مُقدِّمة
اتَّفق علماء النفس ومن إليهم على أن الموسيقى هي لغة الروح التي بها تتخاطب فتتجاذب، وأنها من أكبر الذرائع لتطهير النفوس، وتهذيب الأخلاق، وترقية المدارك والأذواق؛ ولهذا عمل العاملون في الغرب — وتبعهم المجتهدون في الشرق — على تعميم تعليمها، بيد أن الشرقيين ما زالوا متباطئين في سيرهم، وإن كان منهم أفذاذ أخذوا يدأبون بكل ما أوتوا من المواهب لإحياء فنونها، وإعلاء شئونها، وفي مقدمتهم ذلك الفنان العظيم مُنشِئ مقالتنا هذه؛ فإنه أتى على تاريخ الموسيقى الشرقية وتدرُّجها وتطوُّرها من لدن ظهورها إلى هذه الأيام بمادة غريزة، وفكر متوقد، وقلم سيَّال، مع أنه من غير المنتسبين إلى أربابها، ولا من المشتهرين بها، فحاز — بحقٍّ — قَصَبَ السَّبْق في المسابقة التي أجراها جناب الخواجا نقولا سرسق، وجيه الإسكندرية وعميد الموسيقى بها، ونال جائزتها بإصابة الغرض، والوصول إلى الغاية. ولقد سابقه غيره في نيلها فلم يسبقه، وأراد اللحاق به سواه فلم يلحقه، وإن كانا استحثَّا في الميدان سَوابق الجِياد، وأسلسا القياد. وها هي مقالته نُقدِّمها بكل فخرٍ واغتباطٍ إلى الناطقين بالضاد من محبي هذا الفن الجميل.