عفاريت التراث، وتراث العفاريت١
في يوم ٦ / ٨ / ١٩٩٤م، احتفلتُ في غرفتي رقم ٤٣٧ بالجناح التاسع بمستشفى الهرم، برفْعِ أهمِّ الممنوعات: القراءة، واستعدتُ نظَّارتي العزيزة بسعادة غامرة، وفتحتُ صحيفة أهرام ذلك اليوم، بعد انقطاعٍ دام حوالَي الشهر عن القراءة لتستوقفني مرثيةُ الصديق «عزت السعدني» على أيام زمان وحضارة زمان، عندما كنَّا جوهرةَ التاريخ ودُرَّةَ الزمان والمكان، وإمعانًا في الاحتفال المُقامِ على شرف النظارة والسماح بالقراءة رأيتُ مشاكسةَ الرجل بمناقشة سريعة لما قال في مقاله «زنوبيا، امرأة بألف رجل» لكن طبيعة العلم غالبة، فانجرف مُنَى المقال من المشاكسة إلى مرثية كاملة على حال الأمة، رفع الله عنها الغُمَّة.
امرأة بألف رجل
لفت نظري العنوانُ بداية، وأدهشني تخصيصُ «زنوبيا» بتلك المقارنة أو المفارقة، وهي لا شكَّ تستحقُّ أن تُوصفَ بكونها تُساوي ألفَ رجل، لكن صياغة العنوان، التي تُبدي الدهشة من أمر «زنوبيا»، جعلتْها تبدو كما لو كانت حالةً نادرة في التاريخ، وخارجةً على القاعدة وعلى المألوف. بينما تاريخُنا، بل تاريخُ الإنسانية جميعًا، يمتلئ بإناث تعدل الواحدةُ منهن آلافَ الرجال، رغم سيادة المنظومة الذكورية، والتفوق السيادي للذكر. بل إنك ستجد اليوم كثيراتٍ تُعادل الواحدةُ منهن آلافَ الرجال، عالمات متخصصات، يضفْنَ إلى رصيد البشرية العلمي كلَّ يوم، بينما هناك رجالٌ لا يستحقُّ أحدُهم أن تضعَه في رُتبة بني الإنسان.
ومع ذلك، فإن شهادةَ واحد من هؤلاء النكرات، تعدل شهادةَ اثنتين من عالمات الذرة، وما زالت المهندسة أو الطبيبة أو المحامية، تُساوي نصفَ بائع الملوخية أو أحد صبيان بائعي الباطنية، ولا نفهم عن عالمة الأنثروبولوجيا أو البيولوجيا، سوى أنها عورة يجب أن تستتر وأنها للسيد الذكر مجردُ متاع، ثم نقف نتساءل لماذا نحن في ضياع؟ إنه السؤال الزائف زيف الوهم الذكوري، والخيانة الذكورية للمرأة كأم، وكزوجة، وكشقيقة، وكابنة، وكصديقة، وككاتبة، وكعالمة، وكمناضلة، وكحبيبة، وكجمال خصيب تتصحَّر بدونه الأرض الخضراء. إنه السؤال الملتوي الملتفُّ الهارب من السؤال الحقيقي حول حجم الخيانة الذكورية للتاريخ نفسه، ولا ريبَ أننا بحاجة إلى صدْقٍ كافٍ لنمتلكَ جرأةَ طرْحِ السؤال الحقيقي دون خجل.
والمسألةُ بالأساس مسألةُ منهج، فالعنوان المندهش يُدلِّلُ بوضوح على مدى تكريس منهج الثبات المسبق في عقولنا، الذي كرَّس في داخلنا نظرةً دونية تبخيسية للمرأة، حتى لو أظهرنا التقدميَّة، إنه منهجُ الذكورة البدوي.
زنوبيا والجن
يحكي الأستاذ عزت السعدني، أنه ذهب إلى مدينة زنوبيا «تدمر» فأبهرتْه عظمةُ البناء وفنونُ الهندسة وروعةُ التخطيط حتى ردَّدَ قولَ أهالي المنطقة: «إن الجن من أعوان سيدنا سليمان عليه السلام، هم الذين بنَوا وشيَّدوا تدمرَ العظيمة، ومعابدَها وأسواقَها وحماماتِها ومسارحَها.» وهذه آفةٌ أخرى من آفات منهجِنا في التفكير، أودَتْ بنا إلى ما نحن فيه، في قاع العالم مع الجن والشياطين، فالحديثُ نموذجٌ أمثل لمنهج تفكير جماهير أمتنا العريضة الغليظة (والعدد في الليمون كما تعلمون)، لكنَّ المصيبةَ أعظم، حيث إن ذلك ليس حديثَ العامة، بل أصبح حديثَ الخاصة، والأنكى أنه حديثُ كتبِنا التراثية، التي تملأ أرففَ المكتبة العربية، ويُوصَفُ أصحابُها بأنهم علماءُ الأمة! وستجد في كل صفحة من تلك المصنفات شتى أنواع العفاريت، ورُتبَهم، ودياناتِهم، وصفاتِهم، ودورَهم في بناء كلِّ ألوان المعمار العظيم في الحضارات القديمة. وهو ما يحمل دَلالاتٍ واضحةً على تهافُتِ منهجٍ عاجز عن التفسير يلجأ إلى منطق المعجزة، ويكشف عن عدم تصوُّرِ أيِّ بدائل، وعن مدى كسلِ ذلك العقل لإيجاد تفسير سليم، فأيُّ نموذج معماري عظيم الشأن، يستدعي على الفور مقاولين ومهندسين مهرة من السعالي والغيلان وشمهورش وجمهورش وطراطيش. فالبدويُّ في تفرُّقِه القبلي، لم يكن يتصور أبدًا إمكانَ قيام الإنسان بمثل تلك الأعمال الهائلة، وهو ما قيل في بناء سور الصين الذي بناه ذو القرنين والجنُّ من أتباع سليمان، كما قيل في قصور بابل وحدائقها المعلَّقة، وإن ثبَت عدمُ وصول جنِّ سليمان إلى وادي النيل، فلا شكَّ إذن أنَّ بُناةَ الكرنك والأهرام، كانوا عمالقةَ الأجسام، حتى يتمكَّنوا من ذلك الإنشاءِ الهائل. إنها عقليةُ الدونيةِ والقزمية والكسل والاسترخاء، بل والتكاسل عن مجرد تصوُّرِ بشرٍ يقومون بتلك الأعمالِ العظيمة، فالعظمةُ ليست للإنسان الغِرِّ المفتون، إنها دومًا لذلك القابعِ وراء الطبيعة، للجنِّ والعفاريت! ثم إنَّ الأمرَ على المستوى الاجتماعي، يُعبِّر عن فُرقةٍ أصيلة، وقبَليَّة متجذرة، وعقلية لا تعرف التوحُّدَ في وحدات سياسية كبرى تقوم بالمشاريع الضخمة، وتكاتف البشر في توحُّدٍ منتظم متين.
لماذا دائمًا سليمان؟
أما الملحوظة التي يجب ألا تفوتَنا، فهي حديثُ المقال الموقن بما قال، فالبناء لجنِّ سليمان، وتكسير الإله البابلي مردوك على يد النبيِّ إبراهيم و… إلخ. وهو ترديدٌ لحديثِ مأثورِنا التراثي المفرط المبالغ كثيرِ التهاويل، لكن كان لسليمان وجنِّه دومًا الدورُ الأعظم، سليمان بالتحديد وبالذات.
والمعلوم أن «سليمان» هو المؤسِّسُ الحقيقي لدولة إسرائيل في فلسطين، حوالَي عام ألف قبل الميلاد، والغريب هو ذلك الإيمان الثابت في العقل بصدْق ما جاء عنه في المأثور، والأعجب هو استمرار ذلك الإيمان حتى الآن، لينسبَ للإسرائيليين كلَّ الأمجاد رغم تحولات الزمان، ودخولِ بلاد الحضارات القديمة إلى الدائرة العروبية، ثم مزيد من التبدُّلات، وما يحدث اليوم بقيام دولة إسرائيل في فلسطين مرة أخرى، بعد أن دمرها لنا الرومانُ في سالف الأزمان.
إننا لا نقرأ التاريخَ، بل فقدْنا الذاكرةَ التاريخية، بل والحِسَّ الوطني والقومي، وبقي المأثورُ وحدَه يرفع يدَه بعلامة النصر فوق رءوسنا! فلم نرَ المتغيرات؛ لأن الثباتَ هو المبدأ، والمبدأ هو الثبات، الحركةُ تُخيفُنا، والتغييرُ يُرعبُنا، والسؤالُ يُبهتُنا، والجديد بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، إذن فليحيا الثباتُ على المبدأ، وليكن الإسرائيليون هم بُناةَ حضارتِنا القديمة جميعًا كما يزعمون، أقصد كما نزعم نحن، ما دُمْنا نؤمنُ بعفاريت التراث، ونحمل على أكتافنا تراثَ العفاريت! وإذا كان جنُّ سليمان قد قاموا بكل تلك الإنجازات، فهل يهون عليهم شفاءُ مرضى هذا الزمان؟ ثم نتساءل لماذا تنتشر كتبُ العفاريت على أرصفة الشوارع وفي المكتبات؟
ويبدو أنَّ صديقَنا أراد تأكيدَ ما سمعه عن الإنجازات الجنِّيَّة للعفاريت السليمانية، فأورد ما جاء في كتاب «روبرت وود» — وللحقيقة أنا لا أعلم من هذا الوود — حيث قال: «إنه قد جاء في التوراة ما يفيد أن سيدنا سليمان هو الذي بنى تدمر، وأطلق عليها اسم بالميرا.» هذا رغم الفارق الزمني الكبير بين زمن زنوبيا وزمن سليمان.
بهذا المنطق يجب علينا أن نؤمنَ إيمانَ العجائز بفضْل الإسرائيليين الذين فضَّلهم اللهُ على العالمين، وأن نؤمنَ بهم كتاريخٍ لنا، وهو الحادثُ وفقَ تلك المنظومةِ المأسورة (آسف أقصد المأثورة)، بحيث تربَّعوا داخلنا منذ سنين طويلة مضتْ، منذ حِفظِنا قصصَ إسرائيل، وبَنِي إسرائيل المؤمنين، وقصصَ الكافرين من أجدادنا الفراعين، لننقلبَ نحن على تاريخنا الحقيقي، ثم نتحدث اليوم بوجَل عن الغزو الثقافي الإسرائيلي؟ ألا يستحق الأمرُ أن نقول: عجبي!
تاريخ العجول
ويقول الأستاذ السعدني: إنه قد رافقه في رحلته إلى تدمر، السيدُ «خالد الأسعد»، الذي وصفه بأنه «حجة في الآثار التدمرية»، وأن هذا الحجة قد أفاد صديقَنا علمًا نافعًا بقوله: إن المعبد هناك كان لعبادة إلهٍ باسم «بل»، وكان من الأوفق لو قال له اسمه بالعربية أو الحقيقي بالسامية القديمة، فاسمُه العربي هو «بعل»، لكن المرافق الحجة قرأه في كتب الإفرنج، ومعلومٌ عدم احتواء الأحرف اللاتينية على حرف العين، مما أسقطها من لسان رجلِ الآثار، ومعلوم أن «بعل» كان إلهَ المطر والخصب والصواعق، ولم يزل الفلاحُ المصري يُطلق على النبات الذي سقتْه السماءُ بمطرها لقبَ «البعلي»، وهو ذات الإلهِ الذي انتقلتْ عبادتُه إلى جزيرة العرب، على يدِ «عمرو بن لُحَيِّ الخُزاعي» فيما تزعم كتبُ السيرة ليُعرَف هناك باسم «هُبل» بعد إضافة «ﻫ» أداة التعريف في العربية الشمالية القديمة، ومع إضافة الهاء سقط حرفُ العين بقوانين اللسانيات نتيجة وجود الهاء المفخمة، فنُطق «هُبل» بدلًا من «هبعل».
أما ما جاء بالموضوع عن عبادة إلهين آخرَين في تدمر هما «يرحبول» و«عجلبول»، وتفسير الأستاذ السعدني بأنهما إلهَا الشمسِ والقمر، فهو ما يحتاج إلى تقويم، فكِلا الإلهين بعلي، فالمذكور باسم «يرحبول» مركَّبٌ من ملصقَين هما «يرح» و«بعل»، وكان القمر يسمَّى «يرح وأرح»، ومنه أُخذ اسم «أريحا»، أي القمرية، كما كان ينطق «يرخ وأرخ»، ومنه أُخذت كلمة «التاريخ» باعتبار القمر رمزًا لدورات الزمان، وبعلُ المرأة ربُّها وسيدُها، وعليه فمعنى «يرحبول» هو السيد أو الإله القمر، وعليه يقاس أيضًا «عجلبول»، فهو الإله العجل، ولا عجبَ، فقد قدَّس الأقدمون العجلَ أو الثور، حتى لقَّب الملوكُ أنفسَهم بلقب «ثور» تشبُّهًا بالآلهة القوية، الآلهة الثيران، وقد قُرن الثور أو العجل بعبادة القمر، بالمقارنة بين شكل الهلال وشكل قرنَي الثور، وما بينهما من تشابه، فكان الهلال هو ثور السماء الإلهي، ومن ثَم فإن «يرحبول» إنما يرمز للقمر عندما يكون بدرًا، أما عجلبول فيرمز للقمر عندما يكون هلالًا، لقد كانت عبادةً قمرية، ذات دلالة عروبية. ولم تزلْ للهلال قدسيتُه؛ فالشهور قمرية، والتاريخ قمري، والصيام قمري، والزمن العربي كلُّه قمري، كلُّه يرحبول، كلُّه عجلبول، بمنهج الثبات على المبدأ.
حكاية المنهج
ما الذي دفعني وأنا على سرير المرض إلى كتابة ما كتبتُ الآن؟ لقد بدأ الأمرُ بمشاكسة صديقٍ من باب المداعبة التي لا تُفسِد قضيةَ الوُدِّ، لكن يبدو أن موضوعَه قد نكأ الجِراحَ واستدعَى استنفارًا داخليًّا إزاء كلِّ النماذج التي تملأ أرففَ المكتبة العربية، وأرففَ العقل العربي، وبالطبع صحفنا الغرَّاء، تُكرِّرُ وتُردِّدُ بثبات ويقين، تَزيدُ وتُضيفُ من ذات الرصيد إلى ذات الرصيد، ولا تضيفُ إلا مزيدًا من المعلومات المتحفية إلى معلومات حجرية، وتتنافس في ذلك مع التلفاز الميمون، لينافسوا جميعًا الرصيدَ الأصيل في «دوجمته» وثباتِه عند الأصول، وإن أرادتِ المعاصرةَ والتحدُّث بحداثة، ردَّدتْ معلوماتٍ مغلوطة، مغلَّفة بأسلوب حكائي مزوَّق، دون النظر إلى ما تفعله في عقول الناس، ثم نسأل أنفسَنا: لماذا الأصولية؟ لماذا الإرهاب؟ إنها النتيجة الأخرى لذات المنهج! أسئلة يكمُن وراءها الثباتُ على المنهج الأوحد، فكلُّ شيء واضح لكنَّا لا نريد أن نرى، فقط هذه المسألة!
لذلك كلِّه انتهزتُ فرصةَ ذلك المقال، لأملأَ فراغَ الوقت لحين استكمالِ المشوار العلاجي الطويل؛ لأنه فتَح كلَّ الجراح دفعةً واحدة، وتحدَّث في صميم همومي، وبقدر ما كان «روتين» وزارة الصحة مزعجًا بل وبشعًا، بقدر ما كان «روتين» التاريخ ثابتًا ساكنًا مترهِّلًا نائمًا يُرنِّم تشخيرةً واحدة رتيبة، وبقدر ما شعرتُ بطعن ألمِ المرض في قلبي، بقدر ما لم يعدْ بالإمكان تحمُّلُ مزيدٍ من الطعن في رأسي وآمالي وأحلامي في مستقبل هذا البلد وتلك الأمة. إنهم يقتلون أحلامَنا يا سادة!
المنهج يا سادة، «الدوجمة» المسبقة، واليقين القطعي، وغياب العقل النقدي، والتكاسل المخيف عن بذل الجهد، يفرش ظلَّه السحري على حياتنا ليُفسدَ علينا كلَّ شيء، الرؤية الإستاتيكية للتراث، التي لا تربطُه بواقع، بقدر ما تعتبره شيئًا فضائيًّا جاء من فراغ، رغم تزلزلِ كلِّ البنَى التحتية التي قام فوقها، حقًّا نحن أغرب أمة أُخرجت للناس. نخلط التراث بمسلَّمات ما أنزل الله بها من سلطان، بالحكي الشعبي، بالتاريخ الحقيقي مع تزييف نموذجي ليلتقيَ بالمأثور الديني، كما نفعل في حكاية العلم والإيمان التليفزيوني لنُرضيَ في النهاية الإيمانَ التليفزيوني، ونُرضيَ أنفسنا التي تركن للسكون والترهُّل، ويرضَى المتاجرون بمصير الأمة بما ربحوا.
وأثناء ذلك نسقطُ دون وعيٍ في شِباك التاريخ الإسرائيلي، لنكتبَ لهم، نيابةً عنهم، أمجدَ التاريخ، ونَسُبُّ أسلافَنا وبُناةَ حضاراتنا الكبرى بأقذع سِباب اخترعه الإنسان، وهو النموذج الذي مثَّله هنا بناءُ جنِّ سليمان لمدنية تدمر! وهو نموذج بسيط إزاء الكمِّ الهائل المتراكم على أرففنا من زاد لا تنفد خزائنُه، وهو التراكم الذي يجعلنا نتخذ من المأثور مرجعيةً ومقياسًا ومعيارًا لكلِّ شيء، ونزنقه حشرًا في كل أمر، ومثله ما جاء في المقال المذكور أن «بعل» هو الإله البابلي «مردوك»، وأن «مردوك» قد تمَّ تكسيرُه على يدِ النبي إبراهيم.
هكذا ببساطة نُلقي القولَ، فقط لأن إبراهيم كسَّر أصنامًا كما جاء بالقرآن الكريم، ولأن بعضَ المؤرخين قالوا إنه عراقيُّ الأصل، ولأن مردوك كان أحدَ آلهة العراق، فلا بد إذن أنه لم يَسلمْ من فأس إبراهيم! بالله ماذا يمكن أن يفعلَ مثلُ ذلك الكلام بقلبي المريض؟ إن قولًا كهذا كي تُثبتَه أو تنفيَه، عليك أن تكرِّسَ له من عمرك سنوات، وعندما تكون أيُّ دراسة من دراساتي قد استغرقتْ من عمري زمنًا، وأعملتِ المرضَ في قلبي، فإن إلقاءَ القول هكذا على الناس، وفي ظروفنا، ومع حالتي، يصبح قتلًا حقيقيًّا.
مرة أخرى إنه منهج الترديد، وأقول لصديقي الذي لا أشكُّ في نواياه: إن البحث عن المعرفة الصادقة هدفٌ إنساني وعظيم، والبحث الذي يسعى لتحقيق مطامحنا الوطنية والقومية لا شكَّ أعظم، لكن كي يكونَ الأمرُ بحثًا، وكي يُثمرَ نتائجَ لا تدفعُنا إلى مزيد مما نحن فيه، فحاجتُنا أكبرُ للتخلص من أوهام المنهج الثابت الأوحد، حتى لا نتصوَّرَ أننا ندافع بإخلاص عن قوميتنا، ونقع في التعصب القِبلي، لنصحوَ يومًا ونكتشفَ أننا داخلُ القبيلة الإسرائيلية، وسِبطٌ من أسباطها، خاصة في هذه الأيام، التي بدأ فيها التاريخُ يُردِّدُ صداه، ويعكسُه على رءوسنا. سلام، سلام. وعليكم السلام.