الموسيقى الفارسية
أجمع مؤرخو العرب على أن الموسيقى الفارسية قديمة الرقي، وقد دلَّت على ذلك كتبهم القديمة مثل الشاهنامة؛ إذ ذكر الفردوسي فيها شيئًا كثيرًا عن أخبار الموسيقى في عهد ملوك الفرس وأكاسرتهم الأقدمين.
ولا جدال في أن المدنيَّة تسير هي والموسيقى خطوةً بخطوة، وتعدُّ الفرس من الممالك الراقية ذات الحضارة القديمة.
ولقد بلغت الموسيقى شأوًا عظيمًا في عهد الأكاسرة الساسانيين، وكان مؤسس إمبراطوريتهم أزدشير بن بابك معضدًا للموسيقى، مُجِلًّا لشأن الموسيقيين، وكان ملوكهم يصطحبون الموسيقيين ليطربوهم في أوقات الصيد والقنص.
وكان بهرام الخامس الملقب ببهرام جور شديد الولع بالموسيقى، واستحضر موسيقيين من بلاد الروم والهند.
أخذت الموسيقى الفارسية تتطور في الارتقاء حتى تغلبت على الموسيقى العربية القديمة، وحلت محلها الآن في جميع الشرق، وقد ابتدأ دخولها في الآستانة سنة ١٦٣٧ ميلادية.
ولما فتح السلطان مراد الرابع بغداد بعد حصار طويل سنة ١٠٤٧ هجرية، الموافقة لسنة ١٦٣٧ ميلادية، أمر بقتل الثلاثين ألفًا من الفرس الذين كانوا يدافعون عن هذه المدينة، وأن تكون المذبحة أمام عينيه، وحينما ابتدأت المذبحة اخترق الصفوف «شاه كولي» — أكبر موسيقيي الفرس — وتقدم إلى السلطان مراد يُغنِّيه آلام أهل بغداد ومصائبهم بصوتٍ رنَّان شجي أسال الدمع من مآقي السلطان القاسي، فعفا عنهم، وأخذ هذا المغني العظيم وأربعة غيره من المجيدين إلى الآستانة، وهناك أدخلوا الموسيقى الفارسية في بلاد الترك، فكانوا زعماء النهضة التركية، ثم انتقلت شيئًا فشيئًا إلى الشام ومصر والمغرب والبلاد العربية.
فالأجدر بنا إذن أن نُسمي الموسيقى الحاضرة بالشرقية؛ إذ هو الاسم الملائم لها الآن بعد هذا الانقلاب الذي سردنا تفصيله وأخباره.