أنماط الجدول الدوري
لقد قيل الكثير عن الجدول الدوري في الفصول السابقة، ولكنَّ هناك جانبًا مهمًّا لم أتحدَّث عنه حتى الآن، ويتعلَّق بالأسئلة التالية: لماذا نُشِرت جداول دورية كثيرة؟ ولماذا يُروَّج للكثير منها حاليًّا في الكتب والمقالات وعلى الإنترنت؟ وهل يوجد ما يُسمَّى الجدول الدوري «المثالي»؟ وهل حتى هذا السؤال يُعتبَر منطقيًّا وفعَّالًا؟ وإذا كان كذلك، فماذا تَحقَّقَ من تقدُّمٍ نحو تحديد هذا الجدول المثالي والتوصُّل إليه؟
في كتابٍ جامع عن تاريخ الجدول الدوري، أدرج إدوارد مازورس أشكالًا توضيحية، فضلًا عن مراجع علمية، لنحو ٧٠٠ من الجداول الدورية التي نُشِرت منذ تشكيل أول جدول دوري في عقد الستينيات من القرن التاسع عشر. وفي خلال الأربعين عامًا — تقريبًا — التي انصرمت منذ نشر كتاب مازورس، ظهر ما لا يقل عن ٣٠٠ جدول آخَر، لا سيما لو ذكرنا نُظمًا جديدة دورية تمَّ بثُّها على الإنترنت. وإن تلك الحقيقة بالذات القائلة بوجود الكثير جدًّا من الجداول الدورية هي أمر يحتاج لتفسير، وبالطبع، فإن الكثير من هذه الجداول لا يقدِّم جديدًا، بل إن بعضها غير سليم من الناحية العلمية، ولكن حتى لو حذفنا هذه الجداول المضلِّلة، فسيبقى مع ذلك عددٌ كبير جدًّا من الجداول.
ولكنني سأفترض أن كل هذه الأنماط المتنوعة تتعلَّق فقط بتغيير شكل المنظومة الدورية، ولا يوجد فارق جوهري بينها. إن ما يشكِّل اختلافًا رئيسيًّا هو وضع عنصر أو أكثر في مجموعة تختلف عمَّا تُوضَع فيه عادةً في الجدول التقليدي. ولكن قبل أن أشرع في معالجة هذه النقطة، دَعْني أتوقَّف برهةً لأناقش تصميم الجدول الدوري بصفة عامة.
والآن، ماذا عن السؤال الآخَر الذي طرحْتُه سلفًا؟ هل من المنطقي أن ننشد جدولًا دوريًّا مثاليًّا، أم هل الهواةُ يخدعون أنفسَهم جنبًا إلى جنب مع الخبراء الذين يكرِّسون الوقتَ لهذا السؤال؟ في اعتقادي، يكمن الجواب عن هذا السؤال في مواقفنا الفلسفية حيال المنظومة الدورية؛ فإذا اعتقد المرء أن التكرار التقريبي في خواص العناصر هو حقيقةٌ موضوعية تتعلَّق بالعالَم الطبيعي، يكون المرءُ حينئذٍ متَّخِذًا موقفَ الواقعيين؛ فبالنسبة إليه، يكون السؤال المتعلِّق بالتماس جدول دوري مثالي متَّسِمًا بالمعقولية التامة. فالجدول الدوري المثالي هو الجدول الذي يمثِّل حقائقَ الشيء أو الموضوع المتعلِّق بصفة الدورية الكيميائية بأفضل صورة، حتى إن كان هذا الجدول المثالي لم يُكتشَف حتى الآن على الأرجح.
من ناحية أخرى، قد يعتقد المولع بالذرائعية أو المناهِض للواقعية، فيما يتعلَّق بالجدول الدوري، أن صفة الدورية في العناصر هي خاصيةٌ أُقحِمت على الطبيعة من طرف البشر؛ ولو كان هذا صحيحًا، لَمَا كانت هناك رغبةٌ قوية لاكتشاف الجدول الدوري المثالي؛ إذ لن يكون له وجود مطلقًا. فبالنسبة إلى ذلك الشخص التقليدي أو المناهِض للواقعية، لا يهمه أين تُوضَع العناصر بالضبط في الجدول الدوري؛ لأنه يعتقد أن ذلك الجدول الذي نتعامل معه هو مجرد علاقة اصطناعية، وليست طبيعية، بين العناصر.
ولكي أُعرِبَ عن موقفي الشخصي، أقول إنني واقعيٌّ بدرجة كبيرة حين يتطرَّق الأمر إلى الجدول الدوري؛ فعلى سبيل المثال: يدهشني أن أجد الكثيرين من الكيميائيين يتَّخِذون موقفًا معاديًا للواقعيين فيما يتعلَّق بالجدول الدوري، بل إن بعض الكيميائيين إذا سُئِلوا عمَّا إذا كان عنصر الهيدروجين ينتمي إلى المجموعة ١ (مجموعة الفلزات القلوية) أم المجموعة ١٧ (مجموعة الهالوجينات)، يردُّون قائلين إن هذا الأمر لا يهم.
هناك بعض القضايا العامة النهائية أود أن أذكرها قبل أن أعرض تفاصيلَ الجداول البديلة والجداول المثالية المحتمَلة، ومن بين تلك القضايا القضيةُ المتعلِّقة بفائدة هذا الجدول الدوري أو ذاك. يميل علماء كثيرون إلى تفضيل نوعٍ معينٍ ما أو غيره من الجداول الدورية، آمِلين أن تكون له فائدةٌ أكبر لهم في أعمالهم العلمية، سواءٌ أكانوا من الفلكيين أم الجيولوجيين أم الفيزيائيين … إلخ. هناك جداول مبنية أساسًا على مبدأ المنفعة، وتوجد أيضًا جداول أخرى تتحرَّى إعلاء «الحقيقة» فيما يختصُّ بالعناصر، سعيًا إلى تعبير أفضل مع غضِّ النظر عن فائدته لبعض صنوف العلماء. ولا حاجةَ إلى القول بأن أي سعي للحصول على جدول دوري مثالي يجب أن يتجنَّب مبدأَ المنفعة، ولا سيما إذا كانت تقتصر على فرع علمي معين واحد أو ما دون هذا الفرع. وعلاوةً على هذا، فإن الجدول الذي ينشد الحقيقةَ بخصوص العناصر، من المأمول أن تتجلى فائدته لمختلف فروع العلم، إذا نجح في اغتنام الطبيعة الحقيقية والعلاقة الحقيقية بين العناصر. ولكن هذه المنفعة تأتي كعلاوة إضافية؛ إذ ليست شيئًا يتحتَّم عليه أن يقرِّر الطريقة التي يصل بها الجدولُ المثالي إلينا.
كما أن هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بالتناسُق الشكلي، وهي أيضًا قضية خادعة إلى حدٍّ ما؛ فالكثيرون من مؤيدي الجداول الدورية البديلة يزعمون أن جداولهم أفضل لأن العناصر ممثَّلة فيها بطريقة أكثر تناسُقًا أو انتظامًا، أو ربما أكثر اتساقًا أو جمالًا. ولقد تعرَّضَتْ مسألة التناسُق الشكلي والجمالي في العلم للكثير من الجدل، ولكن كما هو الحال في جميع القضايا الحسية الجمالية، فإن ما قد يبدو جميلًا في عين شخصٍ ما ربما لا يُعتبَر جميلًا في نظر شخص آخَر. وأيضًا يجب أن يَحْذر المرء من فرض جمال أو انتظام غير موجود فعليًّا على الطبيعة. ويبدو أن الكثيرين من مناصِري الجداول البديلة يدافعون حصريًّا عن انتظام تلك الجداول التي تضم العناصر، ناسين أحيانًا أنهم يتكلمون عن مجرد جداول تحتوي العناصرَ، وليس عن العالَم الكيميائي ذاته.
بعض الحالات الخاصة
الآن وقد ذكرنا كل هذه المبادئ الأولية، يمكننا أن نغوص معًا داخل بعض الجداول الجديدة المقترَحة، مفترِضين — بالطبع بحسب رأيي الشخصي — أنه من المنطقي أن ننشد جدولًا دوريًّا مثاليًّا. لنبدأ بالجدول الدوري ذي التدريج اليساري (أي المدرَّج من جهة اليسار)، الذي يُعَدُّ من تلك المنظومات الدورية المختلفة جوهريَّا؛ من حيث إن العناصر تُوضَع فيه في مجموعات تختلف عن التي في الجداول الأكثر تقليديةً. أول مَن ابتدع الجدول المدرَّج من اليسار هو شارل جانيه في عام ١٩٢٩، بعد نشوء ميكانيكا الكم بقليل. ومع ذلك، يبدو أن ابتكار جانيه هذا لا يَدِين بأي فضلٍ لميكانيكا الكم، ولكنه بُنِي بالكامل على الأسس الجمالية. ولكن سرعان ما صار واضحًا أن هناك بعض الصفات الرئيسية في الجدول المدرَّج من اليسار، التي تتفق على نحوٍ أفضل مع موقف ميكانيكا الكم من الذرات مما تفعل الجداولُ التقليدية.
بدايةً نتساءل: ما هو بالضبط الجدول المدرَّج من اليسار؟ وبماذا يختلف عن سائر الجداول الدورية؟ وللجواب أقول: يتم الحصول على الجدول المدرَّج من اليسار بنقل عنصر الهيليوم من قمة الغازات النبيلة (في المجموعة ١٨)، إلى قمة الغازات الأرضية القلوية (في المجموعة ٢)، ثم يجري نقل المجموعتين اللتين إلى يسار هذا الجدول بكاملهما إلى حافة الجانب الأيمن لتكوين جدول جديد. وفضلًا عن هذا، فإن تلك الكتلة المكوَّنة من ٢٨ عنصرًا، وهي العناصر الأرضية النادرة، التي تظهر عادةً كحاشية سفلية للجدول الدوري؛ يتم نقلها إلى الجانب الأيسر من الجدول الجديد. ونتيجةً لهذا النقل تصير العناصرُ الأرضية النادرة داخلةً ضمن الجدول الدوري إلى يسار كتلة الفلزات الانتقالية.
من بين مزايا الجدول الجديد حقيقةُ أن شكله العام صار أكثرَ انتظامًا وأكثرَ توحُّدًا، وعلاوةً على هذا فقد صار لدينا الآن دورتان قصيرتان جدًّا بدلًا من واحدة فحسب كما نرى في الجداول الدورية العادية. وعلى هذا، بدلًا من أن نحصل على طول دوري واحد بشكلٍ شاذٍّ ولا يتكرر، نجد في الجدول المدرَّج من اليسار جميع الأطوال الدورية تتكرَّر مرةً واحدة لتعطي تتابُعًا دوريًّا للعناصر كالآتي: ٢، ٢، ٨، ٨، ١٨، ١٨، … إلخ. ولا يتعلق أيٌّ من هذه الميزات بميكانيكا الكم، ولكنها صفات قدَّرها جانيه، دون أن يدري شيئًا عن هذه النظرية. وكما رأينا في الفصل الثامن، فإن إدخال ميكانيكا الكم إلى الجدول الدوري نتج عنه فهمٌ قائم على التوزيعات الإلكترونية. وفي هذا المنحى، تختلف العناصر في الجدول الدوري بعضها عن بعض تبعًا لنوع المدار الذي يشغله الإلكترون المميِّز (وهو آخِر إلكترون يدخل الذرة في العملية التزايدية).
ذاك النسق الذي يتَّسِق تمامًا مع الجدول التقليدي ذي النمط الطويل؛ حيث تترتَّب كتلُ العناصر من اليسار إلى اليمين. وفضلًا عن هذا، فإن نظام الملء، وليس بُعْد الإلكترونات في الأنواع المختلفة من المدارات عن النواة، هو الذي ينبغي اعتباره أكثر أهميةً.
- (١)
ليست البنية الإلكترونية هي الحكم الأخير في إسكان العناصر في مجموعات، وقد يجري الاستعاضة عنها ببعض المعايير الجديدة الجيدة بمرور الزمن (فعلى سبيل المثال: تمَّ في نهاية المطاف الاستعاضة عن الوزن الذري بالعدد الذري في ترتيب العناصر؛ ومن ثَمَّ حل مشكلة الانعكاس الزوجي).
- (٢)
ليست لدينا بالفعل حالةٌ موازية، ولا يزال التوزيع الإلكتروني هو الفيصل، وفي هذه الحالة يجب تجاهُل صفة الخمول الكيميائي الظاهرة في عنصر الهيليوم، وتركه كما هو في الجدول الدوري.
لاحِظْ أن الخيار رقم ١ يحبِّذ بالفعل الجداولَ الدورية التقليدية، بينما يحبِّذ الخيارُ رقم ٢ الجدولَ المدرَّج من اليسار. ومن الواضح أنه ليس سهلًا أن نقرِّر ما إذا كان الجدول المدرَّج من اليسار يمثِّل ميزة من وجهة نظر ميكانيكا الكم أم لا. دَعْني الآن أطرح فكرة أخرى وسط هذا المزيج. هل تذكر ما قيل في الفصل الرابع عن طبيعة العناصر، وكيف أن مندليف على الأخص عضَّدَ النظرة إلى العناصر بالمفهوم الأكثر تجريديةً، لا التقيُّد باعتبار العناصر موادَّ بسيطةً أو معزولةً؟ هذا الاعتماد على المدلول التجريدي للعنصر يمكن استخدامه لتبرير نقل الهيليوم إلى المجموعة الأرضية القلوية. وأما الانشغال بمسألة أن الخمول الكيميائي للهيليوم يحرمه من وضعه ضمن مجموعة العناصر الأرضية القلوية الأكثر نشاطًا، فيمكن تدارُكه بأن ننتبه إلى طبيعة العنصر ككيانٍ تجريديٍّ، بدلًا من التركيز على خواصه الكيميائية. ومع ذلك، هذا النقل معناه أن نتساءل: «لماذا لا» نضع الهيليوم ضمن العناصر الأرضية القلوية، إذا كان من الممكن تجاهُل طبيعته الكيميائية؟
معيار جديد: الحفاظ على الثلاثيات أو ابتكار ثلاثيات جديدة
قد يكون ثمة معيار أقوى وأكثر إيجابيةً (وهو التساؤل ﺑ «لماذا نعم» بدلًا من «لماذا لا») للاستقرار على قرارٍ بشأن موضع الهيليوم، أو أي عنصر آخر في الجدول الدوري؛ وهذا المعيار الجديد يمثِّل — بدرجةٍ ما أو بأخرى — دائرةً كاملةً فيما يتعلَّق بتطوير الجدول الدوري. تذكَّرْ كيف جاء أول تلميح إلى وجود انتظام عددي بين العناصر في عام ١٨١٧ باكتشاف دوبرينير لثلاثيات العناصر مثل الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم؛ حيث يكون للوزن الذري للعنصر الأوسط قيمة متوسطة بين العنصرين السابق واللاحق. ولكن ذلك المبدأ التصنيفي القائم على الوزن الذري تمَّ الاستعاضة عنه بمبدأ العدد الذري؛ فما الذي أدَّى إليه هذا التغيير فيما يختص بوجود ثلاثيات العناصر في الجدول الدوري؟ حسنًا، إذا كان أدَّى إلى أي شيء، فإنه يقوِّي هذا المفهوم بعد أن تمَّ الآن الاستعاضة عن ثلاثيات الوزن الذري التقريبية السابقة بثلاثيات العدد الذري الدقيقة. تأمَّلِ الثلاثيتَيْن الكلاسيكيتَيْن التاليتَيْن القائمتَيْن على الوزن الذري باستخدام أوزانٍ ذرية معبَّر عنها بأربعة أو خمسة أرقام:
الليثيوم | ٦٫٩٤٠ | الكلور | ٣٥٫٤٥ |
الصوديوم | ٢٢٫٩٩ (بينما المتوسط بين العنصرين السابق واللاحق ٢٣٫٠٢) | البروم | ٧٩٫٩٠ (بينما المتوسط بين العنصرين السابق واللاحق ٨١٫١٨) |
البوتاسيوم | ٣٩٫١٠ | اليود | ١٢٦٫٩٠ |
والآن: تأمَّلِ الثلاثيتَيْن المقابلتَيْن القائمتَيْن على العدد الذري:
الليثيوم | ٣ | الكلور | ١٧ |
الصوديوم | ١١ | البروم | ٣٥ |
البوتاسيوم | ١٩ | اليود | ٥٣ |
فبينما نجد أن الوزن الذري لكلٍّ من الصوديوم والبروم لا يقابل المتوسط الحسابي الذي نحصل عليه من وزنَي العنصرين السابق واللاحق لكلٍّ منهما، فإننا نجد أن العدد الذري لكلٍّ من الصوديوم والبروم يساوي تمامًا متوسط عددَي العنصرين السابق واللاحق لكلٍّ منهما.
والآن، ماذا لو حاولنا أن نستقر على إسكان عنصر الهيليوم في الجدول الدوري، عن طريق أخذ ثلاثيات العدد الذري في الاعتبار؟ إن نتاج تطبيق هذا الأسلوب واضحٌ وجليٌّ للغاية. فإذا تُرِك الهيليوم في مكانه المعهود بين الغازات النبيلة، فإنه يشكِّل بالفعل جزءًا من ثلاثيةٍ مثاليةٍ من الأعداد الذرية، هكذا:
الهيليوم | ٢ |
النيون | ١٠ |
الأرجون | ١٨ |
ولكن إذا نقلنا الهيليوم إلى مجموعة العناصر الأرضية القلوية كما يحدث في الجدول المدرَّج من اليسار، نكون بهذه الكيفية قد نجحنا فقط في القضاء على ثلاثية جيدة تمامًا من الأعداد الذرية:
الهيليوم | ٢ |
البيريليوم | ٤ |
المغنسيوم | ١٢ |
تطبيق نفس المعيار على عناصر أخرى يصعب تسكينها في أماكن مناسبة
لطالما بَدَا لي هذا الأمر إظهارًا ﻟ «التميُّز كيميائيًّا»؛ فهو يشير ضمنيًّا إلى أنه في حين تخضع جميع العناصر للقانون الدوري، فإن الهيدروجين يُعَدُّ حالةً خاصة بدرجةٍ ما؛ ومن ثَمَّ يُعتبَر فوق القانون، ويشبه في هذا إلى حدٍّ كبير العائلةَ المالكة البريطانية في ماضي الزمان. ولكن ماذا عن محاولة استخدام معيار ثلاثيات العدد الذري لحل مشكلة إسكان الهيدروجين؟ كما في حالة الهيليوم، فإن استخدام هذا المنحى تنجم عنه نتيجةٌ شديدةُ الوضوح تدعم وضْعَ الهيدروجين ضمن الهالوجينات وليس ضمن الفلزات القلوية؛ ففي الجدول الدوري التقليدي، حيث يُوضَع الهيدروجين مع الفلزات القلوية، لا توجد ثلاثية مثالية، في حين إذا سُمِح للهيدروجين بأن يتربَّع على قمة الهالوجينات، فسوف تخرج ثلاثية جديدة من الأعداد الذرية إلى حيِّز الوجود.
الهيدروجين | ١ | الهيدروجين | ١ | ||
الليثيوم | ٣ | (١ + ١١)/٢ ≠ ٣ | الفلور | ٩ | (١ + ١٧)/٢ = ٩ |
الصوديوم | ١١ | الكلور | ١٧ |
تطبيق ثلاثيات العدد الذري على المجموعة ٣
هناك أيضًا جدلٌ طال أمده بين الكيميائيين ومعلِّمي الكيمياء فيما يتعلَّق بالمجموعة ٣ من الجدول الدوري؛ فبعض الجداول الدورية القديمة تُظهِر العناصرَ التالية في المجموعة ٣ على النحو الآتي:
وفي وقتٍ تالٍ لهذا، بدأَتِ الجداول الدورية المنشورة في الكثير من الكتب الأكاديمية تُظهِر المجموعةَ ٣ على النحو الآتي:
الإتريوم | ٣٩ |
اللوتيشيوم | ٧١ = (٣٩ + ١٠٣)/٢ |
اللونسيوم | ١٠٣ |
وأما الثلاثية الثانية التالية فغير صحيحة:
الإتريوم | ٣٩ |
اللانثانوم | ٥٧ ≠ (٣٩ + ٨٩)/٢ = ٦٤ |
الأكتينيوم | ٨٩ |
ولكنَّ هناك سببًا آخَر جعل ترتيب ينسن هو الأفضل، وهذا لا يعتمد على أي مناصَرة لثلاثيات العدد الذري.
بالعودة إلى الهيدروجين والهيليوم، دَعْني أذكر نقطةً أخيرة؛ فمن حيث البراهين الكيميائية والفيزيائية، لا أظن أن بإمكاننا حتى الآن أن نحلَّ قضيةَ الجدول الدوري النهائي الكامل، أو نعرفَ ما إذا كان الجدول المدرج من اليسار أفضل من الجدول الذي أساسه ثلاثيات العناصر.
وفي الختام، آمُل أن يكون القارئ قد خرج من هذا الكتاب وهو يدرك أن الجدول الدوري لا يزال إلى حدٍّ كبير موضوعًا يثير الاهتمام ويخضع للتطوير. كما أنصحه بالاطِّلاع على قائمة القراءات الإضافية.