ويبقى الودُّ ما بقي العتاب
كنت قد لبثتُ أعوامًا، أسمع عن فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ولا أسمع منه، وكان الذي سمعتُه عنه خلال تلك الأعوام، مَدعاة للزهو والرضا، ففضلًا عن إخوتنا: في الإنسانية، وفي الإسلام، وفي العروبة، فنحن فوق ذلك كله إخوان في المصرية. ولا تسلْني عن الإخاء بين المصري والمصري، حين يكون المجال مجالًا للفخار بالوطن. وقد لا يشعُر هذا الشعور إلى أغواره العميقة، إلا من يجد نفسه بين غرباء، ثم يجيء سياق الحديث حاملًا على موجه ذكرًا حميدًا لمواطنٍ مصري، كما حدث لي أكثر من مرة، وورد في حديثي مع جماعاتٍ من غير المصريين، اسم فضيلة الشيخ متولي الشعراوي، مقرونًا بالثناء والتقدير، فعندئذٍ أحسستُ وكأن الثناء والتقدير موجَّهان إلى شخصي. نعم هكذا تتَّحِد هوية المصريين جميعًا، وتتجمَّع كلها مُركَّزة في أي فردٍ من أفرادنا، وهو يتحدَّث إلى غرباء، عن مصري بكلمات التقدير، فما بالك إذا كان ذلك المصري ذا قامةٍ فارعة، بلغت ما بلغتْهُ عند فضيلة الشيخ متولي الشعراوي.
ومع ذلك فقد شاء لي الله أن تمضي أعوام، أسمع خلالها عنه، ولا أسمع منه، ولعلَّ ما دعاني إلى ذلك أساسًا، هو أن فضيلته يصِل إلى الناس عن طريق الإذاعة المرئية المسموعة، وهي أداة لا أُتابعها متابعة مُطردة، بل هي عندي مرهونة بالمصادفات، فقد أرى وأسمع ما لا أودُّ عن عمدٍ أن أراه وأسمعه، وكذلك قد يَفوتني ما كنتُ أودُّ له رؤيةً وسمعًا، وهكذا فاتتني أحاديث فضيلته لعدة أعوام.
وللأقدار في لفتاتها عجائب ومفاجآت، ومن غرائب لفتاتها أن وجدتُني مواجهًا لفضيلته على صحيفة يومية، فكان ذلك بمثابة اللقاء الأول بيننا، ولم يكن اللقاء — بالنسبة لي — على ما كنتُ أرجو له أن يكون، إذ قرأت لفضيلته كلمة موجزة يدافع بها عن القول بأنه إذا سقطت ذبابة في شراب، كاللبن مثلًا، فما على الشارب إلا أن يغمس الذبابة بأجمعها في الشراب، ثم يمضي في الشرب؛ لأن للذبابة جناحًا فيه الأذى، وهو الجناح الذي تسقُط به على سطح السائل، وأما جناحها الآخر فمن طبيعته دفع ذلك الأذى، وبهذا التضاد يُصبح السائل صالحًا للشرب. وأذكر أن فضيلته قد شفع ذلك الرأي بذِكر مراجع لعلماء من الألمان، وكان فضيلته يومئذٍ وزيرًا للأوقاف.
ولستُ أدري كيف تلقَّى القراء كلامًا كهذا، حتى ولو كانت أسانيده مأخوذة، لا من علماء ألمانيا وحدَهم، بل من علماء الأرض جميعًا. أقول إنني لا أدري كيف تلقَّى القرَّاء كلامًا كهذا، لكن الذي أدريه على وجه اليقين هو وقعه على نفسي، فدَع عنك ما أصابني من غثيان؛ لأن غثياني قد لا يهمُّ أحدًا سواي، ولكن ثمة جانبًا من الموقف ينبغي أن يكون موضع اهتمامنا جميعًا، وهو الذوق الحضاري السليم، فإذا فرضْنا ما لا يجوز في رأيي فرضُه، وهو أن الذباب على نحو ما وصفه فضيلته — وأنا أعلم أنه قول شائع في عامة الناس — فهل يمكن أن يؤخَذ الذباب من حيث هو أجساد مُجنحة وكفى، بغض النظر عمَّا ارتبط به في الأذهان، من قذارةٍ ونقلٍ للأمراض؟ فإذا كان الذباب في حياة الناس هو ما هو، فهل يجوز أن يكون غَوصه في طعامنا وشرابنا موضعًا للدفاع؟ ومن الذي يدافع؟ هو فضيلة الشيخ الشعراوي، الذي إذا قال أنصت الملايين، وإذا كتب قرأ من لا أعرف كم عددهم في بلدٍ تشيع فيه الأُمية بمِثل ما تشيع عندنا!
لم أملك نفسي يومئذٍ، فقُمت لتوِّي، ونشرت القرطاس وحملتُ القلم، وما زلتُ أذكُر كيف أبَتْ نفسي أخذ الموضوع مأخذ الحقائق التي يُقام لها البرهان، أو الأباطيل التي تُهدَم بالبرهان؛ إذ الموضوع كله — كما رأيته — لم يكن يستحق هذا الشرف، فلجأت إلى التصوير الأدبي الغاضب في سخرية، أو الساخر في غضب، وجعلت العنوان «ذبابة تعقَّبتُها».
هكذا جاء لقاؤنا الأول على غير ما كنتُ أتمنى، ثم مضت بي الأيام مرةً أخرى، أسمع عن الشيخ ولا أسمع منه، حتى ملأ الدنيا وشغل الناس — كما قيل عن أبي الطيب المُتنبي — فأصبح واجبًا ثقافيًّا محتومًا، أن ألتمس أحاديثه التليفزيونية في مواعيدها، فلا أتركها للمصادفات، واستمعتُ لتلك الأحاديث أربع مراتٍ أو خمسًا متتاليات، وبرغم ما أخذته عليه في كل مرة (وسأذكر طرفًا منه) أعجبتُ به إعجابًا شديدًا، وذلك من نواحٍ كثيرة، فالرجل مُعلِّم بطبعه واستعداده، والصلة بين وبين تلاميذه تنبض بالحياة نبضًا قويًّا، وكلامه يجاوز الآذان لينفذ إلى قلوب السامعين في مثل اللمح بالبصر. وسواء لدى هؤلاء السامعين أفَهِمَت عقولهم ما قِيل أم لم تفهمه، وحسبُهم أن في قلوبهم رجفة الإيمان، بتأثير الأستاذ قولًا وأسلوبًا، على أن أهمَّ من ذلك كله عندي ممَّا أعجبني منه ذلك الإعجاب الشديد، هو منهاجه في الشرح والتفسير، فهو يتناول المفردات اللغوية التي تتألَّف منها الآية الكريمة التي يتولَّى شرحها وتفسيرها، بتناول تلك المفردات مفردًا مفردًا، لا يترك منها اسمًا ولا فعلًا ولا حرفًا، إلا حلَّله ووضَّحه.
كما يتناول العلاقات النحوية والبلاغية التي تربط تلك المُفردات بعضها ببعض، وإذا بهذا التحليل اللغوي نفسه يُضيء بمعنى الآية إضاءةً لا تدع فيها موضعًا لغموض، فالسامع لحديث الشيخ الشعراوي، يضمن لنفسه ضمانًا أكيدًا أن يخرج بمحصولٍ غزيرٍ في الدراسة اللغوية، وهو فوق ذلك قد يزداد إيمانًا على إيمانه الذي بدأ به الاستماع.
لكنني لحظتُ في كل حديثٍ استمعتُ إليه، من الأحاديث الأربعة أو الخمسة، التي أشرتُ إليها، نوعًا من العداوة للعِلم الحديث، وهو يُعبر عن عدائه للعلم بصورةٍ لا يُبررها صلب حديثه نفسه، أعني أن شروحه للآيات الكريمة التي يتولَّاها بالشرح، لا تزيد وضوحًا بسبب عدائه للعِلم. ومن أمثلة ذلك ما ورد في أول حديثٍ سمعتُه له، وهو أنه بعد أن سخِر ما شاءت له السخرية من جهود العِلم الحديث في الصعود إلى القمر، والسَّير على صخوره وترابه، تناول بأصابع يده ورقةً من علبة للمناديل الورقية كانت موضوعةً أمامه، وقال للملايين الذين يسمعونه: إن هذه الورقة أنفع من الصواريخ التي صعدوا بها إلى القمر. والحق أني عجبتُ للشيخ يقول كلامًا كهذا؛ لأن أقل ما يُقال في هذه المناسبة، هو أن أحد الفروع التي تفرَّعت من إعداد تلك الصواريخ ما نُسميه اليوم بالأقمار الصناعية. وبعد أن استُخدِمت تلك الأقمار في البث التليفزيوني، أصبح مُمكنًا أن يذاع برنامج التليفزيون على ثلث الكرة الأرضية دفعةً واحدة، بل إنه بشيءٍ من الإجراءات الفنية، قد يُذاع على الكرة الأرضية بأسرِها. وإذا كان هذا هكذا، فربما كان فضيلة الشيخ الشعراوي، وهو يقول لسامعيه إن قطعة الورق التي أمسكها بين أصابعه، أنفع من عملية الصعود إلى القمر من أولها إلى آخرها، أقول إنه ربما كان وهو يقول ذلك، يُعان بأحد الأقمار الصناعية — التي هي إحدى النتائج الفرعية لصواريخ الصعود إلى القمر — في إذاعة حديثه على العالَم الإسلامي كله في اللحظة عينها، فيكون هو المُنتفع بالشيء الذي يستهجنه.
ثم شاءت لي المصادفات في ثاني الأحاديث التي استمعتُ إليها، أن أسمع صورةً أخرى لكراهيته للعلم الحديث؛ إذ كانت إحدى مناطق إيطاليا قد تعرَّضت للزلازل، وعانت ما عانت، وكان أن أذاع علماؤهم في الناس احتمال حدوث زلازل أُخرى في المنطقة الفلانية، في وقتٍ حدَّده أولئك العلماء. وبعد أن سخر فضيلة الشيخ الشعراوي هذه المرة أيضًا بالعلم الحديث في هذا المجال، قال لسامعيه: إن الحق سبحانه وتعالى، ترك هؤلاء العلماء يُجرون أبحاثهم، ويُعلنون تنبؤاتهم، حتى إذا ما فرغوا من ذلك، باغتَهم بزلازل تقع في منطقةٍ غير المنطقة التي عيَّنوها، وفي وقتٍ غير الذي حددوه، وكانت الطريقة التي قال بها الأستاذ ما قاله، أكثر دلالةً من معنى القول نفسه، وذلك حين فرقع أصابع يده، وعبَّرت ملامح وجهه بما يعني أن الله سبحانه وتعالى كان مع عباده العلماء في موقف المُنتقِم؛ لاجترائهم على أن يعلموا، وعلى أن يتنبأوا.
أشكر الله لأخي الدكتور زكي نجيب محمود، إذ هيأ لي فرصةً لأشرح فكرةً قد تكون غامضة على بعض الناس. وأنا لا أشكُّ أنه قد قصد ذلك؛ لأني أُجلُّه إجلالًا يرتفع به أن يكون قد فهم منِّي ما فهم. وحسْبي أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود هو أول من تعرضتُ له في التعليق، عما كتب عني؛ لأني أعتزُّ برأيه، وأُحبُّ أن يظلَّ رأيه في مكان اعتزازي دائمًا، ونفع الله به باحثًا وأستاذًا ومُستوضحًا، وهداني الله إلى ما يُحبُّه لي من بسط الحقائق بسطًا لا يحتاج إلى تعليق. (جريدة الأهرام، الصفحة الدينية، ١٢ فبراير ١٩٨١م)
ثم مضت بنا الأيام، يتكلَّم كل منَّا لغة — فيما يبدو — غير التي يتكلَّم بها الآخر، فما قد رأيته في أحاديثه من عداءٍ للعلم الحديث، وعداء بالتالي للعصر كله، رآه فضيلته شيئًا آخر، لكن ذلك لا يُغير من أمرنا شيئًا، فكِلانا يُريد للناس خيرًا، كلٌّ بطريقته قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (صدق الله العظيم).
وعند هذه الآية الكريمة أتحوَّل إلى عتابٍ أوجهه إلى فضيلة الشيخ الشعراوي، كما يُعاتب المُسلِم مُسلمًا لهفوةٍ بدرت منه، وبالعتاب يبقى حبل الودِّ ممدودًا بين المُخلصين، فقد قالها شاعر، حين قال: ويبقى الود ما بقي العتاب، فالتوجيه الذي يتلقَّاه المُسلم من هذه الآية الكريمة يا فضيلة الأستاذ، هو أن يعمل كلٌّ منا، أو يقول (لأن القول ضربٌ من العمل) وفق ما تُمليه عليه مَلكاته وقُدراته، فلا يُحاكي أحدٌ أحدًا لمجرد المُحاكاة، بل يُعبر عن نفسه هو تعبيرًا أصيلًا صادقًا، والله سبحانه وتعالى وحده هو صاحب الحُكم، فيحكُم على مختلف السبل التي سلكها الناس أيها أهدى من أيِّها. فواضحٌ من ذلك يا فضيلة الأستاذ، أنه ليس أنت الذي يقضي في عباد الله بالضلالة والهدى.
فلقد فوجئت بما لم أكن أتوقَّع حدوثه من فضيلتكم، إذ فوجئتُ بمن أنبأني عن حديثٍ لكم نشرته الصحف، أخذتَ تضربُ فيه ثلاثًا منَّا باليمين وبالشمال، ضربًا لم تكن مُوفَّقًا فيه، وأنت الإمام الذي يأتمُّ به اليوم ملايين المُسلمين، كما يُقال لي، وأما الثلاثة الذين استهدفتهم بسهامك، ثم استنفرتهم أن يُنازلوك أنت وحدَك، وأن يُنازلوك بثلاثتهم مُجتمِعين في حلبة القتال، فهم توفيق الحكيم، ويوسف إدريس، والعبد الفقير إلى الله كاتب هذه السطور.
ولكي أكتب ما أكون من صحته على أيقَنِ يقين، سأقصر كلماتي على شخصي، تاركًا للزميلَين أن يتولَّيا ما يريدان أن يتولَّياه من الأمر.
لقد أسلفتُ القول بأنني لحظتُ فيما تابعتُه من أحاديثكم، دقَّةً بالغة في تحليل المُفردات اللغوية، حتى لقد خُيِّل إليَّ أحيانًا أنني أمام مُحاضر في فقه اللغة، لا أمام مُحاضر في فقه الدين. وعلى هذا الأساس اللغوي الدقيق سيكون نقدي لما هفوتَ به عني يا فضيلة الشيخ، جاعلًا ما وجَّهتَه إلى الثلاثة مُجتمِعين، مُوجَّهًا إليَّ بالضرورة.
-
(١)
وردت هذه العبارة في حديثكم: إذا كان هناك ما يُسمُّونه فكرًا لهم، فكل كلامهم خارج هذا الدين، وكله مردودٌ عليه.
وحول هذه العبارة أقول: قف معي قليلًا يا فضيلة الأستاذ عند كلمة «كل» التي ذكرتها مرَّتين، فلا شك أنك تعني ما تقول، وأنت الرجل الذي يتعقَّب مفردات الكلام مفردًا مفردًا، فكم قرأتَ لي يا ترى ممَّا كتبتُه، ليجوز لك الحكم بأن «كل» كلامي خارج الدين، و«كله» مردودٌ عليه؟ إن لي أكثر من أربعين كتابًا، وفوقها ما لا أستطيع حصره من مقالاتٍ وأحاديث، ولستُ أزعم أن ما كتبتُه جديرٌ بشرَف أن تقع عليه عيناك، لكن ها أنت ذا قد شرَّفتني بالإشارة إلى «كل» ما نطقت به، و«كل» ما جرى به قلمي، وأنا أُعيد عليك السؤال: كم قرأتَ لي — يا ترى — وكم سمعت؟ إذا كنتَ لم تقرأ «كل» ما كتبته، ولم تسمع «كل» ما تحدثتُ به، ألا توافِقني في هذه الحالة على أنك قد هفوتَ معي في الحُكم؟
-
(٢)
جاء في عبارتك ما يلي: أنا أريد النقاش علنًا، ليعرِف كل إنسانٍ قدرَه، ولا يُصبح دين الله نهبًا مباحًا لكل من يريد أن يتعدَّى على مُقدساته، ويُشوِّهه أمام الناس.
وعن ذلك أقول: مرةً أخرى أرجوك يا فضيلة الإمام، أن تقف معي قليلًا أمام كلمة «يريد»، وأنت الذي أعلم عنه أنه لا يستخدِم لفظًا إلا وهو يعنيه، فلو أنَّ فضيلتك قد كفاها أن تحكُم على ما كتبته بالخطأ في حق الدين (وأنا أقصر الحديث هنا على نفسي كما قلت) لهان الخطب؛ لأن الأمر عندئذٍ ما كان ليعدو أن يُخطئ كاتب وهو لا يدري أنه أخطأ، وكان يمكن لعالمٍ كفضيلتك أن يُنبهه إلى الصواب ويستقيم المعوج. لكنك أصفت «الإرادة» المُتعمَّدة، وأنا أترك لك أنت محاسبة نفسك ومراجعتها: أواثقٌ أنت أنه قد كان وراء الكلام الذي رأيته فوجدته خاطئًا، «إرادة» تحرَّكَت في جوفي لتتعمَّد الخطأ والتعدِّي على مُقدسات الدين؟ وإذا أجبتني بكلمة «نعم» فاسمح لي ساعتها أن أُطالبك بالدليل، وأما إذا أجبتني بكلمة «لا» أفلا تكون في هذه الحالة قد اتهمت مُسلمًا بأبشع ما يَتَّهِم به مُسلم أخاه المسلم، وعن غير بينةٍ يستند إليها؟
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فلستُ أريد أن أتجاهل قولك في العبارة المذكورة؛ إنك تريد مناقشة علنية «ليعرف كل إنسانٍ قدره»، فما هو موضوع المناقشة الذي تقترحه، بحيث تضمن لقدْر نفسك أن يبرُز أمام الناس عملاقًا، ويضؤل الآخرون أقزامًا؟ ومن يا ترى الذي يُترك له اختيار الموضوع؟ أنت أم أنا؟ أغلب ظني أنك لو تركت لي الاختيار لاستطعتُ الوقوع على ما تجهله أنت وما أعلمه أنا، وكذلك إذا تُرك لك الاختيار، حدث عكس هذا، فالله سبحانه وتعالى قد قسَّم الأرزاق بيننا في المال وفي العِلم أيضًا، والله لا يُحب كل مختالٍ فخور.
-
(٣)
جاء في عبارتك ما يلي: إن ما يقوم به (هؤلاء الثلاثة) لا يمتُّ إلى الحق بصِلة، وما يكتبونه هو قضية تحمِل الضلال والإضلال.
وعن الشق الأول أُعيد ما قلتُه في رقم ١، وخلاصته أن فضيلتك لا يجوز لك أن تحكُم حكمًا كهذا، إلا إذا كنتَ قد ألممتَ بكل ما قمتُ به، ثم حددت «الحق» كما تراه، ثم وازنتَ فلم تجد من ذلك الحق شيئًا فيما قمتُ به. والأرجح أن أيام فضيلتك لم تتَّسِع لبحثٍ مُتسعٍ كهذا.
وأما الشق الثاني، فأنا أدعو لك الله عما ورد فيه رحمةً وغفرانًا، فلأن يكون فيما كتبته «خطأ» فكثيرٌ على فضيلتكم أن تَصِفوه «بالضلال»، وأكثر منه أن تصفوه «بالتضليل» إن الله غفورٌ رحيم.
-
(٤)
ورد في حديثكم أنك تريد المناقشة العلنية «لأكشف هؤلاء الناس للمُسلمين في العالم أجمع، وأرد عليهم، ونترك الحُكم لجميع المسلمين.» وتعليقي على ذلك هو أنك لو قلتَ إنك تريد أن تحتكِم إلى «عقلاء» المُسلمين لكنتَ أكثر توفيقًا، أما «جميع» المُسلمين يا فضيلة الإمام، فمشغولون اليوم، يقتل بعضهم بعضًا في حرب الخليج، ويعترك مذهب منهم مع مذهب في كل أرجاء الإسلام. أإلى هؤلاء تُريد أن تحتكم فيما قد ينشأ بيننا من اختلاف، وما من مجموعةٍ منهم إلا وتلعب بها خناصر «الكفار»؟ يا سبحان الله العلي العظيم!
أما بعد يا فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، فإنني أحمل لك التقدير وأُكبِر فيك الشجاعة في إبداء رأيك علانية، ويقيني أنك تريد لسواك أن يكون له مِثل ما لك من حق التفكير وحق التعبير، والله يوفقنا جميعًا إلى ما هو أهدى سبيلًا.