قراءة في كراسة مجهولة
كان شابًّا في نحو الخامسة والعشرين، لكن عينيه كانتا تلمعان بنضجٍ أكبر من عمره، وفي نبرات صوته هدوء وعُمق، كأنما هو قد جاوز الأربعين، وحالته في مجموعها تنطق بالهموم التي لعلَّه كان رازحًا تحتها كما يرزح عائل أُسرة كبيرة. كنتُ أعرف عنه أكثر مما أعرفه باللقاء المباشر، فقد كان أبوه صديقًا عزيزًا، وكان كثيرًا ما يذكُر لي في أحاديثه ولدَه هذا إسماعيل.
فوجئتُ بزيارته لي في منزلي، وأحسنتُ لقاءه، فما كاد يجلس على حافة المقعد، كأنه يخشى إزالة الكُلفة بيننا إذا هو استند إلى ظهر المقعد، أو أراح مرفقَيه على الجانبين، أقول إنه ما كاد يجلس تلك الجلسة القلِقة، حتى همَّ بالحديث عما جاء من أجل الحديث فيه، فقال وهو على شيءٍ من لهاث التعب والقلق والرهبة: مات أبي منذ عام ونصف عام.
قلت: أعلَم ذلك يا ولدي، أعلم ذلك، فقد كان والدك صديقًا كريمًا، ولطالَما قضيتُ معه الساعات الطوال في مكتبته، أعني بين أكوام الكتب التي وضعها في غرفة مكتبه أكداسًا أكداسًا.
قال: لقد بِعْنا مكتبته منذ قريب.
قلت: لمن؟
قال: لإحدى الجامعات.
قلت: هذا خيرٌ، فسوف يظلُّ أبوك حيًّا بك وبإخوتك، وبها كلما أشعَّتْ بنورها في طلاب العلم. كانت مكتبة أبيك فريدة في نوعها، فقد كنتُ أشعر كلما زرتُ أباك، وقضينا الأمسية في غرفة مكتبه، وحَوْلنا خزائن الكتب تدور مع جدرانها الأربعة، وبحذاء تلك الخزائن أكداس من الكتب رُكِمت في غير نظام، كنتُ أشعر بعبير المعرفة يفوح، وما كل مكتبة تُوحي للجالس فيها بهذا الشعور، فما أكثر ما جالستُ أصدقاء في غُرَف مكاتبهم، وحَولَنا كتب، لكنها كانت كأنها قوالب الطوب أُعِدت للبناء. إنني أذكر الإجابة التي أجابني بها أستاذ الفلسفة في جامعة لندن، منذ عشرات السنين، أذكُرها وأذكر دهشتي لها، إذ أملى عليَّ قائمة بأسماء المراجع، ثم سألني: أتعرِف من أين تشتريها؟ قلتُ له: نعم سأشتريها من المكتبة الفلانية، فقال بسرعةٍ وبانفعالٍ ظاهر: لا، لا إن المكتبة التي ذكرتَها تبيع الكتب، وكأنها قطع من الفحم لوقود المدافئ، إنني لا أشتري الكتاب إلا من مكانٍ يعرِف أصحابه قيمة الكتاب من حيث هو كتاب، وأما أصحاب المكتبة التي ذكرتَها فيعرفون ثمن الكتاب، ولا يعرفون قيمته، وهكذا يا إسماعيل يا ولدي، كنتُ وأنا مع أبيك في مكتبة داره، أحسُّ بعطر المعرفة، وهنالك آخرون لا أشمُّ في مكتباتهم إلا رائحة الورق. فابتسم الشاب ابتسامةً حزينة، ثم قال: لقد حرصنا كل الحرص، قبل أن نُسلِّم المكتبةَ لشاريها، على أن نفحص الكتب وما بين الكتب؛ لأن والدي رحمه الله، كان يُبعثر أشياءه بغير حساب، فوجدْنا أشياء كثيرة لم نتوقَّعها: وجدنا نقودًا ورقية داخل الكتب، ووجدنا أوراقًا بالِغة الأهمية مُتناثرة خلف صفوف الكتب، ثم وجدنا هذه الكراسة، التي أظنُّها تحتوي على كتاباتٍ أدبية، فرأينا أن نترُكها معك لترى فيها ما تراه. وناوَلَني الكراسة في غلافها كما وجدَها.
أخرجت الكراسة وتصفحتُها تصفحًا سريعًا، فكان أول ما لحظتُه فيها، عبارة كتبَها في صفحةٍ وحدَها، هي الصفحة الأولى من الكراسة، يقول فيها: إنه لا يُريد لشيءٍ مما ورد في هذه الصفحات أن يُنشَر في حياته، وإذا نُشِر منه شيء بعد موته فلا يُذكَر اسمه. كان المحتوى أشبه بيوميَّات، لكن كاتبها لم يذكُر لأيٍّ منها تاريخها، وكانت تتباين في طولها، فبعضها لا يملأ صفحة واحدة، وبعضها الآخر قد يطول عدة صفحات على أنَّ مُعظمها كان يتوسَّط بين القِصَر والطول.
إنَّ ضمير الوالد إزاء ولده، ليتأزَّم إذا ما وجد الوالد نفسه بين أمرَين: أحدهما يُوجِب عليه ألا يُوصي ولدَه إلا بما ترضى عنه الأخلاق في مُثلها العُليا، بينما يُوحي إليه الأمر الآخر ألا ينصح ولده إلا بما يكفُل له النجاح في حياته. ولو كان هذا النجاح المأمول يتحقَّق للراغبين فيه تحت مِظلة الأخلاق القويمة، لما كان هناك إشكال، لكن الأمر الواقع في حياتنا العملية لا يترك لنا مجالًا للتشكُّك أو التردُّد، في أن المواطن الطموح قد يُصادف في طريق حياته عشرات المواقف التي يكون الأمر فيها هو إما … وإما … أي أنه يكون إما أخلاقًا قويمة ولا نجاح، وإما نجاحًا ولا شيء من تلك الأخلاق القويمة فأيهما يختار.
وتلك هي أزمتي اليوم مع ضميري، فأنا أكتب هذه الصفحات، راجيًا أن تتهيَّأ الظروف التي تُتيح لولدي إسماعيل أن يقرأها، فلستُ أجرؤ على مواجهته بها، فضلًا عن أني أوثِر لولدي أن يجمع بنفسه حِكمة الحياة لنفسه، وماذا كنتُ لأقول له إذا أردتُ له الهداية، اعترافًا من خبرتي؟ أأُوصيه — مثلًا — بالتواضُع كما تريد لنا الأخلاق المُهذبة الكريمة أن نكون؟ ولكن كيف وأنا أريد له النجاح، بالمعنى الذي لا يفهم شعبُنا النجاح إلا به؟ وخُلاصة ذلك المعنى هي أن يكون الإنسان في موقعٍ يُمكِّنه من السلطة والتسلط. القيمة العُليا، التي لا تعلو عليها قيمة أخرى في ترتيب القِيَم عندنا هي أن تكون ذا سلطان، لتكون نافذ الكلمة، تنفع وتضر، فيكون لك الأتباع والرعايا يُحيطون بك ضارِعين مادحين، التماسًا للنفع ودفعًا للضرر، ومواقع السلطة لا تتحقَّق لعشَّاقها إلا بشروط، أولها وأهمها: أن يُحسن الواحد منهم إساءة الأدب! كلَّا، لا تضحك من عبارتي فأنا أقصدها بكل كلماتها وحروفها فقد يُسيء الإنسان أدبه بغير تدبيرٍ مُحكم، فيسقط في الهاوية، لكن الذي يُسيء الأدب ليصعد بتلك الإساءة سُلَّم المجد، لا بدَّ له من الروية والتدبير في رسم الخطة لتلك الإساءة لكي تأتي النتائج بطريقةٍ طبيعيةٍ لا تصدِم العُرف بين الناس.
وأضرب لك مثلًا واحدًا لِما أعنيه بالإساءة المُدبرة في رويةٍ وإحكام، والمَثل الذي أضربه هو ما أُسمِّيه بفن المسافات. كأني أراك قد رفعت حاجبيك دهشةً وتساؤلًا: فنُّ المسافات! ماذا تريد؟ فأقول: نعم يا ولدي فن المسافات، فلِطول المسافة بينك وبين الآخر إذا وقفتما تتحادثان، أو جلستما معًا في مكان، علاقة وثيقة بالرُّتبة الاجتماعية التي لكلٍّ منكما، فإذا تساوت بينكما تلك الرتبة تساويًا مُعترفًا به، فلا ضير عندئذٍ في أن تجلسا على مقعدين متجاورين، أو على أريكةٍ واحدة، أما إذا قرَّ في نفس أحدكما أنه أعلى رتبةً حرص حرصًا شديدًا على ألا تقصُر المسافة بينكما إذا وقفتُما، وألا يتجاور المقعدان إذا جلستما، وها هنا يتميَّز من يُحسن إساءة الأدب طلبًا للصعود عمَّن لا يستطيع تلك الإساءة المُدبَّرة، فلا يكون له بإذن الله صعود. أما الأول فيعرف لنفسه مُقدمًا أين يقف أو يجلس، ولا يترك الأمر فوضى تلعب به المُصادفات، ولقد رأيتُ يا ولدي من لعبة المسافات هذه فنونًا كلما ذكرتُ منها شيئًا تحيَّرتُ حيالها بين الضحك والبكاء.
وأعود إلى ما كنتُ بصدد الحديث فيه، وهو عن الأزمة التي يتأزَّم بها ضميري إذا أردتُ لولدي شيئين معًا، وهما أن يكون ذا خلق مُهذب، وأن يكون في الوقت نفسه ناجحًا، بمعنى النجاح الذي يفهمه شعبنا، فبماذا أوصيه إذا وجدتُ أن حياتنا كثيرًا جدًّا ما تأبى أن يجتمع هذان الشيئان معًا، وكأنهما نقيضان؟ أأُوصيه بالتواضُع فأُضيِّعه أو أُوصيه بقلة الأدب، فأُضيع الأخلاق؟
أم هي يا ترى أزمة الضمير لا تقتصِر علينا، بل تُجاوز حدودنا لتشمَل العالَم كله؟ إنه ليُخيَّل إليَّ أن ثمة شبهًا قريبًا بين ما كنتُ أعرضه في الأسطر السابقة، وما ورد في جمهورية أفلاطون، أثناء محاورة المتحاورين عن العدالة ومعناها، فقد طرح موضوع العدالة، وتحديد معناها — كما نعلم — في مُستهل كتاب الجمهورية، لكن الحديث فيه قد طال، وتفرَّع حتى شمل شطرًا كبيرًا من ذلك الكتاب، وكان الغرَض منه هو أن يكون الفيلسوف على بينةٍ تامَّةٍ بمعنى العدالة؛ لأنها هي أساس الدولة كما أراد أن يتصوَّرها ويُصورها. طرح السؤال على المُتحاورين وكان سقراط بالطبع محور المناقشة، يُديرها ببراعته المعهودة، فيبدأ كيفالوس بالقول بأن العدالة هي في صدق القول، والوفاء بالدَّيْن (بتسكين الياء)، لكن بعد مناقشةٍ قصيرة ظهر قصور هذا الرأي ورُفِض، فتقدَّم بعده بوليمارخوس برأيٍ آخر يقول فيه إن العدالة هي في مساعدة الأصدقاء، وإلحاق الضرر بالأعداء، فنُوقِشَ هذا الرأي مناقشةً طالت بعض الشيء، وهنا ضاق صدر ثراسيماخوس بتلك المناقشات التي تتناول العدالة من هوامشها وتترك الصميم، مُوجهًا اللوم إلى سقراط في مُماطلته تلك. وبعد أخذٍ وردٍّ بين سقراط وثراسيماخوس، كان فيه العتاب الجميل، طُولِب ثراسيماخوس بطرح الرأي الذي يراه، فقال: «إذن فاصغِ إليَّ، إنني أعلن أن العدالة ليست إلا صالِح الأقوى.»
وقعت هذه الإجابة وقع الصواعق على آذان الحاضرين، فماذا عسى أن تكون العدالة التي ينحصِر معناها في خِدمتها لمصالح الأقوياء؟ وأراد سقراط بتهكُّمه المعهود أن يستخفَّ بالرأي فبدأ بسؤاله لصاحب الرأي قائلًا ما معناه: إنني أسألك لأفهم، أيكون اللحم الذي يأكله المُصارع هو معنى العدالة عندك إذ المصارع قوي، وصالحه من أجل قوته تلك هو أن يأكُل اللحم؟ فقاطعه ثراسيماخوس ضيقًا بتهكُّمه على رأيٍ جادٍّ وفي صميم الموضوع؛ فليس الأمر هنا أمر مُصارعين، وما يأكلونه لتقوية عضلات أجسادهم، بل الأمر مُتعلق بأنواع الحُكم.
«ألم تسمع قطُّ أن أنواع الحُكم تتباين، فمنها حُكم الطاغية، ومنها الديمقراطية، ومنها الأرستقراطية؟ وأن العنصر الحاكم هو الأقوى دائمًا؟ وأن الحكومة في كل حالةٍ تصنع القوانين لصالِحها؟ فالديمقراطية تصنع قوانين ديمقراطية، والملكية تجعلها ملكية وهكذا، وبعد سَنِّ هذه القوانين تُعلن الحكومات أن ما هو عادل بالنسبة لرعاياها، هو ما فيه صالِحها هي نفسها، وتُعاقب من يُخالف ذلك على أنه خارج على القانون وعن العدالة.»
لكن مؤلِّف المحاورة — أفلاطون — عرف كيف يتناول المُتحاورون هذا الرأي بالنقد، حتى انصرفوا عنه إلى غيره. وظنِّي أنا كاتب هذه السطور أن المُحاورة لم تُعطِ رأي ثراسيماخوس هذا، العناية التي كان يستحقُّها؛ إذ فيه من الحق أكثر جدًّا مما يُبرِّر أن يتناوله الحوار بالاستخفاف الذي تناوَلَه به.
على أنني يا إسماعيل يا ولدي ما ذكرتُ هذا الجزء من الحوار الأفلاطوني الطويل عن العدالة ومعناها، إلا لأُوجِّه انتباهك إلى ما يحدث في حياتنا نحن، فالقوي بجاهه ونفوذه أو من هو في سبيله إلى أن يظفر لنفسه بقوة الجاه والنفوذ، ليس من البلاهة بحيث يُسيء إلى الناس، ثم يُسمِّي إساءته إساءة، بل يبحث لإساءته عن اسمٍ خلَّاب جذَّاب، كأن يُطلق عليها اسم العدالة أو النزاهة أو حُسن الإدارة، أو ما إلى ذلك من أسماء تَمتلئ بها قواميسهم.
كنتُ أحدثك منذ لحظةٍ قصيرةٍ كيف بدأت المناقشة عن معنى العدالة كما وردت في محاورة «الجمهورية»، وكيف ألقى ثراسيماخوس بقذيفته في وجوه زملائه، وفي وجه سقراط بصفةٍ خاصة؛ لأنه هو الذي كان يُدير المناقشة، وذلك حين رآهم يحُومون حول الموضوع، ولا يقعون على صميمه، وذلك الصميم عند ثراسيماخوس هو أن الأقوى هو الذي يُقرِّر ماذا يكون عدالة، وماذا لا يكون، مؤسِّسًا ذلك على مصلحته الخاصة، وزاعمًا أنه إنما أراد الحق كما ينبغي أن يكون. وإني لأتساءل وما زلتُ أتساءل منذ قرأتُ هذه المحاورة العظيمة لأول مرة في أول الثلاثينيَّات: لماذا لم ينصِف المتحاورون رأي ثراسيماخوس، مع أنه الحقيقة الواقعة التي تصدِم كل من أراد إنكارها؟ أيكون ذلك لأن شيخ الفلاسفة أفلاطون، قد أراد أن يسير بالمناقشة سيرًا يؤدي به، لا إلى واقع العدالة كما يقع كل يومٍ أمام أبصارنا، بل إلى المَثَل الأعلى كما ينبغي أن يكون؟ أظن ذلك، وأما ذلك المثل الأعلى الذي قصد إليه، فهو أن العدالة في حقيقتها ليست كائنًا قائمًا بذاته، بل هي مُحصلة عناصر أخرى، فإذا ما اجتمعت تلك العناصر في مجتمعٍ قُلنا عنه إنه مجتمع تسُوده العدالة. وخلاصة رأيه في ذلك هي أن المجتمع الذي تسُوده العدالة هو ذلك الذي يُوضَع كل فردٍ من أفراده في الموقع الذي يناسِب قُدراته الفطرية.
وإنما أردت الإفاضة في الشرح — يا إسماعيل يا ولدي — لكي أفتح عينيك لواقع الحياة في بلادنا، فلا تقُل — مثلًا — إنني أكثر علمًا من فلان، فلماذا لا أوضَع فيما خلقني الله له، ثم يوضَع فلان ذاك الذي هو أقل موهبةً وأقل علمًا فيما لم يخلقه الله له، لا، لا تقُل هذا يا إسماعيل يا ولدي؛ لأن ذلك معناه أنك تريد لبلدنا عدالة من الصنف الذي تخيَّله أفلاطون، وهو المثَل الأعلى، لكن أفلاطون ومن لفَّ لفَّهُ — كما تعلم — فلاسفة يطيرون بأجنحةٍ من الشمع فوق السحاب لا تكاد تمسُّها لسعة الشمس الصافية، حتى تذوب الأجنحة، ويهوي المساكين إلى سطح الأرض رُكامًا من حطام، فخيرٌ لك إذا أردتَ النجاح أن تعترف بعدالة الأمر الواقع، التي قدَّمها ثراسيماخوس، والتي هي العدالة كما نعرفها نحن في حياتنا؛ وأعني العدالة التي يُقيم الأقوياء موازينها، فكن قويًّا بمعيارهم تكن عادلًا في كل ما تقول وتفعل، إلى الدرجة التي تستطيع عندها أن تكون عالمًا بلا عِلم، وأديبًا بغير أن تُمسِك بالقلم. إنها أشياء أشبه بالمُعجزات يا ولدي … لكن لا، وألف مرة لا — يا إسماعيل يا ولدي — فهؤلاء العلماء بغير عِلم، والأدباء بغير كلمات، والفنانون بغير الفراجين والإزميل سيبحث عنهم أبناء الجيل التالي، فلا يجدونهم، لا، بل لن يبحث عنهم أحد؛ لأن أحدًا لن يسمع لهم صوتًا ولا ذكرًا.
اعمل يا إسماعيل ما وسِعك العمل، صِلْ ليلك بنهارك، كن دءوبًا وراء أهدافك العُليا دأبَ الكوكب الدوَّار، اجعل لنفسك رسالةً تؤديها للآخرين، وإلا كانت حياتك نافلة لا تُغني أحدًا ولا تُغنيك. وقد يطول بك الزمان قبل أن تقطف الثمر، لكنك بإذن الله بالِغُه وقاطفُه. انظر إلى من حفظ الناس أسماءهم وحمدوا أفعالهم أو أفكارهم أكانوا من أنصار العدالة على نموذج ثراسيماخوس أم كانوا من أنصار العدالة على طراز أفلاطون؟ أكانوا ذوي جعجعةٍ بلا طحن، أم عرفوا مواقع قُدراتهم، فأنتجوا وبقيَ ذكرهم حيًّا على صفحات التاريخ، إن الله — يا ولدي — لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
تلك هي الرسالة التي استوقفتْني في الكراسة المجهولة، لم يجرؤ الوالد أن يواجِهَ بها في حياته ولده، فرأيتُ نشرَها لعلَّ ولده يتلقَّاها، فيستريح أبوه في مثواه.