نظمت في رثاء الكاتب الكبير «محمد السباعي» يوم وفاته:
غاية الحي ساعة من زمانِهْ
ينتهي عندها مدى جثمانِهْ
طُوِيتْ صفحة السباعي فينا
وهو طاوي الطروس في تبيانِهْ
مسمح النفس في الحياة تولى
مسمح النفس في الردى قبل آنِهْ
لم يطامن لصرعة الموت رأسًا
من صراع الحياة لهو رهانِهْ
٣
ذاقها صابرًا وساغ مريرًا
من جني دهره ومن إنسانِهْ
وتأسى، ومثله من تأسى،
ضاحكًا من كرامه وهجانِهْ
فتنته غواية الأدب الحرْ
رِ فأودى بقلبه في افتنانِهْ
وثنى راحتيه عن خفض عيش
كان حينًا أقصى مُنى أقرانِهْ
٤
ما أراه على الحياة حزينًا
بعض حزن الصحاب يوم احتجانِهْ
٥
يا سليم الفؤاد في باطن الرأ
ي سليم الفؤاد في إعلانِهْ
مرض الدهر فامضِ عنه معافى
من أكاذيبه ومن أدرانِهْ
أنت خدن الكتاب، والموت سفر
صدقه ظاهر على عنوانِهْ
على قبر حافظ يوم وفاته
أبكاء وحافظ في مكانِ؟
تلك إحدى طوارق الحدثانِ
كنت أنسًا، فكيف أمسيت يا حا
فظ تدمى لذكرك العينانِ
كنت تتلو الرثاء معنى فمعنى،
كيف أمسيت بعض تلك المعاني!
كنت أعلى الجموع صوتًا فهلا
نطق الآن صوت ذاك البيانِ
وعزيز على بلادك أن تذ
هب يوم انبريت للميدانِ
يوم أطلقت من إسارك حرًّا
وأبيت الإسار للأوطانِ
يوم أرسلتها على ظالمي الأو
طان طعانة كحد السنانِ
ألهم الله مصر فيك عزاءً
لا بل العرب في شفيع «اللسانِ»
كلنا صائر كما صرت يومًا
والذي قد صنعت ليس بفانِ
على ضريح سعد يوم الخروج من السجن
إلى الذاهب الباقي ذهاب مجددُ
وعند ثرى سعد مثاب ومسجدُ
إلى مرجع الأحرار في الشرق كله
إلى قبلة فيها الإمام موسدُ
نحيي من الدنيا التي نستعيدها
مكانًا من الدنيا له العود أحمدُ
مكانًا من الدنيا يخلو قفرها
وقد قل في أمصارها ما يُخلَّدُ
خرجت له أسعى وفي كل خطوة
دعاء يؤدَّى أو ولاء يؤكَّدُ
لأول من فك الخطى من قيودها
أوائل خطوي يوم لا يتقيدُ
بواكير من حرية أستزيدها
لديه، وقد يرعى البواكير معبدُ
٦
وأعظم بها حرية زِيدَ قَدْرُها
لدن فُقِدت، أو قيل في السجن تُفقَدُ
عرفت لها الحبين في النفس والحمى
وكان لها حب — وإن جل — مفردُ
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
فهأنذا في ساحة الخلد أُولَدُ
ففي كل يوم يُولَد المرء ذو الحجى
وفي كل يوم ذو الجهالة يُلحَدُ
وما أقعدت لي ظلمة السجن عزمة
فما كل ليل حين يغشاك مرقدُ
وما غيبتني ظلمة السجن عن سني
من الرأي يتلو فرقدًا منه فرقدُ
٧
عداتي وصحبي لا اختلاف عليهما
سيعهدني كل كما كان يُعهَدُ