مباراة في مزايا الشفاه
تبارت شفاه حباها الإله
بشتى المزايا، وشتى النِّحَلْ
لأيِّ الشفاه تجيب السماء
وأي الشفاه هناك الأُوَلْ
•••
فنادى جبابرة العالمين
نداء المدل بأمر جلَلْ
لنا وحدنا صولجان العلا
ومنا الرجاء، ومنا الوجَلْ
إذا ما نطقنا توالت خطوب
وصالت شعوب، ودالت دُوَلْ
وفي همسة تنجلي فتنة
وفي مثلها يتدانى أَجَلْ
ونادى العباقرة الملهمون
صحاح المعاني فصاح الجُمَلْ
لنا وحدنا جائزات الشفاه
إذا اختلفت سبلها في الجَدَلْ
فمنا الجمال، ومنا الهدى
ومنا العزاء، ومنا الجذلْ
وبالنطق يكتمل الآدمي
وفينا تكامل حتى اكتملْ
•••
فقال وفي قوله لثغة
كأنك ترشف منها العسلْ
لنا القول فيكم رجالَ الكلام
لنا القول فيكم رجالَ العملْ
لمسنا شفاهًا ففاضت سنًى
وجرنا على جائر فاعتدلْ
ومنا تذوقون طعم الحياة
وهل طعمها غير طعم القُبَلْ
تسمونها قبلة واسمها
رحيق الخلود، وريَّا الأملْ
•••
فأطرق ربهم لحظة
ونادى بأقربهم فامتثلْ
وقبل مبسمه قبلة
تضرم منها مكان الخجلْ
وقال: أجل! تلك أغلى الشفاه
فأصغوا، وقالوا جميعًا: أجلْ
•••
بذا حكموا بعد طول المطا
ل، فليسمعوا رأييَ المرتجلْ
إذا التمسوا مثلًا للشفا
ه، قلت لهم شفتاك المثلْ
لثمت الحياة بلثميهما
وعاودت بعد السلو الغزلْ
غزل فلسفي: فيك من كل شيء
فيك من شمس الضحى العين التي
ترسل اللمح مضيئًا في الظلامْ
فيك من بدر الدجى أحلامه
حين يسري نائمًا بين نيامْ
•••
فيك من كل ربيع طلعة
تنبت النضرة عامًا بعد عامْ
والشتاء الجهم لا يعدوك من
عهده العاصف برق وغمامْ
•••
ما تغنى الطير إلا بعض ما
أنت راويه، ولا ناح الحمامْ
وإذا الجدول ناغى نفسه
فهي أصداؤك من غير كلامْ!
•••
وصنوف الوحش هل ناظرتها
من نفار بينكم أو من وئامْ؟
لا انفتال الحوت تنساه ولا
سطوة النسر ولا خوف النعامْ
•••
فيك من نار الحياتين الهوى
هل حياة الحي إلا من ضرامْ؟
والذي أرهبه وا أسفًا
هجرك المدعو بالموت الزؤامْ!
•••
فيك من دنياك نقص رائق
ومن الأخرى تباشير التمامْ
ومن الأملاك طيب ورضًا
ومن الشيطان غي وأثامْ
•••
ومن الخمرة سكراها إذا
أسلست في النفس أو طاش الزمامْ
ومن القوت غذاء، ومن الـ
ـماء ري، ومن الجوع هيامْ
•••
فيك من أرضك حظ وافر
وحظوظ من سماء لا تُرامْ
أجديد؟ إي نعم. قال الصبا
أقديم؟ إي نعم. قال الوسامْ
•••
هذه الروعة هل تجمعها
في مدى يوم لحوم وعظامْ؟
لا وربي! بل دهور غبرت
قبلما تتقنها الأيدي الكرامْ
•••
قبلما تتقنها الأيدي التي
نسقت أنوالها، وهي حطامْ
•••
فيك من هندسة علوية
ما استدار الخط فيه واستقامْ
ومن الفن مثال باذخ
هو للمثَّال والشادي إمامْ
•••
فيك مني ومن الناس ومن
كل موجود وموعود تؤامْ
كيف بي أعذل إن أغنيتني
أنت حتى عن شرابي والطعامْ
إن نفوني اليوم من دنياهم
وأباحوا لي من الزاد المرامْ
ثم قالوا: ما تشأ منها فخذ!
قلت هذا، وعلى الدنيا السلامْ
•••
قلت هذا، وتقدمت إلى
هوة الغيب، وفي الثغر ابتسامْ
كيف لا يبسم من قُبلته
تنظم الأوطار طرًّا في نظامْ؟!
•••
وإذا قبلته مستضحكًا
في تخوم الكون، والكون سدامْ
٣
فهي سخري بالذي ودعته
واغتباطي بمقامي حيث قامْ
الجملة والتفصيل
جُمِعتْ محاسن في صباك تفرقت
في صنعة الخلاق أي تفرقِ
في الشمس، أو في الروض، أو في الطير أو
في الجدول المترقرقِ
فإذا نعمت بها لديك فحبذا
نعماي في ظل الجمال الريقِ
وإذا ضننت بها رجعت أرودها
في حينما افترقت، ولما نلتقِ
ليلة البدر
هاتِ لي الذكرى وجدد ما مضى،
عندك الذكرى ورُجعاها معا
هاتِ ما كان كما كان انقضى،
أو فجدد غيره مبتدعا
ليلة البدر، وقد كان الرضى
موعد الأهرام نبغي مطلعا
فقضى الله سواه غرضا
•••
قد نوينا ونوى الغيب لنا
نية أمتع للمستمتع
خسف البدر وأمسيت أنا
أدعي من نشوة ما أدعي
كلما ناديتني هيا بنا!
قلت: هيا! وأنا في موضعي
السنا عندي فما لي والسنا؟!
•••
خُسِف البدر وما كان الخسوفْ
شيمة البدر الذي بين يدَيْ
نُشِر الناس وطافوا بالدفوفْ
وأنا والبدر في نشر وطيْ
خلِّ من شاء كما شاء يطوفْ
إن بدري طالع منه إلَيْ
لا أحب البدر ترعاه الألوفْ
•••
يا سمير الليل يا نِعْمَ السميرْ
ما لنا والصبح ما دمت أراكْ
أنا في نور وروض وعبيرْ
حينما ألقاك لا ألقى سواكْ
رشفة من ثغرك العذب النضيرْ
أو من الكأس احتوتها شفتاكْ
وسلام أيها الكون المنيرْ!
•••
هاتِ لي من فيك أنفاس الغرامْ
أو فقل إن شئت أنفاس الحياةْ
واسقني الخمرة من أعذب جامْ
لا من البلور في أيدي السقاةْ
ثغرك الضاحك كأس ومدامْ
ونديم لي، وراوٍ في الرواةْ
ينشد الشعر فيشجيني الكلامْ
•••
ينشد الشعر جديدًا كالصبا
وأنا ناظمه منذ سنينْ
بث فيه من صباه عجبا
فإذا قلت ارتجال لا تمينْ
هاتِ لي الحسن وهاتِ الأدبا
واسقني الخمر من الثغر المبينْ
ذاك حسبي في زماني مطلبا!
حجاج وروما
آل روما لكمُ منَّا الولاءْ
وثناء عاطر بعد ثناءْ
وسلام كلما ضاء لنا
شارق الصبح، أو اظلمَّ المساءْ
في حماكم كعبة ترمقها
مهج منا وآماق ظماءْ
كعبة لا كالتي يعمرها
بينكم رهط القسوس الحنفاءْ
٩
من حياة هي لا من بنية
شادها صخر ووشاها طلاءْ
كرمت روما وذكراها بها
وبنو روما، وما تحت السماءْ
نزلت ثمَّ حجيجًا داعيًا
وهي أولى بحجيج ودعاءْ
•••
قبلتي يا «حُسْنُ» من ذاك الحمى
أنت لا القبلة من ذاك البناءْ
ورجائي اليوم في مغربها
وجهك الباسم لا وجه ذُكاءْ
١٠
سلمت روما التي أنت بها
وسرى يُمنًا بها ساري القضاءْ
وكساها لك نسَّاج الربى
كل يوم زينة شتى النماءْ
وجلاها لك من يجلو لنا
بشعاع منك آفاق الرجاءْ
والذي أولاك من أنعمه
بهجة النورين: حسن وذكاءْ
ليت شعري كيف ألفيت بها
سيرة العصر وذكرى القدماءْ
أترين اليوم فيها عجبًا
أم قديمًا كل يوم في رداءْ؟
وبنو الرومان هل هم بدعة
أو هم الناس رياءً في رياءْ؟
أحسب الأيام بحرًا واحدًا،
ما اختلاف الموج فيه والهواءْ؟
من يرَ النفس من الباطن لا
يحفل الظاهر في الدور القواءْ
١١
من يرَ الفن خيالًا فله
بالرؤى
١٢ عن نظرة العين غناءْ
بيد أن النفس من عادتها
تخلق الأشباح في كل فضاءْ
وتحب الظل حينًا والصدى،
وأصول الظل فيها والغناءْ
١٣
•••
أنت في روما وفي مصر أنا
بعدت شقتنا لولا النجاءْ
١٤
بيننا جيرة نور ساطع
فوق رأسينا، ونور في الخفاءْ
أرقب البدر إذا الليل سجا
فلنا فيه على البعد لقاءْ
وأورد الشعر في مثل الكرى
فإذا فيه من الطيف عزاءْ
١٥
أنت يا «حُسْنُ». وهل أنت سوى
حلم في يقظة القلب أضاءْ؟!