الملحنون وعلماء الفن
محمد أفندي كامل الخلعي
هو أعظم حجة في علم الموسيقى، وأكبر نابغة في التلحين، ولع بالموسيقى منذ نعومة أظفاره، وكفاه فخرًا أنه وضع — وهو غلام — كتاب «نيل الأماني في ضروب الأغاني»، وذلك منذ ثلاثين سنةً، وقد حفظ الموشحات قديمها وحديثها، وأخذ الأوزان عن المرحوم الشيخ أبي خليل القباني، والمرحوم الشيخ عثمان الموصلي، وتلقى عن أساتذة الأتراك الأوزان التركية الكبيرة الموضوع عليها البستات التركية والبشروات، ونقل أغلبها على الطريقة المصرية، وأهم أساتذته المرحوم الشيخ سلامة حجازي، الذي تلقى عليه أسرار التلحين المسرحي.
لحَّن هذا النابغة ما ينيف على الأربعمائة موشح، منها مائتان من المختارات تداولها عشاق الموسيقى.
ثم تخطفته المسارح، فاشتغل بالموسيقى المسرحية، ورقَّاها رقيًّا ظاهرًا محسوسًا، ولحن أكثر من خمس وعشرين أوبرا وأوبريت؛ مثل: كارمن – كرمنينا – تاييس – اللؤلؤة – طيف الخيال – كليوباترا – السلطان قلاوون، وغيرها. ومن أهم مؤلفاته كتاب «الموسيقى الشرقي»، وهو أوفى وأعظم كتاب ظهر في مصر في علم الموسيقى.
المرحوم الشيخ سيد درويش
ظهر من عهد قريب هذا الشاب فجأةً، وطلع بدرًا كاملًا، ولم ينشأ هلالًا كغيره، فبهر الناس بمتانة تلحينه، وسلامة ذوقه، وقد طرق جميع الألحان، ولحن فيها كثيرًا من موشحات وأدوار وطقاطيق، ونبغ في الموسيقى المسرحية المضحكة، ولحن فيها كثيرًا من الأوبريت؛ منها: شهرازاد – هدى – إش – العشرة الطيبة – رن – قولوله – راحت عليك – كلها يومين – فشر، وغير ذلك، وقد ذوى غصنه الرطيب قبل أن يتم الحلقة الرابعة من حياته، فبكاه الفن والمصريون، وفقدت به مصر ركنًا عظيمًا من أركان الموسيقى.
الشيخ حسن الملوك
هو أستاذ عظيم في الفن وملحن قدير، درس الموسيقى العربية القديمة، وعرف أسرارها، ومهر في الحديثة، وألف كثيرًا من الموشحات والأدوار والبشارف، وانقطع للتعليم بالنوتة، وفضلًا عن فنه الغزير؛ فإنه أديب ينظم بنفسه أغلب موشحاته وأدواره.
منصور أفندي عوض
حجة في الفن وعالِم متين، يجيد النوتة الإفرنجية، وله بعض رسائل في الأنغام والسلم الموسيقي والضروب. وقد لحن كثيرًا من المارشات والأدوار والأناشيد، وله مدرسة موسيقية يديرها مع سامي أفندي الكمنجاتي الشهير، وفضلًا عن ذلك؛ فإنه من أمهر المتفننين في ضرب العود.
إبراهيم أفندي القباني
كان مشتغلًا بالغناء والتلحين، ثم انقطع للتلحين والتدريس، ويعد من أمهر الضاربين بالعود، ولا يجاريه أحد في النوع الشديد، وهو آية في التلحين الفني المتين، وله كثير من الأدوار الكبيرة المتينة التي لا يستطيع أن يُغنيها إلا الفحول من المغنين، وله ذوق سليم، وابتكارات شائقة.
داود أفندي حسني
هو عمدة في رواية ما سلف من ألحان عبده ومحمد أفندي عثمان، وقد تأثر منهما كثيرًا، واجتهد في تقليد محمد أفندي عثمان، فأحسن التقليد إلى الغاية. وهو من أساطين المُلَحنين الذين يشار إليهم بالبنان، وله من الأدوار الشائقة والطقاطيق شيء كثير، وقد ابتدأ أخيرًا يلحن للمسارح، فلحن روايتي «شمشون ودليلة» و«معروف الإسكافي»، فجاءتا آيةً في الفن.
حسن أفندي أنور
هو وكيل النادي الفني وملحن قدير، لا سيما في ضرب الموشحات، فقد أوتي فيها ذوقًا سليمًا نادرًا، وله عدد عظيم منها، وبعض مونولوجات وقطع تمثيلية صغيرة، وأدوار وطقاطيق شائقة.
الموسيقى المسرحية
يعد المرحومان الشيخ سلامة حجازي والشيخ أبو خليل القباني زعيمي النهضة الموسيقية المسرحية، وهما أول من فكر فيها وأحدثها مع المرحومين سليم نقاش أفندي وأديب بك إسحاق. ولا ننسى خدمة المرحوم الشيخ نجيب الحداد في تأليف أغلب روايات الشيخ سلامة حجازي. وأغلبُ ممثلي المسارح من تلامذة الشيخ سلامة والشيخ أبي خليل القباني.
الشيخ سلامة حجازي
لم ير الشرق أجمعه مثل هذا النابغة الذي جمع بين حسن الصوت وقوته ورنينه، والمقدرة الفنية في الغناء، والذوق الرفيع في التلحين، وقد اجتمعت كل هذه القُوى العظيمة في رأس واحد، ففتنت الشرق الناطق بالضاد.
لقد فقدت مصر هذا العندليب الصادح، وهيهات أن يجود الدهر بمثله! وقد ترك لنا كنزًا عظيمًا من ألحانه التي خلَّدها لنا الفونوغراف، وكل رواياته من تلحينه بمفرده. ومن مزاياه: المحافظة على حسن الإلقاء في التلحين، والتعبير عن العواطف في الغناء.