الحكم العجيب
حلَّ جمعية «تضامن المرأة» لممارساتها غير القانونية.
أيدت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أمس قرار وزيرة الشئون الاجتماعية بحل جمعية تضامن المرأة العربية وتحويل أموالها إلى جمعية نساء الإسلام.
وقالت المحكمة في حكمها: إن الجمعية خالفت أحكام القانون والآداب العامة حيث قامت بمباشرة نشاط سياسي وديني من خلال مجلة «نون» التي أصدرتها رغم عدم موافقة المجلس الأعلى للصحافة على إصدارها، وإن الجمعية قامت بعقد المؤتمرات السياسية دون الحصول على موافقة من الجهة الإدارية. كما اتصلت بالمنظمات الدولية، وفتحت حسابات بالعملات الأجنبية في أحد البنوك دون إخطار الجهة الإدارية للحصول على موافقتها.
وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن ممارسات الجمعية لا تتفق والمصالح العليا للبلاد وتسيء إلى العلاقات بين مصر وبعض الدول الأجنبية والعربية، وتهدد السلام والنظام الاجتماعي للدولة، كما تنشر معتقدات ضد أحكام الشريعة والدين الإسلامي مما يشكل مخالفة جسيمة، ويكون قرار وزيرة الشئون لحلها قائمًا على صحيح القانون.
منذ نُشر هذا الخبر في معظم الصحف وجرس التليفون في بيتي لم ينقطع. الأصدقاء والصديقات يقولون إن وسامًا يُعلَّق على صدري. الآخرون من موظفي الحكومة يرون أن الحكم إدانة لا تقبل الطعن.
وكأنما التاريخ يعيد نفسه. منذ أكثر من عشر سنوات، في الأسبوع الأول من سبتمبر ١٩٨١م خرجت الصحف المصرية بخبر يشبه هذا الخبر مع اختلاف الصياغة: «أنني أعمل على قلب نظام الحكم.» وفي يوم ٦ / ٩ / ١٩٨١م كسر رجال البوليس باب بيتي وساقوني إلى السجن، ومنذ ذلك اليوم حتى الإفراج عني في ٢٥ / ١١ / ١٩٨١م لم ينقطع جرس التليفون في بيتي. الأصدقاء والصديقات يقولون لأسرتي إنه وسام يُعلَّق على صدري، الآخرون من موظفي الحكومة يعتبرونني خائنة للوطن.
منذ بدأت الكتابة في نهاية الخمسينيات لا أذكر أن عامًا واحدًا مر بحياتي دون أن أتلقى تلك الإدانات «الأوسمة»!
بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧م تطوعت للعمل في مستشفيات الطوارئ الطبية في جبهة القتال (في الإسماعيلية وبورسعيد)، وكاد رأسي يطير بإحدى الدانات الإسرائيلية، وما إن عدت إلى القاهرة حتى دق الجرس على باب بيتي وجاءتني إشارة للتوجه إلى مبنى المخابرات العامة في سراي القبة، حيث أجلسوني في غرفة أشبه بالسجن وراحوا يسألونني السؤال وراء السؤال، لماذا تطوعت وسافرت إلى الإسماعيلية؟
وفي عام ١٩٦٨م تطوعت للعمل الطبي مع الفدائيين الفلسطينيين في جبهة القتال في الأردن، وما إن عدت إلى القاهرة حتى تكرر السؤال: لماذا تطوعت مع الفدائيين؟! كأنما التطوع في جبهة القتال نوع من الخيانة الوطنية؟
وفي عام ١٩٦٩م نجحت في انتخابات مجلس نقابة الأطباء بأغلبية ساحقة وأصبحت سكرتيرًا عامًّا مساعدًا بمجلس نقابة الأطباء. لكنني اكتشفت أن مجلس النقابة كغيره من النقابات المهنية، يتلقى أوامره من السلطات الحاكمة، فقدمت استقالتي من المجلس، وبطبيعة الحال غضبت عليَّ السلطة، لكن أغلب زملائي بالمجلس رفضوا استقالتي وأصروا على أن أواصل العمل.
وفي عام ١٩٦٩م أسست جمعية الثقافة الصحية مع بعض الزملاء والأطباء وأصدرت مجلة الصحة، لكن الأجهزة البيروقراطية في وزارة الصحة حاربت المجلة، لمجرد أنها كانت مجلة تنشد الرأي الحر والاستقلال عن رأي الوزارة وكبار الموظفين فيها.
وفي عام ١٩٧١م أسست جمعية الكاتبات المصريات مع بعض الزميلات الكاتبات بهدف تشجيع الإبداع والثقافة، لكن وزير الثقافة حارب الجمعية، لأن اسم نوال السعداوي كان قد دخل القائمة السوداء، لماذا؟ لا أعرف. ربما لأنها وقفت في إحدى الاجتماعات وتحدثت بصراحة أمام رئيس الدولة. استقالت معظم عضوات مجلس إدارة جمعية الكاتبات المصريات، ولم يبقَ إلا أنا واثنتين أو ثلاثة، وتجمد نشاط الجمعية عشرين عامًا من ١٩٧١م حتى ١٩٩١م.
وفي عام ١٩٧٢م أصدر وزير الصحة قرارًا بإبعاد نوال السعداوي عن منصبها، وإغلاق مجلة الصحة التي كانت ترأس تحريرها، بلا تحقيق، ولا سؤال، ولا أي شيء.
ولم يعرف أحد السبب في ذلك، ربما هي توجيهات مؤسسة الرئاسة. أو ربما لأن مجلة الصحة كانت تربط بين أسباب المرض وأسباب الفقر.
ولم يكن لأحد أن ينطق بكلمة «فقر» حتى يتهم بالشيوعية أو بالإلحاد، لأن الله — في نظر السلطة الحاكمة — هو الذي يوزع الرزق على العباد، ويمنح من يشاء بغير حساب!
وقال بعض الناس: لأنني تزوجت الدكتور شريف حتاتة، والذي قضى في السجن أربعة عشر عامًا (وكان من أوائل كلية الطب) لأنه اشترك مع المعركة الوطنية المصرية ضد الاستعمار البريطاني، ثم ضد الفقر والظلم.
أصبحت في نظر موظفي الدولة من المغضوب عليهم، فابتعدوا عني، وقاطعتني دور النشر الخاضعة للحكومة. والأدباء والنقاد المعينيين بقرارات عليا في المؤسسات الصحفية الكبرى أصبحوا صامتين تجاه مؤلفاتي، يتجاهلون وجودي في عالم الأدب والإبداع، وأحيانًا يتطوعون للهجوم عليَّ.
إلا أن الآخرين البعيدين عن دوائر السلطة كانوا يظهرون لي الإعجاب، والأصدقاء والصديقات هنَّئُوني بعد أن فقدت وظيفتي في وزارة الصحة، واعتبروا قرار الوزير ضدي وسامًا فوق صدري.
وأثناء حرب الخليج عام ١٩٩١م اتخذت موقفًا سلميًّا يناصر الحل غير العسكري للأزمة، فأصبحت في نظر موظفي الدولة وكتَّابها ونقادها خائنة الوطن. لكن الأصدقاء والصديقات قالوا إنه وسام آخر فوق صدري.
وحين أصدرت وزارة الشئون الاجتماعية قرارًا بحل جمعية تضامن المرأة العربية في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م، أصبحت في نظر موظفي الدولة آثمة ومهددة لمصالح الوطن والسلام الاجتماعي والآداب العامة، لكن الأصدقاء والصديقات اعتبروا ذلك وسامًا آخر فوق صدري.
وتلقيت التهاني أيضًا حين اتُّهِمت الجمعية بأنها عقدت مؤتمرات سياسية دون تصريح، واتصلت بهيئات دولية دون تصريح، وفتحت حسابًا في البنك بالعملة الأجنبية دون تصريح، ومارست أنشطة تسيء إلى المصالح العليا للبلاد وتسيء إلى العلاقات بين مصر وبعض الدول الأجنبية والعربية، وتهدد السلام ونظام الدولة، وتنشر معتقدات ضد أحكام الشريعة والإسلام.
كل هذا تمارسه جمعية تضامن المرأة العربية على مدى العشر سنوات الماضية دون أن تتعرض لها أجهزة الأمن المصرية؟! ودون أن تدري بها وزارة الشئون الاجتماعية؟! رغم أن الصحف لم تكف خلال السنين الماضية عن نشر أخبار الجمعية وندواتها ومؤتمراتها وما تناقشه من أفكار سواء بالمدح أو القدح؟!
ما الذي جرى يا ترى حتى يحدث فجأة أن تكتشف وزارة الشئون الاجتماعية أن هذه الجمعية أشبه ما تكون بالحزب السياسي السري الخطير؟!
ثم ما الذي حدث حتى يتم تجاهل جميع المذكرات والوثائق الرسمية التي قدمها المحامون عن الجمعية؟!
وقال لي الأصدقاء والصديقات والمحامون وجميع المتحمسين لقضية الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، قالوا لي: انشري القضية كلها على الرأي العام في مصر والوطن العربي، فالأمر جد خطير، وهي ليست قضية نوال السعداوي وحدها أو تضامن المرأة العربية وحدها، ولكنها قضية كل إنسان في بلادنا. قضية كل صاحب عقل أو ضمير. وهل هناك عقل يمكن أن يصدق أن الجمعية قامت بنشاط سياسي وديني من خلال مجلتها «نون» مما يخالف الإسلام والشريعة والقانون والآداب العامة؟!
وإذا خالفت المجلة كل هذا، فلماذا لم تُصادر منذ العدد الأول الذي ظهر في مايو ١٩٨٩م؟ وكيف ظلت هذه المجلة أو النشرة تصدر وتُطبع في مطبعة دار الهلال الكبرى (وليس في مطبعة سرية صغيرة) حتى العدد الأخير الذي صدر في مارس ١٩٩١م؟!
مجلة بهذه الخطورة كيف تستمر في الظهور بهذا الشكل على مدى اثنين وعشرين شهرًا كاملًا مع أنها تخالف القانون والآداب العامة والإسلام والشريعة؟!
(١) ما هي الآداب العامة؟!
ثم ما هي تلك الآداب العامة التي خالفتها مجلة «نون» أو نشرة الجمعية؟!
في كل عدد من أعداد المجلة كنا ننشر هذا المقال تحت عنوان «مَن نحن؟» وهذه صورة ضوئية لهذا المقال الذي لم يخلُ منه أي عدد.
من نحن؟
-
(١)
نحن هيئة شعبية مستقلة غير حكومية نتعاون مع الهيئات الأخرى الحكومية والشعبية من الحزبية وغير الحزبية وغيرها من الهيئات.
هذا التعاون يقوم على الاستقلال والحرية والندية في علاقات العمل والفكر.
-
(٢)
نحن ضد التقليد، ندرس التراث بعقول نقدية. نأخذ الإيجابي ونترك السلبي. ندرس الحاضر داخل بلادنا وخارجها.
لا نخاف من الحضارات الأخرى الغربية أو الشرقية، ندرسها بعقول نقدية ونستفيد منها دون تقليد أعمى ودون رفض أعمى أيضًا.
إن جميع الحضارات والثقافات متداخلة، وقد بنيت الحضارة الغربية على الحضارة اليونانية، وهذه بدورها بنيت على الحضارة المصرية القديمة والحضارات في أفريقيا وآسيا.
-
(٣)
حرية المرأة عندنا لا تعني تعدد العلاقات مع الرجال، أو الانشغال طول الوقت بالرجل، أو البحث عن عريس أو اعتبار الزواج الوظيفة الوحيدة في الحياة، أو الرقص في الملاهي والتدخين والشرب، أو صرف المال على المساحيق والماكياج والفساتين واستهلاك البضائع الكمالية، أو التشدق بعبارات التمرد والثورية دون فعل وتغيير حقيقي في الواقع المعاش.
- (١)
العمل المنتج الخلَّاق.
- (٢)
الاستقلال الفكري والاقتصادي معًا.
- (٣)
القدرة على تبادل الحب الإنساني أخذًا وعطاءً.
- (٤)
القدرة على تكوين أسرة جديدة أساسها الحب والعدل.
- (٥)
القدرة على ربط قضية تحرير النساء بقضية تحرير الوطن والأرض والاقتصاد والثقافة.
- (٦)
القدرة على نقد الماضي وفهم الحاضر والعمل على خلق حياة أفضل في المستقبل.
- (٧)
القدرة على تحرير الذات والربط بين التحرير الفردي والتحرير الجماعي.
- (٨)
شعارنا «قوة النساء، التضامن»، فالحق بغير قوة يضيع، وشعارنا «رفع الحجاب عن العقل»، فالحق بغير وعي يضل الطريق.
- (٩)
نحن لسنا ضد الرجل كإنسان، ولكننا ضد سلطة الرجل المطلقة في العائلة والمجتمع.
نحن ضد الدكتاتورية في الأسرة وفي الدولة.
- (١٠)
نحن لسنا ضد الدين، فالله هو الحق والعدل والحرية، ويمكن للدين حسب التفسيرات المختلفة أن يكون مع الحق والعدل والحرية أو ضدها.
هذا المقال يلخص فلسفة الجمعية والمجلة، فهل هذه الفلسفة ضد الآداب العامة؟!
إن ما تعنيه «مخالفة الآداب العامة» في العرف المصري يعد قذفًا للجمعية ولمجلة نون، ولنا أن نسأل:
ألا يحق لأصحاب العقول والضمائر في بلادنا أن يطالبوا لمجلة «نون» ولجمعية تضامن المرأة العربية بحق محاسبة هؤلاء الذين نشروا هذا القذف بلا تحقيق وبلا دليل؟! وأن يطالبوا بالتعويض الأدبي والمادي عن ذلك التشويه المتعمد لسمعة واحدة من أفضل الجمعيات في مصر والوطن العربي؟! وواحدة من أفضل المجلات النسائية التي صدرت خلال القرن الأخير؟!
منذ بدأت أكتب وأنا أناقش جوهر الأخلاق والآداب العامة في بلادنا، لأنني أرى أن الأخلاق والآداب العامة — شأنها شأن العدل أو الحرية — ينبغي أن يكون لها معيار واحد للناس جميعًا بصرف النظر عن الطبقة أو الجنس أو العرف أو العقيدة. بمعنى أن الخطيئة إذا وقعت وكانت لها عقوبة ألزمت عقوبتها المخطئ أيًّا كان وضعه الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، ومهما كانت درجته أو منصبه، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة والرئيس والمرءوس، والفرد أو الجماعة أو الحكومة أو الدولة أو أي نظام محلي أو عالمي.
لكننا نرى أن الأخلاق والآداب العامة تكال دائمًا بمكيالين، توزن بمعيارين في جميع المستويات، من أعلى إلى أسفل. من الأسرة الصغيرة داخل البيت إلى النظام العالمي أو الشرعية الدولية.
إن الازدواجية الأخلاقية قانون عام من قمة السلطة الدولية إلى السلطة داخل الأسرة والمنزل، والعلاقات بين الرجال والنساء والأفراد من الطبقات المختلفة.
على المستوى الدولي إذا كان المخطئ دولة عربية (العراق أو ليبيا مثلًا) أصبح العقاب شديدًا يصل إلى حد التدمير عن طريق الحرب، أو عقوبات اقتصادية تصل إلى حد تجويع الشعب والأطفال.
وإذا كان المخطئ دولة إسرائيل أصبح العقاب غير وارد، أو مخففًا، أو مجرد عتاب رقيق على عرقلة سير محادثات السلام!
وداخل الأسرة الصغيرة إذا كان المخطئ امرأةً أصبح العقاب شديدًا يصل إلى حد القتل أحيانًا، الجسدي أو المعنوي.
وإذا كان المخطئ رجلًا أصبح العقاب غير وارد، أو مخففًا، أو مجرد إنذار أو لوم بسيط.
وكم هوجمت لأنني كشفت في كتاباتي عن هذه الازدواجية الأخلاقية الخطيرة.
وفي أحد كتبي الذي صدر في نهاية الستينيات في مصر، ثم تمت مصادرة الكتاب بواسطة أجهزة الرقابة المصرية، ونشر في بيروت فيما بعد، كتبت الآتي:
حاولت أن أنقي الجنس من الفساد الأخلاقي، وأن أرفع شأن المرأة لتكون إنسانة لها عقل، وليست مجرد جسد يُعرَّى لترويج السلع في الإعلانات والفنون الرخيصة، أو يُغطَّى تحت النقاب إلا عين أو نصف عين لترويج شعارات سياسية أو دينية معينة.
لكن الذين لم يقرءوا كتبي وسمعوا كلمة «الجنس» انتفضوا وعارضوا وهاجموا لمجرد أن الكلمة في حد ذاتها مدانة!
أما الآخرون ممن يفزعهم الكشف عن هذه الازدواجية، أو أن مصالحهم السياسية أو الاقتصادية يمكن أن تُهدَّد بهذا الكشف، فقد قلبوا الأشياء رأسًا على عقب، وقالوا إنني أشجع الانحراف والإباحية، والعكس هو الصحيح تمامًا، إنني ضد الانحراف والإباحية بدليل أنني أحارب تلك الإباحية الجنسية الممنوحة للرجال تحت اسم تعدد الزوجات، وأحارب الانحراف القائم داخل الازدواجية الأخلاقية.
خلال حرب الخليج كشفت في مقالاتي المنشورة في الصحف، أو مجلة «نون» أو نشرة تضامن المرأة العربية عن الازدواجية الأخلاقية للقانون الدولي أو النظام العالمي الجديد.
وكم حوربت في تلك الفترة أثناء الحرب وبعدها، لكن الوضع تغير الآن عن ذي قبل، بعد أن كشفت نتائج حرب الخليج عن الكوارث التي حلت بالعرب، وأصبحت أقرأ في الصحف المصرية لكثير من الكتَّاب يكشفون عن هذه الازدواجية الأخلاقية في النظام العالمي الجديد.
إن الأخلاق والآداب العامة تحكمها القوة وليس الحق أو العدل، وقد اتضح ذلك تمامًا للكثيرين بعد حرب الخليج، حتى العهود التي قطعها رئيس الولايات المتحدة على نفسه (جورج بوش)، وتعهد بأنه سوف يطبق قواعد «الشرعية الدولية» أو قرارات الأمم المتحدة على دولة إسرائيل بمثل ما طبقه على دولة العراق، غير أن هذا — حتى اليوم — لم يحدث، وحين أثير خلال شهر مايو ١٩٩٢م مبدأ تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤ لعام ١٩٤٨م الخاص بحق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم المسلوب، وحق التعويض عن أراضيهم وممتلكاتهم المسروقة! ماذا حدث؟! تراجعت حكومة الولايات المتحدة عن عهدها السابق وأعلنت أن القرارين ٢٤٢، ٣٣٨ هما وحدهما الملزمان أمام مفاوضات السلام الجارية الآن لحل النزاع العربي الإسرائيلي.
حتى الذين وقفوا مع قرار الحرب إبان احتلال العراق للكويت عادوا وأعلنوا أن الحرب كانت مدمرة، وكانت ضد العرب ومن أجل البترول، وليس من أجل تحرير الكويت، وأن الولايات المتحدة تكيل بمكيالين وتتعامل بسياسة ذات وجهين في القضية الواحدة.
(٢) وما هي الهيئات الدولية؟
وما هي تلك الهيئات الدولية التي اتصلنا بها دون تصريح، أهو المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالأمم المتحدة في نيويورك الذي منح الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية المركز الاستشاري في مايو ١٩٨٥م؟ وإذا كانت إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية تعرف منذ ذلك الوقت هذه الحقيقة، وتؤكدها في رسائلها إلينا وإلى بنك مصر، فرع مصطفى كامل، وإلى مختلف الهيئات الأخرى، بالإضافة إلى أنها منحتنا التصاريح لعقد مؤتمراتنا الدولية منذ عام ١٩٨٦م حتى عام ١٩٩١م؟
وإذا كان وضعنا كجمعية دولية عربية يقتضي منا الاتصال بجميع الهيئات في الوطن العربي وفي العالم أجمع، وقد فعلنا ذلك منذ عام ١٩٨٢م حتى اليوم، فما الذي طرأ فجأة؟!
وما هي تلك الدول العربية التي أسأنا إلى العلاقات بينها وبين مصر، أهي السعودية والكويت، لأننا وقفنا مع الحل السلمي لأزمة الخليج؟!
أو ربما هي دولة إسرائيل لأننا طالبنا المجتمع الدولي بتوقيع العقوبات عليها حسب الشرعية الدولية، لأنها لم تنفذ قرارات الأمم المتحدة مثلها في ذلك مثل غيرها من الدول العربية كالعراق أو غيرها؟!
أو ربما هي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، لأننا اشتركنا مع رامزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق وغيره من الشخصيات العالمية التي طالبت بتكوين محكمة دولية لمحاكمة المسئولين في الحكومة الأمريكية عن مقتل نصف مليون عربي في الخليج من أجل السيطرة على البترول!
أو ربما لأنني اشتركت في الوفد النسائي العالمي الذي طالب السكرتير العام (السابق) للأمم المتحدة بالاستقالة، لأنه خالف ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حل الأزمات بالطرق السلمية وليس بالحرب المسلحة، أو لأنني كتبت له رسالة بهذا المعنى في ١٠ مارس ١٩٩١م.
إن الناس في مصر والوطن العربي حين قرءُوا تلك التهم العجيبة ضربوا كفًّا بكف، أهكذا تنعكس القيم والأحكام في بلادنا إلى الحد الذي تنقلب فيه المواقف الوطنية الشجاعة إلى إدانات وإساءات إلى المصالح العليا للبلاد!