الفصل الثالث

دور العقائد الميتانية

لعلنا نذكر كيف كانت أهم تجليات الإله السيناوي، سواء كان عند جبل الشريعة أو في جبال آدوم سعير، هي التجلي الخصبي ممثلًا في قضيب الذكر/المشروم/البركان، وأن البركان عندما يقذف بمصهوراته، مع هيئته المرتفعة كالقضيب العظيم ومقذفه القوي، وما يؤدي إليه من خصوبةٍ عالية في الأرض، أدى إلى تصوره قضيبًا إلهيًّا عظيمًا، يلقي بمنيه ليخصب التربة. وهو ما يبرر لي شخصيًّا أمرًا حرت فيه طويلًا، حيث كانت كل الديانات الخصيبة عند الشعوب القديمة، تنظر إلى الأرض باعتبارها إلهة أنثى تلد الزرع، وترى السماء إلهًا ذكرًا دائم التخصيب لأنثاه الأرض بمنيه الطري وببساطة؛ لأن السماء فوق والأرض تحت، عدا المصريون تحديدًا، الذين تفردوا بجعل الأرض إلهًا ذكرًا هو الإله «جب»، يلقح السماء الأنثى نوت لتلد الكون والكائنات. وقد وجدت في مسألة القضيب الإلهي/البركان تفسيرًا واضحًا للأمر، فهو قضيب الأرض الإله المذكر، الذي يقذف بحممه التي تأخذ شكل المشروم المختون ختانًا نموذجيًّا، فيتصورونه قاذفًا بالكائنات وبالنجوم، ومصدرًا لخصب الأرض، وتصبح نوت السماء بذلك إلهة أنثى، تقبل مقذوفاته لصنع الحياة. وقد علمنا من أسطورة تيفون، أنه كان حبيسًا تحت بركان، وأن دمدمات البركان لم تكن سوى صوت هذا الإله الحبيس. والطريف أن اسم الذكر الإلهي جب «الأرض» هو أحد أسماء الإله سيت، فهو الجبت والطاغوت، وهو الأمر الذي يضيف مزيدًا من الرصيد، لتحديدنا بلاد بونت بأنها شرقي سيناء/أدوم، ووصفها دون غيرها في نصوص مصر بأنها أرض الإله؛ لأن هناك كان البركان العظيم، أعظم ظاهرة يمكن أن تسلب لب الإنسان. وهناك كانت تقع ميتان أو مديان.

والمعلوم إضافة للبركان الذي وصفته التوراة في سرد يضعه قرب قبل كاترين الحالي، فإن بلاد السراة كانت — كما تدل تربتها الآن — مركزًا لأكثر من بركانٍ نشط في ذلك الزمان، ونذكر المسمى الإلهي «ود» أحد أرباب السراة، وأنه كان هو نفسه «هد» «هداد» «حداد»، وقلنا عن أن «يهود» يمكن ردها إلى «ﻫ-ود».

كانت العبادة هناك متعددة التجليات نعم، لكن الخصب والجنس كان عمادها وعمودها وعمدتها. ومن هنا نفهم السر في ذلك العُري العجيب في فنون العمارنة، ولماذا كان نفرتيتي وتي وبناتهما يظهرون عرايا الفروج أمام الناس. لقد كان إفصاحًا عن طقسٍ لا بد يلازم العبادة الجنسية التي تقدس أعضاء التناسل، ولا ترى في إظهارها عيبًا ولا كارثة أخلاقية، بل لونًا من الاحترام الواجب واللائق للمقدس، والإعلان عن هذه العبادة بسفورٍ اعتزازًا بها وتقديسًا لمعناها؛ لأن إخناتون كان دومًا يؤكد أنه الفرعون الذي يعيش في الحقيقة.

ولا يفوت عينًا مدققة أن الذين ذهبوا إلى أن يويا وتويا، والدي الملكة تي زوجة آمنحتب الثالث مصريان من بلدة إخميم، قد قالوا بمصريتهما لأن يويا كان كاهنًا للإله «مين» في بلدة إخميم، ويفترض أنه نشأ هنا وربي وتدرج في مدارج السلك الكهنوتي حتى صار كبير كهنة «مين»، ويقول هنا أدولف إرمان: «إن مين هو إله المنطقة بين إخميم وقفط وبين طيبة وأرمنت، وقد صوروه على شكل رجل بقضيب منتصب، وعلى رأسه ريشتان عاليتان، وذراعه اليمنى مرفوعة وبيده سوط مثلث في النهاية، وعده المصريون القدامى إله خصب يسرق الناس وسيدًا للعذارى. وتذكر الأساطير كونه قد أخصب أمه، والتي قام بها حسب أسطورة أخرى إله الشمس، وهو إله خصوبة الأرض. واعتبر مين أيضًا إله البقاع الشرقية والمنطقة بين البحر الأحمر والنيل والذي تسير فيه القوافل، وهو إله الصحراء الشرقية، كما عبده أهل بونت، وربما قدس في وقتٍ ما بطيبة، وهو مقابل الإله بان عند اليونان» (رب المعيز الشبقي).١

ولنراجع هنا تلك الصورة التي مثل المصريون بها إله الشبق والجنس والخصب مين، فعلى رأسه ريشتان والريشة سمة الملوكية عند البدو الرعاة، وذراعه الأيمن المرفوع هو صورة دائمة متكررة للإله البعل حداد بعل صافون، والسوط المثلَّث الذي يمسك به هو الصاعقة ذات الثلاث شعب التي يحملها البعل، وهي الأمور كلها التي تؤكد أن مين كان أحد التصورات المصرية للبعل حداد، إله الجبل الأقرع عند آدوم وشرقي سيناء حيث مديان/ميتان وآدوم. ويؤكد ذلك أن المصريين اعتقدوا أنه رب المناطق الواقعة في صحارى شرقي مصر، على طريق القوافل التجارية. أما الأكثر إبهارًا هو القول إنه كان رب بونت، التي رأيناها لا تقع في الصومال، إنما تقع عند العقبة والبتراء حتى البحر الميت. لقد جاء شورتانا أويثرون إلى مصر حسب نظريتنا لاجئًا على زوج ابنته ملك مصر، ليحمل اسم «يويا»، ويكرس كاهنًا للإله البعل، الذي كان يعبده في وطنه، لكن باسمٍ مصري قديم هو «مين» الرب القضيبي، الذي تم تصويره هنا في هيئة رجل بقضيبٍ منتصب. أما أن يتم العثور على تمثال الملكة تي الأشهر في سيناء تحديدًا، على مسافةٍ لا تتجاوز العشر كيلومترات إلى الغرب من جبل كاترين، المظنون أنه كان الجبل المقدس حوريب في التوراة، وأنه كان الجبل البركاني، فهي دلالات أخرى تؤكد صدق ما ذهبنا إليه، ناهيك عن تكوين وجه تي الأسمر السيناوي الواضح، الذي لا يمت للجنس المصري المعروف لدينا آنذاك بصلة.

المهم لدينا هنا أن «مين» كان يخصب أمه (؟!) وهو أمرٌ لا يستهجنه المصريون تمامًا، كلون من التقاليد البشرية الاجتماعية، لكنهم كانوا لا يرون فيه عيبًا على مستوى الآلهة، فيجوز لها ما لا يجوز للبشر، ولم يقتصر نكاح الأم على الإله المشكوك في مصريته «مين»، بل نجده واضحًا معلنًا لدى الرب الأعلى والأكبر، إله الملوكية والإمبراطورية، رب طيبة الأعظم ورب الإمبراطورية المصرية «آمون» أو «آمين». انظر مثلًا تلك الترتيلة التي كانت تتلى في قدس أقداس آمون بالكرنك يوم الصلاة الجامعة:

الحمد لك يا آمون رع يا رب الكرنك،
المسيطر في طيبة،
ثور أمه وأهم من في حقله،
واسع الخطى وسيد كل من في الصعيد،
رب أرض الماتوي وأمير بونت،
من تحب الآلهة رائحته الطيبة عندما يأتي من بونت.
وتتضوع رائحته عندما يأتي من أرض الماتوي،
عندما يأتي من أرض الإله.٢
ويشرح هنا «أحمد فخري» في حاشية على تلك الترتيلة، بقوله: «إن التعبير «ثور أمه» لقب من ألقاب آمون، وإن الإشارة هنا للأم يقصد بها ربة السماء نوت؛ لأن هناك نصوصًا أخرى تذكرها باعتبارها زوجة آمون.»٣ ومعنى النص هنا مع تعقيب فخري، إنما يعني أن آمون كان يخصب أمه السماء. ولعله يلتقي التقاءً واضحًا مع تفسيرنا السابق لعلاقة البركان بالسماء، ويتأكد لدينا علاقة هذا الجماع الإلهي بين الإلهة الأم والإله الابن، في قول الترتيلة أن آمون ثور أمه، والثور كان رمز الخصب الأول في المجتمعات الإنسانية القديمة على التعميم. وقد ربطت الترتيلة بين هذا الجماع التخصيبي وبين كون آمون هو أهم من في الحقل، أي إنه المخصب الطبيعي الأول، الذي بفعله هذا يتكاثر الزرع والخير في الحقول. أما الأهم هنا فهو ما تؤكده تلك الصلوات المرتلة من صدق نظريتنا، التي يصطلب عودها «الخرساني» طوال الوقت، حيث تؤكد الترتيلة أن آمون رب طيبة، ليس فقط ربًّا في مصر، إنما هو أيضًا رب بلاد بونت، التي تتكرر مرتين على التبادل مع أرض الماتوي، والماتوي هو الميتان أو ميتاني أو كما ذهبنا نحن، هي مديان بسيناء الشرقية. وقد قام فرضنا التأسيسي على أن بلاد ميتان تقع في محيط وادي عربة، كذلك تقع هناك بلاد بونت حيث عاش تجار العالم القديم، وكانت أهم بضائعه التين والعطور والبخور (اللبان على أنواعه وألوانه)، وهو ما تؤكده الترتيلة بمجيء آمون من هناك مضوعًا بالروائح الطيبة. وزيادةً في التأكيد فإن الترتيلة تؤكد لنا نظريتنا فتقول: إن هناك كانت تقع «أرض الإله»، التسمية المصرية المتكررة لبلاد بونت.
وفي نصوصٍ مصرية أخرى نجد الإله حورس يُلقب ﺑ «ثور السماء»، الذي هو «زوج لأمه التي تلده مرة أخرى»؛ لذلك كان لقبه الثاني هو «عجل أمه التي تحمل منه وفيه»، وقد عقب «كونراد» على هذا الشذوذ في العلاقات الاجتماعية بجماع الأم أو الأخت أو البنت، بأنه كان ينعكس فقط في التقاليد الملكية، وإن لم يشرح لنا «كونراد» كيف كان ذلك وما هي براهينه؟٤
ومن جانبه يقول لنا المؤرخ وعالم المصريات «سليم حسن» إن «أعظم الآلهة المحيلة التي كانت تعبد في الدلتا، هو الإله آتون الإله المحلي للمقاطعة الثالثة عشرة ومقرها عين شمس … هناك تمثل الشمس على هيئة عجل من الذهب ولدته إلهة السماء، وفي خلال النهار يكبر ويصبح ثورًا ويسمى كاموتف أي ثور أمه؛ لأنه يلقح البقرة لأجل أن تضع شمسًا جديدة لليوم التالي».٥

والمعلوم أن المصري القديم كان يتصور السماء، في هيئة بقرة عظيمة هائلة تلد النجوم والكواكب التي ترصع بطنها، ويبدو لنا أن هذا الخلط الابتدائي الضروري للخصب بين ابن يلقح أمه، ويكون هو أبو نفسه الذي يولد بعد ذلك، كان تأسيسًا لذات الخلط بيت ذات الأقانيم في آخر الديانات الخصبية الفدائية، حيث أصبح يسوع المسيح هو الله، وهو ابن الله في وقتٍ واحد، فكان يسوع أبًا لنفسه.

وما دمنا بصدد المسيح وزمنه، نلمح إلماحًا خاطفًا إلى أن زمن المسيح، كانت فلسطين تحت النير الروماني، وقد أجهض الرومان عدة ثورات يهودية ضدهم، وقام الرومان بتعيين والٍ من قبلهم، أتوا به من بلاد آدوم، كما تم تكوين هيئة حكومية تابعة وموالية جميعًا للرومان، وكلها آدوميون متهودون، وكان الوالي هو «هيرود أنتباتس الآدومي»، ورئيس مجمع السند هارين كان آدوميًّا بدوره، وحمل اسمًا شديد التصديق على كشوفنا، بشأن بلاد بونت باعتبارها بلاد آدوم، فقد كان رئيس السند هارين القادم من بلاد آدوم، يحمل لقبًا ينسبه إلى وطنه، فهو بيلاطس «البنطي» نسبة إلى موطنه بنط/بنت/آدوم.

وإذا كانت المسيحية هي الامتداد الواضح المطابق في كل تفاصيله لديانات الخصب القديمة عمومًا، وللأوزيرية المصرية خصوصًا، فإن لكتانيتوس الكاتب المسيحي المخلص، وصف في القرن الثالث الميلادي تمثيلية آلام وقيام أوزير من بين الموتى، بعد ثلاثة أيام من موته في عيد القيامة المجيد، أكد فيها أن المسرحية جعلت من أوزيريس زوجًا لإيزيس وابنًا لها في الوقت نفسه،٦ وقد فسر كلام لكتانيتوس — وحتى الآن — باعتباره لم يفهم المسرحية؛ لأن حور كان هو الابن وليس أوزير.
وإذا كانت القواعد الاجتماعية في مصر، قد حرمت مبكرًا زواج الرجل من أمه أو ابنته، ورسخت تلك القاعدة بمرور الوقت، حتى أصبحت جريمة ووزرًا يستحق الاستهجان والعقاب الشديد بين بني البشر، وأنهم لم يرو ذلك نقيصةً في عالم الآلهة لأنها آلهة؛ فإن عالم الشرق القديم كان جميعه، كان لم يزل ينظر إلى وجوب التخصيب بين الأم الإلهية وولدها، كضرورة لتخصيب الأرض والزرع والحيوان والإنسان، باعتباره فعلًا إلهيًّا مقدسًا وسنة يحتذي بها الناس، ففي الملاحم البابلية نجد الإله القمري «إنليل، أو ياليل، أو ليل»، بعد فصله للسماء عن الأرض، يجامع أمه «كي» الأرض، وباتحادهما (القمر السماوي وكي الأرض)، يخصب الكون ويخلق الإنسان على الأرض.٧

والمعلوم أنه في بابل وبلاد العراق والشام القديم، كانت العبادات الجنسية الخصيبة تمارس على نطاقٍ واسع، وفي أعياد عشتار وتموز وأدونيس كانت حفلات الجنس الجماعي، التي تتم في العراء على العلن تتفشى تفشيًا هائلًا، أي رجل لأي امرأة حضًّا للطبيعة وتقليدًا للآلهة؛ كي تحرض القوى الإخصابية الكونية.

لكن بعض الفرق الدينية كانت تجعل من جماع المحارم أحد الفروض الدينية، كما سبق وشرح لنا فليكوفسكي، وأن ذلك كان يتم في بلاد ميتان، التي احتسبها تقع شمال فارس، وبحسبان ذلك التقليد تقليدًا فارسيًّا آريًّا، لكنا نقرأ عند المؤرخ «هروشيوش» أن سميراميس الملكة البابلية المشهورة كانت من أتباع تلك العقيدة، فيحكي عن كونها كانت تعلن أنه «لا ينبغي أن يكون بين الآباء وأبنائهم حشمة، ولا امتناع في مناكحة بعضهم بعضًا كيفما أراودا ذلك، ويقال إن من سببها صار في العراق إتيان الأمهات والبنات».٨
والمعلوم أن المجوسية نحلة فارسية آريَّة، وعن أصحابها يقول المؤرخ العربي المسعودي: «وقد زعمت المجوس أن آدم لم يخالف في النكاح بين البطون ولم يتحرَّ المخالفة، ولهم في هذا المعنى سر يدعون فيه الفضل في صلاح الحال، بتزويج الأخ من أخته والأم من ابنها.»٩ وبشكلٍ هُلامي غير واضح أدرك المؤرخون القدامى، أن هناك علاقةً ما تربط بين المجوسي واليهودي، وتلك علاقة علمناها واضحة في بحثنا هذا، حيث نشأت اليهودية وربت مع الجنس الإسرائيلي الأرامي، ومع الآريين (المجوس بعد ذلك) في النقب وآدوم وشرقي سيناء. وتأكيدًا لذلك روى المسعودي حوارًا حدث في بلاط أحمد بن طولون بقاهرة المعز، بين مصري قبطي وبين طبيب يهودي؛ إذ قال المصري لليهودي: أنت مجوسي. فتعجَّب اليهودي من وصفه بالمجوسي، فقام المصري القبطي يشرح ذلك؛ لأنهم يشرعون كالمجوس؛ فالرجل يتزوج بنت أخيه، وإذا مات فعلى أخيه أن يتزوج زوجة أخيه الميت، لينجب منها نسلًا باسم أخيه الميت. وفي هذه الحال فإن هذه الأرملة ربما كانت بنته. وتأكد ابن طولون بالبحث أن ذلك الطبيب اليهودي تحديدًا، كان شهادة دامغة على صدق المصري؛ إذ ثبت أن هذا اليهودي قد تزوج امرأة أخيه وكانت ابنته. ولما احتدم النقاش بين المصري واليهودي، قرر المصري تقبيحه بشهادةٍ تلمودية، فقال له: «إن الابن الأكبر — من كفرهم — قولهم في يوم عيد الكفور، وهو يوم الاستغفار [أي كيبور عيد الغفران/المؤلف]، وذلك لعشر تخلو من تشرين الأول، أن الرب الصغير ويسمونه ميططرون، يقوم في هذا اليوم قائمًا، وينتف شعر رأسه ويقول: ويلي إذ خربت بيتي وأيتمت بنتي، فأمتي مُنكسة لا أرفعها حتى آتي بنتي.»١٠
ويقول «علي عبد الواحد وافي» عن أساليب النكاح حسب شرعة يهود القديمة: «جاء في تلمودهم أن الولد الإسرائيلي، لا يعاقَب إذا زنى بأمه الأرملة، بل يجب عليه في هذه الحالة، أن يستمر على الزنا معها بعد زواجه، صيانةً للحالة التي كانت عليها قبل زواجه، وأن ذلك يعد حقًّا لها عليه. وقد جاء في تلمودهم كذلك، أن الوالد إذا زنى ببنته بعد وفاة أمها، لا يقام عليه الحد بل لا يعاقب ولا يزجر؛ لأنه بذلك يحفظ أمواله أن يبذرها مع العاهرات الأجنبيات، ويدرب ابنته على شئون الزوجية.»١١
وعلى الجانب الآخر نجد في أساطير الحضارة المينوية بالجزر اليونانية، والتي أرجعناها من جانبنا إلى المعينية في مديان وآدوم وبلاد الحجر، نجد إلهة أمًّا عظيمة القدر، تشاركها ربات أقل منها شأنًا، وكان شريكها في الفراش ذكرًا أصغر منهن جميعًا؛ لأنه ابنها في نفس الوقت. ويؤكد لنا «ميرز» أن هذا الاعتقاد كان مألوفًا تمامًا، بل وشائعًا في عقائد آسيا الصغرى، وأن أهم رموز هذه العقيدة كان الصليب.١٢

ونجد الآن ما سبق وساقه فليكوفسكي، حول عادات الميتانيين التعبدية يلح على الذاكرة، مع ما جاء ذكره بشأن المجوس وسكان سيناء المديانيين، عند كلمنت السكندري والقديس هيرونوموس والقديس جيروم، وخاصة ما كتبه فيلون السكندري يقول: «إن الأطفال الذين يولدون من زواج الأم بالابن عند هؤلاء يعدون أكثر الأطفال شرعية. وقد قال كاتوللوس: إن كاهن مازدا الذي كان يلقب بالماجوسي، لا بد أن يكون ثمرة مضاجعة الابن لأمه.» كما جاء بالمقدس المجوسي: «إن مراعاة هذه العادة تعتبر من أجل علامات التقوى.» وهو الأمر الذي يعني أن ممارسة تلك العلاقة الشاذة لم يقتصر على الآلهة، لكن مارسها البشر عمومًا دون تمييز في بعض العقائد ذات الأصول الآرية. فهل عرفت مصر مثل تلك الممارسات بين أفراد شعبها القديم؟ الإجابة فيما وصلنا كانت بالنفي القاطع، حيث احتسبت مثل تلك الألوان من جماع المحارم، أمرًا خاصًّا بآلهة الخلق وحدها وغير مسموح بها للبشر. لكن هل كان ذات الأمر ساريًا على الملوك وهم نسل الآلهة؟ الإجابة بحاجةٍ إلى بعض التوضيح اللازم. إن جماع المحارم كحالةٍ طقوسية تعبدية، تعود إلى أصولٍ بعيدة في تاريخ البشرية، وترتبط بصورة الملك عند القبائل البدائية، حيث كان البدائيون يرون في ملوكهم مستودعًا للقوة الكونية الحيوية، التي تتغلغل في شتى مظاهر الحياة. وبذلك اعتقد الإنسان البدائي أن بإمكان الزعيم، أن يجعل المطر يسقط والماشية تكثر والزرع ينضج. وقد بقي صدًى لذلك الاعتقاد في تصور المصريين، أن الفرعون كان أيضًا سبب حياة الناس، وذلك في التعبير المصري القديم المتواتر بكثرة، في كتابات الفراعنة ورسائلهم وملاحمهم وأساطيرهم، «أن الفرعون يمنح الناس أنفاس الحياة».

وكان هؤلاء البدائيون حريصين على ألا يتركوا هذه القوة تخمد أو تضعف، فيجب ألا ينتظروا شيخوخة الملك وضمور قوته الكونية، إنما يجب قتله بمجرد أن تطرأ عليه بوادر الضعف، وتنصيب ملك جديد عادةً ما يكون كبير أبنائه، بغرض انتقال تلك الطاقة الحيوية للملك الجديد وهي في أوج قوتها؛ حتى لا يحل الجفاف والخراف بالمحاصيل وبالماشية بل وبالإنسان. وعادة ما كانت أهم علامات ضعف الملك هي تقصيره في أداء واجباته الزوجية السريرية مع نسائه العديدات.

ويقول جيمس فريزر: إن هذه الطقوس قد تطورت مع الزمن، فتم تحديد دورة محددة بعددٍ من السنين هي زمن قوة الملك الحيوية. ففي المدن اليونانية القديمة كانت هذه الفترة ثماني سنوات، وهي أقل مدة تكفي لالتقاء التقويم القمري بالشمسي، بمعنى أنه لا يحدث أن يتفق اكتمال القمر وبلوغ النهار غاية القصر أو غاية الطول إلا مرة كل ثماني سنوات. وإذا كان الأقدمون قد تعلموا الربط بين نمو الزرع وبين دورة القمر ودورة الشمس، وجعلوا من الأيام البارزة في دورتيهما مواسم يتقربون فيها إلى آلهتهم، فلا عجب إن احتسبوا التقاء الدورتين في السماء علامة على ابتداء دورة آلهتهم على الأرض، وهو المرتبط بهذه القوى الكونية وجزء منها.١٣
ويبدو لنا أن بقايا تلك الفكرة قد ظلت قائمة، لدى المصري القديم مع بعض التشذيب والتطوير، حيث استبعدت مسألة قتل الملك، مع تحديد الزمن اللازم لبقاء الطاقة الكونية الحيوية في الملك نشطة وشابة، وأنه بالإمكان تجديد تلك الطاقة بطقوس وشعائر يتم تحديدها بدقة، لتجديد تلك الطاقة في الزمن المطلوب بالتحديد، وهو ما نتصوره ماثلًا فيما أسماه المصريون القدماء عيد «حب/سد/أو العيد الثلاثيني»، وهو العيد الذي ظل أمره غامضًا وغير مفهوم القصد منه حتى اليوم، وهو ما يوضحه قول المؤرخ المصرولوجسيت «ياروسلاف» بقوله عن هذا العيد: «هو عيد ما زالت طبيعته الحقيقية غامضة بالنسبة لنا.»١٤ لكنه بشكلٍ عام قد تم الاتفاق على أنه — كما تقول «جوليا سامسون» — «كان القصد منه تجديد قوى الفرعون الحاكم».١٥
ويوضح «آلدريد» ما يعرفه عن عيد حب/سد في قوله: «وكان احتفال السد يقام بمنف، ولكن بعض شعائره كان يمكن تكرارها في مراكز العبادة الأخرى ذات الأهمية. فمثلًا نجد أن آمنحتب الثالث قد أعاد الاحتفال بهذه المناسبة بمدينة طيبة في قصره هناك. وبنيت بهذه المناسبة قاعة للاحتفالات وجُهزت ساحة واسعة لهذا الغرض، واشتملت الاحتفالات على عرض مراسم التتويج من جديد، وقد ارتدى الملك في هذه المناسبة عباءة قصيرة لها ياقة عالية. وقد ظهر كبار الموظفين من مصريين وأجانب في هذه المناسبة في أبهى صورة، حيث كان يجري تجديدهم هم أيضًا. وكان الملك في ذلك الاحتفال يتقبل الهدايا ويمنحها بسخاء.»١٦
ويعيد شرح ذلك بقوله: «ومن الاحتفالات الطقسية التي كان يتمنى الفراعنة شهودها — إلا أنه لم يسعد الحظ بذلك إلا القليل منهم — عيد السد أو اليوبيل، وهو في الحقيقة عيد تجديد نشاط الفرعون. واحتفال السد حسب النص الإغريقي على حجر رشيد، هو عيد الثلاثين عامًا، ويدفعنا هذا إلى استنتاج أن أول يوبيل يُقام بعد ثلاثين عامًا من اعتلاء الفرعون لعرشه، إلا أنه وجدت حالات كان فيها خروج واضح عن هذه القاعدة … لكن في حكم المؤكد أن احتفال السد هذا قد اقتصر في الأسرة الثانية عشرة على الفراعنة، الذين أمضوا في الحكم ثلاثين عامًا.»١٧
وللوصول إلى ما نريد، نوسط «أنتاديوب» هنا بين «آلدريد» وما سنصل إليه، لنستمع إليه يقول: «كان يتعين ألا يحكم الملك في مصر إلا إذا كان في أوج قوته، ويبدو أنه كان يُقتل فعلًا في بداية الأمر، عندما كانت قوته تضمحل، غير أن الملكية سرعان ما لجأت إلى مختلف الحيل. كان الملك يتمسك بامتيازات منصبه — وهذا أمرٌ مفهوم — مع الخضوع بأقل قدر لمغباته؛ ولذا فقد توصل إلى جعل هذا الاختبار رمزًا، فلم يعودوا يقتلونه إلا طقوسيًّا عندما يتقدم في السن، وذلك في الحفل الذي يستعيد فيه الملك شبابه في نظر الشعب، ويصبح صالحًا للاضطلاع بمهامه. وهكذا غدا حفل السد احتفالًا لتجديد شباب الملك، وأصبح موت الملك الطقوسي وتجديد شبابه مترادفين، وكانا يتمَّان في مناسبةٍ واحدة … ووفقًا لتلك المعتقدات؛ فإن خصوبة الأرض ووفرة المحاصيل، وصحة الشعب والقطعان وسير الأحداث بشكلٍ طبيعي، وكأن مظاهر الحياة مرتبطة ارتباطًا حميمًا بقوة الملك الحيوية الكامنة.»١٨ لكن أنتاديوب، وبقية المؤرخين، لا يقول لنا، أية تفاصيل مفيدة عن تلك الطقوس، مما يعني أنها لم تدون ولم يتم الإفصاح عنها، من جانب الكهنة أبدًا بالتصريح ولا بالتلميح؛ لذلك تظل تحمل سمتها التاريخية «طقوس الأسرار».

لكن على لوحات الفراعنة عن عيد سد/حب، نجد الملك يوم عيده الثلاثيني يدخل مع الكاهنة الكبرى، أو زوجته الرئيسية الملكة بعد تنصيبها كاهنة كبرى، إلى قدس الأقداس وتغلق عليهم الأبواب، ولا يقال لنا ماذا كان يحدث داخل قدس الأقداس إبَّان هذا الاحتفال، من شهادة الزوجة في دور الكاهنة وشهادة الكهنة لقدرة الفرعون الجنسية. ما نعلمه أنه بعد خروج الملك تعم الفرحة البلاد، ويبدأ في تلقِّي الهدايا من أبناء شعبه، كما يهبهم هو هبات وهدايا مع مزيدٍ من القوانين التيسيرية على المواطنين. وهنا أقترح من جانبي أن يكون هذا الذي كان يحدث في قدس الأقداس، شبيهًا بما كان يحدث في بلاد الرافدين يوم الاحتفال بالمنقلب الربيعي، وكان لونًا من احتفالات الصخب المعروفة في العالم القديم. فكان الكاهن يضاجع الكاهنة الكبرى داخل المعبد، بينما تقوم الجماهير الحاشدة من نساءٍ ورجال حول المعبد بالعربدة في حفلٍ نزوي هائل، يمارس فيه الجميع الجنس مع الجميع دون أي تمييز، لحض الطبيعة على القيام بذات الممارسة للإخصاب وإكثار النتاج والخير، اعتمادًا على مبدأ السحر التشاكلي الذي بموجبه ينتج الفعل شبيهه.

وربما غامرت قليلًا وقلت إن ما كان يحدث كان تقليدًا لفعل الخلق الإلهي الأول، عندما كان الإله يلتقي بأمه جسديًّا، باعتبار أن الأم تحديدًا هي التي سبق وأكدت قدرتها على الإنجاب بإنجاب الملك نفسه، الذي يجب أن يقوم بذات الدور مع أمه داخل قدس الأقداس؛ لينجب نفسه من جديد. لكن يبدو أنه في مراحل تالية تم تشذيب هذه القاعدة، واستبدلت الأم بالزوجة الرئيسية، التي ستقوم بإنجاب ولي العهد، لتقوم بدور الأم الإلهية ويقوم الملك بدور الأب الإلهي. ويؤكد لنا ذلك أن قوانين مصر القديمة، جعلت حق العرش للأنثى وليس للذكر، وأن الملك لا يصبح ملكًا إلا عندما يجامعها بالزواج. وإلا لماذا أحيطت احتفالات عيد حب سد الثلاثيني بكل تلك السرية، وأطلق عليها كهان مصر «احتفالات الأسرار»؟ وإذا كان الملك على الأرض من ذات النسل الإلهي، فمن الطبيعي أن يمارس الملك سلوك الآلهة. وما دام القصد هو تجديد قواه الحيوية، فيجب إذن أن يولد من جديد، فكان يجامع في البدء أمه التي ولدته، ثم بعد ذلك بزمانٍ أصبح يجامع زوجته أو الكاهنة الكبرى لتقوم بدور أمه، فيكون هو الأب والابن في أقنوم واحد. وبهذه العملية السرية يعود الملك مولودًا من جديد، وقد تجددت طاقاته الحيوية، ويخرج من قدس الأقداس إلى جماهير شعبه، التي تعلن فرحها العظيم بملكها الجديد، في احتفالٍ بهيج ظل حتى الآن مجهول الهوية والغرض والمعنى. لكن بينما كانت مصر قد تخلصت مبكرًا بحكم تطورها الثقافي من جماع المحارم، كانت بلاد مديان لم تزل على الدرجة الأدنى في سلم التطور، كانت لا تزال تمارس جميعًا إتيان المحارم، كشعيرة تعبُّدية تعود إلى أصولٍ إيرانية قديمة في مواطنهم الأولى.

ويؤكد ذلك فهمنا لكلامٍ ملتبس جاء عند دوماس في فقره، تؤكد أن الإلهة «حاتحور وحورس كانا يُعتبران في الأساطير زوجين، ولا يستطيع المرء أن يفسر — إلا بفضل وجود جهاز موحد — تطابق صيغ الأسرار المحبوبة التي تتعلق بالمولد الإلهي.»١٩ ونحن نعلم أن حاتحور هي إيزيس أم حورس، وهو نفسه الذي تتزوجه من أجل المولد الإلهي، ويضيف للفكرة مزيدًا من الدعم أن الملكة الكبرى أو الأم الملكية في طيبة، كانت عادةً ما تكون هي «كاهنة آمون».٢٠
ويقول «أحمد عثمان»: «إن التقاليد المصرية كانت تقضي، بأن يكون ميراث العرش عن طريق الابنة الوريثة، فمَن يتزوَّج الابنة البكر للفرعون يصبح صاحب الحق في الجلوس على العرش من بعده؛ لذلك فإن ابن الفرعون كان يلجأ للزواج من أخته حتى يبقى العرش من بعده. وسبب هذا التقليد أن قدماء المصريين كانوا يعتقدون بالميلاد المقدس للملك؛ فعند زواجه يذهب الملك الجديد إلى المعبد، حيث يمر بمراحل عديدة من الطقوس الدينية مع الكهنة، الذين يطهرون جسده بالمياه المقدسة، ثم يدهنونه بالزيوت المقدسة، ويقرءُون التراتيل التي كانت — في اعتقادهم — تحضر روح الإله في جسد الملك، ويدخل الملك على زوجته في ليلة الزفاف وكأنه هو آمون الرب، وعلى ذلك فإن من يولد لها من الأبناء يعتبر بالنسبة للمصريين ابنًا لآمون، وكان شرط حدوث ذلك أن تكون الملكة هي الوريثة ابنة الملك الراحل، فآمون لا يتزوج إلا الوريثة. وعلى ذلك كان من الممكن للملوك أن يتزوجوا ما شاء لهم من النساء، لكن الملكة التي يرث أبناؤها العرش، لا بد وأن تكون هي الوريثة ابنة الملك السابق.»٢١
وغنيٌّ عن الذكر أن ميلاد إخناتون كان مخالفًا لكل هذه القوانين، وقد حاول التغلب على ذلك بمحاولة تأويل القانون السماوي، فأقام عيده الثلاثيني فقط بعد خمس سنوات من وصوله إلى طيبة، وهو الأمر الغريب في التاريخ المصري أن يحتفل الفرعون بعيده الثلاثيني قبل مضي ٣٠ عامًا على ميلاده، وقامت في عيد إخناتون الثلاثيني بدور الأم الإلهية زوجة نفرتيتي، لكن ذلك كله كان تخيلًا مكشوفًا مرفوضًا. وبعد أن أعلن صراحةً عن عقيدته الجديدة، ونصب ربه آتون ربًّا أعلى وأوحد، وأعلن لقبه الدائم «ذلك الذي يعيش في الحقيقة»، قرر إعلان طقوس الآتونية علنًا بالعودة إلى مرحلةٍ تجاوزها المصريون من زمانٍ بعيد؛ إذ قام بتكرار عيد حب سد الثلاثيني في العام الثاني عشر من حكمه في تل العمارنة. لكن التي قامت بدور الأم الإلهية والكاهنة العظمى هذه المرة كانت أمه تي — وهو ما تنطق به لنا لوحة الحائط الشرقي بمقبرة حويا، التي يأخذ فيها إخناتون بيد أمه تي، يقودها إلى المعبد تتبعهما ابنته بكتاتن فقط وحدها، مع تدوينٍ شارح يقول: «يقود الملكة العظمى والأم الملكية تي لترى ظلها في الشمس». وفي اللوحة يرتدي إخناتون ثوبًا شفافًا، يسمح برؤية تفاصيله الداخلية، أما تي فتكاد تكون عارية تمامًا. ومن بعدها قرر أن تستمر هذه العلاقة في زواجٍ صريح معلن دائم، وليس فقط في حفلٍ سري بالمعبد، مما كان موطئًا ومشعلًا لشرَر الأحداث المؤسفة، التي ترتبت على ذلك من بعد. وبينما كان «جار ستانج» يعلن أنه: «من الجائز أن تكون قصة الزواج الإلهي البعيدة الصيت من ابتكار الحيثيين.»٢٢ فإن الإله المصري حور قد جامع أمه إيزيس/حتحور، وكان أوزيريس زوج إيزيس ابنًا لها في الوقت نفسه، وكان معلومًا جيدًا للمصري آنذاك «أن ملك مصر كان يعتبر تجسيدًا للإله حور منذ الأسرة الأولى.»٢٣ لقد أراد إخناتون كشف كل الأستار، والتصريح بطقوس عقيدته، فقرر أن يكون إلهًا ابن إله على الأرض، قبل رحيله إلى عالم الآلهة بعد الموت، بالزواج من الأم الإلهية.

والآن بعد هذه الوقفة التفصيلية مع زواج البطل الملحمي من الملكة، نتذكر أننا كنا نتابع مساحة التطابق بين العناصر المكوِّنة لملحمة البطل الأسطورية، وبين حياة الفرعون آمنحتب الرابع إخناتون. وكانت آخر تلك العناصر هي زواج البطل من أميرة البلاد، التي عادة ما تكون زوجة سلفه أو ابنته ويصبح ملكًا، لتنتقل الآن إلى العنصر الثاني عشر الذي يقول إن البطل بعد أن يصبح ملكًا، يحكم فترة من الزمن دون أحداثٍ تذكر، وهو ما حدث مع إخناتون في بداية حكمه في طيبة، ثم العنصر الثالث عشر الذي يقول إن البطل الملك يسن للبلاد قوانين جديدة، وأعرافٍ من نوعٍ خاص، وهو العنصر الذي يرتبط ببقية العناصر، فالرابع عشر يؤكد أن تلك القوانين والأعراف تعرضه لسخط الآلهة والرعية، ليتم في العنصر الخامس عشر إقصاؤه عن العرش، ونفيه من مقر حكمه ومن بلاده، وهي كلها الأحداث التي واكبت إعلان إخناتون عن عقيدته الجديدة الآتونية، التي نصب فيها آدون أو البعل أو السيد المدياني ربًّا جديدًا وحيدًا في أفق العقائد المصرية، ومارس العادات المديانية في العلاقات الزواجية الشاذة علنًا، مستثمرًا في ذلك الطقس المصري السري. ووفقًا للعناصر النمطية للملحمة، ينتهي مصيره بالنفي بعد إقصائه عن العرش، ليموت بعد ذلك ميتة غامضة كما في العنصر السادس عشر، وهو الأمر الذي ستفسره لنا قصة موسى عندما نبدأ مقارنتها مع ذات العناصر. أما العنصر السابع عشر الذي يقول إنه لا يخلف الملك البطل أبناؤه على العرش، فهو ما يخالف ما حدث لإخناتون، فإن فترة حكم الصبيين الصغيرين، سمنخ كا رع وتوت عنخ آمون لم تدم أكثر من سنة واحدة لسمنخ كا رع وسنتين لتوت أو عشر سنوات في تقديراتٍ أخرى. لكن الحاكم الفعلي كان آنذاك هو خالهما آي. وإن كان المقصود بهذا العنصر في الملاحم، هو عدم استمرار أسرة البطل في الحكم، وسقوطها وانقطاع نسله عن الملك، فهو ما حدث مع أسرة العمارنة تمامًا. أما العنصر الثامن عشر فقد تأكد يقينًا؛ لأننا لم نعثر أبدًا على جثمان إخناتون، ولا نعرف له مكانًا يقينيًّا. ثم العنصر التاسع عشر، الذي يؤكد أنه رغم ذلك تتعدد القبور والأضرحة، ومواضع كثيرة تصبح مقدسة لهذا البطل، وهو ما ليس لدينا عليه أية وثائق من زمن إخناتون، بعد أن قرر المصريون نسيانه تمامًا وإسدال الستار على مأساته، لكنه بالفعل قد تعدد ممثلًا في أوديب وتعدد المسرحيات التي تناولته، وفي موسى متمثلة في المواضع المقدسة لرحلة الخروج، وكثير من أسماء الآبار والجبال والوديان، التي تحمل اسم موسى في سيناء، إضافةً لمدفنه المزعوم على جبل نبو بالأردن وكلها مواقع مقدسة.

فماذا الآن عن موسى التوراتي وما نزعمه؟

كان فرويد أول مَن نبهنا — فيما نعلم — إلى اختلاف أسطورة البطل الملحمي التوراتية «موسى» عن الأسطورة النمطية، التي عددنا عناصرها في أن الأسطورة النمطية، تجعل البطل دومًا من أصلٍ نبيل ملكي، ينشأ ويربو في بلاط مالك بالميلاد، وعادة ما يكون استبعاده إلى أسرةٍ غير نبيلة، بل عادة ما يقضي طفولته وصباه في بيئةٍ شديدة الفقر، كما بين الرعاة أو الصيادين، وعندما يشب عن الطوق يعرف حقيقة أصله وأهله ومنبته، ويعود ليحارب من أجل استعادة ملكه المسلوب. وفي هذه النقطة تختلف أيضًا قصتا إخناتون وأوديب عن الأسطورة النمطية؛ لأن الأمر لم يكن مجرد أسطورة، إنما كان تسجيلًا بالأسلوب الأسطوري لأحداثٍ وقعت بالفعل. فقد استبعد إخناتون مباشرة إلى ملكٍ حليف للأسرة الحاكمة المصرية. أما أوديب فاستبعد أولًا إلى أسرةٍ فقيرة هي أسرة الراعي، ثم تبناه يوليبوس ملك كورنثة وزوجته ميروبي، لكن على أية حال فإن الأسرة التي استبعد إليها إخناتون، كانت رغم ملوكيتها أدنى شأنًا بما لا يقارن، فأهل هذه الأسرة كانوا — حسب نظريتنا — بدورهم بدوًا رعاة، وعادة ما أكدت الأسطورة النمطية على الرعاة تحديدًا، كمحل لنشأة البطل ويفوعه بعد استبعاده.

لكن قصة موسى في التوراة تقف نافرة على العكس تمامًا، من تلك التأسيسات الأولية للأسطورة النمطية، فهو بالميلاد وبالجنس ينتمي إلى أسرةٍ وضيعة أسيرة، ضمن الأسرى الإسرائيليين في مصر. وعندما يتم استبعاده يستبعد إلى الأسرة النبيلة الملكية، حيث يصبح رجلًا من رجال البلاط وابنًا للفرعون، وهو ما يخالف قواعد الأسطورة النمطية بشدة، لكن لكي تتم عناصر الأسطورة، يعود موسى إلى أهله الوضعاء، ليخرج بهم من مصر في أكبر حدث ديني، في تاريخ المنطقة قيض له التدوين.

وبناءً على قراءته لما حدث، يرى سيجموند فرويد أن ما جرى لموسى بالفعل في حقل أحداث التاريخ، يسير على قوانين الأسطورة النمطية، لكن محرري التورة هم من قلب الأوضاع وعكسوها تمامًا، ليجعلوا من هذا المصري الذي أسس لهم في التاريخ عقيدةً وقومية، إسرائيليًّا بالميلاد وبالعنصر، استبعادًا لتلك السُّبة التاريخية العظمى، فقاموا بعكس حقائق الواقع الفعلي، ليؤكدوا إسرائيليته وليستبعدوا تمامًا مصريته. وهكذا كان موسى من أصلٍ ملكي وأبوه ملك وأبوه من أقارب أمه الأدنين، وهو بذلك يطابق قصة إخناتون مطابقةً كاملة، من حيث التطابق مع العناصر الملحمية الثلاثة الأول، بل ونزعم أن قصته بهذا الفهم تطابق جميع العناصر الملحمية التأسيسية.

وفي ظننا أن أسطورة الإلقاء في اليم — إن كانت قد حدثت — لم تكن بقصد تهريب الطفل المطلوب قتله، بمغامرة إلقائه في اليم ليتعرض لموتٍ أكيد، إنما كانت بقصد اختبار نسب وبنوة الطفل الوليد على عادة الشعوب القديمة، فعادةً ما كان النهر هو القاضي بهذا الشأن. وإن ذلك قد حدث كنتيجةٍ للمعارضة الكبرى، التي قادها كهنة آمون الأمناء على تطبيق الشرائع الإلهية. ولما كان إخناتون بظروف ميلاده يخالف تلك الشرائع والقوانين مخالفة حادة، فقد كان الحل هو اختبار صدق نسبته لآمون بالقضاء النهري؛ لأنه ما كان ممكنًا التدليس على شرع السماء مرتين، مرة مع أبيه ومرة معه. ويبدو أنه تم إنقاذ الطفل قبل أن يبتلعه اليم، وهو ما حدا بالأم تي إلى استبعاد طفلها، بعيدًا عن دسائس ومؤامرات الكهنة، التي قد تناله بالاغتيال في الخفاء.

والمبهر حقًّا أن نقع في أسطورة أوديب على روايةٍ نادرة مخفيَّة غير متواترة، تتفق مع أسطورة إلقاء إخناتون/موسى في اليم، ويرويها لنا روبرت جريفز؛ إذ لا يقول إنه تم استبعاد أوديب، بعد أن وثق قدميه مع تابعٍ بالقصر للتخلص منه، وأن هذا التابع سلمه إلى راعٍ، وأن الراعي كان من بلادٍ أخرى، يملك فيها الملك بوليبوس الذي أخذ أوديب من الراعي وتبناه. وهي القصة المعلومة المتكررة، إنما يقول أمرًا آخر تمامًا في روايةٍ نادرة، فبعد أن أوثق الملك لايوس قدمي طفله أوديب، وضعه في صندوقٍ مغلق ورمى به في البحر، وحملته الأمواج إلى شاطئ سيكيون، حيث كانت الملكة بريبويا تشرف على وصيفاتها، وهن يغسلن لها ملابسها، فأخرجت الطفل وحلُّوا وثاقه، وتظاهرت بريبوبا أنها ولدته على الشاطئ، وعندما عادت إلى قصرها، صارحت زوجها بوليبوس بحقيقة ما حدث، وقررا تبني الطفل.٢٤

والمدقق في رواية التوراة إن أخذها على علاتها، سيكتشف خللًا شديدًا، فإلقاء موسى في سفط باليم يحمله التيار لبيت الفرعون، تتناقض تناقضًا فاضحًا مع حقائق الجغرافيا والتاريخ، فحقائق التاريخ تقول إن البلاط الملكي خلال الأسرة الثامنة عشرة كان يقع في طيبة/الأقصر، بينما كان الإسرائيليون يعيشون في شرقي الدلتا، وحقائق الجغرافيا تقول إن معنى إلقاء سفط في فرعٍ نيلي بشرق الدلتا، يعني أن يسير السفط مع تيار الماء شمالًا نحو البحر المتوسط، وليس جنوبًا نحو طيبة، والقصة بذلك تجعل الصندوق يسافر عكس التيار حوالي ألف كيلومتر أو يزيد.

وقد يعترضنا هنا معترض بحجة أن قصة النبوءة، بمولد بطل للملحمة يقتل أباه ويتزوج أمه، هي عنصر تأسيسي في دراما أوديب والملاحم المشابهة، لكنها أبدًا غير موجودة بالتوراة، فالتوراة لم تحدثنا عن أية نبوءة سبقت ميلاد موسى ليستحق الاستبعاد بسببها. لكن القصة حسب التوراة تقول إن الفرعون، قد أصدر قرارًا بقتل جميع المواليد الذكور من بني إسرائيل لسبب آخر، هو أنهم قد ازدادوا عددًا بشكلٍ خطر، وأصبح يخشى من تخابرهم أو تعاونهم مع أعداء البلاد. وهذا الكلام إضافة لمجافاته أي منطق، فإنه يخالف ضرورةً فرز الأحداث آنذاك، حيث كان الإسرائيليون يعملون في سخرة البناء، وهو ما يعني أن الفرعون كان بحاجةٍ ملحة لهذه الأيدي العاملة الرخيصة، وإلا كان سجنهم أو طردهم دون تسخيرهم. ومن هنا تتناقض قصة التوراة في أمر الفرعون بقتل الذكور من المواليد الإسرائيليين مع ظروف الأحداث حينذاك.

لكن ما يبدو لنا هو أن محرري التوراة قد استبعدوا قصة النبوءة بكاملها؛ لأنها كانت تعني إبراز وإيضاح مصرية موسى بالميلاد وبالجنس؛ لأن النبوءة تستبعد الطفل الملكي لخطره على أبيه الملك وقتله واستيلائه على عرشه حسبما قالت، لكن هذه النبوءة لن يكون لها أي معنًى مع أسرةٍ حقيرة غريبة مستبعدة في مصر. لكن الأصل الحقيقي المصري للقصة كان يحوي لا شك قصة النبوءة التي ظهرت في النسخة اليونانية «أوديب»، كما ظل أصيلًا فيما تواتر شفاهة وميراثًا غير مكتوب، حتى وجد طريقه للتدوين بالقرآن بعد ذلك بأزمان، ليبرز قصة النبوءة ويؤكدها.

وهنا نستأنس برواية المؤرخ الإسلامي الحافظ ابن كثير الدمشقي، وهو يقول:
وذكر السدى عن ابن عباس: أن فرعون رأى في منامه، كأن نارًا قد أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل. فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحزأة والسحرة وسألهم عن ذلك. فقالوا: هذا غلام يولد من بين هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يدَيه؛ فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان؛ ولهذا قال تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وهم بني إسرائيل، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ أي الذين يئُول ملك مصر وبلادها إليهم، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ أي سنجعل الضعيف قويًّا والمقهور قادرًا والذليل عزيزًا، وقد جري هذا كله لبني إسرائيل كما قال تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا (الأعراف: ١٣٧)» وقال تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (٢٥: الدخان). وقال السهيلي: اسم أم موسى يارخا وقيل أياذخت. وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوتٍ مغلق عليه، فلم يتجاسرن على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن عسد بن الريان بن الوليد، الذي كان فرعون مصر زمن يوسف. وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى، وقيل: كانت عمته، حكاه السهيلي.٢٥
وبغض النظر عن الخبط والتوليف المعتاد في كتب التآريخ الإسلامية، فإن قصة النبوءة وصلت عرب الجزيرة لتدون في القرآن، رغم أنها استبعدت من التدوين في التوراة، لكن ذلك لم يكُن يعني أنها لم تكن معلومة لمحرري التوراة، فنحن نقصد بوضوحٍ أنها كانت معلومة لديهم. وتم استبعادها عن عمدٍ مع استبعادهم لكل ما يتعلق بمصرية موسى الجنسية، ويؤكد لنا ذلك أنها كانت معلومة لدى أشهَر المؤرخين اليهود خلال القرن الأول الميلادي، المؤرخ يوسفيوس فلافيوس؛ إذ يحكي أن أحد كهنة مصر القديمة «من أولئك الذين كانوا يتنبئُون، أخبر الملك أنه في ذلك الزمان، سيولد طفل لبني إسرائيل، سوف يعرض مستقبل الأسرة المالكة للخطر، لكنه هو سيصبح عظيمًا وتعيش ذكراه عبر عصور الزمان.»٢٦ ويتابع يوسفيوس روايته فيقول: «إن ابنة الفرعون بعد أن تبنَّت الطفل أرادت أن تجعله وليًّا للعهد، فأخذته ووضعته بين يدي الملك الذي احتضنه ووضع التاج على رأسه، لكن موسى الطفل أوقع التاج على الأرض وداسه بقدمه. وكان الكاهن المصري الذي سبق أن أنذر بميلاده حاضرًا، فأمسك به وهو يصرخ وهم بقتله، لكن ابنة الفرعون منعته وانتزعت الطفل من بين يديه، كما لم يوافق الفرعون على قتله.»٢٧
ولعل الرموز هنا واضحة بما لا يقبل لبسًا، فما معنى أن بنت فرعون كانت تريد تأهيل طفل من أبناء العبرانيين، ليكون وليًّا لعهد فرعون مصر، خاصةً وأن هناك نبوءة يعلمها القصر، تتحدث عن كارثةٍ ستقع على يد طفل من هؤلاء. إن الأمر فقط يمكن أن يكون متسقًا، إذا احتسبنا ذلك ترميزًا للقصة الأصلية، ظل محافظًا على وجوده في القصة المعدَّلة المزوَّرة والمحرفة، ترميزًا واضحًا إلى أن موسى كان ولي عهد مصر فعلًا بحسبانه إخناتون، مع ترميزٍ آخر تأكيدي في تفاصيل لا معنى لها، إلا لو كانت تحتمل بلاغًا ضمنيًّا مستترًا، مثل وضع فرعون التاج على رأس الوليد، وهو ما لا يتم أو يعقل إلا إذا كان هذا الطفل، هو ابن الفرعون بالميلاد والجنس، ثم الترميز الثالث في رمي الطفل للتاج، تسجيلًا لما فعله إخناتون، وانحيازه لمبادئه على حساب استقرار حكمه أو استمراره، وإصراره على ما كان يفعل من مناهضة إرادة الشرائع المصرية، المؤسسة لمعاني الملكية في مصر القديمة، مما أدى إلى سقوطه كملك في نهاية الأمر. وهكذا يجب الإقرار مع سيجموند فرويد، أحد علامات القرن العشرين البارزة، أن موسى كان مصريًّا من أصلٍ ملكي، وهو العنصر الأول في عناصر الملحمة، وأبوه ملك وهو العنصر الثاني. ويزيد الشك في إسرائيليته أن أمه الإسرائيلية المزعومة، لم تطلق عليه اسمًا عبرانيًّا ولا نعرف له سوى اسمه المصري «موسى». أما العنصر الثالث فهو الذي يؤكد على أن البطل يكون من الأقارب الأدنين للأم، وهو ما يفصح به نص التوراة، وهو يقول إن السبط لاوي شقيق يوسف، قد أنجب في مصر ولده قهات، وأنجب قهات عمران، وأنجب عمران موسى، ويفصل أكثر فيقول:

وأما قهات فولد عمرام واسم امرأة عمران يوكابد بنت لاوي، التي ولدت للاوي في مصر، فولدت لعمرام هارون وموسى ومريم أختهما.

(عدد، ٢٦: ٥٨-٥٩)
وهكذا فإن يوكابد زوجة عمران، وهما أبوي موسى، بينهما قرابة واضحة يفصح عنها المحرر التوراتي فيقول:

وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له، فولدت له هارون وموسى.

(خروج، ١٦–٢٠)

ويلفت نظرنا هنا الاسم «يوكابد» أو «يوكابت»، الذي يلتقي بشدة مع اسم بنت الملك الميتاني «جيلوخيبا» أو «يلوخيبات» أو «يلوكيبا»، التي افترضناها هي ذات الملكة «تي» أم إخناتون زوجة آمنحتب الثالث، وتتسق عناصر أطروحتنا وتتماسك عندما نجد اسم «يوكابد» يلتقي أيضًا بتطابقٍ واضح، مع اسم أم أوديب في الملحمة اليونانية «يوكاستا»! والأمر يجرنا هنا إلى تدقيق بقية أسماء أبطال الملاحم الثلاثة، وهو ما أفرز تطابقًا مدهشًا بين أسماء هؤلاء الأبطال، مع نشوز هنا وشذوذ هناك، مما يعني أن محرري قصتي موسى وأوديب، قد حافظوا بعض المحافظة على الأسماء الأصلية لأبطال القصة.

لقد حلت اللعنة على بيت لايوس اليوناني والد أوديب؛ لأنه أول من أدخل اللواط إلى طيبة، بحالة العشق التي مارسها بصحبة الصبي خريسبوس، وقد تم تصوير آمنحتب الثالث في اللوحات المصرية في ملابسٍ نسائية، وكانت الحالة الوحيدة الأولى والأخيرة في تاريخ مصر، التي يظهر فيها الفرعون بملابس نسائية. وهنا لا بد أن نسترجع فورًا عادات قادة الهكسوس الأسكيث الهندو آريين، في مقرهم العسكري الأعظم في بلاد آدوم، وكيف استرجلت النساء بينما تخنثت الرجال، ويحيطنا المؤرخ اليوناني هيبوقراط عن عادات الإسكيث مزيدًا فيقول: «بين الإسكيث نجد كثيرًا من المخنثين الذين كانوا يؤدون أعمالًا نسائية ويتحدثون كالنساء، وشعبهم ينظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها رغبة إلهية، فيوقرون المخنثين ويقدسونهم، إلى حد كانوا يتعبدون لهم ويسجدون أمامهم، بينما كان عامة الناس يرتعبون منهم … وكان هؤلاء المخنثون يلبسون ملابس نسائية، ويمارسون العادات النسائية ويقومون بأعمالهن. وكان هذا التخنث مرضًا يصيب أثرياء الإسكيث.» وقد أرجع هيبوقراط ذلك التحول المرضي، الذي كان يصيب بعض رجال الإسكيث، مع تقدمهم في العمر إلى أسبابٍ وراثية، سببتها بيئتهم الجغرافية الأصلية التي كانوا يعيشون فيها في مواطنهم الباردة الأولى، ويشرح ذلك قائلًا: «فيكتنزون إلى حد عدم إمكان تمييز أعضاء الجسد عن بعضها، وترتخي العضلات والجزء الأسفل من البطن، نتيجة وجود قدر عالٍ من الرطوبة والمائية باللحم، ومع الامتلاء يختفي الشعر عن الجسد.»٢٨ وهنا يجب أن نعيد تأمل اللوحات والتماثيل التي صنعها فنان العمارنة، وبخاصة للفرعون إخناتون لنكتشف مدى تطابق اللوحة، التي رسمها هيبوقراط للإسكيث مع لوحات العمارنة.

أما في بلاد آدوم حيث عاش الإسكيث، بعد هجرتهم إلى هذا المكان من مواطنهم الأصلية الشمالية، انتشر داء اللواط انتشارًا هائلًا في قصة لوط المعروفة بالكتاب المقدس، لكن الكتاب المقدس زمن تدوينه على يد المحرر، كان قد تطور تطورًا شديدًا عن أصوله الأولى؛ لذلك جاء المنطق الجديد بعقابٍ إلهي دمر تلك المنطقة الخماسية المدن أو بنط بوليس شمالي آدوم، بكارثةٍ تشبه تمامًا الكوارث البركانية في تفاصيلها؛ لأنهم إضافة لهذا الانحراف الجنسي، فقد ضاجعت بنتا لوط أباهما وهو سكران وأنجبا منه، ثم بعد ذلك انشغل المحرر التوراتي مع التطور، بالتنبيه على وجوب ألا يلبس الرجل زي امرأة، باعتباره سبة وعارًا، وذلك في النص: «لا يلبس رجل ثوب امرأة؛ لأن كل من يعمل ذلك مكروه لدى الرب إلهك» (تثنية، ٢٢: ٥). وهو تنبيه لن يكون له معنًى، إن لم يكن ينهى عن عادة قديمة، كانت معروفة ومنتشرة، لكنها أصبحت زمن التدوين عادة مرذولة، تستحق نفيها واستبعادها.

وإذا كان لايوس هو النسخة اليونانية لآمنحتب الثالث المصري، فإنه بحذف التصريف الاسمي تصبح لايوس، هي «لايو» البيت الذي أنجب أوديب، لكن المبهر هنا حسب التوراة، أن بيت السبط «لاوي» كان هو البيت الذي أنجب موسى!

ومعلومٌ أن إخناتون قد أقام مدينته على تلٍّ عرف باسم تل العمارنة، وحتى الآن تعيش هناك قبائل تحمل اسم بني عمران/العمارنة، تزعم أنها من نسل أميرٍ عظيم، حُكم عليه بالحبس في مكان هذا التل حيث مات. ومعلومٌ لدينا من جانبٍ آخر أن موسى وهارون ومريم، يعودون إلى الأب عمران وجمعها عمارنة.

وقد استنتج الباحثون أن آي الذي بدأ صديقًا لإخناتون، ومؤيدًا له مخمل الألقاب العظمى، أنه كان ابنًا ليويا وتويا وشقيقًا للملكة تي، أي إنه كان خال إخناتون، وقد تحول آي عن التأييد المطلق لإخناتون إلى العداء المطلق، بعدما بدأت كفة الآمونية في الرجحان والصعود. وقد جاء المعادل اليوناني لشخصية آي متمثلًا في «كر-آي-ون»، يحمل في اسمه الشق آي، أحد الأسماء اليهودية الإلهية. وقد تحول كرايون بدوره من حالة التأييد المطلق لأوديب، إلى العداء المطلق له بحسابات المصالح والتآمر، الذي انتهى به ملكًا على البلاد.

وفي القصة التوراتية:

نجد شخصًا مؤيدًا شديد الإخلاص لموسى، يتحول عن هذا التأييد إلى العداء الشديد، لكنه جاء في التوراة باعتباره ابن عم لموسى. ونحن نعلم أن المصري القديم كان يلقب والد الزوجة ﺑ «الأب»، وبقية الشعوب وحتى اليوم يلقبونه بالعم، وكان ابن عم موسى هذا في التوراة يحمل اسم قارون، الذي يطابق اسم كرايون مطابقةً تامة، وهو في القصة المصرية آي ابن يويا. لكن الاعتراض البدهي هنا هو المعلوم أن موسى في التوراة، قد تزوج من صفورة بنت كاهن مديان «يثرون/رعوئيل» أو «رع-إيل= رع إله»، وليس أمه يوكابد. ومن جهةٍ أخرى نعلم أن التوراة، لم يكن لديها ملامة في زواج المحارم (بمنطق اليوم)، فالبطرك إبراهيم تزوج شقيقته سارة، وعمران تزوج من عمته (أو خالته) يوكابد، وكان بالإمكان التجاوز إلى بقية المحارم. لكن التطور اللاحق منع المحرر من تسجيل الزيجة الأهم والصارخة، فقد عمد المحرر بعد تطور العلاقات الاجتماعية إلى إخفاء هذه الحقيقة المروعة، لكن لتختلط الأحداث بين يديه وتلتبس، فنقلت الحقيقة من بين السطور، في حكايةٍ فصيحة.

والحكاية في حديث التوراة عن زواج موسى من صفورة بنت «يثرون» في سيناء، وكيف أنه لم يكن مختونًا بعد. ومعلوم أن موسى قد هرب إلى مديان يافعًا، بعد قتله المصري ظلمًا، وهو الترميز التوراتي لقتله أباه بمحو اسمه، كما يرمز الهرب إلى مديان قصة استبعاد إخناتون طفلًا إلى هناك، ولكنه لو كان ذهب يافعًا بالفعل لكان مخنوقًا؛ فقد نشأ ورُبي في مصر بل في بلاطها، الذي يحافظ على هذه الشرعية كل المحافظة، ولكن عدم ختانه يحمل في طياته ذكرى استبعاده طفلًا، وهناك في مديان يحدث ما تخبرنا به التوراة قائلة في نصٍّ بليغ، يمر عليه الجميع دون فهم واضح لمراميه رغم خطورته الهائلة، التي أظهرها عملنا هذا وفسرها لأول مرة؛ إذ يقول هذا النص عن موسى:

وحدث في الطريق إلى المنزل أن الرب التَقاه وطلب أن يقتله، فأخذت صفورة [زوجة موسى المديانية/المؤلف] صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه، فقالت: إنك عريس دم لي [عريس الدم هو من يفض البكارة فتدمى/المؤلف] فانفك عنه، حينئذٍ قالت: عريس دم لي من أجل الختان.

(خروج، ٤: ٢٤–٢٦)
هنا تتم عملية الختان بسكينٍ من الصوان، وهو تقليد مصري عريق من العصر الحجري، تم توارثه بحيث ظلت تجري تلك الجراحة حتى نهاية العصور الفرعونية بسكينٍ من الصوان، رغم اكتشاف سكاكين المعدن مبكرًا، وظل سكين الصوان يستخدم طقوسيًّا فيما يتعلق بشرائع السماء، كما في الختان وكما في الذبائح المقدسة، وكما في عمليات تحنيط الموتى، ويقول هيرودت واصفًا عملية تنظيف بطن الميت لتحنيطه: «يشقون الكشح بحجرٍ إثيوبي مسنون، ويخرجون الأحشاء كلها.»٢٩ وعقب أحمد بدوي بقوله أنهم «استعملوا السكين الصوان، وأغلب الظن أن يكون سببه الحرص على التقاليد».٣٠
وتروي التوراة أنه عند وصول الخارجين من مصر إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن بقيادة يشوع بن نون بعد موت موسى، قرر يشوع عدم عبور النهر إلا بعد اختتان كلِّ مَن لم يختتن من المواليد، الذين وُلدوا خلال أربعين عامًا قضوها في سيناء منذ الخروج من مصر، وهنا تقول التوراة أن ذلك كان أمرًا إلهيًّا:

وفي ذلك الوقت قال الرب ليشوع: اصنع لنفسك سكاكين صوان، وعد فاختن بني إسرائيل ثانية. فصنع يشوع سكاكين من صوان، وختن بني إسرائيل في تل القلف. وهذا هو سبب ختن يشوع إياهم. إن جميع الشعب الخارجين من مصر، الذكور، جميع رجال الحرب، ماتوا في البرية على الطريق بخروجهم من مصر؛ لأن جميع الشعب الذين خرجوا كانوا مختونين. وأما جميع الشعب الذين ولدوا في القَفر على الطريق بخروجهم من مصر فلم يختنوا؛ لأن بني إسرائيل ساروا أربعين سنة في القفر.

(يشوع، ٥:  ٢–٦)

ونعود للنص الخطير عن ختان صفورة لموسى بالصوان، لنجد النص يقول إن موسى يفع وكبر، وتجاوز السن الشرعية للختان ولم يختتن، فأخذت زوجته صفورة بنت رعوئيل/يثرون سكينًا مصنوعًا من الصوان، وقطعت به قلفه أو غرلة أي غلفة قضيب موسى. لكن المبهر أن موسى هنا يوصف بأنه ابن صفورة التي هي زوجته. وقبل عملنا هذا كان ذلك النص مدعاة لتخريجات وتخريفات، ومحاولات تفسير تأويلية فاشلة غير مقنعة، لتفسير كيف كانت صفورة زوجته وأمه في نفس الوقت، خاصة أن هذه الأم بعد أن ختنته كبيرًا أعلنته عريسًا لها! كان لا بد كي يستقيم الأمر هنا ألا تكون صفورة هي الزوجة والأم، بل أن تكون يوكابد أمه التي تزوجها أبوه عمران في مصر.

وننقب في المقدس التوراتي بعيون المباحث والتحرِّي، وفي قصة التوراة التي نقصدها، نعلم أن هارون شقيق موسى ومريم شقيقته، بعد مساندة طويلة لموسى يغضبان عليه غضبًا شديدًا، ويعلنان على الناس هذا الغضب مع تحريضهم وإثارتهم ضد موسى، لسببٍ يتلخص في كلماتٍ شاردة سريعة مغطَّاة، لا تتكرر مرة أخرى بالتوراة، إلا هذه المرة الوحيدة، تقول تلك الكلمات الشاردة:

وتكلمت مريم وهارون على موسى، بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها؛ لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية.

(عدد، ١٢: ١)

أبدًا لا يكرر الكتاب المقدس تلك الإشارة، ولا يفصح لنا عن هذه المرأة الكوشية، ومتى تزوجها موسى، ولماذا أغضبت مريم وهارون. وليس مقبولًا أن يكون كل هذا النزاع والغضب فقط؛ لأنها كوشية/سوداء/زنجية. ولا ريب أن لذلك الغضب الهائل مبررًا آخر، أغمض المحرر التوراتي عينيه عنه. أما تمثال تي أم إخناتون، الذي عثر عليه في سيناء قرب الجبل المقدس كاثرين، فكان يفصح بوضوحٍ عن وجهها السيناوي الأسود الكوشي.

ويشرح كمال الصليبي قراءته للنص مقارنًا بالأصل العبري، بعد أن كشف أن موسى في بعض المقدس التوراتي كان نبيًّا، وفي البعض الآخر كان إلهًا فيقول:
وحدث في الطريق في مليان (ب-ملون) أن يهوه التقاه، وطلب أن يقتله، فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها، ووصلت إلى رجليه (وتجع ل-رجليو) وقالت: أنت عريس دم (حتن ديميم) لي من أجل الختان (ل-مولت) … صفورة في الأصل لم تكن زوجة الإله موسى هذا، بل والدته … وتدخلت صفورة فختنت ابنها الإله موسى، واتخذته لنفسها عريس دم، أي عريس عذريتها استرضاه ليهوه.٣١

إذَن يبدو أن إخناتون عندما عاد إلى مصر، وكي يتزوج أمه تي، كان لا بد أن يقوم بطقس الختان، حيث لم يكن قد اختتن في مديان، وهو ما جاء في النص التوراتي المذكور «فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها». أما أن يرى الصليبي بعينه الثاقبة أن في التوراة صورتين لموسى: واحدة باعتباره نبيًّا، وواحدة باعتباره إلهًا، فهو ما يؤكد نظريتنا لأن إخناتون كان نبي آتون، وفي الوقت نفسه ابنه الإلهي، لقد كان إلهًا ونبيًّا في الوقت ذاته.

ومن جانبٍ آخَر لاحظ «جيمس فريزر» أن هناك خللًا غير واضح المعالم في نسب موسى، أرجعه إلى أن والده عمران تزوج عمته، وليس كما كشفنا نحن عن أسبابه الحقيقية، وفي ذلك يقول إن: «قصة ميلاد موسى … تحتوي على ملامح يمكننا أن ننسبها … إلى مجال الفولكلور أكثر مما ننسبها إلى التاريخ؛ إذ يبدو أن القاص لكي يزخرف معجزات حياة البطل، رغب في أن يحكي كيف تعرض الرجل لخطرٍ عظيم … ساعة ميلاده طفلًا، وكيف أن الطفل لم ينقذ من الموت المحقق، إلا من خلال حادثة تبدو للعين المعجز، من أجل المصير الكبير الذي ينتظره.»٣٢
«وقد افترض بعض الباحثين أن الحكايات الشبيهة، بحكاية إبعاد موسى الطفل وطرحه في الماء، بقايا عادة قديمة كانت تتبع، بقصد اختبار بنوة الأطفال الشرعية لآبائهم، فقد كان الأطفال يطرحون في الماء حيث يتركون لمصيرهم، فإما أن يطفوا أو يستقروا في قاع الماء. والطفل الذي يطفو يُعد طفلًا شرعيًّا، أما الطفل الذي يستقر في قاع الماء؛ فإن المجتمع يرفضه بوصفه ابنًا غير شرعي … أما حكاية التوراة فلم تذكر شيئًا عن شرعية بنوة موسى، لكن إذا تذكرنا أن عمران والد موسى كان متزوجًا من عمته، وأن موسى كان ثمرة هذا الزواج، وإذا تذكرنا أن القانون العبري المتأخر، قد أبطل مثل هذا الزواج باعتباره زنًا، فربما ساورنا الشك … أن أم موسى في الشكل الأصلي للحكاية، كان يدفعها سبب خاص إلى طرح ابنها في النهر.»٣٣
وفي الدولة الحديثة التي ظهر فيها إخناتون، وقاد فيها موسى الخروج الإسرائيلي من مصر، يبدأ المصريون بالنظر إلى فرس النهر، باعتباره أحد رموز الشر سيت، رب الصحارى والقفر والجدب والموت، رغم أنه قبل ذلك لم يكن كذلك، ويطلقون عليه لقب «ابن الماء»، ويتضح السبب في كراهية فرس النهر، ما نسبه له المصريون في الدولة الحديثة، ونفهمه من سرد المؤرخ اليوناني بلوتارك لحكمةٍ مصرية نُقشت بالهيروغليفية بمدينة سايس في معبد إيزيس على جدران (البيلون Pylon: بوابة ضخمة عند مدخل المعبد)، ونصها أولًا طفل، ثم رجل عجوز، ثم بعده صقر يليه سمكة، ثم بعد كل ذلك فرس نهر. ويفسر بلوتارك معنى تلك الرسوم فيقول إنها تعني: «أيها الناس أطفالًا وشيابًا، إن الله يكره الفسوق، ففي النص الأول الطفل رمز الولادة، والعجوز رمز مفارقة الحياة، والصقر يرمز للإله، والسمكة ترمز للكراهية، ثم فرس النهر الذي يرمز إلى الفسوق وعدم الحياء؛ إذ يقولون إن فرس النهر يقتل أباه ويجبر أمه على معاشرته.»٣٤
ويقول لنا «دوماس» إنه بعد ذلك أصبحت تقام احتفالات وأعياد في مدينة «حفات»، تنتهي بمقتل فرس النهر الذي يرمز لعدو البلاد وللشر،٣٥ ورمز عدو البلاد ورب الشر، هو سيت رب الهكسوس العامو البعل الأدون.
وإذا كان إخناتون/موسى/أوديب، يعود بميلاده من جهة الأب إلى مصر، فإنه من جهة الأم يعود إلى شرقي سيناء وآدوم، حيث المديانيين والعمالقة والكنعانيين (العموريين)، والسكيث (الأراميين) وضمنهم الإسرائيليون. وهنا نقف نستمع إلى الباحث علي الشوك يقول: «وكانت للسفنكس أهمية خاصة عند الهكسوس، وهم ساميون أو كنعانيون، حكموا مصر ما بين ١٦٧٥ و١٥٨٠ق.م. ويعتقد عددٌ من الباحثين أن الهكسوس هاجروا إلى اليونان بعد أن أُجلوا عن مصر … وقد عثر في بيوتيا/اليونان الشرقية على نقشٍ يرقى إلى القرن الثالث عشر، تظهر فيه صورة ملك أمام سفنكس (أبي هول)، ولا بد أنه يرمز إلى أوديب. ويؤكد على أن قصة أوديب والسفنكس كانت معروفة في القرن الرابع عشر [وهو زمن إخناتون تحديدًا/المؤلف] … ولا بد أن أوديب كان يونانيًّا، وهو ما يدل عليه اسمه «القدم المتورمة» … لكن أجداده كانوا كنعانيين على ما يبدو. فلابداكوس جده المباشر يذكرنا اسمه بالحرف الأبجدي الفينيقي لابدا أي حرف اللام … وجد لابداكوس هو قدموس الكنعاني باني طيبة».٣٦
ويلاحظ علي الشوك ما جاء عند بلوتارتك بخصوص فسوق فرس النهر، لكن ليسوق قول روبرت جريفز الساخر من فرويد، واكتشافه لعقدة أوديب فيقول: «وعندما أشار بلوتارك ٤٦ / ١٢٠ق.م. في كتابه إيزيس وأوزيريس إلى أن فرس الماء قتل أباه، وأجبر أمه على معاشرته، لم يرد في حسبانه أن الرجال عندهم عقدة فرس الماء، ولا شك أن روبرت جريفر يسخر بهذا من نظرية فرويد حول عقدة أوديب.»٣٧
وهنا نستمع إلى بلوتارك يحدثنا عن الإله الذي عبده اليونان باسم طيفون وعرفناه سيت المصري: «ومن أجل هذا يخصونه من بين الحيوانات المستأنسة بالحمار وهو أغباها، ويخصونه من بين الوحوش بأشرسها، وهما التمساح وفرس النهر … ويشيرون في هرموبوليس (الأشمونين) إلى تمثال توفون على هيئة فرس النهر، يقف على ظهره باشق يصارع ثعبانًا.»٣٨
ثم يعود بلوتارك إلى فرس النهر ابن الماء، الذي حِيكت حوله تلك القصة في نهاية الأسرة الثامنة عشرة، التي ضمتها أسرة العمارنة وبيت إخناتون المارق، فيقول: «إن فرس النهر يعبر عن القحة؛ إذ يُقال إن هذا الحيوان كان يجامع أمه بالقوة، بعد أن يقتل أباه.»٣٩

ولا تفوت العين المدققة رمزية الباشق يصارع الثعبان على ظهر «توفون/سيت/فرس النهر/ابن الماء»؛ لأن الباشق هو الفينيق القادم من بلاد العربة آدوم مديان، حيث الثعابين الطائرة قاتلة الحيات في الأسطورة.

ويقول لنا صاحب كتاب دولة الأنباط: إن هناك مَن كان يعبد عددًا من الأرباب أهمها ذو الشرى، وإن أهم رموز ذي الشرى كانت هي الأفعى والنسر/الباشق، صائد الحيات.٤٠ وكان الثعبان والنسر هما الرمزين اللذين اتخذهما كلٌّ من بولينكيس وآتيوكليس؛ ولدا أوديب، أو الملك سمنخ كا رع وأخيه توت، ولدا إخناتون، أو جرشوم وأليعازر ولدا موسى، عندما عاد سمنخ كا رع، بولينكيس في الأسطورة اليونانية بأهالي تلك البلاد إلى مصر، في غزوةٍ هكسوسية ثانية، انتهت بالفشل الذريع وبموت الأخوين الملكين الصغيرين.
وقد أحاطنا دي بوا إيميه علمًا، أن رسالة الملك اليوناني آريوس ملك لاكديمونيا، إلى كبير أحبار يهود زمانه، أن بين اليونانيين وبين اليهود قرابة جنسية بالدم في أزمنةٍ قديمة، وختم رسالته بخاتم يحمل رسمًا لنسر يصارع ثعبانًا.٤١

والغني عن البيان هنا أن اسم موسى يتركب من شقين أو ملصقين هما «مو = ماء + سا = ابن» = موسى = ابن الماء. وهو اللقب الذي أطلقته الأميرة الفرعونية على موسى، عندما عثرت عليه وصفًا لحاله حسب الأسطورة التوراتية، وابن الماء هو لقب فرس النهر، الذي قتل أباه وتزوج أمه.

وبعد سنواتٍ طويلة من التطور الارتقائي الطويل، كتب المحرر التوراتي معبرًا عن انشغال بالٍ يقف وراء ما كتب «وعورة أمك لا تكشف. لاويين ١٨ / ٧». فهل كان في زمنه مَن يكشف عن عورة أمه لينهاه عن ذلك؟ وبقي فرس النهر في ذاكرة المصريين رمزًا للفسق الأعظم، وعدوًّا وعلمًا على تيفون سيت رب سيناء والصحارى الجدباء، القبيح الذي يأتي المحارم، وذكرى فرعون مهرطق قرر المصريون نسيانه، ونسيان اسمه ونسيان أسرته بالكامل (أسرة العمارنة). وقد لاحظ لويس عوض علاقة اسم قرية العمارنة بآل عمران العبران، فوقف ينبِّه قائلًا في كتابه «فقه اللغة»:
أما اسم عمران هذا الذي انتسب إليه موسى، وانتسبت إليه العمارنة/أخيتاتون مدينة إخناتون، فهو بحاجةٍ إلى تحليل لغوي وإثنولوجي بوصفه إبونيم Eponym قبليًّا [وهذا ما فعلناه في كتابنا هذا/المؤلف]. وفي تقديري أن اسم عمران ومشتقاته، له علاقة باسم العمو Ammou أو العمرو Amrou، وهي القبائل التي احتلت دلتا مصر أو شرقيها مع الهكسوس وفي زمنهم؛ فنصوص مصر القديمة تحدثنا دائمًا عن كفاح مصر ضد الخازو والعمو بعد الفتح الهكسوسي، والصلة بين الخازو والعمو غير واضحة عند المؤرخين. وعلى كلٍّ فالأمر بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التحقيق، للتثبت من وحدة أسماء الأعلام المذكورة، فهي مجرد اجتهادات تعتمد على قرائن لا على أدلة.٤٢
وفي كتابه «الفكر المصري الحديث» سبق للويس عوض أن طرح ذات الأفكار وربطها بالمماليك (الغز/الخازو)، وبالأسرة الأباظية التي تعيش على أطراف الدلتا الشرقية في مصر حتى اليوم. وعلينا أن نلاحظ أن تلك الأسرة قد توارثت ضخامة الجسم العملاق عن العموريين، واللون الأحمر عن الأراميين حتى الآن، وفي هذا قال عوض:
قبيلة الهوارة … يُسمَّون أحيانًا في الجبرتي وغيره الهوارة قبلي، مما يوحي بأن هناك هوارة بحري … وأنهم من فلول أفاريس أو أواريس Avaris عاصمة الهكسوس في الشرقية، التي تمت تصفيتها في الدولة الحديثة … وهذا يفسر اشتغالهم بالزراعة وتحضرهم، لكن مع رفضهم مخالطة المصريين في الوقت ذاته. وهذا يفسر نسبة الإمارة لزعمائهم من ناحية، بل وصفة الملكية التي نسبها الجبرتي إلى كبيرهم، الأمير همام بن يوسف صاحب الثورة الكبرى في القرن الثامن عشر … بل إن هناك ما يوحي بأن المماليك أنفسهم، واسمهم التقليدي طوال العصور الوسطى (الغزو)، هم أيضًا طوائف من الهكسوس Hyksos، وهي كلمة يونانية قديمة محرَّفة عن الاسم المصري القديم لهؤلاء الغزاة … ولا يبعد أنهم بعد طردهم من مصر أيام أحمس، وتصفية مملكة أفاريس أيام رمسيس الثاني، استقروا في الحجاز، وسميت هذه المنطقة من شبه الجزيرة العربية باسمهم … وقد كان اسم مكة في خريطة بطليموس ملكاي Melchae (قارن: مماليك وعماليق). أما اسم الهكسوس الرسمي كما ورد في نقوش الآثار المصرية القديمة … فهو خزو Chesou ولا يبعد أن «خزو» هذه هي أصل كلمة «الغز» بمعنى المماليك. وفي هذه الحالة لا يكون هناك فرق جوهري، بين هكسوس أو خزو دولة أواريس في العالم القديم … وغزو العصور الوسطى أو مماليكها، ويكون هؤلاء وأولئك موجات مختلفة من الفرسان الرعاة، الوافدة إلى مصر في عصور انهيار السلطة فيها من جورجيا وبلاد الأبازة.٤٣

إن عوض يلمح إلى أن «الغزو» هم الخازو، هم الهكسوس هم العمو هم بنو إسرائيل، وأنهم قدموا من بلاد أرارات وجورجيا (بلاد الأبازة أو الأباظة)، وهي رؤية لماحة، لكنها لم تدقق تفاصيل ما حدث، فقد كان الهكسوس كما علمنا في بحثنا هذا أكثر من عرقٍ متمايز لكن متحالفين.

وإن نظرة فاحصة للتكوين الاجتماعي لسكان مدينة إخناتون (أخت آتون أو أخيتاتون)، والحاشية التي أحاط بها إخناتون نفسه، يمكنها أن تفسر لنا اسمها الحالي «العمارنة» جمع «عمران»، وتؤكد قدم ذلك الاسم التاريخي. وليس فقط لأنه اسم قبائل العمارنة، التي تعيش هناك الآن في قرية التل ومنحوها اسمهم، وربما كانت هذه القبائل المعاصرة من بقايا ذلك الماضي التليد. إن نظرةً على سكان أخت آتون توضح أنها كانت تغص بعوام الناس، الذين لم تدون لهم المصادر أصلًا مصريًّا نبيلًا واضحًا. ويقول «جاردنر»: «وأما عن الشخصيات التي منحها إخناتون فيما بعد مقابر صخرية في العمارنة، فلسنا نعرف من بينهم سوى واحد تبعه من طيبة، هو ساق يه بارننوفه.»٤٤ وإن كنا نعلم أنه قد صحبه أيضًا «حويا»، صاحب المقبرة الشهيرة بلوحات الوليمة. إلى هذا الحد لم يكن من أتباع إخناتون في بلاطه، الذي انتقل من طيبة إلى العمارنة، سوى واحد واضح المصرية أو اثنين، كان من قبل في بلاط طيبة. أما بقية الجماهير الذين عجَّت بهم العمارنة، فكانوا مجهولي الأنساب في المدونات المصرية، وهو الأمر النافر تمامًا عن المعتاد المقدس، الدائم في بلاط مصر القديمة. وقد رجح البعض مثل «آلدريد» أن سبب مجهولية تلك الأنساب يرجع إلى أنه «لم يكُن رجال بلاط إخناتون من عائلاتٍ عريقة، بل كانوا رجالًا من عامة الشعب، يرجع الفضل كله في سمو مكانتهم للفرعون نفسه.»٤٥
ويبدو أن هؤلاء «العوام» المجهولين، قد ارتفع شأنهم مع ملكهم الذي اختارهم لنفسه شعبًا من دون الناس، ووصل ببعضهم إلى مراتب عُليا، مثل اللواء «ماي» الذي عين مشرفًا على الوحدات العسكرية للوجه البحري وأمينًا لسر القصر. وهو ما يعنيه لقبه «حامل أختام الملك في الوجه البحري». وقد دون ماي في مقبرته أنه ليس من أسرةٍ معلومة الشأن بين الناس، بل غالى في التأكيد على انتمائه لأسرةٍ وضيعة مجهولة.٤٦ والغريب أن هذا الوضيع قد ارتقى في المناصب إلى وظيفة سفير بالخارجية، وهو ما كان مستحيلًا أن يرتقيه غير مصري قبل تلك اللحظة، بل كان مستحيلًا أن يرتقيه مصري غير متعلم ومثقف ثقافة عليا؛ لأنه يمثل شخص الفرعون وجلاله في البلاد الأجنبية، وكان يجب أن يكون متضلعًا في لغات تلك الشعوب، بل وعاداتها وتقاليدها وديانتها، فما بالنا و«ماي» هذا شخص مجهول الأصل؟! هذا ناهيك عن زميله «عبريا»، الذي وصل إلى رتبة رئيس وزراء.

إن «ماي» كي يقوم بهذه المهمة، كان عليه أن يلم بلغات وعادات البلاد، التي أوفد إليها بسفارته في بلاد الشام، وكي يكون كذلك وهو غير مصري، وليس من الطبقة التي أتيح لها العلم والثقافة، فلا شك أنه كان من أبناء تلك البلاد البعيدة. ونحن نعلم من كتاب اللآلئ/التوراة الكنعانية، أن كاتبها الذي عمل كبيرًا للمعلمين في القصر الملكي في أوغاريت التي دمرها العبيرو، أن هذا الكاتب كان يعمل في بلاط العمارنة، وأن اسمه كان إيلي ماي ليكو، فهل كان ماي هذا هو ماي ليكو؟ وكان هو من نقل قصة أحداث العمارنة ونشرها هناك؟

وتشير نقوش العمارنة إلى أن إخناتون، أحاط نفسه وأسرته بفيالق من العسكر، تتولى حمايته هو وأسرته بالتحديد، وليس بينها من يفصح تكوينه عن أصول مصرية، والسمات العامة لهذا الحرس سمات آسيوية بدون نقاش.٤٧
ثم تحيطنا رسائل العمارنة علمًا بشخصية أخرى، هي وزير الخارجية «دودو» أو «توتو»، الذي بلغ من السلطان مراتب عظيمة، وقام بدور المفاوض السياسي والدبلوماسي مع الأقاليم الآسيوية، «ويرى بعض المؤرخين أنه ربما كان ينتمي على أصلٍ أجنبي، أو أنه سليل محارب آسيوي كان قد أسر»٤٨ فيما سجل لنا «أحمد قدري». وفي مقبرة وزير إخناتون (رمسيس)، نجد تصويرًا في لوحة لأتباع هذا الوزير، وليس بينهم مصري واحد.٤٩
وتبدو علاقة الآسيويين بعبادة آتون، علاقة حميمية داخل بلادهم، فلدينا رسالة من الملك الكوشي علي بابل (بورنا بورياش) الثاني موجهة إلى إخناتون، يقول فيها: «إني باذلٌ الآن جهدًا كبيرًا في بناء المعبد، وسوف أنجز العمل بدقة، فأرسل لي قدرًا وافيًا من الذهب.»٥٠ هذا ما دونه المؤرخ العراقي طه باقر، ومن جهةٍ أخرى سجلت جوليا سامسون: «أنه قد عُثر على بقايا معبدٍ، أقيم لعبادة آتون في إحدى المناطق السورية.»٥١

وهكذا نظن إخناتون قد اختار له شعبًا، يعرف عقيدته ويسهل انقياده لممثلها الملكي وطاعته والولاء له، بل وربما الموت في سبيله، وهو ذلك الفصيل الآسيوي الذي كان أسيرًا في مصر، منذ طرد الأحلاف الهكسوس، وهم العبارنة أو العمارنة. فالباء تتبادل مع الميم بقانون تبادل الشفويات والأنفيات، نسبة إلى عابر أو عامر أو عمران، الذين كانوا يتعبدون للإله هفا أو هوا أو يهوه رب الريح، وينعتونه بلقب السيد الذي هو بلغتهم «آدون»، الذي سجله اللسان المصري الأكثر رقة «آتون»، الذي كان بالأصل ربًّا مصريًّا مهجنًا بالبدوية السامية السينائية، هو أتون النار البركاني القضيبي، والذي تعد الشمس أجلى مظاهر قدرته النارية، ولم يكن أحد يذكره إلا لمامًا، حتى جاء إخناتون وأعلنه ربًّا واحدًا.

١  إدولف إرمان، ٤٢، ٤٤.
٢  د. أحمد فخري، تاريخ شبه جزيرة … سبق ذكره، ص٤١٦.
٣  الموضع نفسه.
٤  الخشاب، تاريخ اليهود … سبق ذكره، ص١٢٩.
٥  سليم حسن، مصر القديمة … سبق ذكره، ج١، ص١٩٨، ١٩٩.
٦  شكري عياد، البطل … سبق ذكره، ص١٣٣.
٧  حسني حداد وسليم مجاعص، بعل هداد … سبق ذكره، ص٤٢.
٨  أورسيوس، تاريخ العالم … سبق ذكره، ص٩٣.
٩  المسعودي، مروج الذهب … سبق ذكره، ج١، ص٣٥.
١٠  نفسه، ج١، ص٣٥٤، ٣٥٥.
١١  علي عبد الواحد وافي، اليهودية … سبق ذكره، ص٥٥، ٥٦.
١٢  ج. ل. ميرز، المينويون والميسينيون، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد، النهضة المصرية، القاهرة، د.ت، المجلد الثاني من تاريخ العالم، ص٦٠.
١٣  عياد، البطل … سبق ذكره، ص١١٤: ١١٧.
١٤  ياروسلاف، الديانة … سبق ذكره، ص٨٤.
١٥  سامسون، نفرتيتي … سبق ذكره، ص٦٩.
١٦  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٣٨.
١٧  الموضع نفسه.
١٨  أنتاديوب، الأصول الزنجية … سبق ذكره، ص١٥٩، ١٦٠.
١٩  دوماس، آلهة … سبق ذكره، ص٧.
٢٠  نبيلة محمد عبد الحليم، معالم التاريخ الحضاري والسياسي في مصر الفرعونية، منشأة معارف الإسكندرية، د.ت، ص٤٧.
٢١  أحمد عثمان، غريب في وادي … سبق ذكره، ص٧٠، ٧١.
٢٢  جار ستانج، إمبراطورية الحيثيين … سبق ذكره، ص٢٩.
٢٣  نبيلة عبد الحليم، معالم التاريخ … سبق ذكره، ص٤٤.
٢٤  Graves, R., The Greek Myths, Benguin Books, 1955, Vol. II, p. 9.
٢٥  ابن كثير، البداية والنهاية.
٢٦  أحمد عثمان، تاريخ … سبق ذكره، ج١، ص٤٣.
٢٧  نفسه ج١، ص٤٤، ٤٥.
٢٨  هيبوقراط، ضمن نصوص كوزينتسوف عن الإسكيث بالروسية … سبق ذكره، ص٨٩، ٩٠، ٩١.
٢٩  هيرودت في مصر … سبق ذكره، ص١٩٥.
٣٠  الموضع نفسه.
٣١  الصليب، خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل، دار الساقي، لندن، ١٩٨٨م، ص٢١٦.
٣٢  جيمس فريزر، الفولكلور في … سبق ذكره، ج٢، ص٥٣٣، ٥٣٤.
٣٣  نفسه، ص٥٤٠، ٥٤١.
٣٤  الخشاب … سبق ذكره، ص٤٦، ٤٧. انظر أيضًا: Graves, The Greek Myths … Vol. II, p. 13.
٣٥  دوماس، آلهة … سبق ذكره، ص٤٤.
٣٦  علي الشوك، مأساة أوديب بين تحليلات فرويد وفرس الماء، صحيفة الحياة اللندنية، بتاريخ ١٧ / ٦ / ٩٣.
٣٧  الموضع نفسه.
٣٨  بلوتارك، إيزيس … سبق ذكره، ص٧٨، ٧٩.
٣٩  نفسه، ص٥٥.
٤٠  إحسان عباس، تاريخ دولة … سبق ذكره، ص٢٩.
٤١  دي بوا إيميه … سبق ذكره، ص٣٣٦، ٣٣٧.
٤٢  لويس عوض، مقدمة … سبق ذكره، ص٢١.
٤٣  لويس عوض، تاريخ الفكر المصري الحديث، كتاب الهلال، القاهرة، أبريل ١٩٦٩م، ص٣٧، ٣٨.
٤٤  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٥.
٤٥  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٧٤.
٤٦  أحمد قدري، المؤسسة العسكرية … سبق ذكره، ص١٥٣.
٤٧  آن زيفي، مقبرة عبريا، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة ١٩٩٥م.
٤٨  نفسه، ص١٤٩.
٤٩  جاردنر: مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٤٥.
٥٠  طه باقر، الوجيز … سبق ذكره، ص٤٦٠، ٤٦١.
٥١  سامسون، نفرتيتي … سبق ذكره، ص٢٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤