الألحان العربية القديمة
ترك لنا العرب ميراثًا عظيمًا من الألحان والموشحات، ولكنه لا يساوي شيئًا؛ لأنهم
لم
يدونوا تلحينهم، بل كانوا يتناقلون ألحانها بالسماع والتواتر.
وقد أثبت الأصبهاني في كتابه الأغاني ألوفًا مؤلَّفةً من الألحان، ووضح المقامات والضروب
التي لحنت منها. وهذا لا يفيد شيئًا، وأصبح هذا العدد الضخم أمام أعيننا كهياكل عظمية
لا
نستدل على شيء من حسن موسيقاها، ودقة صناعتها.
ظهرت «النوتة» العربية متأخرةً في القرن السابع تقريبًا، وهو العصر الذي وجد فيه
عبد
المؤمن البغدادي؛ لأنه مات سنة ٦٥٦ هجريةً. وهو أقدم من ذكر هذه الرموز. وقد رد حضرة
الفاضل إسكندر أفندي شلفون على المسيو روانيه
J. Rouanel
صاحب الرسالة الخاصة بالموسيقى العربية في دائرة معارف المسيو لافنياك
Lavignac، الذي يشك في النوتة العربية؛ لأنه لم يعترف
بها غير المسيو د. ج. ا. كونديه
D. J. A. Condé، والمسيو سوريانو فويرتيس
Soriano Fuertes؛ إذ قال الأخير في
كتابه «الموسيقى العربية الأندلسية»، الذي ظهر في برشلونة «إسبانيا» سنة ١٨٥٢:
إن العرب قبل فتحهم لإسبانيا قد استعملوا — على ما يظن — السبعة الأحرف الأولى من
حروفهم الهجائية، والسبعة الألوان التي كانت تميز طول أو قصر الزمن للنوتات
كاستعمال السبعة الأشكال المستعملة الآن في النوتة العصرية. وهذه العلامات
كانت توضع على السبعة الأبعاد الموجودة على الثمانية الخطوط الأفقية، فكان
الأسفل منها يدل على صوت «ألف»، التي كانت أضخم قرارات طريقتهم، وباتباع هذا
الترتيب كان الصوت الأحد «أعلى الجواب» يشغل البعد الأخير من الخطوط.
وكان اللون الأصفر حينما يوضع على أي خط من الثمانية الخطوط يدل على أن البعد
الذي فوقه مباشرةً يساوي العلامة «دال»، وأن الوردي الرائق يساوي «الألف»
الحادة «ألف الجواب».
وبخلاف السبعة الألوان التي كانت تدل على المقدار الثابت للأصوات، كان العرب
يستعملون بعض علامات تدل على زمنها المطلق على حسب ما يراد توقيعها بسرعة
— كطريقة مجموعاتنا الثنائية أو الثلاثية أو أكثر من نوتاتنا المستعملة في
الحلية والمسماة appogiatures — وهذه الشرطات
سواء أكانت صاعدةً أم هابطةً تدون بعلامة فرجول virgule تخترق أبعاد الخطوط، أو ترتكز على الخطوط.
ويؤكد المسيو سوريانو دون أن يأتي لنا بدليل ما، سواء أكانوا استعاروا هذه الطريقة
من
اليونان قبل فتح الأندلس، أو في عهد الفتح ودونوا «نوتةً» لموسيقاهم الثمانية الخطوط،
التي
ابتدعها الإسبانيون باستعمالهم الأشكال البيضاوية المسماة بركوس أو بركيوس barcos ou
barquillos،
التي كان يستعملها الملحنون من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر. وقد استنتج هذا المؤلف
دون إثبات أن العرب في الأندلس كانوا يستعملون في الوقت نفسه «الأرموني» بعكس عرب الشرق،
ولكن المسيو روانيه لم يستدل في أبحاثه على دليل قاطع يثبت ذلك، وقد قرأ كل مؤلَّف في
الموسيقى العربية من صدر الإسلام إلى الآن، حتى المؤلفات المصرية: ككتاب الموسيقى الشرقي
لكامل أفندي الخلعي، وكتب الديك ودرويش أفندي وغيرها.
ويستنتج مما سردناه أن النوتة العربية، سواء أصح خبرها أم لم يصح، لم تظهر قبل القرن
السابع؛ أي بعد العصرين الزاهرين؛ وهما: الأموي والعباسي. وإن تصفحنا الأحد والعشرين
جزءًا
لكتاب الأغاني لم نجد فيها جملةً واحدةً تنص على وجود «النوتة» في تلك العصور التي تكلم
عنها، ولم يُعثر على مجموعات من الألحان مكتوبةً بالنوتة فيما خلَّفه العرب من الكتب
في
مكاتب الدنيا الشهيرة.
وقد ذكر حضرة شلفون أفندي دورين من كتاب «الأدوار في حل الأوتار» للكامل بن سبعين،
وقال: «إنهما من الأدوار العربية القديمة.» ولكن القارئ بمجرد نظرة قصيرة يعرف لأول
وهلة
أنهما سخيفان من الألفاظ الموزونة كالتي يرصها الفقهاء العصريون وينشدونها في الذكر.
وهذا من الأسباب القوية التي تثير الشكوك. وها هما الدوران:
نوروز «ضرب الرمل»
على صبِّكم يا حاكمين ترفقوا
ومن وصلكم يومًا عليه تصدقوا
ولا تتلفوه بالصدود فإنه
يحاذر أن يشكو إليكم ويشفق
كواشت «ضرب الرمل»
على الهجر لا والله ما أنا صابر
وغيري على فقد الأحبة قادر
كتمتُ هواكم خيفةً من عواذلي
ولي ولكم عند اللقاء سرائر