ذلك دور المسلمين
تلقيتُ في يومٍ واحدٍ رسالتَين، كلتاهما تستند في سياق حديثها، إلى أقوالٍ قالها المُفكر الفرنسي الكبير روجيه جارودي، ولقد قالها في معرض حديثه إلى الناس هنا — في مصر — عن الدوافع التي انتهت به إلى اعتناق الإسلام. أما إحدى الرسالتَين فقد جاءت من قارئٍ يُباهي بإسلامه، لكنه — كما رأيته — لا يتخلَّق بأخلاق المُسلمين في أدب الحديث. وأما الرسالة الثانية فمن شابٍّ أخذته الحيرة، ولم يعُد يدري أين يكون الصواب في النظرة إلى حضارة هذا العصر، وأين يكون الخطأ. على أنَّ الذي استوقفَني في الرسالتَين معًا، اشتراكهما في نقطةٍ أوردَها جارودي في أحاديثه عن إسلامه، فأبرزَتاها باهتمامٍ شديد. وخلاصتها هي أن حضارة الغرب في عصرنا هذا، إنما هي حضارة بلا أهداف، وأن الإسلام يُمثل الحياة الكاملة التي تعرف أهدافها، فأما صاحب الرسالة الأولى — وهو ذو منصب تربوي كبير — فيسوق لي هذه الفكرة في نغمة التوبيخ على ما أُردِّده من دعوة إلى الأخذ بحضارة العصر، وأما الرسالة الثانية فمِن طالب حيران، وعلى أي الحالتَين، فالفكرة تتطلَّب وقفةً هادئة مُتروية نزيهة، لعلَّنا نرسو بها على نتيجةٍ نطمئن إليها، فهي ليست بالفكرة الثانوية التي لا نأبه لها، بل هي في الحقيقة فكرة محورية أساسية في رسم اتجاهنا الحضاري، الذي من شأنه أن يؤثر في كل فروع حياتنا: فكيف يكون التعليم؟ وكيف يكون الاقتصاد؟ وكيف تكون صورة الحُكم؟ وكيف تكون كل صورةٍ أُخرى من صور الحياة الاجتماعية والحياة الفردية على السواء؟ أنميل بذلك كله نحو العصر وحضارته بدرجةٍ كبيرة أو بدرجة صغيرة بحسْب ما يقتضيه كل جانبٍ على حدة؟ أم نغلق أبوابنا ونوافذنا دون العصر وحضارته حتى لا يُصيبنا منه بلاء التيه الذي نضرب فيه على غير هُدى؟ إذ هو سَير إلى غير هدفٍ معلوم.
إنه لتأخُذني حيرة، ويُساورني قلق، إزاء ما تدعو إليه من حتمية اللحاق بحضارة الغرب، فها أنا ذا أقرأ عن الغرب أنه يحيا حياةً مادية، كانت نتيجتها حياة اجتماعية تتَّسِم بالاستعباد والسخرة في المجتمع الشيوعي، أو تأخذ طابع المنافسة والصراع في المجتمع الرأسمالي، وأما الاقتصاد فقد أصبح هدفه مجرد تشغيل الآلة، لتُنتج هذه الآلة ما تُقدَّر قيمته بملايين الدولارات من أسلحة الدمار، ثم تحول المجتمع إلى مجتمعٍ استهلاكي، يهدف إلى خلق حاجاتٍ، ثم إلى إشباعها. وبالتالي فقد أصبح الفرد يعيش معيشة حيوان، كل همِّه إشباع حاجاته، أما الثقافة فهي إما مُجمَّدة وإما مُسخَّرة لخلق نُسَخ أخرى من مجتمعاتٍ تجيء على تلك الصورة الفاسدة، وسبب ذلك هو الفصل بين العلم والحِكمة، وبين الوسيلة والغاية، فالحياة هي لمجرد الحياة، والعلم هو لمجرد العلم. «هذه يا سيدي هي آراء أحد أبناء الغرب، بل أحد فلاسفته، وهو روجيه جارودي.» ثم يسأل صاحب الرسالة قائلًا: أهذه هي الحياة التي تدعونا لنلحق بها؟ فأي شيء ممَّا قاله جارودي يُغري الإنسان، بأن يحاول خلق مجتمعٍ تلك هي حياته، وهذه هي نهايته؟
وأبدأ قولي بأنني أُقدِّر السيد جارودي تقديرًا يرتفع ما ارتفعت مكانته العُليا في دنيا الفكر المُعاصر، ولم يكن فكره من ذلك النوع المجرد الأجرد الخالي من الروح والحيوية، بل كان فكرًا فعَّالًا مُستجيبًا للحياة وظروفها، ولم يكن ليتحرَّج من الانتقال بفكره من طرفٍ إلى طرف، إذا وجد أن مُتابعة الحق — كما يراه هو — تقتضيه مثل ذلك الانتقال، وهذا ما حدث بالفعل، فقد كان شيوعيًّا ذات يوم، ثم ها هو ذا اليوم يعتنق الإسلام، وبين الشيوعية والإسلام ما بينهما من اختلاف في الأُسس المبدئية الأولى.
لكن تقديري للرجل لا يمنعني من ملاحظات أُبديها، وأولها أنني كنتُ أتمنَّى لإسلامه أن يجيء على أساس «العقيدة» ذاتها، لا على أساس «الحضارة»؛ لأنه إذا كان من الأسباب التي دفعته إلى اعتناق الإسلام، ما وجده من نقصٍ جوهري في «حضارة» الغرب، إذ وجد أنها حضارة بلا هدف، فهي تخلق في الناس حاجاتٍ لم تكن بهم من قبل، ثم تعمل بعد ذلك على إشباع تلك الحاجات بما تُنتِجه الآلات، دون أن يؤدي ذلك إلى الارتقاء بالإنسان من حيث هو إنسان، فماذا لو لم يكن في حضارة الغرب مثل هذا النقص؟ واضح أن النتيجة هنا هي أنه لم يكن جارودي ليجد ما يدعوه إلى الإسلام. والملاحظة الثانية هي أن المُفكر الفرنسي الكبير، حين هاجم حضارة الغرب بما هاجمها به، فإنما كان في ذلك مُسلحًا بثقافة الغرب ذاته، ومثل هذا الموقف المُنطوي على مفارقة، كثيرًا جدًّا ما نراه عند أعداء العصر وحضارته، فتجد الواحد منهم — مثلًا — يلعن حضارة الآلات، لكنه يوجِّه تلك اللعنة من إحدى الآلات التي يلعنها: من التلفزيون — أو الراديو — أو أية وسيلة أخرى من وسائل العصر.
إنه لا بأس يا سيدي في أن يَصيح مفكر فرنسي كبير صيحة الغضب من العِلم الحديث، وما تمخَّض عنه من آلات، أقول إنه لا بأس في أن يصيح صيحة غضبه تلك في أرجاء الغرب، بعد أن شبع ذلك الغرب علمًا وارتوى بالعِلم؛ لأنه إذا كان ذلك الغرب قد شطح بعلومه وآلاته، حتى انحرف عن جادة الصواب، فبدل أن ينتج للناس خبزًا أخذ ينتج لهم سلاحًا فاتكًا، فإنه ليس مُحالًا عليه أن يعود على هُدى الصيحة الغاضبة، فيلتزِم جادة الحق. بعلومه تلك وآلاته، وذلك بأن يُبقي على ما ينفع الناس، ويمحو ما يؤذيهم. ذلك كله يمكن للغرب ما دام العِلم بين يديه يصنع به ما استطاع أن يصنع، لكن البأس كل البأس يا سيدي في أن تُوجَّه مثل تلك الصيحة الغاضبة في بلدٍ ما يزال عند ألف باء العلم والصناعة؛ لأنك إذا أشعْتَ في نفوس أهله مثل ذلك الترف العقلي، وأعني به التشكُّك في حضارة العِلم والصناعة — التي هي حضارة هذا العصر— فكأنك أشعتَ في صدورهم دعوة إلى الجمود، لا بل دعوة إلى العودة إلى الوراء، حيث لا علوم ولا صناعة ولا أجهزة ولا آلات، ولن يحدُث لهم عندئذٍ إلا أن تزداد حاجتهم إلى الاعتماد على الغرب في كل ما يُنتجه من علم، وما يصنعه من آلات.
وأنت أعلم منِّي يا سيدي بأن تلك العلوم والآلات، التي هي أبرز سمةٍ من سمات الحضارة العصرية، ليست كلها شرًّا على الإنسان، بل إن الكثرة الكاثرة منها إنما هي الخير كل الخير. وماذا تكون تلك الآلات إلا امتدادات لما في التكوين العضوي للإنسان نفسه؟ ففي الإنسان عينان تبصران، ولكنهما تبصران إلى مدًى تُقيِّده الحدود، أبعادًا وأحجامًا، فهما لا ترَيان ما بَعُد بعدًا يُجاوز الحد كأفلاك السماء. وهما كذلك لا تريان ما بلَغ من الصغر حدًّا معلومًا، فجاءت آلات الرؤية لتمدَّ أبعاد البصر، حتى يبلُغ ما شاء الله له أن يبلُغه، وأن تزيد من أحجام الكائنات البالغة الصغر، حتى تُصبِح للإنسان في مجال رؤيته، وقل مثل ذلك في حاسة السمع، فلقد جعل الإنسان لنفسه من الرادار أُذنًا تتأثر بما هو أوهى من دبيب النمل، وإذا كان في خلقة الإنسان رِجلان يسير بهما ويجري لينتقل من مكانٍ إلى مكان، فانظُر كم أضاف إلى قُدرَة رِجلَيه حين صنع الطيارة، بل وبعد الطيارة المألوفة جاء صاروخ الفضاء. وماذا نقول عن أجهزة الفحص الطبي وغيرها وغيرها؟ إنني لأشعر الآن بغير قليلٍ من الخجل، حين أذكُر أمثال هذه الأمور التي أصبحت في محفوظات الأطفال، لكن ماذا أصنع يا سيدي، إذا كانت صيحتك الغاضبة قد أثَّرت في رِجالنا وفي شبابنا؟ فكان من أصداء ذلك ما جاءني في الرسالتَين المذكورتَين، وإحداهما من عميدٍ لإحدى الكليات الجامعية، والأخرى لطالبٍ في إحدى كليات الهندسة. وأعود فأقول: إننا لو كنَّا شبِعْنا علمًا وارتوينا علمًا — كما شبعتُم وارتويتُم — لَمَا كان هنالك من بأسٍ فيما قُلته عن العِلم الحديث وأجهزته وآلاته؛ لأننا كنا عندئذٍ إذا ما أدركنا انحرافنا، أصلحنا الانحراف، والعلم وأجهزته وآلاته لم تزل في أيدينا.
لقد أعجبتم الناس هنا إعجابًا شديدًا — فيما يبدو — بقولكم إن حضارة الغرب فيها عِلم للعِلم، وآلة للآلة نفسها، ولكن ليس فيها هدف يستهدفه العلم وتستهدفه الآلة، وأنَّ إيثاركم للإسلام إنما جاء من كون الإسلام كيانًا متكاملًا هدفًا ووسيلة، لكن الناس إذا أخذهم الإعجاب بذلك — وهو إعجاب ظهر في الرسالتَين المذكورتَين — نسُوا أنهم في حياتهم الفعلية الآن ومنذ أربعة قرون على الأقل، أصبحت أمامهم أهداف الإسلام، دون أن يعيشوا وسائلها، فإذا كانت حضارة الغرب قد بدت لك وسائل بغير أهداف، فحياتنا هنا أهداف بلا وسائل، وقد كان الأمل أننا إذا ما قَوِيَت أعوادنا عِلمًا وصناعة، ازددنا اقترابًا من حياة القوة عند المسلمين الأوائل، فتتكامل لنا الحياة — كما تكاملت لهم — وسيلةً وهدفًا. فجاءت دعوتكم يا سيدي لتُشكِّك الشباب في قيمة العلم وقيمة الآلات، كما ترى في رسالة طالب الهندسة التي أسلفتها.
إن التاريخ البشري لم يشهد مرحلة واحدة خلت ممن يتشككون في أجهزة الحضارة كلما استُحدِث شيء منها. وإني لأتصوَّر الإنسان في العصر الحجري، عندما عرف كيف يقدُّ لنفسه من الحجر سكينًا، لم يخلُ من رجالٍ يُعارِضون تلك السكين، بحجة أن الإنسان قد يقتل بها إنسانًا مثله، وينسى مثل ذلك الناقد أنها كلما قتلت بالخطأ إنسانًا واحدًا، فإنها تكون قد قتلت بالحق ألف ألف من الصيد الحيواني الذي يقتات الإنسان به.
وهكذا تمضي الحضارة قدمًا في سَيرها، ومع كل خطوةٍ إلى الأمام يظهر المُعارضون الناقمون، لكنها تمضي، فانظُر إلى صيحات الشعراء في أوروبا، عندما رأوا تباشير الانقلاب الصناعي وهي آخِذة في الظهور والانتشار، فكم أخذهم الهلع والجزع عندما بدأت المصانع تعلو في السماء بمداخنها. ولأضرب هنا مثلًا واحدًا أسوقه لشاعر إنجليزي رومانسي النزعة، مُتصوِّف بطبعه، هو وليم بليك، الذي أنشأ قصيدته المعنونة «ملتن» ليقول فيها ما معناه حسرة عميقة على حياةٍ مضت كانت وادعة مُطمئنة بإيمانها، إنها لم تكن تعرف وقتئذٍ إلا المروج اليانعة والجبال المُخضرَّة بعُشبها، وهل كانت رسالات الله إلى أنبيائه لتهبط عليهم وهي في أمثال هذه المدن الجديدة بمداخنها التي كأنها قرون الشياطين؟ ثم أعلن الشاعر في قصيدته تلك عزيمته على الجهاد في مُحاربة الصناعة الجديدة وآلاتها. وأظنُّني ما زلتُ أذكر أبياتها التي يقول فيها: أعطوني قَوسي الذهبية المُلتهبة، أعطُوني السهام ورُمحي، فلن أكفَّ عن الجهاد بفكري، كلَّا ولن يرقُد سَيفي خاملًا في يدي، حتى أُعيد إلى بلادي البهجة الخضراء.
ولم يكن وليم بليك هو وحده الشاعر الثائر على الآلات الجديدة وقت ظهورها، لكن قطار الحضارة نفث نفثاتِه النارية، ومضى يطوي الطريق إلى أمام، تُلاحِقه لعنات اللاعنين.
الآلات الحديثة هي نفسها العِلم الحديث، فإذا سمعتَ الناس يقولون إنَّ العلم قد تقدم خطوة، فاعلم أن معنى ذلك هو أن الآلات قد تقدَّمت تلك الخطوة، وكذلك إذا سمعتهم يقولون عن الآلات الحديثة إنها تقدمت، فاعلم أنهم إنما يقولون بذلك ضمنًا إن العلم تقدَّم، فإذا سمعنا صوتًا غاضبًا يسألنا: وماذا جناه الإنسان من علمٍ وآلاته — تقدَّمَت أو تأخَّرت — فليكن جوابك يا أخي في الوطن، ويا أخي في الإسلام، هو: إنَّ ما جناه إنسان تقدمت علومه وأجهزتها هو أن صار إنسانًا بدرجةٍ أعلى وغورٍ أغزر؛ إذ هو قد تفكَّر في خلق السماوات والأرض كما أمره ربُّه أن يفعل، فكان أن ازداد علمًا بالسماوات والأرض، ومع زيادته علمًا، ازداد إيمانًا.
وهنا أبسُط القول فيما لا بدَّ أن يُضيفه المُسلمون إلى حضارة هذا العصر، فيَكمُل بهم ويكتملوا به. نعم إننا لو تَصورنا إنسانًا يقضي الحياة على هذه الأرض، ثم يمضي بالموت إلى عدمٍ لا قيام بعده ولا قيامة، لكان هنالك مكان فسيح لأسئلة السائلين: وأين الهدف البعيد الذي من أجله أعيش وأعمل؟ أهو لُقمة اليوم لأُصبح بها قادرًا على أداء العمل يومًا آخر؟ ومن هنا نشأ في أهل الغرب ما نشأ من قلقٍ ومن شعورٍ بالاغتراب، فهو قلق من غياب الهدف الذي من أجله يعملون، وهو اغتراب لأن الواحد منهم يُحسُّ وكأنه انسلخ عن ذات نفسه ليصنع أشياء للآخرين.
وهنا تكون للحياة الدينية قيمة كبرى؛ لأنها حياة من شأنها أن تقضي على الشعورَين معًا: الشعور بالقلق، والشعور بالاغتراب، لماذا؟ لأن الإنسان يعمل طاعةً لربه، وابتغاء رضاه، فلا سؤال بعد هذا: لماذا أعمل؟ بل ولا سؤال بعد هذا: لمن أعمل؟
إنه إذا كانت المذاهب الفلسفية في العصر المُعيَّن، هي أدق ما يصور حقيقة ذلك العصر منظورًا إليها في أعماقها، فمذاهب الفلسفة في عصرنا، بكل تياراتها، تُصوِّر الإنسان وكأنه يبدأ هنا وينتهي هنا، ولم يكن منه شيء قبل ظهوره، ولن يكون منه شيء بعد غيابه، فللفلسفة المعاصرة اتجاهان أساسيان، يُكمِل أحدهما الآخر: اتجاه منهما يَصُبُّ اهتمامه على «العلم» في بِنيته وفي منهجه، والاتجاه الآخر يَصُبُّ اهتمامه على حياة الإنسان نفسها، إما وهو فرد حُر مسئول، وإما وهو عضو في مجتمعٍ له تاريخ، وكِلا الاتجاهين — كما نرى — لا يُفسح مكانًا لِما هو وراء هذه الحياة بتاريخها الماضي وعِلمها الحاضر، إذ هو لا يَهتمُّ بما كان من قبل الحياة ونشأتها، ولا بما سوف يكون بعد فنائها، فالذي يجري أمامك على المسرح هو الرواية كلها من فاتحتها إلى ختامها. وإذن فقد حُقَّ للسائل أن يسأل: ثم ماذا؟ فإذا هو لم يجد الجواب، أخذه شعور بالقلق، وشعور بالاغتراب.
لكن المسلمين عندهم في ديانتهم الجواب. فالصورة في عقيدتهم الدينية لما سوف يكون بعد فناء الأرض وما عليها ومَن عليها، صورة واضحة بكل تفصيلاتها، فهنالك البعث والنشور، وهنالك الحساب، وهنالك الثواب والعقاب، وهنالك الطريقة التي يكون بها هذا ويكون بها ذلك. وبكلمةٍ واحدةٍ نقول: إن هنالك العدالة بأدق موازينها. أتسألني بعد هذا: فِيمَ الحياة وشقاؤها؟ إذن فالجواب هو: إنك تحيا بأمر الله وتعمل طاعةً لله، وسيكون يوم الحساب موعدًا لإقامة العدل فيما قدَّمَت يداك، وبهذا تنتفي دواعي القلق والاغتراب وغير ذلك من الحصاد المُرِّ الذي تغصُّ به حلوق المُعاصرين.
وفي إضافة هذا الجانب إلى حياة العصر، يكون دور المُسلمين المعاصرين. إننا لا نرفض العصر، بل نضيف إليه ما ينقُصه، وفي هذه الإضافة نفسها يتحقق بالإسلام ما أسلَمَ روجيه جارودي من أجل تحقيقه لنفسه، وهو أن يكون للحياة الدنيا هدفها، لكن تلك الحياة الدنيا لا بدَّ أن نجعلها حياةً مليئةً بكل ما أنتجه العقل البشري من علومٍ وأجهزةٍ وآلات، وبكل ما أنتجه الوجدان البشري من فنونٍ وآداب.