الخاتمة
جاءني صوتها المتهالك عبر أسلاك التليفون: قلت لك ما فيش فايدة في الطعن في الحكم.
– لأ فيه فايدة.
– ما فيش عدالة في البلد.
– لأ فيه!
– ما فيش أمل!
صوتها يثير فيَّ التحدي ضد اليأس أو التشاؤم. بإصرار عنيد على مدى الثلاثين عامًا وأكثر منذ تعارفنا وأنا أقاوم هذه العبارة «ما فيش أمل».
لكن صوتها اليائس ظل يتردد في أذني.
تذكرت القضية التي رفعتها عام ١٩٨٢م بعد خروجي من السجن. ثلاثة أشهر تقريبًا قضيتها وراء القضبان بأمر من السادات بلا تحقيق ولا جريمة. ورفعت قضية ضد رئيس الجمهورية في مجلس الدولة. ثم سمعت من المحامي أن حكمًا عادلًا، قد صدر. أشعلت هذه الذكرى الأمل داخلي، في أن يصدر حكم عادل في القضية، وتعود جمعية تضامن المرأة العربية إلى نشاطها، المهم أن نواصل الأمل، ونواصل العمل بلا كللٍ أو مللٍ.
المهم هي هذه الحركة نحو حياة أكثر عدالة. قد نكسب القضية وقد نخسرها، لكن النتيجة لا تهم. المهم هو أن نسعى ولا نكف عن السعي من أجل انتزاع العدل. هكذا علمني أبي وأمي وجدتي. فالعدل مثل الحرية لا يُعطى. وإنما يؤخذ عبر جهد طويل على مر السنين.
أجل، إنه الطريق الصعب. كم كانت أمامي كثير من الطرق السهلة، لكني خيرت نفسي بين الصعب والسهل فاختارت الصعب، إنه اختيار حر، يخسر الإنسان فيه العالم، لكنه يكسب نفسه.
وجاءني صوتها عبر أسلاك التليفون. مليء بالمرح والحماس. صوت يشبه زقزقة العصافير عند طلوع الفجر.
– مبروك يا سيدتي.
– على إيه.
– قرأت الطعن في الحكم! والحق واضح مثل الشمس!
صوتها مثل شعاع الشمس، يضرب في السحب وتتلاشى الظلمة. إنها واحدة من آلاف الشابات المصريات والعربيات، وكم التقيت بالواحدة منهن صدفة في الطريق، فإذا بها تشد على يدي وتقول: قرأت كتابك وتغيرت! وفي البريد كل يوم تأتيني الرسائل من المغرب والمشرق. آلاف القلوب تخفق معي. وبخط اليد، فتاة مصرية من قرية نائية في حضن الجبل بالصعيد تكتب لي: قرأت كتابك فأصبحت إنسانة جديدة، أشكرك! هذه الرسالة وغيرها من آلاف الرسائل تأتيني وتؤكد لي أن العدل مثل الشمس لا يغيب، والكلمة الصادقة لا تضيع.