قوميات واجتماعيات
إلى المحسنين
ألقيت هذه القصيدة في الاحتفال السنوي الذي أقامته جماعة الإحسان بطنطا في سنة ١٩٣٠:
يا جيرة الإحسان والمحسنينْ
لبيكم! لبيكم! أجمعينْ
من يسمع الملهوف حق له
— لا ريب — أن يسمعه السامعونْ
من عين شمس جئتكم ناهلًا
من عين شمس لا تراها العيونْ
لا بل يراها كل قلب رأى
ظلم الرزايا، وظلام الشجونْ
يا حسنها من نير مرشد
في حيرة اليأس بنور اليقينْ
•••
حييت في محفلكم إخوة
بناتها في الخير صنو البنينْ
مريمكم أخت لعيساكم
وكلكم آمنة أو أمينْ
تعددت أديان قصادكم
وما لكم في بِرِّهم غير دينْ
كونوا لمن ليس له شافع
في هذه الدنيا ولا من معينْ
للطفل، من للطفل في ضعفه؟
للشيخ، من للشيخ حاني الجبينْ؟
هما رضيعا رحمة ثديها
لا يفطم الأبناء فطم السنينْ
لا خير في الدنيا ولا أمنها
إن لم يكن هذان في الآمنينْ
كلاهما عنوان ما عندنا
من نصرة للعيش أو للمنونْ
•••
أقوى بني الإنسان في بأسه
من يرحم الضعف ويأسو الحزينْ
من يصرع الجبار دون الذي
يصرع جبار الشقاء المكينْ
ذاك العدو المستطير الأذى
في حاضر العهد وماضي القرونْ
هيا اصرعوه صرعة من يد
رقيقة المس وصدر حنونْ
فالمجد في تجفيف دمع جرى
لا في دم تجريه حرب زبونْ١
•••
يا غارسي الإحسان في «طندتا»
ما خصبكم فيها بماء وطينْ
دوحتكم في أرضها أثمرت
ما تثمر الجنة للمتقينْ
ظل ظليل، وجني رحمة
ريان يؤتي أكله كل حينْ
أحسنتم بدءًا وأحسنتم
عودًا، وعقبى الصبر للمحسنينْ
وكان منكم كل خير لها
وحبذا من بعده ما يكونْ
إلى غاندي يوم إفطاره
غاندي لك النصر المبين على المدى
ولشانئيك الخسر والخذلانُ
لم ألقَ قبلك من يحرر قومه
وهو السجين الجائع العريانُ
بالجوع والحرمان تصلح أمة
أخنى عليها الجوع والحرمانُ
خذ من قرارة دائهم لدوائهم
بعض السقام من السقام ضمانُ
ومن العجائب أن يُقدَّس بينهم
بقر السوام ويُلعَن الإنسانُ
عكسوا الأمور فكان عكس أمورهم
بعض الجزاء، ومن أهان يُهَانُ
فاشفع لنقص القوم عند كمالهم
فكذاك تغفر ذنبها الأوطانُ٢
عيد الاستقلال السوري
ألقيت هذه القصيدة في احتفال أقامه إخواننا السوريون لذكرى عيد الاستقلال في سنة ١٩٣٠:
ربع الشآم أعامر أم خالِ
اليوم عيدك عيد الاستقلالِ
إني لأرجع بالسؤال أطيله
لو يملك الشهداء رجع سؤالي
سكتوا وأقفرت المنازل منهم
إلا منازل من صوًى٣ ورمالِ
بُورِكتَ من وطن يجل شهيده
في حيثما ألقى عصا الترحالِ
وطن تضيق الأرض عن أبنائه
وإليه موئلهم مع الآمالِ
يستبدلون الخافقين ببضعة
منه، وما قنعوا بالاستبدالِ
ذهبوا بأفئدة تفرق شملها
شيعًا، وما فيهم فؤاد سالِ
•••
يرتاد راحلهم وخلف ركابه
حلم يبيت به مع الحلالِ
يصحو على «الشاغور» من لبنانه
وينام من «بردى» على السلسالِ
وتهزه من «عشتروت»٤ خميلة
تلتف بين جداول ودوالِ
وتليه من وادي العرانش نسمة
سكرى الضحى رفافة الآصالِ
أنى استقر وحيث سار هفا به
همس من الجيل الأشم العالي
أين السلو؟ ولا سلو لعابر
فيه، فكيف بمولد وفصالِ
•••
هذي مواطنكم وتلك قلوبكم
وُشِجَت٥ على الأهواء والأهوالِ
ما في المدامع من شعار كنيسة
يوم الحنين، ولا شعار هلالِ
فيمَ اختلاف مصفدين تضمهم
— قبل الوفاء — سلاسل الأغلالِ؟!
أمنازعون على السماء وأرضكم
نهب لكل منازع وموالِ؟!
كونوا — ولا نصح لجيل نبوة —
في العالمين هداية الأجيالِ
من بعلبكَّ خذوا المثال لرأيكم
يوم الخلاف، وتلك خير مثالِ
فيها لموسى والمسيح وأحمد
أثر، وللوثن القديم البالي
•••
أنتم بنو ماضٍ على أحزانه
نعم البشير لكم بالاستقبالِ
ماضٍ بأمثال التجارب حافل
ومن التجارب حكمة الأمثالِ
لا تلهينكم الهموم بحاضر
مر الحوادث فيه مر خيالِ
إن الحقائق في الحياة تجمعت
ما بين سابق سيرة أو تالِ
بيتوا على أمل وطيب تذكر
تجدوا الحوادث منكم بمنالِ٦
لا يستقل القوم في آمالهم
إلا استقلوا بعد في الأفعالِ
•••
يا جيرة الوادي تحية أمة
وقفت تحيتها على الأبطالِ
لو بيَّن الوادي القديم لقالها
كلمات صدق من لسان الحالِ
إنا بنو وطن تقرب بينه
سيناء في قدسية وجلالِ
الشمس تجمع في المطالع بيننا
والأرض في حرم الجوار الغالي
ومعالم التاريخ في كتب وفي
عقب، وفي نصب، وفي أطلالِ
ولسان صدق في اللغات تألفت
فيه القلوب تألف الأقوالِ
شكواكم شكواي، أو سلواكم
سلواي، أو أشغالكم أشغالي
ومطالب الغازين في بيدائكم
كمطالبي، ومآلكم كمآلي
فخذوا التأسي من مؤسي نفسه
فيما يطيف بكم من الأوجالِ
وخذوا التهانئ من مهنئ نفسه
بغد يطالعكم بالاستقلالِ
على قبر سعد
خلا قبر سعد مثلما كان بيته
خلا منه حينًا ثم آواه رحبُهُ
أمرُّ به في كل يوم وربما
مررت به يومًا وفي القبر ربُّهُ
اكتفينا بما تقدم في هذا الباب، ولم ننشر فيه القصائد التي نُظِمت في المناسبات المصرية رعاية لعهد الائتلاف.
١
الحرب الزبون: الشديدة التي يدفع بعضها بعضًا من الكثرة.
٢
الأوطان تكفر بحسناتها عن سيئاتها، وما دام للوطن حسنة فله أن
يطمع في غفران سيئة. أما الوطن الذي لا غفران له فهو الوطن الذي لا
تقرن فيه السيئات بحسنات تعدلها أو تربو عليها.
٣
الصوى: القبور والحجارة التي تُتَّخَذ دليلًا على الطريق.
٤
هي قرية شتورة الحديثة فيما يقال.
٥
اشتبكت.
٦
الحاضر ملك لمن كان له أمل قوي في المستقبل وذكرى وثيقة
للماضي.