةٍ إلى القائمة، وتشمل الكبريتَ والزئبق والفوسفور، وفي أزمنة حديثة نسبيًّا مكَّنَ اكتشافُ الكهربية علماءَ الكيمياء من عزل الكثير من العناصر الأشد تفاعُلًا، التي تختلف عن النحاس والحديد في عدم إمكان تحضيرها بتسخين خاماتها بالفحم (أي الكربون). خلال بعض الحُقَب الكبرى في تاريخ الكيمياء اكتُشِفت بضعة عناصر في غضون سنوات قلائل؛ فعلى سبيل المثال: استفاد عالِم الكيمياء الإنجليزي همفري ديفي من الكهربية، أو بتعبيرٍ أدق: استفاد من تقنية التحليل الكهربي، في فصل نحو عشرة عناصر، ومنها: الكالسيوم، والباريوم، والمغنسيوم، والصوديوم، والكلور.
وعقب اكتشاف النشاط الإشعاعي والانشطار النووي تمَّ اكتشاف المزيد من العناصر، وكانت العناصر السبعة الأخيرة التي تمَّ عزلها ضمن نطاق العناصر الموجودة في الطبيعة هي: البروتاكتينيوم، والهافنيوم، والرينيوم، والتكنيشيوم، والفرنسيوم، والأستاتين، والبرومثيوم، فيما بين عامَيْ ١٩١٧ و١٩٤٥. ومن أواخر الثغرات التي تعيَّن مَلْؤها تلك الثغرةُ المقابلة للعنصر ٤٣، الذي صار يُعرَف باسم التكنيشيوم من اللفظ «تكني» اليوناني ومعناه «اصطناعي»، وقد تمَّ «تصنيعه» من خلال تفاعلات كيميائية إشعاعية لم تكن لتتحقَّق قبل نشوء علم الفيزياء النووية. ومع ذلك يبدو الآن أن التكنيشيوم يوجد بصورة طبيعية في الأرض، وإن كان بكميات ضئيلة.
أسماء العناصر
إن جزءًا من جاذبية الجدول الدوري مستمَدٌّ من الطبيعة المميزة لكل عنصر من العناصر مثل اللون والملمس، كما يكمن الكثير ممَّا يثير الاهتمام في أسمائها. وقد ألَّفَ الكيميائي بريمو ليفي (الذي نجا من معسكر اعتقال الأسرى) كتابًا لاقَى استحسانًا كبيرًا سمَّاه ببساطةٍ «الجدول الدوري»؛ حيث أطلق على كلِّ فصلٍ فيه اسمَ أحد العناصر، ويدور أغلب هذا الكتاب حول علاقاته ومعارفه، ولكن كل حكاية ونادرة فيه تنطلق من حب ليفي لعنصر معيَّن. أما طبيب الأمراض العصبية والمؤلف المعروف أوليفر ساكس، فألَّفَ كتابًا سمَّاه «العم تنجستين»؛ فيه يحكي عن ولعه بالعناصر وبالكيمياء، ولا سيما الجدول الدوري. وفي فترةٍ أكثر حداثةً ألَّفَ سام كين وهيو ألدرسي ويليامز كتابَيْن مشهورَيْن عن العناصر، وأظن أنَّ من الإنصاف أن أقول إن مفهوم العناصر صار مُتقبَّلًا في مخيلة عامة الناس، بل إنه صار جذَّابًا أيضًا.
وعلى مدى قرون عديدة كانت تُكتشَف خلالها العناصرُ، استُخدِمت وسائل مختلفة كثيرة لإكسابها أسماءها التي تُعرَف بها؛ فالبروميثيوم وهو العنصر ٦١، يستمِد اسمه من بروميثيوس، ذلك الإله الأسطوري عند الإغريق الذين زعموا أنه سرق النار من السماء وأعطاها للبشر، وتعرَّضَ بسبب هذا لعقوبة زيوس. وتكمن العلاقة بين هذه الأسطورة الخيالية والعنصر ٦١ في الجهد البطولي الذي بذله العلماء لعزله، بما يقابل ما ذُكِر في الأساطير والخرافات الإغريقية من دورٍ بطوليٍّ خطيرٍ لعبه بروميثيوس. والبروميثيوم هو أحد العناصر القليلة التي لا توجد في الأرض بصورة طبيعية، فقد تمَّ الحصول عليه كناتج تحليلي من انشطار عنصرٍ آخَر هو اليورانيوم.
كما استُخدِمت الكواكب وغيرها من الأجرام السماوية في تسمية بعض العناصر؛ فالهيليوم اكتسب اسمَه من كلمة «هليوس»، وهو الاسم اليوناني للشمس، وقد لُوحِظ وجوده في طيف الشمس في عام ١٨٦٨، ثم اكتشف العلماءُ وجودَه في عينات أرضية لأول مرة في عام ١٨٩٥. وبالمثل لدينا البالاديوم الذي اكتسب اسمَه من الكويكب «بالاس»، الذي بدوره سُمِّي بهذا الاسم تبعًا لربة الحكمة في الخرافات الإغريقية التي سمَّوها «بالاس»، واكتسب عنصر السيريوم اسمه من سيريس، وهو أول كويكب اكتشفه العلماء في عام ١٨٠١، وكذلك سُمِّي اليورانيوم تبعًا لكوكب أورانوس، وقد اكتُشِف كلٌّ من الكوكب والعنصر في عقد الثمانينيات من القرن الثامن عشر. وفي كثير من تلك الحالات أيضًا نجد السمةَ الخرافية مستمرةً؛ فأورانوس على سبيل المثال هو اسم إله السماء في الأساطير الإغريقية.
وقد اكتسبت عناصر كثيرة أسماءها من أسماء الألوان؛ فغازُ الكلور ذو اللون الأخضر المصفر سُمِّي بهذا الاسم المشتق من الكلمة اليونانية «كلوروس» التي ترمز إلى اللون الأخضر المصفر، وسُمِّي عنصر السيزيوم بهذا الاسم من الكلمة اللاتينية «سيزيوم»، ومعناها أزرق ضارب للرمادي؛ ذلك لأن في طيفه الضوئي خطوطًا واضحة لونها أزرق رمادي. أيضًا أملاحُ عنصر الروديوم كثيرًا ما يكون لها لونٌ وردي، وهذا يفسِّر السببَ في اختيار اسم العنصر تبعًا للفظ «رودون»، وهو الاسم اليوناني للوردة، واكتسَبَ معدن الثاليوم اسمَه من اللفظ اللاتيني «ثالوس»، ومعناه الغصن الأخضر، فهو عنصر اكتشفه عالِمُ الكيمياء البريطاني ويليام كروكس من وجود خط واضح أخضر اللون في طيفه.
كما جاء عدد كبير من أسماء العناصر من المكان الذي عاش فيه مكتشِف العنصر، أو أراد أن يكرمه، مثل: عناصر الأمريسيوم والبركليوم والكاليفورنيوم، والدارمشتاتيوم واليوروبيوم والفرنسيوم والجرمانيوم والهاسيوم، والبولونيوم والجاليوم، والهافنيوم (من كلمة هافنيا وهو الاسم اللاتيني لكوبنهاجن)، واللوتيشيوم (من كلمة لوتيشيا وهو الاسم اللاتيني لباريس)، والرينيوم (تبعًا لمنطقة نهر الراين)، والروثينيوم (من كلمة روس، وهي الاسم اللاتيني لمساحةٍ من الأرض تشمل المنطقة الغربية من روسيا الحالية وأوكرانيا وبيلاروس وأجزاء من سلوفاكيا وبولندا). إلا أن هناك أسماء عناصر أخرى اشتُقَّت من مواقع جغرافية ترتبط بمعادن توجد فيها، وتتضمَّن هذه الفئة حالة من أربعة عناصر سُمِّيت تبعًا لقرية سويدية اسمها يتيربي قريبة من العاصمة ستوكهولم، وأسماء هذه العناصر هي: إربيوم، وتربيوم، ويتربيوم، وإتريوم؛ وقد اكتُشِف وجودها كلها في خامات تقع حول هذه القرية، بينما أُطلِق على عنصر خامس اسم هولميوم نسبةً للاسم اللاتيني لستوكهولم.
وهناك حالات من عناصر تخليقية أكثر حداثةً أتت أسماؤها من أسماء مكتشِفِيها، أو من أسماء أشخاص أراد المكتشِفون أن يكرِّموهم؛ فعلى سبيل المثال لدينا: البوريوم، والكوريوم، والأينشتاينيوم، والفرميوم، واللورنسيوم، والمينتنيريوم، والمندليفيوم، والنوبليوم، والرونتجينيوم، والرذرفورديوم، والسيبورجيوم.
وقد شهدت تسمية عناصر ما بعد اليورانيوم (وعناصر ما بعد اليورانيوم هي العناصر ذوات الأعداد الذرية التي تزيد عن العدد الذري لليورانيوم) مجادلاتٍ ومعارضاتٍ لها طابعٌ قومي متشدِّد، ونشبت في بعض الحالات نزاعاتٌ مريرة بشأن أول مَن قام بتخليق العنصر، ومن ثَمَّ مَن يجب أن ينال شرف اختيار اسم له. وفي محاولة لحل تلك النزاعات، أصدَرَ الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية مرسومًا يقضي بأن العناصر يجب تسميتها، بطريقةٍ نزيهة ومنهجية، بالأعداد اللاتينية الخاصة بالعدد الذري للعنصر في كل حالة؛ فالعنصر رقم ١٠٥ — على سبيل المثال — يُعرَف هكذا باسم «أن-نيل-بنتيوم» (أن معناها واحد، ونيل معناها صفر، وبنتا معناها خمسة)، بينما يصير اسم العنصر ١٠٦ هو «أن-نيل-هكسيوم»، ولكن لاحقًا، وبعد الكثير من التفكير في أمر بعض تلك العناصر الفائقة الثقل التي في أواخر الجدول، أعاد الاتحادُ الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية حقوقَ التسمية إلى المكتشِفين أو المصنِّعين التخليقيِّين الذين قُضِي لهم بالأسبقية في كل حالة، وصار العنصران ١٠٥ و١٠٦ يُسمَّيان الآن دوبنيوم وسيبورجيوم على الترتيب.
وحين نشر العالم البريطاني جون دالتون نظريتَه الذرية في عام ١٨٠٥، استبقى العديد من الرموز الخيميائية للعناصر، ولكنها كانت مُرهِقةً، ولم تكن طيِّعةً لنسخها في المقالات والكتب، ثم أدخَلَ الكيميائي السويدي يونز ياكوب بيرسيليوس في عام ١٨١٣ الاستخدامَ الحديث لرموز الحروف.
المعدن | الذهب | الفضة | الحديد | الزئبق | القصدير | النحاس | الرصاص |
الرمز | |||||||
الجرم السماوي | Sun | Moon | Mars | Mercury | Jupiter | Venus | Saturn |
الأيام (باللاتينية) | Solis | Lunae | Martis | Mercurii | Jovis | Veneris | Saturni |
الأيام (بالفرنسية) | Dimanche | lundi | mardi | mercredi | jeudi | vendredi | samedi |
الأيام (بالإنجليزية) | Sunday | Monday | Tuesday | Wednesday | Thursday | Friday | Saturday |