المنطق عند السُّهرَورْدي وعلاقته بالمنطق الأرسطي القديم
تمهيد
قلنا إن للسُّهرَورْدي تجاه المنطق الأرسطي موقفًا مُزدوَجًا؛ فهو يقبل المنطق عامة، ويعتبره إحدى رياضات المتصوِّفة الإشراقية، ثم يضع منطقًا جديدًا ثانيًا، أو يُحاول أن يختصر هذا المنطق ثانيًا. وقلنا إنه بهذا يخالف الصوفية الذين لم يقبلوا أية صورة من صور التفكير النظري. وإن كان السُّهرَورْدي نفسه يصرح بأنه توصل إلى ابتكار هذا المنطق بواسطة الذوق، ويسمي كثيرًا من أبحاثه الجديدة ضوابط إشراقية، فيُقرِّر أنه سيجعل الآلة الواقية للفكر مُختصَرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد، كثيرة الفوائد. ولذا سنُحاول أن نشرح تفاصيل ذلك في هذا الفصل، وذلك على النحو التالي:
أولًا: المنطق الأرسطي كما يصوره مُفكِّرو الإسلام، وخاصة السُّهرَورْدي في مؤلفاته
لقد تصور أرسطو أن منطقه آلة لتحصيل العلوم جميعها، أو مقدمة ضرورية لاكتسابها، باعتباره مدخلًا للفلسفة التي كانت تشمل في عصره جميع المعارف والعلوم.
- (١) القوانين التي من شأنها أن تُقوِّم العقل، وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب، ونحو الحق في كل ما يُمكن أن يغلط فيه من المعقولات أو القوانين التي تحفظه وتحُوطه من الخطأ والزلل.٢
- (٢) الصناعة النظرية التي تُعرفنا أنه من أي الصور والمواد يكون الحد الحقيقي الذي يسمى بالحقيقة حدًّا، والقياس الصحيح الذي يُسمى بالحقيقة برهانًا، وتُعرفنا أنه عن أي الصور والمواد يكون الحد الإقناعي يُسمى رسمًا، وعن أي الصور والمواد يكون القياس الإقناعي الذي يُسمى ما قوي منه، وأوقع تصديقًا، شبيهًا باليقين جدليًّا، وما ضعف منه وأوقع ظنًّا غالبًا ومادة يكون القياس الفاسد الذي يُسمَّى مغالطيًّا وسوفسطائيًّا، وهو الذي يتراءى أنه بُرهاني أو جدلي ولا يكون كذلك، وأنه عن أي صورة ومادة يكون القياس الذي لا يُوقِّع تصديقًا البتة، ولكن تخييلًا يرغب النفس في شيء أو ينفرها ويقززها أو يبسطها أو يقبضها، وهو القياس الشعري.٣
- (٣) قانون صناعي عاصم للذهن عن الزلل، مميز لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد، بحيث توافق السليمة على صحته.٤
(١) رسالة اللمحات في الحقائق
ويختم الرسالة بحديث عن النبوَّة والأحلام والتناسخ، وليس له في كل هذا إلا أن يُردِّد ما قال به مشاءو العرب، فيما عدا بعض أسماء جديدة لمُسميات ثابتة، أو إضافات لا تخلو من نقد وملاحظة.
(٢) رسالة التلويحات اللوحية والعرشية
(٣) رسالة المقاومات
(٤) رسالة المشارع والمطارحات
وهنا يتَّضح أن رسالة المشارع والمطارحات، وإن كانت من الرسائل التي يُصرح السُّهرَورْدي نفسه بأنه كتبها على طريقة المشائين، إلا أنه يُصرح من ناحية أخرى، بأنه زاد على ذلك أشياء ليست من طريقة المشَّائين في شيء، وإنما هي من طريقة الإشراقيين في كل شيء، وهذا يتَّضح بما عبر عنه بالنكت واللطائف التي تُومئ إلى قواعد شريفة.
(٥) كتاب حكمة الإشراق
- القسم الأول: في ضوابط الفكر، وقد جعله في ثلاث مقالات:
- المقالة الأولى: في المعارف والتعاريف، ويضمُّ مباحث اللغة، وصلة اللفظ بالمعنى، مع عرضه لنقد نظرية التعريف عند أرسطو والمشَّائين العرب.
- المقالة الثانية: في الحُجج ومباديها، ويضم نقده لمباحث القياس وأشكال القضايا.
- المقالة الثالثة: في المغالطات وبعض الحكومات بين أحرف إشراقية وبعض أحرف مشائية، بمعنى أن السُّهرَورْدي في هذه المقالة ينقد المباحث الطبيعية والإلهية عند الفلاسفة المشائين على أساس من تجربته الإشراقية.
- القسم الثاني: في النور وحقيقته، ونور الأنوار، ومبادئ الوجود وترتيبها. وقد جعلها في خمس
مقالات:
- المقالة الأولى: في النور وحقيقته، ونور الأنوار، وما يصدر عنه أولًا.
- المقالة الثانية: في ترتيب الوجود.
- المقالة الثالثة: في كيفية فعل نور الأنوار، والأنوار القاهرة، وتتميم القول في الحركات العلوية.
- المقالة الرابعة: في تقسيم البرازخ وهيئاتها وتركيباتها وبعض قواها.
- المقالة الخامسة: في المعاد والنبوات والمقامات.
يضاف إلى هذا أن السُّهرَورْدي قد ابتدع عالمًا أوسط بين العالم الحسي والعالم العقلي، أسماه بعالم البرازخ أو بعالم المثل المعلَّقة. ويبدو أن الوضع الأنطولوجي لهذا العالم الأوسط هو وضع المثل الرياضية المتوسِّطة عند أفلاطون. وإذا كان الفلاسفة المشاءون قد جعلوا العقول عشرة، فإن السُّهرَورْدي يجعل «الأنوار في أعداد لاحقة لها»، بل إنه يُشير إلى كثرة لا متناهية من الأنوار التي تنشأ عند تقابل الأشعة الإشراقية والمشاهدية، والتي لا تحدث أيضًا كنتيجة للجهات العقلية المختلفة. ويظهر أن تخطيط الوجود النوراني عند السُّهرَورْدي سيصل إلى أن يصبح العالم كتلة من الأنوار ذات الطبيعة الواحدة، والتي تتحرَّك حركات عظيمة لا مُتناهية، فيظهر فيها الثراء النوراني الضخم مما يُعبِّر عن ديناميكية الوجود الخصبة.
- (أ)
الأساس الفلسفي الفكري للإشراق؛ إذ هو قائم عند السُّهرَورْدي على أساس من الاستدلال البحثي العقلي، وهو ما سبق أن أكده في كتابه «حكمة الإشراق» أنه لطالب البحث والتألُّه. غير أن هذا التمييز لا يكفي؛ إذ إن نظرية الاتصال لدى كلٍّ من «الفارابي» و«ابن سينا» تقوم على أساس فلسفي؛ ليَنتهي إلى الاتصال بالعقل الفعال والتلقي المباشر عنه، وكذلك فإن المتصوِّف الأندلسي «عبد الحق بن سبعين» اعتبر المنطق والفلسفة والفقه والكلام خطوة في طريق التحقيق.
- (ب)
فكرة إشراق الأنوار الإلهية على النفس الإنسانية، وهذه الفكرة ليست بجديدة في تاريخ التصوف؛ إذ إن فكرة الأنوار الإلهية وإشراقها على أنفس من تهيأ لتلقيها ليست بجديدة، بل هي مشهورة عند معظم الصوفية، ومن تحدث عن المعرفة الذوقية من الفلاسفة. ويذكر هنا كتاب «أثولوجيا أرسطو»، والذي يُعدُّ من المصادر الرئيسية في فكر السُّهرَورْدي، والذي تتكرَّر فيه فكرة النور والإشراق، وكذلك رسالة «مشكاة الأنوار» للغزالي، والتي كان لها أثر واضح في فكر السُّهرَورْدي الإشراقي.
بيد أن أهم ما يميز السُّهرَورْدي هو جمعه بين الخاصيتَين، واستناد الثانية منهما إلى الأولى؛ إذ يُمثل الأساس الفلسفي لديه مرحلة أولى ممهدة لمرحلة الإشراق؛ فالإشراق يستند إلى أساس فكري ونظري، وطالبه ينبغي أن يكون قد قطع عقبات العلم والبحث.
ثانيًا: المصادر التي استمدَّ منها السُّهرَورْدي منطقه الإشراقي
هناك بعض المصادر التي تأثَّر بها السُّهرَورْدي في منطقه الإشراقي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
(١) المصدر اليوناني (الرواقية)
تأثر السُّهرَورْدي بالرواقية؛ وذلك حين اهتمَّ بالقضايا الشرطية (المتصلة — المفصلة)؛ حيث استهل باب القضايا بالحديث عن القضايا الشرطية، وعالجها قبل معالجته للقضايا الحملية؛ فهو يرى أن القضية الشرطية قضية مكونة في أبسط صورها من قضيتين حمليتين، يربط بينهما رابط يفيد الشرط، ويستلزم الجزاء، الذي قد يقترن بكلمة إذن، ويسمى ما بعد الشرط بالمقدم، ويسمى الجزاء بالتالي؛ وذلك مثل كلمة «كلما طلعت الشمس كان نهارًا».
(٢) المصدر الإسلامي
- أولًا: اختلاف نظرة المتكلمين والمناطقة المشائين في مبحث الحد وثقة الأولين لمبحث الحد الأرسطي.
- ثانيًا: رفض المتكلمين لمبحث القياس الأرسطي.
- ثالثًا: وجود نصوص كثيرة عن المتكلِّمين تُثبت أنهم نقدوا المنطق الأرسطي، من هذه النصوص ما كتبه الباقلاني والنوبختي وإمام الحرمين «أبو المعالي الجويني» و«أبو سليمان السجستاني».٤١
ولا شك في أن السُّهرَورْدي قد قام بنفس هذه المهمة؛ حيث نقد المنطق الأرسطي نقدًا مبتكرًا، وخرج من هذا النقد بقواعد تخالف قواعد منطق أرسطو، وهذا ما سوف نُوضِّحه فيما بعد بالتفصيل.
ثالثًا: أوجه الاتفاق والاختلاف بين منطق السُّهرَورْدي ومنطق كلٍّ من ابن سينا وابن تيمية
هناك مُحاولات لدى مفكري وفلاسفة المسلمين تَقترب من محاولة السُّهرَورْدي، ويُمكن توضيح ذلك بأن نقول إننا إذا كنا قد حاولنا سابقًا وضع مقارنة بين منطق السُّهرَورْدي ومنطق «ابن سبعين»، فإننا نرى أنه يمكن تلمُّس ذلك أيضًا لدى كلٍّ من «ابن سينا» و«ابن تيمية».
(١) ابن سينا
- (١) معالجة الاعتبارات المنطقية في نظرية القضايا الحملية، بما في ذلك تسوير المحمول على طريقة هاملتون Hamilton.
- (٢)
نظرية تفصيله للقضايا الشرطية المتَّصلة والمنفصلة تضم منطوقًا واضحًا بالنسبة للكم والكيف.
- (٣)
إعداد نظرية للقضايا الشخصية (المفردة) على طريقة الرواقيين.
- (٤)
تحليل تفصيلي لمفهوم الوجود، وإعداد تمييز بين الوجود والماهية.
- (٥) نظرية للتعريف والتصنيف وعلاقتها معًا، وهي نظرية تَنطوي على عناصر أصلية.٥٣
غير أننا نلاحظ أن منطق المشرقيين عند ابن سينا، وإن كان يَستعمل نفس اللفظ «شرق»، إلا أنه لا صلة بينه وبين منطق الإشراق؛ فلفظ «المشرقيين» عند ابن سينا لا يدلُّ على منطق خاص، بل هو لفظ من اللغة العادية لا يَعني به ابن سينا أكثر من عنوان لكتاب يذكر فيه بعض جوانب المنطق الأرسطي التي ثار حولها خلاف في عصره، بصرف النظر عن اختلاف أو اتِّفاق ما يصل إليه «ابن سينا» على ما جرى العرف عليه في كتابات المناطقة المشائين السابقين.
وهنا يتَّضح أن منطق المشرقيين يختلف أيضًا عن منطق الإشراق من حيث اللفظ.
(٢) ابن تيمية
وعلى الرغم من اختلاف الرؤية بين الصوفية والفقهاء، إلا أنهم اتفقوا على محدودية العقل واقتصاره على عالم الكثرة والتناهي، كما اتفقوا على نقد المنطق الأرسطي؛ بمعنى أنه إذا كان السُّهرَورْدي قد نقَد المنطق الأرسطي، فلا شكَّ أن محاولته هذه قد وجدت صدًى لمن جاء بعده، من أمثال ابن تيمية؛ والدليل على ذلك نقول حين وضع ابن تيمية كتابيه «الرد على المنطقيين» (المسمَّى بنصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان) و«نقض المنطق» في بيان تهافُت الأسس التي يقوم عليها المنطق الأرسطي، وأهمها الحد (التعريف) والقياس، إلا أن ابن تيمية لم ينقد المنطق الأرسطي أو يُهاجمه على أسس إشراقية، وإنما نقده على أسس تجريبية؛ حيث تناوله في جزئياته المتعددة بملاحظاته النقدية القيِّمة التي كانت بداية انطلق منها المناطقة الأوروبيون في العصر الحديث، خاصة «فرنسيس بيكون» و«جون استيوارت مل» و«ديفيد هيوم» في الهجوم على منطق أرسطو، ولم يكن ابن تيمية مُتعصبًا في هجومه على المنطق لمجرَّد أنه يوناني الأصل، وإنما نظر إلى فائدته في تحصيل اليقين فوجدها معدومة، على عكس ما وجدها المناطقة المشاءون.
رابعًا: الإضافات التي أضافها السُّهرَورْدي للمنطق الأرسطي
- (١)
نقد السُّهرَورْدي لنظرية التعريف في المنطق الأرسطي، ومحاولة وضع تعريف جديد.
- (٢)
نقد السُّهرَورْدي لمبحث القضايا والقياس.
(١) نقد السُّهرَورْدي لنظرية التعريف في المنطق الأرسطي، ومحاولة وضع تعريف جديد
- (١)
إما عن طريق الإحساس؛ فالأمور المحسوسة تدرك تمام الإدراك.
- (٢) وإما طريق الكشف والعيان، وهو أدقُّ الطرق وأوثقها. وإذا كان السُّهْرُوَرْدِيُّ قد توصل إلى أن المشائين يأخُذُون الذاتي العام؛ أي الجنس، والذاتي الخاص؛ أي الفصل في تعريف الشيء. ولما كان الذاتي الخاص هذا غير معلوم عند من يجهله، فإقحامُه في التعريف يُناقض القاعدة المشائية القائلة بأنَّ المجهول لا يُوصَل إليه إلا بالمعلوم، ثم يُعطينا سببًا آخر لهدمه لنظرية التعريف الأرسطية، بأنه لو افترضنا أنه اتَّفق للمعروف الإلمام بهذا الذاتي الخاص أو الفصل، فكيف يأمن ألا يكون قد غفل عن ذاتي آخر لا يعرف الشيء إلا به، فتكون المعرفة بالشيء آنذاك مُمتنعة، وكذلك تعريف الشيء.٧٣ وفي هذا يقول السُّهرَورْدي:٧٤ «من ذكر ما عُرف من الذاتيات لم يأمن وجود ذاتيٍّ آخر غفَل عنه، وللمُستشرح أو المنازع أن يطالبه بذلك. وليس للمعرف حينئذ أن يقول لو كانت صفة أخرى لاطَّلعت عليها؛ إذ كثير من الصفات غير ظاهرة.» ويستطرد فيقول: «لأنَّ الحقيقة إنما تكون عرفت؛ إذا عرف جميع ذاتها، فإذا انقدَح جواز ذاتي، لم تكن معرفة الحقيقة مُتيقنة، بل تكون مشكوكة.» ويُقرِّر فيقول: «إنَّ صاحب المشائين — أي أرسطو طاليس — اعترف بصعوبة الإتيان بالحد.»٧٥
- (١)
الجواهر لها فصول مجهولة، مثل النفس والمفارَقات الأخرى الجوهرية.
- (٢)
الجوهرية معرفة بأمرٍ سلبي يحتاج إلى تعريف.
- (٣)
الأجسام والأغراض غير مقصورة أصلًا، بل تَعرف بالحس والمشاهدة.
- (٤)
معرفة الجواهر باللوازم، واللوازم لها خصوصيات تعريف بلوازم أخرى إلى ما لا نهاية؛ ومِن ثم فلا يُمكن أن يعرف شيء في الوجود.
- (٥)
اللونية معروفة، وهي عرضية ولا تحتاج إلى التعريف؛ لأنَّها شيء بسيط وليس لها جزء آخر مجهول.
- (٦)
هناك فرق بين عالم الأعيان وعالم الأذهان، والمقولات كلها لا توجد إلا في عالم الأذهان، ولا يمكن الانتقال منها إلى عالم الأعيان، الأول عالم التصورات والثاني عالم الحس.
أما عبارة لتخصيص البعض فهو أن يكون بعض أجزاء المعرف مُختصًّا بالمعرف دون البعض «ويعتبر الشارح هذا التعريف حدًّا تامًّا أو رسمًا تامًّا إذا كان جزء المعرف غير المُختص جنسًا قريبًا وجزء المعرف المختص إما فصلًا وإما خاصة، فإذا أردنا أن نعرف الإنسان قلنا إنه حيوان ناطق أو ضاحك، والتعريف الأول حد تام والثاني رسم تام، ويعتبره حدًّا ناقصًا أو رسمًا ناقصًا، إن كان الجزء المعرف غير المُختص جنسًا بعيدًا، أو إن كان الجزء المعرف المُختص إما فصلًا وإما خاصة. فإذا أردنا أن نعرف الإنسان قلنا إنه جوهر ناطق ضاحك.»
- (١)
أمور تختص الشيء لتخصيص الآحاد.
- (٢)
أمور تختص الشيء لتخصيص البعض.
- (٣)
أمور تختص الشيء لتخصيص الاجتماع.
(٢) اختصار السُّهرَورْدي للمقولات العشر الأرسطية
حصر أرسطو فكرة الأجناس العالية في عشرة، وهذه الأجناس العشرة هي: مبحث المقولات. وقد عرف المسلمون هذه المقولات معرفة تامة؛ حيث هاجمها المتكلمون منذ وقت مبكر مهاجمة شديدة، وأدَّت هذه المهاجمة — من وجهة نظر منطقية — أن نشأ في العالم الإسلامي مشكلة لم يبحثها أرسطو ولا الشُّرَّاحُ من بعده، وهي: هل هذه المقولات منطقية أم ميتافيزيقية؟
- (١) فابن رشد — وهو يمثل أكبر حد للاتجاه الأرسطي — اعتبر المقولات من منطق أرسطو وعالَجها على هذا الأساس، وهو في هذا يحترم نظرية المقولات الأرسطية، ويرى أن عددها فوق النقد والملاحظة.٨٣
- (٢) أما ابن سينا فلم يَعتبر المقولات من مباحث المنطق، بل مِن مباحث الميتافيزيقا؛ حيث إن المقولات عنده تنصبُّ على الأمور الموجودة في الذهن أو في الخارج، ولهذا عالجها في الجزء الثاني من قسم الشفاء، إلا أنه في منطق النجاة لا يعرض لها إلا في ثنايا نظرية التعريف. أما في منطق الإشارات والتنبيهات فيُغفلها إغفالًا تامًّا.٨٤
ولقد سار على نهج ابن سينا مُعظَم المناطقة العرب، وعلى رأسهم الغزالي والسُّهرَورْدي؛ فالغزالي لم يَر أية حاجةٍ إلى ذكرها في معظم كتبه المنطقية، سواء كتابيه «معيار العلم» أو «محك النظر». أما السُّهرَورْدي فهو نفس الشيء؛ حيث يُغفلها إغفالًا تامًّا في القسم الأول من رسالة اللمحات في الحقائق، في حين أنه يَعرضها في القسم الثالث من نفس الرسالة (القسم الميتافيزيقي)، كما يعرضها بالتفصيل في مجموعة الحكمة الإلهية (التلويحات والمُقاومات والمطارحات)، إلا أنه في كتابه حكمة الإشراق يُغفلها تمامًا.
وهو في هذا يسير على نهج ابن سينا من حيث طبيعتها، إلا أنه يخالفه من حيث عددها.
والتهانوي يعني أن المقولات عند السُّهرَورْدي هي الحركة والعرض يتشكَّل بأشكال مختلفة؛ فأحيانًا يكون حركة، وأحيانًا يكون نسبة، وتارة يكون كمًّا، وطورًا يكون كيفًا.
وبذلك يكون قد حصر المقولات العشر في خمس، وهي: الجوهر والحركة والإضافة والكم والكيف، ويعتبر مقولات «متى وأين والملك والوضع» ضروبًا من الإضافة، ومقولتي «الفعل والانفعال» ضربًا من الحركة. وفي هذا يقول: «متى وأين والملك والوضع لا تعقل إلا وأن تعقل الإضافة قبلها، والفعل والانفعال حركة تُضاف تارة إلى الفاعل وأخرى إلى القابل.»
ويتَّضح لنا أن السُّهرَورْدي إذا كان قد سار على نهج ابن سينا في معالجة المقولات في الجانب الميتافيزيقي، وليس في الجانب المنطقي؛ فذلك لأنه في المقولات يَختلِط المنطق بأبحاث ميتافيزيقية، بالإضافة إلى أبحاث لغوية وأنطولوجية وسيكولوجية، وهذا واضح في تناول أرسطو للمقولات عندما كان يُصنف الموجودات نفسها إلى جواهر وأعراض.
(٣) محاولة السُّهرَورْدي وضع نسق جديد لمنطق القضايا والقياس يرجع أساسًا إلى القضية البتاتة
- أولًا: من حيث الكيف: يرد السُّهرَورْدي القضايا السالبة إلى القضايا الموجبة، وذلك كما
يذكر الشيرازي: «بأن يجعل السلب في المحيطة جزء المحمول والموضوع، حتى لا يكون لنا
إلا قضية، أما جزء المحمول وذلك بأن يجعله بعد الرابطة لأنه إذا وضع قبلها كان قاطعًا
للنسبة.»٩٢ يقول السُّهرَورْدي: «السالبة هي أن تكون سلبها قاطعًا للرابطة، وفي
العربية ينبغي أن يكون السلب مقدمًا على الرابطة لينفيها؛ لقولهم: زيد ليس كاتبًا.»٩٣وهذه القضية عند السُّهرَورْدي، كما يذكر الشيرازي، هي السالبة، لكن إذا ارتبط السلب بالرابطة، فصار أحد جزءيها (الموضوع والمحمول)، حينئذ يكون الربط الإيجاب باقيًا، كأن يقال مثلًا: زيد هو لا كاتب. وقد أصبح السلب جزء المحمول؛ فالمحمول الآن ليس إذن كاتب، بل — لا كاتب، وحينئذ تسمى القضية معدولة.٩٤إذن رد السُّهرَورْدي جميع القضايا السالبة إلى قضايا موجبة معدولة الموضوع والمحمول، وعلى هذا تَصير القضايا كلها موجبة كلية ضرورية، وهذا يعني رد الفرع إلى الأصل؛ فالسلب فرع والإيجاب أصل، والسُّهرَورْدي يبحث عن الأصول لا عن الفروع. والمعرفة الإشراقية أصل المعرفة الإنسانية، إذا كان السلب جزءًا للموضوع أو المحمول لم يكن قاطعًا للنسبة؛ فالإيجاب قطع والسلب ظن، والإيجاب ثابت عيني، أما السلب فهو في الذهن فقط وليس في الخارج؛ فالمعرفة الإشراقية إذن لا سلب فيها، بل كلها إيجاب، وهي لا تسلب صفة الوجود، بل تُعطيه صفات الإشراق إيجابًا لا سلبًا.٩٥
- ثانيًا: وأما من حيث الكم، فيرد السُّهرَورْدي القضايا الجزئية إلى القضايا الكلية: يقول
السُّهرَورْدي: «في المُهملة البعضية الشرطية تقول قد يكون إذا كان (أ ب) كانت (ج د)،
أو إما يكون (أ ب) أو (ج د)، والبعض فيه إهمال أيضًا؛ فإن أبعاض الشيء كثيرة، فلنجعل
لذلك البعض في القياسات اسمًا خاصًّا — وليكن مثلًا (ج) فيقال: كل (ج) كذا؛ فيصير
قضية محيطة فيزول عنها الإهمال المغلط. ولا يَنتفع بالقضية البعضية إلا في بعض مواضع
العكس والنقيض، وكذا في الشرطيات كما يقال: قد يكون إذا كان زيد في البحر وليس فيه
مركب أو سباحة فهو غريق. وكون طبيعة البعض مهملة لا ينكر. وإذا تفحصت عن العلوم لا
تجد فيها مطلوبًا يطلب فيه حال بعض الشيء مهملًا دون أن يُعَيَّنَ ذلك البعض؛ فإذا
عمل على ما قلنا لا يبقى القضية إلا محيطة؛ فإن الشواخص لا يطلب حالها في العلوم،
وحينئذ تَصير أحكام القضايا أقل وأضبط وأسهل.»٩٦
إذن السُّهرَورْدي اعتبر بعض أحوال المقدم في الشرطية كبعض أفراد الموضوع في الحملية، ولما كانت هذه الأفراد في الحملية مُهمَلة أو بعضية وقد افترضت كلية، فيجب أيضًا جعل بعض أحوال المقدم البعضية أو الجزئية في الشرطية كلية. فالسُّهرَورْدي يتخلَّص من الإهمال والبعضية بالافتراض، وطريقته في هذا هي أن يُحذف إرسال كمية الموضوع أو إهمالها من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يُسمِّي الأبعاض المحكوم عليها في القضايا الجزئية بأسماء معينة. ثم يحكم على هذا الاسم الافتراضي بحكم شامل لكل فرد من أفراد هذا الاسم الافتراضي، وهذه القضايا الكلية هي وحدها التي يرى السُّهرَورْدي أنها لا تُفيد في العلوم من ناحية، وتضبط أحكام القضايا وتُسهلها من ناحية أخرى.
ويُلاحظ بعض الباحثين في ردِّ السُّهرَورْدي القضايا الجزئية إلى القضايا الكلية بعدًا إشراقيًّا؛ حيث يقول الدكتور حسن حنفي: «… وذلك لأن الكل هو الأصل، والجزء هو الفرع، والمعرفة الإشراقية كلية لا جزئية، وفي العلوم لا تَطلب البرهنة على القضايا شرطًا في التناقض، وبالتالي فهي لا تدخل في أصول القضايا، والكلية لا بدَّ أن تكون محيطة أو حاصرة.»٩٧ - ثالثًا: أما من حيث الجهة: فيردُّ السُّهرَورْدي القضايا الممكنة كلها إلى قضايا ضرورية
أو بتاتة؛ وذلك لأن الممكن سلب للضروري. والمعرفة الإشراقية معرفة ضرورية وليست
ممكنة. ويجعل السُّهرَورْدي الإمكان والاقتناع جزءًا من المحمول، ولم يجعله شرطًا
للتناقض، والقضية البتاتة هي الوحيدة التي تستخدم في العلوم، أما الممكنة أو الممتنعة
فلا تستخدم على الإطلاق، وفي هذا يقول السُّهرَورْدي ما نصه: «لما كان الممكن إمكانه
ضروريًّا والواجب وجوبه أيضًا، كذلك فالأولى أن تجعل الجهات من الوجوب وقسميه أجزاء
للمَحمولات، حتى تصير القضية على جميع الأحوال ضرورية كما تقول «كل إنسان بالضرورة هو
مُمكن أن يكون كاتبًا، أو يجب أن يكون حيوانًا، أو يمتنع أن يكون حجرًا»، فهذه هي
الضرورة البتاتة، فإنا إذا طلبنا في العلوم إمكان شيء أو امتناعه فهو جزء مطلوبنا،
ولا يُمكننا أن نحكم حكمًا جازمًا بتة إلا بما نعلم أنه بالضرورة كذا، فلا نورد من
القضايا إلا البتاتة، حتى إذا كان من المُمكن ما يقع في كل واحد؛ أي من الأفراد
الشخصية، وقتًا ما كالتنفس، صح أن يُقال كل إنسان بالضرورة يتنفس وقتًا ما، وكون
الإنسان ضروري التنفُّس وقتًا ما، يلزم أبدًا. وكونه ضروري اللاتنفس في وقت غير ذلك
الوقت أيضًا، أمر يلزمه أبدًا، وهذا زائد على الكتابة، فإنها وإن كانت ضرورية الإمكان
ليست ضرورية الوقوع وقتًا ما.»٩٨وينبغي أن نلاحظ مسألتين على جانب كبير من الأهمية في ردِّ القضايا الممكنة إلى القضايا الضرورية البتاتة.
- أما الأولى: فهي أنه ليس من اللازم أن ندرج الجهة في المحمول في القضايا الضرورية نفسها، لأنه لا حاجة إلى تكرير الجهة، بينما القرينة دالَّة على الضرورية؛ فليس من اللازم إذن أن نرد كل إنسان هو بالضرورة حيوان إلى القول — بالضرورة كل إنسان يجب أن يكون حيوانًا.٩٩ ويقول السُّهرَورْدي: «إذا كانت القضية ضرورية كفانا جهة الربط فحسب، أو أن يفرض كونها بتاتة دون إدخال جهة أخرى في المحمول، مثل أن تقول كل إنسان بتة هو حيوان، أما غير هذه القضايا فيجب إدراج الجهة في المحمول.»١٠٠
- أما المسألة الثانية: فهي أنه لا ينبغي التعرض للسلب بعد التعرض للجهات، وتفسير هذا كما يقول الشارح:١٠١ «أن السلب التام هو ما يكون ضروريًّا، وهذا السلب الضروري يُعتبَر إيجابًا إذا ما غيرنا مفهومه بمفهوم الامتناع ولفظ السلب بلفظ الامتناع. فكل إنسان ليس بحجر، تنقلب إلى كل إنسان يمتنع أن يكون حجرًا؛ فمفهوم الامتناع هنا أوقع السلب تحت الإيجاب. وعلى هذا لم تكن ثمَّة حاجة إلى تغيير السلب بعد تغيير الجهة، وهذا ما يحدث أيضًا في القضايا المُمكنة؛ أي في السلب غير التام، أو السلب الإمكاني؛ فإنَّ السلب في القضية الممكنة ينقلب إلى موجبة، وذلك بمجرَّد إدراج الجهة في المحمول.» يقول السُّهرَورْدي: «لنا ألا نتعرَّض للسلب بعد تعرُّضنا للجهات — فإن السلب التام من الضروري، وقد دخل تحت الإيجاب إذا ورد الامتناع على ما ذكرنا، وكذا الإمكان. واعلم أن القضية ليست هي باعتبار مجرد الإيجاب قضية، بل وباعتبار السلب أيضًا، فإن السلب أيضًا حكم عقلي سواء عبر عنه بالرفع أو بالنفي، فإنه حكم في الذهن ليس بانتفاء محض، وهو إثبات من جهة أنه حكم بالانتفاء، والشيء لم يخرج عن الانتفاء والثبوت، أما النَّفي والإثبات في العقل فهما أحكام ذهنية حالهما شيء آخر؛ فالمعقول إذن لم يحكم عليه بحال ما فليس بمَنفيٍّ ولا بمُثبت، بل هو نفسه إما منتف أو ثابت.»١٠٢
فالسبب الذي يدعو السُّهرَورْدي وغيره من الحكماء الإشراقيين إلى اعتبار السلب هو أن له عملًا مهمًّا في مسألة التناقُض، وهي مسألة سوف نعرض لها بالتفصيل.
- (١)
مبحث التناقض.
- (٢)
مبحث العكس المستوي.
- (٣)
مبحث القياس.
مبحث التناقض
- (١)
عدم اختلاف الموضوع.
- (٢)
عدم اختلاف المحمول.
- (٣)
عدم اختلاف الزمان.
- (٤)
عدم اختلاف المكان.
- (٥)
عدم اختلاف القوة والفعل.
- (٦)
عدم اختلاف الكل والجزء.
- (٧)
عدم اختلاف الشرط.
- (٨)
اختلاف في الإضافة.
- والحالة الأولى: أي كذب القضيتين معًا يعتبر تضادًّا؛ لأن التضاد يكون بين «ك م» و«ك س». وحكم القضيتين المتضادتين أنهما لا تَصدقان معًا، ولكنهما قد تكذبان معًا.١١٠
- والحالة الثانية: دخول تحت التضاد؛ لأنهما بين «ج م» و«ج س»، وهاتان القضيتان قد تصدقان معًا. وحكم القضيتين الداخلتين تحت التضاد أنهما لا تكذبان معًا، ولكن قد تصدقان معًا؛ فعدم اشتراط الاختلاف في الكمية يخرج هذه القضايا عن أن تكون تناقضًا، إلى أن تكون صورًا أخرى من الاستدلالات المباشرة — فلا بد إذن من إضافة هذا الشرط.١١١
وهكذا نجد السُّهرَورْدي في مبحث القضايا لم يخرج عن نطاق المنطق الأرسطي ونسقه العام، وإن قد غيَّر العديد من شروطه، وذلك بهدف توظيف المنطق في اتجاه تربوي ليجعل المنطق ممهدًا للإشراق، وإن كانت الفكرة الأساسية التي استند إليها في خروجه عن هذا المنطق الأرسطي، قد استمدَّها من هذا المنطق ذاته؛ أي فكرة العدول، فنقلها من نطاق الكيفية إلى نطاق الكمية والجهة، لتصبح القضايا كلها كلية موجبة ضرورية، وهذا ما أثر على مبحث النقض والعكس، وسيظهر أثره واضحًا على مبحث القياس أيضًا.
أما مبحث العكس المستوي
ويَستطرد السُّهرَورْدي فيقول: «إن السلب ينبغي أن ينقل مع الإمكان؛ لأن العكس جعل المحمول بكليته موضوعًا والموضوع بكليته محمولًا. وقد سلبنا في الكلية السالبة المحمول عن الموضوع سلبًا كليًّا؛ فيجب أن ينقل هذا السلب الكلي في العكس لأنه جعل الموضوع محمولًا بكليته لا يجزأ منه.» والسُّهرَورْدي يتَّفق مع المناطقة المشائين في أن عكس السالبة الكلية — أي «ك س» — سالبة كلية — أي «ك س».
أما القياس
- الشكل الأول: وهو أكمل الأشكال وأكثرها صحة ومشروعية.
- الشكل الثاني: وهو لا يُنتج إلا السوالب، ولذلك فهو يُبرهن على القضايا السالبة التي تبرهن عن استحالة انتماء للمحمول؛ فهو يستبعد كلٌّ منهما الآخر.
- الشكل الثالث: وهو لا ينتج إلا الجزئيات، حتى إذا كانت المقدمتان قضيتين كليتين، وهو يبرهن على أمثلة جزئية مستنتجة من القضايا العامة، محتملة الصدق أو الكذب. ولذلك يعبر هذا الشكل عن العرضية والاحتمال في انتماء الموضوع للمحمول.
- الشكل الرابع: هذا الكل يُسقطه السُّهرَورْدي من قائمة الأشكال؛ وذلك لكونه «السياق البعيد الذي لا يفطن لقياسته من نفسه ولذلك حُذف.»١٣٢
وهنا يتَّضح أن السُّهرَورْدي يخالف المناطقة المشائين في رد كل أضرب أشكال القياس إلى الضرب الأول من الشكل الأول. ويُمكن شرح ذلك بالتفصيل على النحو التالي:
الشكل الأول
من هذا النص يتَّضح أن السُّهرَورْدي يتخلَّص من السلب في المقدمة السالبة بجعله جزءًا للمحمول حتى تَنقلِب المقدمات السالبة إلى موجبة، كما يتخلَّص السُّهرَورْدي من الكمية البعضية في المقدمات الجزئية بواسطة الافتراض؛ وذلك في رده للقضية الجزئية إلى قضية كلية.
وما فعله السُّهرَورْدي في الشكل الأول سيكرره في الشكلين الآخرين؛ إذ هما حسب تعبيره، كما أوردنا عنه، ذنابتان لهذا السياق، ورغم كونهما للسياق الأول، إلا أنه سيَبحثهما من خلال رأيه في القضايا.
الشكل الثاني
- (١)
أنه ينقل المحمول في الشكل الثاني بتمامه من المقدمة الصغرى إلى المقدمة الكبرى بدون اختلاف في الكم أو الكيف أو الجهة.
- (٢)
أنه لم يبين في صورة هذا الشكل الاتحاد أو نقَل الحد الأوسط بتمامه من الصغرى إلى الكبرى.
- (٣)
أنه لم يُوافق في شروط هذا الشكل على اختلاف المقدمتين في الكيف، بل رد السالبة في كل حالة إلى موجبة.
- (أ)
إذا كان المحمول لإحدى المقدمتين في البتاتة ممكن النسبة، مثل: «كل إنسان بالضرورة كاتب»، وأن محمول المقدمة الأخرى واجب، مثل: «كل حجر بالضرورة غير كاتب» فيلزم «أن الإنسان بالضرورة غير حجر».
- (ب) إذا كان محمول إحدى المقدمتين في البتاتة ممكن النسبة، ومحمول الأخرى ممتنع النسبة: مثل كل إنسان بالضرورة ممكن الكتابة، وكل حجر بالضرورة فهو ممتنع الكتابة، فينتج أن الإنسان بالضرورة ممتنع الحجرية؛ فاختلاف النسبة في الجهة ينتج تباين الموضوعين.١٤٨
وهذا ما يؤيد النتيجة التي استخلصها السُّهرَورْدي ببيانه لهذا الشكل بواسطة الشكل الأول، وهذه النتيجة هي «أن هذين القولين قضيتان موضوعهما بالضرورة متبائنان».
أما عن الشكل الثالث
القضايا الشرطية وقياس الخلف
مواد الأقيسة البرهانية
هذه هي أهم الجوانب المتعلِّقة بالمنطق كما تناولها السُّهرَورْدي في نقاشه لها، وقد حاولنا أن نركز على الجانب النقدي دون الجانب الذي اتَّفق فيه مع المشائين، وإن كنا ذكرنا الكثير من آرائه التي وافقت آراء المشائين؛ فذلك بهدف توضيح فكره المنطقي بشكل كامل.