الفصل الأول

آتون وآدون

إن ما حدث في العمارنة، واختيار إخناتون لأوليائه ومَواليه وحاشيته، يذكرنا باللمحة العبقرية لسيجموند فرويد وهو يقول: إن جميع شعوب الدنيا كانت تختار آلهتها، إلا الشعب الإسرائيلي وحده، هو الذي تم اختياره من قبل إله، ليتأله عليه ويتخذه شعبًا له.

وقد دَوَّنت لوحات العمارنة اسم الإله بالصيغة (آ. ت. ن.) ATEN، التي تمثل الشمس ذاتها كفرن وأتون عظيم. ويحيطنا لسان العرب علمًا تحت مادة أتن قوله: «الأتون بالتشديد الموقد … قال ابن خالويه … ولا أحسبه عربيًّا وجمعه أتن.»١ ومعلومٌ أن رب الشمس في الأكادية كان هو أوتو AUTU أيضًا، وتعني السيد أو راعي رعيته.

وقد صور إخناتون الرب أو السيد آدون أو آتون في هيئة قرص شمس، تخرج منه أذرع رفيعة تنتهي بكفٍّ يمنح العنخ/العنق/الحياة (رمز العنخ)، وكف يحمل اﻟ «واس» رمز السعادة لتضعها عند أنف إخناتون، وهو ما يعني أن آتون يمنح بذراعين ممدودتين الحياة والسعادة، فهل نجد بالديانة الإسرائيلية أي أثر لذلك التصور عن الإله؟

وكما أوضحنا توصَّل فرويد إلى أن الإسرائيليين بعد خروجهم من مصر إلى سيناء، نكصوا عن التوحيد الإخناتوني في قادش سيناء، وعادوا إلى صورة الأدون يهوه ممثلة في العجول وأشباهها من ذوات القرون. لكن فرويد يقول إن الاعتقاد القديم ظلَّ كامنًا حتى جاء زمن أنبياء التجديد في القرون المتأخرة قبل الميلاد، ليعيدوا التوحيد إلى صورته الأولى الآتونية الإخناتونية. وقد وجدنا من جانبنا نصوصًا بالتوراة تفصح بوضوحٍ عن أصولها الآتونية في شمس تركب السماء، وتمتد من تحتها أذرع أبدية رفيعة، وهي الصورة التي ابتكرها إخناتون لربه. ومن نماذج ما عثرنا عليه في التوراة، يشير إلى تلك اللوحة القديمة:

أنا الرب، وأنا أُخرجكم من تحت أثقال المصريين، وأنقذكم من عبوديتهم، وأُخلصكم بذراعٍ ممدودة.

(خروج، ٦: ٦)

هل شرع الله أن يأتي ويأخذ لنفسه شعبًا من وسط شعب، بتجارب وعجائب وحرب ويد شديدة، وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة، مثل كل ما فعل الرب إلهكم في مصر؟

(تثنية، ٤–٣٤)

هم شعبك وميراثك الذي أخرجته بقوتك العظيمة وبذراعك الرفيعة.

(تثنية، ٩–٢٩)

عظمته ويده الشديدة وذراعه الرفيعة.

(تثنية، ١١–٢)
وهنا قد يقال إن الذراع الرفيعة في وصف يهوه مسألة مجازية، تشير إلى قدرته، وليس إلى يد بالفعل كما في لوحات إخناتون؛ لذلك نسوق من التوراة تلك اللوحة التي تصور رب إخناتون، كما تخيله الفرعون، وكما تم نقشه ورسمه في مصر، يقول الكتاب المقدس كما لو كان يصف لوحات الإله آتون:

ليس مثل الإله، يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته، الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت.

(تثنية، ٣٣:  ٢٦-٢٧)

هكذا إذَن تتفق القصص الثلاث «إخناتون» و«أوديب» و«موسى» على عناصر تأسيسية متطابقة نبوءة، طفل يولد يشكل خطرًا على الملك. استبعاد الطفل صغيرًا بعيدًا عن أهله، الطفل ابن ملكي سواء بالتبني أو بالميلاد. وغني عن التنويه أن موسى إضافة لتبنيه من قبل ملك حسب الرواية التوراتية، فهو في نظر بني إسرائيل من بيتٍ ملكي، هو بيت آل عمران. وتتفق الروايات الثلاث أيضًا على عودة الطفل يافعًا، في أول مراحل الصبي إلى بيت أهله، حيث يقتل أباه في الطريق كما حدث مع أوديب عندما قتل لايوس، أو يقتله بعد عودته كما فعل إخناتون باسم أبيه، أو كما حدث مع موسى في رمزية قتل المصري (لاستبعاد شبهة الأصل المصري)، ثم هربه إلى مديان، ثم عودته إلى مصر بتوجيهٍ إلهي «وقال الرب لموسى في مديان، اذهب ارجع إلى مصر؛ لأنه قد مات جميع القوم الذين يطلبون نفسك» (خروج، ٤: ١٩–٢٠)، وهو ما يعني لنا خبر موت آمنحتب الثالث، وعودة إخناتون إلى مصر لتولي العرش.

ثم تتفق الروايات الثلاث إنْ تصريحًا أو تلميحًا على زواج البطل بأكثر من زوجة، يظهر من بينهن زوجة أولى تختفي في الظل عندما تظهر الزوجة الثانية، كما تتفق جميعًا على أن الزواج الثاني قد أغضب الآلهة، فضربت البلاد بالوباء، وهو ما عبر عنه الملك توت عنخ آمون، الذي ارتدَّ بعد اختفاء إخناتون إلى عبادة آمون، وأصبح اسمه توت عنخ آمون؛ إذ يقول: «إن الأرض كانت مريضة وأغلقت معابد الآلهة، وهجرت الآلهة هذه الأرض؛ لأن البلاد كانت في مأزقٍ أثيم.»٢ أما الأسطورة اليونانية فتقول إن الآلهة أرسلت الطاعون على طيبة اليونانية، بعدما تزوج أوديب من أمه يوكاستا.٣

أما الكتاب المقدس فقد أسهب في شرح الوباء في سفر الخروج (٢٣ / ٢٥)، وفي سفر اللاويين بدءًا من الإصحاح الثالث عشر، كذلك في سفر العدد (١٦ / ٤٩)، وسفر التثنية (٢٧ / ٢٨، ٣٥).

ويبدو أن هناك وباء قد حدث حقًّا، ربطه الناس بقصة الملك الخاطئ؛ لأن أحمد قدري يحيطنا علمًا أن هناك كتابات حيثية، تؤكد أن وباء الطاعون قد انتشر في منطقة الشرق الأدنى في تلك الفترة من الزمان، وبالتحديد المبين زمن العمارنة؟! وقد حجَّم هذا الوباء من الخطر الحيثي ضد مصر، وأعطى الفرعون حور محب حرية الحركة العسكرية في المنطقة، بعد سقوط أسرة العمارنة، وقام بتطهير مصر من آخر العناصر الأجنبية.٤
figure
شكل رقم «٢٢٢»: الإله القديم يركب السماء والأذرع الأبدية الرفيعة من تحت تمتد إلى توت عنخ آتون وزوجته.
figure
شكل رقم «٢٢٣»: جلسة عائلية تحت أيدي الرب الرفيعة نفرتيتي إلى اليمين، بثوبٍ مفتوح من أسفل تحمل طفلتين من أطفالها، لاحظ رءوس الصغيرات، وإخناتون إلى اليسار يداعب واحدة من بناته، وتيجان الوالدين العالية وملافحهم الطائرة.
كذلك أنجب الأبطال الثلاثة، كلٌّ منهم ولدَين؛ فقد أنجب إخناتون سمنخ كا رع وتوت عنخ آمون، وقد أكَّد لنا آلدريد أنه: «قد أصبح من المسلَّم به أن سمنخ كا رع وتوت عنخ آمون كانا أخوين. والواقع أن رفاتهما المتبقية تُظهر تشابهًا غير عادي، وخصوصًا بين قياسات جمجمتَيهما المفرطحتين الشاذتين … وقد ثبت في دراسةٍ حديثة اعتمدت على تحليل الدم، أن فصيلة دمائهما كانت واحدة (A2MN) … وتطابق شكل الملكين الصغيرين، يدل على أنهما شقيقان لأبٍ وأم».٥ كذلك تقول الأسطورة اليونانية إن أوديب قد أنجب ولدين هما بولينكيس وأيتوكليس، ويُحيطنا الكتاب المقدس علمًا أن موسى قد أنجب ولدين هما أليعازر وجرشوم.
لكن إذا كان أوديب قد تزوَّج أمه يوكاستا، وإذا كان إخناتون قد تزوج أمه تي، وإذا كان موسى قد تزوج أمه صفورة ورمَز لها بالأم في ختانه، ولو في الأسطورة التوراتية دون الحقيقة، فماذا عن الزوجة الأولى؟ وهي في حالة إخناتون تحمل اسم نفرتيتي، وفي حالة أوديب تحمل اسم يوريكانيا.٦ وفي حالة موسى تحمل اسم صفورة لدينا هنا مشكلة فيما يتعلق بالزوجة في القصة الأصلية «نفرتيتي»؛ إذ يقول «جاردنر»: «إن الملكة نفرتيتي مستها فضيحة ما في العام الثاني عشر أو بعده بقليل، ما لم تكن قد ماتت، وقد مُحي اسمها دومًا من مبنًى خاص بها، يدعى مارو آتون يقع إلى جنوبي المدينة، وأحل محله اسم ابنتها الكبرى مريت آمون.»٧ لكنا نفهم من آلدريد أن إخناتون كانت له زوجة ثالثة تسمى كيا، وجد اسمها محفورًا على إناءٍ من الكالسيت محفوظ الآن بمتحف نيويورك،٨ وبهذا يشذ عن قاعدة الزوجتين (بالطبع هذا عدا الحريم الملكي)، رغم أنه الأصل في النماذج التي صِيغت فيما بعد، على قصته في العبرية واليونانية، فهل ترانا قد أخطأنا هنا خطأ واضحًا؟
نقف الآن مع هذه المشكلة نحاول الفهم؛ لنقرأ عن نفرتيتي: «إن اسمها يُنطق حسب كتابته بالخط الهيروغليفي «نفرت إيتي» أي الجميلة آتية أو مقبلة، أو كما سميت في السنة السادسة من حكم زوجها «نفر نفرو آتون»؛ أي الجميلة جمال آتون. ولا يزال موضوع أصل نفرتيتي موضوع نقاش بين المتخصصين؛ إذ لم يذكر أي نص اسم والديها. ويعتقد البعض أنها تنتسب إلى إحدى الأسرات الأجنبية، التي كان يعج بها البلاط الملكي في عهد آمنحتب الثالث، وقد اختلف أصحاب ذلك الرأي؛ فمنهم من رأى أنها ميتانية الأصل، أي من شمال سوريا، ومنهم من رأى غير ذلك.»٩
ويكرر عبد المنعم أبو بكر فيقول: «يغلب على الظن أن نفرتيتي تنتسب إلى إحدى الأسرات الأجنبية، التي كان يعج بها البلاط الملكي، وكثر الحديث عن الانبعاج الغريب الذي تميَّزت به مؤخرة الرأس للأميرات، وخاصة في التماثيل والرسوم التي تمثلهن إبان الطفولة المبكرة. وواضحٌ من التماثيل أن هذا الانبعاج الغريب، لم يكُن نتيجة طريقة تصفيف الشعر، بل هو نتيجة لمحاولةٍ مقصودة.»١٠
وثمة اجتهاد آخَر في تفسير اسم نفرتيتي، أو على الأدق الشق الثاني في اسمها «تي»، فالشق الأول «نفر» يعني الجميلة، أما الثاني «تي» — وهو اسم الملكة الأم — فهو طي في العربية من الأصل السيرياني طي Tayyaya. واللغة العربية تسمى في السريانية لسان طي لشانا طايايا Lessana Tayyaya. وقد ترجم صاحب الاجتهاد اسم نفرتيتي وفق ذلك بأنه «جميلة طي».١١ والأصوب: «الجميلة العربية». ونحن نعلم أن منطقة عرابة عند سعير وحتى حدود الدلتا الشرقية، كانت تعرف بالمنطقة العربية.
بينما آلدريد يرى أن نفرتيتي هي ذات الأميرة الميتانية تادوخيبا، بدليل أن اسمها يعني «آتت الجميلة» باعتبار «تي = أتت».١٢ وهو ما يشير إلى قدومها من خارج البلاد.
وتظهر لنا نقوش العمارنة أن إخناتون حذا حذو أبيه، فمجَّد زوجته التي لا شك كانت تعاني من عداء الكهنة، عندما رفعها زوجها لمرتبة الزوجة الملكية العظمى/الرسمية/ الرئيسية التي تنجب ولي العهد، وهي غير مصرية. وقبل ذلك كان يتم تصوير الملكات الرئيسيات في أوضاعٍ لا يتجاوز فيها طول الملكة الواقفة ركبتي الملك الجالس، لكن آمنحتب الثالث وإخناتون خرجا على هذا المألوف المعتاد، وفعل إخناتون فعل أبيه عندما صور تي بذات حجمه، فصور إخناتون نفرتيتي في صورتها المتكاملة، التي لا تقل عنه بحال، لتأكيد أنها ملكة كاملة الأهلية، بل إنه أطلق على نفرتيتي لقبًا كان قاصرًا على أميرات القصر المصري فقط، هو لقب الوريثة، بل تشير كل النقوش إلى حرصٍ واضح من جانب إخناتون لإعلان نفرتيتي ليس فقط مجرد ملكة، بل كشريكة في الحكم مثله سواء بسواء.١٣
وعلى اللوحات الضخمة التي أقامها إخناتون على حدود مدينته، وصف لنفرتيتي يصفها فيه الفرعون بقوله: «مليحة الوجه المبتهجة بالريشتين، ربة السعادة، فريدة الحس، رخيمة الصوت، سيدة الكياسة والرشاقة، عظيمة في الحب، بهيجة في الطبع، مصدر سعادة سيد القطرين.»١٤
لكن ماذا يقصد جاردنر بقوله إن هناك فضيحة لحقت بنفرتيتي في آخر أيام تل العمارنة؟ لقد لوحظ اختفاء اسم نفرتيتي، بل محوه بعد وصول الملكة الأم إلى العمارنة، كما وجدت شواهد على أنها انتقلت إلى أطراف مدينة أخت آتون، لتعيش هناك في عزلة غير مبررة أو واضحة السبب.١٥
ويشرح لنا عبد المنعم أبو بكر الأحداث التي تتابعت بعد ذلك، وما حدث لنفرتيتي باختفاء إخناتون المفاجئ والملغز فيقول: «في هذا الجو المشحون بكل عوامل الكراهية والحقد والفساد، تأتينا الأخبار أن نفرتيتي تحاول الثأر لنفسها، فترسل خطابًا إلى الملك الحيثي شوبيلوليما، وتطلب منه أن يرسل أحد أبنائه ليتزوجها ويتولى عرش مصر. كان هذا التصرف من نفرتيتي بمثابة صفعة دنيئة على وجه مصر والمصريين. يحدث هذا في العصر الذي حاول فيه أكثر من ملكٍ آسيوي، أن يخطب لنفسه أو لابن من أبنائه إحدى بنات البيت المالك المصري، فكان يأتيه الرد دائمًا بالرفض، واستجاب الملك الحيثي لهذه الدعوة وأرسل بالفعل أحد أبنائه، الذي لم يكَد يصل على مقربةٍ من الحدود المصرية، حتى داهمه بعض المصريين وقتلوه، وقضوا بذلك على هذه المؤامرة، أو حسب رأي مصريي مصر في ذلك الوقت، إنهم قضوا على هذه الخيانة العظمى. وقد صمتت الآثار المصرية عن هذا الحادث، ولم تذكره وثيقةً ما، إلا أن إحدى الوثائق الحيثية التي عثر عليها في أطلال بوغازكوي العاصمة القديمة لدولة الحيثيين، ذكرت هذا الحادث، وقام بتسجيله الملك مورسيل الثاني ابن شوبيلوليما.»١٦
وقد ترجم لنا جوتر بوك، الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، ذلك النص وفقًا لرواية مورشيليش الثاني Mursilis II ابن شوبيليوليوماش Suppiluiumas كالآتي: «بعثت ملكة مصر إلى أبي رسولًا، وكتبت في رسالتها تقول: مات زوجي وليس لي ابن، فلو منحتني أحد أبنائك لصار لي زوجًا، ولن أختار قط أحدًا من خدمي ليكون لي زوجًا، وأنا خائفة. وعندما سمع أبي هذا دعا إليه العظماء للتشاور، وقال لهم: إن شيئًا مثل هذا لم يحدث لي في حياتي قط.»١٧
وكانت عبارة «ليس لي ابن» مدعاة للتشكك في شخصية الملكة التي أرسلت الخطاب، فاتجه رأي البعض إلى أن صاحبته ربما تكون نفرتيتي، وأن عبارة ليس لي ابن من باب التجاوز، بينما رأى البعض أن الرسالة كانت موجَّهة في تاريخٍ لاحق من أرملة توت عنخ آمون (عنخ اسن ابن باتون)،١٨ أما إعلان خوفها وهي ملكة، فهو ما يشير إلى شعور بالوحدة والاغتراب، في مجتمعٍ ليس مجتمعها.
حتى الآن ليس هناك بالقطع فضيحة واضحة، إذا لم تكن نفرتيتي هي مَن أرسل هذا الخطاب، ومع ذلك يصر المؤرخون على تلك الفضيحة غير الواضحة، فيقول — مثلًا — شتيندورف وسيل: «إنه في حوالي العام السادس عشر من حكمه، وقع اضطراب خطير في العاصمة الجديدة، فقد سقطت الملكة نفرتيتي في فضيحة، وانعزلت في الطرف الشمالي من المدينة، حيث أقامت لنفسها قصرًا جديدًا. والأشياء التي عثر عليها في خرائب هذا القصر، تشير إلى احتمال أن تكون قد أخذت معها في المقر الجديد، الأمير الطفل توت عنخ آمون.»١٩
ويرى شتيندورف وسيل من جانبهما أن صاحبة تلك الرسالة، كانت بالقطع الملكة نفرتيتي، التي كانت تدبر مؤامرة واضحة وكبرى، لتنفرد بالسيادة ويرى «أنه ليس من المستبعد أن تكون قد لقيت حتفها مع عريسها المنتظر؛ إذ إنها تختفي عند هذه النقطة من مسرح التاريخ، ولا يُسمع عنها شيء بعد ذلك».٢٠

أما الباحثة والمصرولوجيست الأمريكية «جوليا سامسون» فتتخذ موقف الدفاع الحاد عن نفرتيتي، وتؤكد أنه لم تُصبها فضيحة ولا يحزنون، وأنه إذا كانت تلك الفضيحة قد افترضت افتراضًا، بناءً على انعزالها في قصر شمال المدينة، وابتعادها عن القصر الملكي الإداري، فإنها من جانبها قد توصَّلت إلى أن من قالوا ذلك، قد أخطئُوا خطأً فاحشًا، حيث الْتَبست عليهم قراءة الاسم الممحو من آثار ذلك القصر، الذي لا يجب قراءته نفرتيتي، إنما يجب قراءته «كيا». وافترضت أن «كيا» هذه إحدى الزوجات الثانويات لإخناتون، وقد كتب اسمها بشكلٍ يمكن أن يؤدَّى منطوقه بالخطأ إلى اسم نفرتيتي، خاصة مع عمليات المحو التي لحقت بذلك الاسم.

وتشرح «جوليا سامسون» نظريتها تحت عنوان: «تصحيح خطأ تاريخي» فتقول: «النظرية … التي تقول بمحو اسم نفرتيتي، وإبداله باسم ابنتها مريت آتون، قد ثبت خطؤها، بعد دراسةٍ متأنية لبقايا الاسم الذي تم محوه، والتي قرئت خطأً على أنها بقايا اسم نفرتيتي؛ فقد ثبت الآن أن الاسم الممحو كان اسمًا لامرأة أخرى هي كيا، وفي عام ١٩٧٤م نشر البروفيسور جون هاريس John Harris تقريرًا علميًّا مفاده أنه … تبين له بصفةٍ مؤكدة أن الاسم الممحو لم يكن اسم نفرتيتي، بل كان اسمًا لامرأة تدعى كيا … وتدل الشواهد الأثرية التي اكتُشفت أو عُثر عليها مؤخرًا، أن كيا كانت زوجة ثانوية لإخناتون، مجرد زوجة من الحريم، لكنها أبدًا لم تكن زوجته الملكية العظمى، فلم يكتب اسمها إطلاقًا داخل الخرطوش الملكي، ولم تضع على رأسها تاجًا … وقد عُثر على منظرٍ لها منقوش على أحد الأحجار، التي نُقلت من العمارنة بعد تدميرها إلى مدينة هرموبوليس/الأشمونيين حاليًّا. تظهر فيه كامرأة عادية من النبيلات، تزين رأسها بباروكةٍ مميزة ذات طراز خاص.»٢١
ووقفت دون هذا الكشف الجدية عقبة؛ إذ ثبت أن الأميرة التي سكنت هذا القصر البعيد محدد الإقامة، قد أخذت معها الأمير توت عنخ آمون، المفترض أنه ابن نفرتيتي، وحتى يتم تجاوز هذه العقبة قال «هاريس»: إن الأمير توت إذَن لم يكُن ابن نفرتيتي، لكنه كان ابن كيا.٢٢

تقف عدة عقبات ضد هذا الكشف، أولها شكل رأس الأمير المستطيل، الذي يطابق رءوس بقية بنات نفرتيتي، كما يطابق رأس شقيقه سمنخ كا رع، ويشير إلى عادة كانت تمارسها نفرتيتي عند ميلاد الطفل عن عمد، بربط رأس الرضع بقصد استطالته، إضافة إلى أن هذا الأمير «توت» قد ارتقى عرش مصر بعد الثورة الآمونية، وتغير اسمه من توت عنخ آتون إلى توت عنخ آمون، مما يشكك تمامًا في أن والدته كانت زوجة ثانوية أي مجرد محظية. من هنا نظن أن نفرتتي قد لحقتها فضيحة كبرى، وأنها بالفعل كانت صاحبة القصر النائي، الذي عاشت فيه بقية حياتها مع ولدها الأصغر توت، وأن ذلك قد صحبته لعنة سيد القصر، فأمر بمحو اسمها المصري الذي منحها إياه (الجميلة آتية أو نفرتيتي)، ليعيدها إلى اسمها الأصلي الميتاني المجرد. وإذا كان جاردنر قد افترض — ونحن معه — أن نفرتيتي كانت هي الميتانية تادوخيبا أو تادوكيبا، وهو اسم ملصق من شقين، فإن الكاتب المصري ربما اكتفى بكتابة الشق الأخير المميز «كيبا»، استهانةً وامتهانًا، أو أنه ضاع مع عملية المحو، الذي قرأه بعد ذلك — حديثًا — البروفيسور جون هاريس باللفظ «كيا». وهكذا ووفق هذا التخريج لا يكون لإخناتون أكثر من زوجتين، كلاهما كانت زوجة رئيسية، تمت تنحية إحداهما لتفسح المكان للأخرى، فذهبت نفرتيتي أو كيا الفرعونية، يوريكانيا اليونانية/صفورة التوراتية لتظهر مكانها زوجة ملكية عظمى تي/يوكاستا/يوكابد، أم الملك وزوجته في الوقت نفسه.

لكن مع استمرار مطابقة الروايات الثلاث، سنجدنا بحاجةٍ إلى العثور في الملاحم الأخرى، على نماذج متشابهة لذات الشخصيات الأساسية، مثل العراف الحكيم العجوز الأعمى تيرياس في أسطورة أوديب. فمن كان تيرياس في واقع أحداث العمارنة؟ ثم من كان في الملحمة التوراتية عن موسى؟ و«أدراستوس» ملك آرجوس حمو (بولينكيس ابن أوديب الأكبر) من كان في ملحمتي إخناتون وموسى؟ بل سنجد في الملحمة التوراتية شخوصًا غاية في الأهمية، مثل هارون ومريم شقيقي موسى، دون تواجد واضح لشخصيات مقابلة في الأصل المصري، أو في الملحمة الأوديبية. فمن كانا في تلك الملاحم؟

ثم الأهم من كل هذا تبقى ثغرات واضحة في نظريتنا، لا تحتاج جهدًا لكشفها وتتمثل في السؤال: كيف كان الفرعون إخناتون هو ذات شخص موسى، بينما المفترض أن موسى ثائر ضد الفرعون ودخل معه صراعًا جدليًّا، استُخدمت فيه أدوات مختلفة لإدارة الصراع، دمرت البلاد والعباد؟ ناهيك عن كون أوديب قد مات أعمى، وهو ما لم يحدث بالنسبة لموسى، بل على العكس تمامًا كانت التوراة تؤكد طوال الوقت أن موسى عاش ثاقب البصر صحيح العينين، طوال عمره الذي وصل إلى مئة وعشرين عامًا. ومعنى ذلك أيضًا أن إخناتون بدوره لا بد كان أعمى. وهو أمر بحاجةٍ إلى تيقُّن أو على الأقل ترجيح أكثر تماسكًا مما قدم فليكوفسكي. وعلميًّا من المستحيل على باحثٍ أن يجد جميع العناصر والتفاصيل الصغيرة بدقائقها ومنمنماتها، متطابقة تمام التطابق بين أصلٍ واقعي في حقل أحداث حدثت في مصر، ونسخة مروية من تلك الأحداث في كتاب موصوف بأنه مقدس، عمد محرروه إلى أكثر من استبعادٍ وأكثر من تزوير، لاستبعاد فكرة واستبقاء أخرى تتفق مع رؤيتهم القدسية. وفي عددٍ من ملاحم التراجيديا اليونانية على تنوعها وطبعها بجغرافية اليونان وعقائدها وأسماء أعلامها … إلخ. ومع ذلك سنحاول قدر الجهد ألا نرتكب في سبيل ذلك شططًا؛ لأنه سيظل هناك دومًا عناصر غير متطابقة بين الملاحم الثلاث. وهو أمرٌ يجب الاعتراف به بهدوء، تحاشيًا للَيِّ عنق بعض الحقائق في تفاسير متكلفة من أجل إثبات فروضنا، وهو الأمر الأبعد ما يكون عن مبتغانا وغايتنا.

بخصوص العراف الأعمى تيرياس في الملحمة الأوديبية — كمثال — والذي كان يعلم ملابسات استبعاد أوديب طفلًا، وجد فليكوفسكي أن نموذجه الواقعي في تل العمارنة كان هو العراف الحكيم العجوز الأعمى وراعي العميان «آمنحتب بن حابو»، الذي وصف في نصوص العمارنة بأنه: «عالم وثيق بأسرار تربية الأطفال الملكيين». لكنا لا نجد له نموذجًا مطابقًا في رواية التوراة عن موسى، التي قررت استبعاد كل ما يشير إلى أصول موسى المصرية، وضمنها ولا شك كان هذا العرَّاف، لكن ربما تسد لنا الرواية الإسلامية تلك الثغرة، فلدى المؤرخين الإسلاميين خبرٌ متواتر عن شخصٍ حكيم من حاشية البلاط الفرعوني زمن موسى، كان ناصحه الأمين والمدافع عنه في القصر، هو الذي جاء ذكره باسم «حزقيل مؤمن آل فرعون». ورغم أن الواضح في الاسم أنه عبراني بلا جدال، فإن المؤرخين المسلمين ما كانوا ليدققوا في هذا الأمر. ونفترض أنه مجرد تسمية موضوعة، لتحديد شخصية كانوا متأكدين من وجودها، أعطوها هذا الاسم على الاتفاق، وهو الرجل الذي جاءت بشأنه آيات القرآن تقول: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (الشعراء: ٢٠)،٢٣ وبهذه النصيحة هرب موسى إلى مديان، وهي رمزية استبعاد البطل الملكي الطفل صغيرًا إلى مديان، ثم إن «مؤمن آل فرعون» هذا هو من واجه الفرعون وملَئِه مُدافعًا عن موسى.

أما «أدراستوس» حمو «بولينكيس» في الملحمة الأوديبية، فلا نشك أنه كان «دوشراتا» بحذف السين الأخيرة من «أدراستوس»، فيتطابق الاسمان تطابقًا تامًّا (دوشراتا = أدراستو). ونحن نذكر أن دوشراتا حسب نظريتنا كان ملكًا ميتانيًّا ضمن الأحلاف الآدومية، وكان حليفًا لمصر يحكم في بلاد آدوم زمن العمارنة. وهكذا نفهم أن بولينكيس ومقابله المصري سمنخ كا رع بن إخناتون، قد لجأ إلى بلاط أخواله يستمد منهم المدد ضد أخيه توت، عندما انفرد دونه بالعرش. وهو في القصة التوراتية جرشوم ابن موسى الأكبر.

والطريف أن الاسم جرشوم يحمل دلالة ما حدث لصاحبه، ويبدو أن المحرر التوراتي وهو يؤرخ للأحداث بعد قرونٍ من حدوثها، قد رأى أن يختار لابن موسى الأكبر اسمًا يليق بما حدَث له، وهو دأب توراتي معلوم. فالاسم «جرشوم» في العبرية يعني غريب، وهو من الفعل العبري جرش أي طرد ونفي، فهو المطرود أو المنفي (انظر قاموس الكتاب المقدس).

وتقول الأسطورة اليونانية إن «أدراستوس»، هذا كان حاكمًا على مملكةٍ ضمن ممالك متجاورة متحالفة، وإن مملكته تدعى «آرجوس». ومن جانبنا نرجح أن آرجوس باسمها هذا أو بتلوينٍ مقارب، كانت ضمن ممالك آدوم الخمسة. وبالإمكان مطابقتها مع آخر تلك الممالك شمالًا على البحر الميت مباشرة، وتحمل حتى اليوم اسمها القديم صوجر أو سوغر. لكن الأهم أننا عندما بحثنا عن معنى الكلمة ومشتقاتها، وجدناها تحيلنا إلى بلاد العمالقة والماعز، والطبقات الاجتماعية المشردة والمأجورة التي تمارس النهب اللصوصية، إلى بلاد آدوم مديان، فكلمة آرجوس Argus اليونانية تعني «عملاق»، ومنها Argali وتعني «ماعز»، ومنها أيضًا Argot. وتعني اللغة السوقية التي تستخدمها فئة أو طبقة اجتماعية من المشرَّدين والمأجورين واللصوص وشُذَّاذ الآفاق، وهي المعاني التي اجتمعت في التاريخ لأخلامو آدوم.
لكن الإشكال الأكبر أمامنا هنا هو في شخصيتين هامتين تمامًا في القصة التوراتية، هما الشقيقان هارون ومريم، وقد لازما موسى في رحلة الخروج عبر سيناء. فمن كانا في الأصل المصري وفي النسخة اليونانية؟ إن هارون بالذات يعد مشكلة، فاسمه اسم سامي واضح العبرية، لكنه منسوب إلى مصر، فهو يتركب من ملصقين هما «هار» أي ربوة أو قبيلة أو رأس أو جبل + «أون»، وهو اسم مدينة عين شمس المصرية المعروفة، فاسمه يعني ربوة أون أو رأس أو سيد عين شمس، وهو ما يذكرنا بكاهن عين شمس أوزرسيف، الذي حدثنا عنه مانيتو ومن بعده يوسفيوس، كما أن اسم أوزرسيف نفسه يحيل إلى عين شمس، فهو اسم يعني لسان أوزيريس، أو شفة أوزير فهو «أوزر = أوزير + سيف وهي شفة بالعبرية وبالمصرية سب أو سف».٢٤ وأوزير كان أهم المعبودات الرئيسية في عين شمس كما هو معلوم. فربما كان هارون رفيقًا لأوزرسيف، وربما كان هو الوسيط العبري بين إخناتون وبين أسرى مدينة حواريس، سواء كان حقيقة أم اختراعًا اخترعته التوراة كمترجم. وهو الوسيط الذي لم يأتنا ذكره في الأصل المصري؛ لأن الأصل المصري عني بالأسرة الملكية وحدها، خاصة أن ظهور هارون كوسيط يبدأ دوره بعد خروج إخناتون منفيًّا من مدينته، ومن ثم إذا لم نجد أي ذكر في المدونات المصرية له فهو أمرٌ طبيعي؛ لأنه لم يكن قد ظهر بعد. وبالتالي لم يظهر أيضًا في ملحمة أوديب؛ لأنها قد استمدت وقائعها من مصر مباشرة وليس عبر التوراة؛ لذلك كان طبيعيًّا أن يظهر في التوراة وحدها. ولتأكيد إسرائيلية موسى ونفي أصله المصري، ابتدع لهما أصلًا واحدًا فهو شقيق موسى، وكلاهما إسرائيليان من بني عمران العبران. فإذا كان هارون وهمًا توراتيًّا — وهو المرجح لدينا — فماذا عن مريم بنت عمران؟

مريم وماريه وميرها وماري ومير ومريت وماريا، كلها تنويعات على كلمةٍ واحدة، تعني في المصرية القديمة ومختلف لغات الشرق الأوسط القديم: البقرة، والبحر. وقد غلب عليها معنى البقرة الجميلة وساد وتأسس. ولدينا في العمارنة «مريت-آتون» تطابقها اسمًا لكن تخالفها كيفًا، فمريم كانت شقيقة موسى، لكن مريت آتون كانت ابنة إخناتون وليست شقيقته. ومقابلها اليوناني هي أنتيجوني ابنة أوديب وليست شقيقته، فالحالة الوحيدة النشاز بين الحالات الثلاث هي حالة التوراة التي قالت إن مريم شقيقة موسى وليست ابنته.

وتقول الرواية اليونانية إن أنتيجوني عندما دفنت أخاها بولينكيس، تم دفنها هي بدورها حية في كهفٍ صخري، عاشت فيه حبيسة حتى ماتت. وقد طابق فليكوفسكي تلك القصة مع أحداث العمارنة، واعتبر أنتيجوني هي مريت آتون زوجة أخيها سمنخ كا رع الابن الأكبر لإخناتون. ويقابل بولينكيس الابن الأكبر لأوديب. ونعلم أن سمنخ كا رع لم يحكم سوى عامٍ واحد بعد خلع أبيه إخناتون، تنازل بعده عن العرش لأخيه حسبما وصل إليه فليكوفسكي، لكن أخاه أتيوكليس/توت رفض التنازل عن العرش لأخيه حسب الاتفاق، فلجأ بولينكيس/سمنخ كا رع إلى أدراستوس (دوشراتا/ذو الشرى) ملك آرجوس في مديان، واستمدَّ منه المدد العسكري ضد أخيه وضد جيش بلاده، فاستحق اللعنة بعد الموت. وحكم عليه خالهما آي الذي أمسك بزمام الأمور بعدم الدفن، لكن زوجته التي هي شقيقته أنتيجوني/مريت آتون دفنته، فاستحقت بدورها اللعنة والدفن حية. والرواية اليونانية تؤكد أن بولينكيس قد ذهب من طيبة إلى البلاد التي نفي إليها والده، وبهذا المعنى يكون الأب المخلوع والابن المخدوع قد الْتَقيا في مديان. ومن الطبيعي أن تلازم أنتيجوني/مريت/آتن زوجها، فتذهب بدورها إلى مديان، لنجدها هناك بصحبة أبيها أوديب/إخناتون. وهو ما يطابق وجود شخصية مريم بجوار موسى في مديان، التي ربما عادت إلى مصر مع زوجها المطالب بعرشه حيث يموت في المعركة، ثم تحبس هي حية في كهفها الصخري، وهو الذي رمزت له التوراة بغضب موسى عليها، بعد أن عيرته بزواجه من المرأة الكوشية، فضربها الرب بالبرص فتم عزلها وحدها (سفر العدد، إصحاح، ١٢: من ١٥: ١)، تعبيرًا عما حدث لها في طيبة المصرية بعزلها في كهفٍ هو مقبرتها. كذلك أقرت الأسطورة اليونانية بذلك عندما أكَّدت أن أنتيجوني قد عادت إلى طيبة، وحضرت المعركة بين أخويها وجيوشهما.٢٥ ويبقى السؤال: كيف كان الفرعون إخناتون هو ذاته موسى رغم أحداث الصراع الطويل، الذي أوردت التوراة تفاصيله بين الفرعون المتأله وبين موسى الثائر؟

يتفق فليكوفسكي وأحمد عثمان ونحن معهما، على أن المصريين قد استعانوا بشتى القوى السماوية والأرضية، لعزل الفرعون بكل ما له من قدسية؛ ولأنه ما كان بالإمكان اتخاذ قرارات أكثر صرامة مع مثل ذلك الرمز المقدس، فقد تم نفيه إلى منطقةٍ منعزلة رآها أحمد عثمان عند قلعة «شور/زارو/سيله» على مختلف التنغيمات، حيث كان يعيش بقايا الهكسوس الأسرى وبني إسرائيل. ونذهب من جانبنا إلى أن هذا النفي قد تم تحديدًا إلى القصر الفرعوني الصيفي، الواقع في مدينة الهكسوس القديمة حواريس على حدود الدلتا الشرقية مع سيناء، وقد قمنا بتدقيق هذه المواضع جغرافيًّا في الجزء الأول من هذا العمل.

وفي حواريس عاش المصريون المنفيون بحكم القانون، من نهابين وقطاع طرق وموظفين مرتشين وعسكر عصاة، إضافة للإسرائيليين المأسورين هناك، ليذهب إليهم الفرعون وحاشيته وأتباعه المؤمنون بدعوته. لكن بالطبع ليسكن الفرعون القصر، فهو قيمة قدسية حتى لو تم عزله ونفيه، ووصول إخناتون وحاشيته إلى حواريس، يطابق وصول أوزرسيف عند مانيتو، ومن نقل عنه من المؤرخين الكلاسيك إلى حواريس.

وبالطبع لم يعلم مانيتو إطلاقًا بأسرة العمارنة التي محاها المصريون من تاريخهم؛ لذلك كان ينتقل فورًا من آمنحتب الثالث إلى حور محب باحتسابه ابنه المباشر؛ لذلك لم يربط مانيتو بين إخناتون وبين أوزرسيف. وإذا كان أوزرسيف عند مانيتو كاهنًا للشمس من عين شمس، فإننا نعلم أن إخناتون قد قضى ردحًا من عمره في مدينة أون/عين شمس، لينال من ثقافتها الرفيعة، وربما قد منح لقب أوزرسيف هناك كرتبةٍ كهنوتية عالية الشأن، ثم إن مدينته نفسها أخت آتون التي بناها شرقي النيل بين المنيا وأسيوط، فإنها أيضًا، تعني ضمن ما تعني، مدينة الشمس؛ لأن ربها آتون كان هو الشمس ذاتها.

ولو سلمنا بكلام مانيتو دون مناقشة، فسيفرز نتائج لا تتسق مع المقدمات؛ لأن كهنة عين شمس بالذات كانوا أشد الكهنة حرصًا على التقاليد المقدسة، بينما كان أوزرسيف ثائرًا على كل التقاليد، خاصة تلك التي أرستها مدرسة أون/عين شمس. ولا تنطبق تلك العقائد الجديدة التي يرويها مانيتو منسوبة إلى أوزرسيف، إلا على شخص واحد هو الفرعون المارق إخناتون. ثم إنه وحده وليس أي كاهن آخَر صاحب المبرر في اختيار حوايس كمنفًى؛ لأن هناك سيجد من يمكنهم الالتقاء ثقافيًّا بما يدعو إليه.

ونستعيد هنا ما دونه يوسفيوس نقلًا عن مانيتو بشأن فتنة أوزرسيف؛ إذ يقول: «إن الهكسوس تركوا منهم بقايا لم يستطيعوا الفرار، فوقعوا أسرى بيد المصريين حيث سيموا العذاب الطويل. وفُرضت عليهم السخرة انتقامًا منهم. وبعد أن قضى أولئك الذين أرسلوا للعمل في المحاجر، زمنًا طويلًا على تلك الحالة البائسة، طلبوا من الملك أن يخصِّص لهم أفاريس Avaris — وكانت قد خوت على عروشها، بعد أن تركها الرعاة الهكسوس — لتكون لهم مسكنًا ووقاءً، فاستجاب للرغبة وحقَّقها لهم. والواقع أن هذه المدينة كانت مدينة الإله تيفون Typhon سيت وفقًا للديانة القديمة، لكن لما دخلوها ووجدوا المكان صالحًا لإشعال الثورة، أقاموا على أنفسهم من بين كهنة هليوبوليس/أون/عين شمس/حاكمًا عليهم، وأعطوه العهد أن يطيعوه في كل شيء. وكان أول ما فعله أن سن لهم هذه الشريعة، التي بموجبها حرم عليهم أن يعبدوا آلهة المصريين، وأن يمسكوا عن عبادة أي حيوان من تلك الحيوانات المقدسة، التي يعظمها المصريون أيما تعظيم. بل أمرهم أن يقتلوها ويدمروها جميعًا، كذلك نهاهم أن ينضموا لغير رابطتهم. وبعد أن وضع لهم أمثال هذه الشرائع المعادية في أغلبها لعادات المصريين، أمرهم أن يستخدموا ما يملكون من سواعد كثيرة لبناء سور حول المدينة، وأن يعدوا أنفسهم القتال الملك أمنوفيس/آمنحتب Amenhotep. أما هو نفسه فأنشأ صداقات مع الكهنة الآخرين، ومن كانوا قد أفسدوهم، وأرسل السفراء إلى الرعاة الهكسوس الذين كان تثموزيس، قد طردهم من البلاد إلى أورشليم. وعن طريق السفراء أبلغهم بأحواله وأحوال أولئك الذين عوملوا بكل تلك الشناعة، وطلب إليهم أن تجتمع كلمتهم على أن يخفوا لمساعدته في حربه ضد مصر. كذلك وعدهم أنه سيبادر إلى إعادتهم إلى مدينتهم ودولتهم القديمة أفاريس، وأنه سيمون جموعهم بالغذاء وبأنه سيحميهم، ويقاتل من أجلهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وأن في ميسوره أن يخضع البلاد لسلطانهم. وقد اغتبط هؤلاء الرعاة بهذه الرسالة أيما اغتباط، وخفوا على وجه السرعة، وكان عددهم ٢٠٠٠٠٠ رجل، وبلغوا أفاريس في وقتٍ قصير.»٢٦ وكان هذا ما أمكن تسميته الغزوة الهسكوسية الثانية الفاشلة، التي نرجح وقوعها إبان حكم الفرعون آي، منذ وصايته على العرش حتى ولايته الرسمية، وهو ما سنعرج عليه بالشرح فيما بعد.

وكان هرمبيس أو حور محب هو القائد العسكري للجيوش المصرية، التي تصدت للغزوة الهكسوسية الثانية، وهو القائد العسكري الذي قضى نهائيًّا على أسرة العمارنة، بعد اختفاء آخر فراعنتها «آي»، الذي لم نعثر له على مومياء حتى الآن، وأسس الأسرة التاسعة عشرة الحاكمة.

ويكون حور محب هو قائد الجند الذي طرد هؤلاء، ذلك الطرد الذي أسمته التوراة خروجًا، ثم بعد ذلك صار فرعونًا عرف برقته الشديدة، وبعدله مع المصريين وبقسوته الشديدة إزاء الأجانب، وإذا كان آي كما نزعُم هو فرعون الخروج؛ فإن ذلك يفسر لنا ما جاء في المأثور الإسلامي والقرآن، عن شخصيتين أساسيتين في قصة موسى والخروج؛ الأولى هي الفرعون والثانية شخصية تلي الفرعون أهمية هي شخصية هامان. وقد طابقنا شخصية كرايون مع شخصية آي مع شخصية الفرعون المقصود. فإذا كان ذلك صحيحًا فلا شك إذَن أن هامان كان هو هايمون ابن كرايون/آي ومساعده الأول. ويبدو أنه كانت تتم تهيئته لتسلم العرش، لكن هايمون مات مبكرًا عندما انتحر على أسوار طيبة إبان المعركة، فقدَّم نفسه قربانًا لنصر بلاده ضد الغزاة الذين جاءوا ينصرن بولينكيس ضد أخيه أتيوكليس.٢٧ وربما كان ذلك هو السبب الذي هدى بالأب إلى الحقد المميت على سمنخ كا رع، الذي تسبب في موت ابنه هايمون/هامان، وفي تكريم توت عنخ آمون كل هذا التكريم في كنوز قبره.

وقد علمنا أن ذلك الأثاث الجنازي الفاخر الهائل بمدفن توت عنخ آمون كان مخصصًا للفرعون آي، ويبدو أنه قد قرر تخصيصه لولده هامان أو هايمون لما أقدم عليه، ولكنه منح هذا الجهاز الجنازي للملك توت عنخ آمون، الذي قدم بدوره نفسه فداء لبلاده عندما مات، وهو يحارب أخاه والغزاة.

ملحوظة

إبان تبييض هذا الجزء من العمل طالعتنا صحيفة روز اليوسف بتاريخ ٢٨ أبريل ٩٧ ص٢٩ بالخبر التالي: «عالم المصريات بوب براير الذي يزور القاهرة حاليًّا، اكتشف خلال الأبحاث التي أجريت على جثة توت عنخ آمون، باستخدام أشعة إكس أنه مات مقتولًا». وبعدها بأيامٍ طالعتنا صحيفة الأخبار القاهرة يوم ١١ مايو ٩٧ تحت عنوان: «سكوتلانديارد تحقيق في مقتل توت عنخ آمون»، في موضوع يقول في مقدمته: «عادت الوفاة الغامضة لفرعون مصر الشهير توت عنخ آمون، لتثير من جديدٍ اهتمام العالم، ولكن باعتبارها جريمة قتل يتعين مشاركة رجال الشرطة وخبراء علم الإجرام لكشف ملابساتها … وصرح الدكتور إيان إيشرود عالم الأشعة البريطاني، بأن تحليلات الأشعة على جمجمة الفرعون، كشفت عن وجود جرح عميق غير ظاهر في الخلف، مرجحًا أن سببه هو ضربة على الرأس، أدَّت إلى الوفاة، في حين توصل ضابط سكوتلانديارد السابق، إلى أن الذي نفذ الوفاة هو إما آي وزير توت عنخ آمون، أو حور محب قائد الجيش أو كلاهما معًا.»

هذا ما كان الخبر والاحتمالات والتساؤل عن القاتل، وما يشغلنا اكتشاف أنه مات مقتولًا، وتبقى لنا اجتهاداتنا بشأن القاتل.

ويؤكد لنا أن الهجمة الهكسوسية الثانية الحليفة لإخناتون وولده المنفيين، قد حدثت زمن آي، وأن آي هو فرعون الخروج، أننا أبدًا لم نعثر على مومياء «آي» حتى الآن، كما أن هناك صفة لحقت بآي لا مبرر لها في وثائقه على الإطلاق، غير ما نقول نحن هنا، وهي فيما يقول قدري: «الشيء الملفت للنظر هو وصف الملك آي، بأنه المنتصر على آسيا.»٢٨ ثم نص مصري آخر لشاعر كان يكتب قصائده في حقبة العمارنة. ويلخص عبد المنعم أبو بكر قصة هذا النص بقوله إنه «كتبه أحد كهنة معبده الذي شيد لآمون في طيبة، ويحوي النص ابتهالات لآمون، ثم يسرح الشاعر ببصره إلى مستعمرات مصر في آسيا القريبة، فيجدها قد تضاءلت وذهب معظمها إلى حد محاولة الاعتداء على مصر نفسها.»٢٩ وهو ما يؤكده الغزوة الهكسوسية الثانية التي نشير إليها.
وتتواتر الأخبار الغامضة عن هذا الاعتداء على مصر في نهاية فترة العمارنة، فيشير جاردنر إلى هجومٍ يصفه بأنه ربما كان حيثيًّا، وذلك استنتاج يربط بين قتل المصريين للأمير الحيثي القادم للزواج من الأرملة الملكية المصرية بناء على طلبها، وبين الأخبار الغامضة عن الهجوم الأجنبي على مصر. ويقول جاردنر في ذلك: «وأخيرًا أرسل الأمير الحيثي الصغير، لكنه قُتل في الطريق، وقد كان من أثر ذلك إشهار الحرب على مصر، وإن كنا لا نعرف شيئًا من هذا عن طريق المصادر المصرية.»٣٠

ويقصد جاردنر أن مصدر تلك المعلومة هو آثار بوغاز كوي الحيثية.

ويزيدنا تأكيدًا على تأكيد بشأن الغزوة الثانية، أن حور محب قائد الجيش المصري إبان حكم العمارنة، قد جاء عنه نص في نقشٍ يرجع إلى زمن توت عنخ آمون، يقول فيه: «إنه كان يحرس قدمي سيده في ميدان القتال يوم ذبح الآسيويين.» بل نعلم أن الملك توت قد حارب الآسيويين، وذلك في نقشٍ على جدار صندوقه الملون، ثم نشاهد نائبه حوى يتلقى جزية من أشخاص «ذوي سمات آسيوية وسمات زنجية».٣١
كذلك يقول أحمد عثمان: «ونحن نعلم أن حور محب هو الذي حوَّل منطقة جاسان إلى سجنٍ كبير، وهو الذي قضى على الثورة الدينية في مصر.»٣٢
وعلى ظهر تمثال حور محب المعروض حاليًّا بمتحف Turin، مرسوم تتويجه فرعونًا، ويتضمن فقرة تقول:

لقد أخذ الملك يبحث عن مرابض الآلهة ومعابدها التي أصبحت خرابًا، وقام بإصلاحها وترميمها حتى أصبحت في نفس الشكل الذي كانت عليه في العصور القديمة، وأوقف عليها القرابين المنتظمة كل يوم، كما زيَّن هياكلها بالذهب والفضة، وعيَّن لها الكهان العاديين والكهان المرتلين، الذين اختارهم من الصفوة الممتازة من رجال الجيش.

كما جاء بنص هذا المرسوم القول:
إن كل المعابد من طرف الأرض حتى طرفها الآخر، قد هُجرت وسقطت محاريبها وهياكلها، وتحوَّلَت إلى خرائب، ولم يحدث لها مثل هذا من قبل أبدًا.٣٣
لكن جاردنر يلفت النظر إلى إشارةٍ هامة، رغم عُجالتها في ذلك النص فيقول: «وهناك إشارة عابرة إلى استدعائه للقصر الملكي حين حلَّ الغضب بالقصر.» ويوضح أن ذلك قد حدث إبان حكم العمارنة، وأنه زمن إخناتون وأخلافه، كان نائبًا للملك يدير الحكومة في شمال البلاد.٣٤
ولعل لعبارة: «حين حل الغضب بالقصر»، تفصح عن حدث إسقاط الفرعون. ويحيطنا «شتيندورف» علمًا أن: «حور محب استطاع أثناء حكمي إخناتون وتوت عنخ آمون، أن يرتقي أعلى المناصب فأصبح القائد العام للجيش. وبصفته نائبًا للملك كان يحتل المركز الثاني في الإمبراطورية بعد الملك نفسه … ولم يتحول حور محب مطلقًا إلى ديانة آتون، بل ظل في منف، حيث يقيم مواليًا للآلهة القديمة … ومن المحتمل أن الفضل الرئيسي يعود إلى حور محب في المحافظة على سلامة البلاد، ومنعها من التمزق كليةً خلال الأزمة العاصفة. ومن المحتمل أيضًا أن حور محب هو الذي أحبط الخطة الجسورة، التي دبَّرتها الأرملة الملكة نفرتيتي للزواج من أميرٍ حيثي.»٣٥
ويبدو أن حور محب بالإضافة إلى أنه كان رجل العسكرتاريا المصرية الأول حينذاك، فإنه قد تمتع بقدرٍ من المرونة السياسية الماكرة، وانتظر الدور والوقت المناسب ليقفز على العرش، فرغم عدائه لفرعون العمارنة ولدعوته؛ فإنه لم يسفر عن هذه العداوة مطلقًا، بل كان يحاول الظهور بمظهر المنفذ الأمين لأوامر الفرعون. وترك العرش يخرج من يده إلى يد العجوز الداهية آي، بعد أن فرض وصايته على الطفلين سمنخ كا رع وتوت، ثم استولى بموتهما المبكر على العرش، وفي ذلك يقول (سيل) و«شتيندورف»: «بينما استطاع آي بزواجه من أرملة توت عنخ آمون، أن يظهر باعتباره المرشح الممكن الوحيد، فعلى أية حال سواء بانتفاء حق آي في العرش بعد وفاتها، أو بالقضاء على الملك العجوز نفسه نتيجة لثورة، أحس حور محب أن اللحظة الحاسمة قد وصلت لارتقائه العرش، فقام بمشيئته الخاصة، أو ربما بمشيئة كهنة آمون أيضًا، بالزحف على رأس جيشه إلى طيبة، وهو يتلقى استقبالًا حماسيًّا من الجماهير المبتهجة في كل مدينة يتوقف بها في طريقه. وكان أعظم استقبال بالطبع في العاصمة؛ لأن الإله حورس رافقه شخصيًّا إلى طيبة، ليقدمه في حضرة آمون ويسبغ عليه المنصب الملكي … وبعد انتهاء حفلات التتويج في طيبة، عاد الملك إلى الشمال وبدأ في القضاء على آخر ذكريات الثورة الدينية، وإزالة كل ما يذكِّر بإخناتون وخلفائه المباشرين توت عنخ آمون وآي، فطمس أسماءهم بلا رحمة من على الآثار، واستبدل بها اسمه حور محب، وواصل هذا الاضطهاد إلى نهايته لدرجة أنه لم يعُد للهراطقة الأربعة «إخناتون، وسمنخ كا رع، وتوت عنخ آمون، وآي» أي ذِكر، كما لم يوجدوا … ومُحيت مُدد حكمهم من وفاة آمنحتب الثالث لحور محب، وتم تدمير معبد آتون تدميرًا تامًّا، وتمت تسويته بالأرض (بالكرنك/المؤلف) … وبعد حكم استمرَّ نحو ٣٥ سنة مات حور محب، ودفن في مقبرةٍ لم تتم بوادي الملوك، وخلفه على العرش رمسيس الأول.»٣٦
ويعقب سيرل آلدريد قائلًا: «إن ما قام به حور محب لم يزد كثيرًا عما كان يقوم به سلفاه، فإنه للأسف اغتصب آثارهما التي صنعاها أصلًا لتمجيد عبادة آتون، ومحا اسميهما من قائمة الملوك الرسمية، بحيث يظهر حور محب كما لو كان هو الفرعون الذي خلف آمنحتب الثالث مباشرة … وقد بذلت كل الجهود لاقتلاع أي ذكرى لإخناتون من أذهان الناس، وعندما كان الأمر يستدعي الإشارة إليه كانت ينعت بأنه: مجرم أخت آتون، أو ببساطة: المجرم.»٣٧ وهكذا أكد لنا المؤرخون أن حور محب قد «أرخ بداية حكمه ابتداء من وفاة آمنحتب الثالث، كما لو كان آمنحتب الرابع وسمنخ كا رع وتوت عنخ آمون وآي، لم يكن لهم أي دور أو وجود في التاريخ المصري القديم.»٣٨ ومن جانبنا نرى أن أحداث الخروج الإسرائيلي من مصر، ليس لها أثر في الآثار المصرية لهذا السبب تحديدًا؛ لأنها وقعت آخر زمن حكم العمارنة، الذي قرر المصريون نسيانه بكل أحداثه وتفاصيله كأنه لم يكن، ودمروا كل المدونات التي كان من الممكن أن تشير إليه أو إلى الأحداث التي تمت إبانه.

لهذا يقول لنا جاردنر إننا لا نجد مثلًا في تاريخ مانيتو أي ذكر لأي ملكٍ من ملوك العمارنة، بل يبدو هذا المؤرخ المصري الجليل جاهلًا تمامًا بهذا الأمر وبهذه الأسرة الحاكمة، بعد عمليات المحو المنتظم لها من التاريخ، وعادة ما كان المصريون لا يمحون من تاريخهم سوى الأسرات الحاكمة غير المصرية كما فعلوا مع الهكسوس. ويبدو أن الدم الميتاني/المدياني الذي كان يجري في عروق العمارنة، كان مبررًا كافيًا لاستبعادهم من التاريخ المصري المدون بحسبانهم أجانب، وبحسبان هذا الدم ذاته كان معلومًا بحسبانه دمًا هكسوسيًّا.

وقد ذكر المؤرخ الفلسطيني الكلاسيكي «يوسابيوس» حور محب مرتين في ترتيبه لملوك مصر، المرة الأولى باسم «أورس» وواضح لنا أن «يوسابيوس» ذكر هنا الشق الأول من اسم حور محب وهو «حور»، بعد أن أعطاه التصريف اليوناني فأصبح «حورس أو أورس». وقد وضعه «يوسابيوس» مباشرة بعد آمنحتب الذي وصفه بأنه «آمنحتب المشهور المعروف بعلاقته بالتمثال، الذي عرفه اليونان باسم ممنون الصوتي». ثم ذكر يوسابيوس حور محب مرةً ثانية باسم «أرمايس»، مختصرًا فيما يبدو لنا اسم حور محب في «حور إم»، بدلًا من اسمه المصري الأصلي الكامل «حور-إم-حب»، ثم أضاف إليه التصريف اليوناني فأصبح «حورمايس» أو «أرمايس»، ويؤكد لنا جاردنر أن قائمتي الملوك في أبيدوس وسقارة، قد تجاهلت تمامًا إخناتون وخلفاءه الثلاثة الذين وصموا بالآتونية الكافرة، وأن القائمتين قد وضعتا حور محب مباشرة بعد آمنحتب الثالث.»٣٩

وشأن يوسابيوس هنا بحاجةٍ لتوضيح، فهو يضع حور محب مباشرة بعد فرعون معروف مشهور باسمه آمنحتب، وأن هذا الفرعون له علاقة بتمثال ممنون الصوتي. فإذا علمنا أن ممنون هو الاسم الذي أطلقه اليونان على تمثالين، أقامهما آمنحتب الثالث لنفسه عند مدخل معبده الجنائزي المندثر، فيكون آمنحتب المقصود عند يوسابيوس هو آمنحتب الثالث تحديدًا وبالقطع اليقيني.

وحول تمثالي ممنون نستمع إلى شتيندورف وسيل يقولان: «والتمثال الشمالي منهما كان من المعتقد في أزمنة الرومان، أنه تمثال ممنون بن أيوس Eos، أورورا ربة الفجر. والآن كما تمضي الأسطورة قائلة يجلس ممنون الراحل كتمثال حجري على سهل طيبة، ويحيي أمه أيوس كل صباح عندما تظهر في الفجر. وعندما تسمع الربة نحب ابنها تذرف دموعها، ندى الصباح على تمثال ابنها المحبوب. وقد شهد كثيرٌ من زوار الرومان في مخربشات تركوها على قاعدة التمثال الكبير أنهم سمعوا صوت نحيب ممنون. وقد قيل لتفسير هذ الصوت إنه كان يحدث نتيجة للسخونة المفاجئة للتمثال — الذي تشقق بفعل الزلازل — بسبب أشعة الشمس الحارقة. وهي عملية تحدث سريعًا في جو مصر الصحراوي الجاف، فتتمدد جزئيات الصخر داخل التمثال فتخرج هذه النغمات الموسيقية، التي فسرها الأقدمون هذا التفسير الشاعري. وعلى أية حال فعندما رمم التمثال في زمن الإمبراطور سبتيموس سيفيروس، صمت صوت ممنون ولم يعد يُسمع بعد ذلك.»٤٠
وربة الفجر في المصرية القديمة أو الفجر بالأحرى هو بالمصرية القديمة آمو Amu أو عامو، وهي الكلمة التي تعني أيضًا الشرق كما تعني العامو الآسيويون، وكلها معانٍ تحيل إلى شرقي مصر حيث العامو الآسيويين، وهو ما يفصح عن معرفة الأقدمين أن أم ممنون/آمنحتب الثالث كانت من العامو، كانت ميتانية أو مديانية. وهي التي عرفناها باسم «موت أم أويا» أو «موتا ميا»، وحرفا الميم والنون يتبادلان، فهل كان اسمها هو «مديانية»؟! ربما … لكن الأسطورة اليونانية اختارت لام ممنون اسمًا آخر شديد الدلالة، هو «أيو» الذي يحيلنا إلى أنثى الإله ياهو.
[انظر شكل رقم «٢٢٤»]

السؤال الأهم الذي يعترض نظريتنا مرَّة أخرى، ما زال كما هو: كيف يمكن احتساب الفرعون إخناتون هو بعينه النبي موسى؟ بينما نعلم من قصة التوراة أن موسى كان الإسرائيلي الثائر على الفرعون، وأنه دخل معه في جدلٍ طويل، مما يعني أنهما لا بد كانا شخصين متمايزين عن بعضهما تمامًا.

نستضيء هنا بالقرآن رغم اختلاف موسى القرآني كنبي كريم عن موسى التوراتي، فنجده يضيف أمرًا جديدًا أبدًا لم تذكره التوراة ولا حتى ألمحت له، وهو أن فرعون موسى كان قد ألَّه ذاته وأمر الناس بعبادته من دون رب السماوات، وهي معلومة لا بد قد تواترت حتى وصلت عرب الجزيرة وعرفوها وفهموها. وهنا نستمع إلى «شتيندورف» و«سيل» يقولان: «بالرغم من أن الملك كان يُعد إلهًا، إلا أنه نادرًا ما كانت هذه الفكرة تصل إلى نهايتها المنطقية، أي عبادة الفرعون كإله في معابد أقيمت بهدف مزاولة عبادته المقدسة.» ومن بين الفراعين الذين نعلم أنهم قد ألهوا ذواتهم، وطلبوا من رعاياهم عبادتهم، وأقاموا المعابد لذلك الغرض، الفرعون رمسيس الثاني المظنون أنه فرعون الاضطهاد الإسرائيلي، لكن هناك حالة أخرى واضحة يشير إليها شتيندورف بقوله: «وهناك استثناءات جديرة بالذكر، مثلما كان يجري في معبد صولبا Soleb بالنوبة، حيث كان آمنحتب الثالث يعبد باعتباره الصورة الحية لرع على الأرض. كذلك في مدينة سيدنجا Sedeinga النوبية، حيث كانت الملكة تي تلقى تكريمًا مشابهًا في محراب بُني خصيصًا لعبادتها.»٤١

وهكذا يكون آمنحتب الثالث والد إخناتون أحد الحالات النادرة، التي أله فيها الفرعون نفسه وأنشأ معابد لعبادته بالفعل، وطلب من رعاياه عبادته باعتباره إلهًا.

والكتاب المقدس كان يشير إلى ملك مصر، زمن موسى باللفظ فرعون خلوًا من أي تمييز، كما لو كان «فرعون» هذا ليس لقبًا ملكيًّا كما نفهم، بل يبدو كما لو كان اسم علم لشخص، والمؤرخ هيرودت يذكر لنا أن ملكًا على مصر قد حمل اللفظ فرعون كاسم له وليس لقبًا. ويقول إنه فيروس أو فيرون ابن الملك سيزوستريس الشهير. لكنا للأسف الشديد ليس لدينا أية إشارات إلى من يكون سيزوستريس بين ملوك مصر، حيث لم يرد هذا الاسم إطلاقًا في قوائم الملوك المصرية. ونص هيرودت بهذا الخصوص يقول عن سيزوستريس: «بعد ذلك عاد الملك إلى بلده وانتقم من أخيه، ثم شرع يستخدم الجموع الذين أحضرهم معه من البلاد التي غزاها، في نقل كتل الصخر الضخمة التي نقلها إبان حكمه إلى معبد فولكان «آمون» … ولم يكُن سيزوستريس ملك مصر فحسب بل وملك إثيوبيا أيضًا، وكان هو الملك المصري الوحيد الذي حكم ذلك القطر الأخير. ومن الآثار التي تركها تخليدًا لذكرى حُكمه، تلك التماثيل القائمة أمام معبد فولكان، اثنان منها يمثِّلانه هو وزوجته، وارتفاع كلٍّ منهما ثلاثون ذراعًا … وقال الكهنة إنه بعد موت سيزوستريس اعتلى العرش ابنه فرعون، ولم يقم هذا الملك بأية حملات حربية؛ إذ أصابه العمى بسبب هذه الظروف، في إحدى السنوات ارتفع ماء النيل ارتفاعًا غير عادي، حتى وصل إلى ثمانية عشر ذراعًا وأغرق الحقول، وتصادف أن هبت الريح فجأة فارتفعت المياه في موجاتٍ عظيمة، عندئذٍ استبدَّت بالملك نزوة إلحاد، فأمسك رمحه وقذفه في وسط اللجج العاتية، وفي الحال أصابه مرض في عينيه، انتهى إلى إصابته بالعمى بعد فترةٍ وجيزة.٤٢
وقد ذهب الباحثون إلى أن شخصية سيزوستريس، تطابق شخصية الفرعون رمسيس الثاني، الذي افترضوه فرعون الاضطهاد اعتمادًا على تشابه بين أحد ألقاب رمسيس الثاني (سيتي) وبين الاسم سيزوستريس؛ ولأنه سخر الأجانب في حمل الأحجار، وهو ما يطابق قصة الاضطهاد الإسرائيلي؛ ولأن ابنه حمل لقب فرعون كاسم، وهو ما يطابق رواية التوراة عن ملك الخروج المصري باسم «فرعون». وقد احتسب تيار كبير من المؤرخين أن فرعون هذا هو مرنبتاح بن رمسيس الثاني صاحب لوح إسرائيل. وبهذه الدلائل تم التسليم بأن سيزوستريس، هو ذاته رمسيس الثاني المفترض أنه فرعون الاضطهاد، وأن ولده «فرعون» هو مرنبتاح، المفترض أنه فرعون الخروج، لكن لأننا أبدًا لم نقتنع بذلك، فقد رجعنا ندقق فوجدنا استرابون، يرفض أن يكون سيزوستريس هو حرمسيس ميامون (ميامون لقب خاص برمسيس الثاني)؛ لأنه حكم ٦٦ سنة بينما سيزوستريس حكم ٤٨ سنة؛ لذلك وضعه بعد فرعون باسم «أمانمس»؛ ولأن آخرين رفضوا مع استرابون أن يكون سيزوستريس هو رمسيس الثاني، فقد وضعوا افتراضات منها أنه ربما كان سنوسرت الأول أو ربما سنوسرت الثالث.٤٣

ومع التضارب حول شخص الفرعون سيزوستريس، رجعنا إلى رواية هيرودت نتفحصها: الملك سيزوستريس عند هيرودت أقام تماثيل أمام معبد له ولزوجته، وكان ارتفاع كلا التمثالين واحدًا حوالي ثلاثين ذراعًا، ونحن نعلم أن رمسيس الثاني قد سار على السنة التقليدية لتصوير الفراعين، فصور زوجته بحجمٍ ضئيل تقف بين رجلي تمثاله، ولا تصل قمة رأس تمثالها إلى ما أسفل ركبتيه. بينما هناك حالة واحدة نادرة بين تلك التماثيل الكبيرة، تم فيها تصوير زوجة الملك بذات حجم الملك، وكان ذلك أول خروج على المألوف في التقاليد المصرية القديمة. وتلك الحالة هي تمثالا الفرعون آمنحتب الثالث وزوجته تي الموجودان الآن بالمتحف المصري.

 [انظر الشكل رقم «٢٢٥»]
figure
شكل رقم «٢٢٦»: الطريقة المصرية التقليدية في تصوير الملكة بالنسبة للملك بحجمٍ ضئيل بين سيقانه، ولا تصل قامتها إلى ركبتي الملك. والمشهد لرمسيس الثاني في أربعة تماثيل متجاورة. قارن مع تمثالي آمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي.
وحسبما وصل استرابون من معلومات عن تمثالي ممنون قال: «أحدهما لآمنحتب الثالث والآخر لزوجته الليبية تي»،٤٤ لقد كان استرابون يعرف أن تي غير مصرية، وأنها أيضًا بدوية، لكنه لم يتمكن من نسبتها لبدوها الحقيقيين في سيناء، فنسبها لبدو الساحل المعروفين باللوبيين آنذاك، باعتبار ساحل المتوسط الأفريقي كان يسمى عند اليونان بالساحل الليبي.
ويقول هيرودت: «وحين مات سيزوستريس خلَفه ابنه فيرون، وهو أميرٌ لم تكن له مغامرات عسكرية، وقد خلف فرعون أحد مواطني ممفيس.»٤٥ ونحن نعلم أن مرنبتاح قضى أيامه الملكية في معارك عظيمة، لا تطابق تلك القصة إطلاقًا، بينما يمكن للقصة أن تطابق إخناتون وشخصه الحالم الكاره للحروب. ثم إن الذي خلف مرنبتاح الملك ستي الثاني، وهو بالطبع ليس من مواطني ممفيس. أما الذي خلف إخناتون (بإسقاط أسرة العمارنة) هو حور محب، الذي قضى حياته على رأس كتائبه في ممفيس، بعيدًا عن الصراع الدائر في العمارنة. هذا ناهيك عن أمر مقطوع به، وهو أن أقدم نص موثوق يشار فيه إلى ملكٍ مصري، تم تدوين اسمه فقط بالصيغة فرعون، هو النص الذي يشير إلى إخناتون في دعاءٍ يقول: «بر-ع. و ع ن خ. و د أ. س ن. ن ب» أي: «فرعون له الحياة والسلامة. الرب» أو «طويل العمر فرعون».٤٦
ثم لا نجد ذلك مثل ذلك، ولا بعد ذلك أبدًا إلا مرة واحدة، حدثت في عهد الشناشقة من الأسرة الثانية والعشرين، يذكر فيه لقب فرعون مقرونًا باسم الملك الشخصي، حوالي أوائل الألف الأولى قبل الميلاد.٤٧
فإذا كان فرعون المقصود هو إخناتون، فلا بد أن يكون سيزوستريس هو آمنحتب الثالث، ووفقًا لسترابون أن الملك ممنون (الاسم اليوناني المقابل لآمنحتب الثالث)، كان ابن «سيزيا» وأنها كانت من مدينة بذات الاسم فهي من «سوز». ويبدو لنا أن استرابون قد خلط بين آرية/إيرانية العنصر الآدومي، وبين أصوله العائدة للمدينة الإيرانية القديمة «سوز»، وهو ما يشير عمومًا إلى أصولٍ تجتمع عند الاسم سيس، وسيسي هو اسم الحصان، الذي جاء مع الغزو الهكسوسي، وهو ما يحيل إلى آدوم مديان، حيث أخوال أسرة العمارنة فهم السيسيون، وسيزوستريس اسم منسوب إلى سيسيا، فاسترابون (ويا لحظنا المبهر) يقول: «إن قلعة سوز كانت تسمى ممنونيوم نسبة لممنون [الاسم اليوناني لآمنحتب الثالث]، ويسمى السوزيون أيضًا السيسيين.»٤٨
ومن الجدير بالذكر أن هيردوت نفسه كان يفرق بين سيزوستريس وبين رمسيس الثاني، صاحب التماثيل المعبودة عند معبد أبي سمبل، فهو يقول إنه بعد موت فرعون، جاء ملك اسمه (رامبسينيتوس) Rhampsinitus أي رمسيس، وترك آثاره في المدخل الغربي لمعبد فولكان/آمون، والتمثالان القائمان أمام هذا المدخل، يطلق المصريون على أحدهما الصيف وعلى الآخر الشتاء، وأن السكان الوطنيين يعبدون تلك التماثيل.٤٩
ويقول هيرودت: إن سيزوستريس أقام أعمدة في البلاد والمواطن، التي كانت تخضع له نقش عليها أمجاده، ونحن نذكر أن القرآن ينعت فرعون موسى بأنه ذو الأوتاد أي صاحب الأعمدة.٥٠
ثم هل من الصدفة البحتة أن يستخدم مرنبتاح بن رمسيس الثاني، لوحًا يخص الفرعون آمنحتب الثالث،٥١ لينقش عليه الانتصارات والذي سمي بلوح إسرائيل، وهل من الممكن أن يكون مرنبتاح قد اغتصب لوح آمنحتب الثالث، كعادة الفراعنة ونسب أمجاد اللوح لنفسه؟ أم كان يكرر معلومة تواترت عن زمن آمنحتب الثالث وأولاده، فنسبها لنفسه ليشتهر بعد ذلك، بأنه هو الذي طرد بني إسرائيل من مصر؟ إن ما قدمناه حتى الآن يستبعد دور مرنبتاح ووالده رمسيس الثاني، ويثبت دعائم إخناتون ووالده آمنحتب الثالث. أما الأشد دلالة في صدق ما نقول هو ما جاء على لسان الكهنة المصريين، من ذكرياتٍ مروية لهيرودت عن تلك الأيام، التي أصيب فيها الملك المعروف باسم «فرعون» بالذات — وبالتخصيص من بين كل ملوك مصر — بالعمى، إثر موجة إلحاد أصابته ضد أوزيريس النيل، فيا لبهرة الكشف ومهابته! ونحن نعلم أن الملحد الأكبر بآلهة مصر وخاصة الإله أوزيريس، كان هو الفرعون إخناتون الذي نسخه اليونان في صورة الملك أوديب، الذي أصابه العمى بدوره في نهاية حياته. وهكذا نكون قد وصلنا إلى أن إخناتون قد أصيب بالعمى في نهاية حياته، رغم أن الآثار لم تفدنا بذلك، بشكلٍ مباشر وفصيح.
١  فهمي خشيم، آلهة … سبق ذكره، ج١، ص٢٨٧.
٢  سليم حسن، الأدب المصري … سبق ذكره، ج٢، ص١٢٩، ١٣٠.
٣  Graves, The Greek Myths … Vol. II, pp. 11-12.
٤  أحمد قدري، المؤسسة … سبق ذكره، ص١٧٤.
٥  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٩٣.
٦  عبد المعطي الشعراوي، أساطير إغريقية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٣م، ج١، ص٢٤٩.
٧  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٥٩.
٨  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٩٣.
٩  جمال مختار، مقدمته لكتاب نفرتيتي … سبق ذكره، ص١٢، ١٣.
١٠  أبو بكر، إخناتون … سبق ذكره، ص٨٦.
١١  فهمي خشيم، آلهة … سبق ذكره، ج١، ص٥٢٧.
١٢  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٧٦.
١٣  سامسون، نفرتيتي … سبق ذكره، ص٤٥، ٤٦، ٥٧.
١٤  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص١٧.
١٥  أبو بكر، إخناتون … سبق ذكره، ص١١٦.
١٦  نفسه، ص١١٨، ١١٩.
١٧  إيفارلسنر، الماضي الحي … سبق ذكره، ص٨٧.
١٨  نبيلة عبد الحليم، معالم التاريخ … سبق ذكره، ص٧٥.
١٩  شتيندورف وسيل، عندما حكمت … سبق ذكره، ص٢١٧.
٢٠  نفسه، ٢٢٢.
٢١  سامسون، نفرتيتي … سبق ذكره، ص١١٦، ١١٨.
٢٢  نفسه، ١٦٨.
٢٣  انظر مثلًا: الثعلبي عرائس المجالس … سبق ذكره، ص١٧٣.
٢٤  في معنى كلمة «سب»، انظر: أنطون ذكري، مفتاح اللغة المصرية … سبق ذكره، ص٧١. وفي معنى كلمة «هار» انظر أي معجم عبري.
٢٥  عبد المعطي الشعراوي، أساطير … سبق ذكره، ص٢٦١.
٢٦  لويس عوض، مقدمة … سبق ذكره، ص١٤، ١٥.
٢٧  للمزيد عن هايمون، انظر: الشعراوي، أساطير … سبق ذكره، ص٢٦٧–٢٧١.
٢٨  قدري، المؤسسة … سبق ذكره، ص١٧٤.
٢٩  أبو بكر، إخناتون … سبق ذكره، ص٧٧.
٣٠  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٦٧.
٣١  سليم حسن، مصر القديمة … سبق ذكره، ج٦، ص٣١، ٣٢.
٣٢  أحمد عثمان، تاريخ … سبق ذكره، ﺟ١، ص٩٥.
٣٣  قدري، المؤسسة … سبق ذكره، ص١٨٧، ١٨٨.
٣٤  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٦٩.
٣٥  شتيندورف وسيل، عندما حكمت … سبق ذكره، ص٢٣١، ٢٣٢.
٣٦  نفسه، ص٢٣٣، ٢٣٥.
٣٧  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٧٨.
٣٨  رمضان السيد، تاريخ … سبق ذكره، ص١٢٩.
٣٩  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٦٨.
٤٠  شتيندورف وسيل، عندما حكمت … سبق ذكره، ص١٨٧.
٤١  نفسه، ص١٠٤، ١٠٥.
٤٢  إيفانز، هيرودت … سبق ذكره، ص٩٦، ٩٧.
٤٣  سترابون في مصر … سبق ذكره. ملاحظة للمترجم ص٥١، انظر كذلك: محمد رمزي، المعجم الجغرافي … سبق ذكره، البلدان المندرسة، ص٣٣٩.
٤٤  سترابون في مصر … سبق ذكره، ص١١٣.
٤٥  خشيم، آلهة … سبق ذكره، ج١، ص١٠٦.
٤٦  الموضع نفسه.
٤٧  الموضع نفسه.
٤٨  سترابون … سبق ذكره، الكتاب الخامس الفصل الثالث. انظر أيضًا: أنتاديوب، الأصول الزنجية … سبق ذكره، ص١٣٠.
٤٩  إيفانز، هيرودت … سبق ذكره، ص٩٩.
٥٠  نفسه، ص٩٥.
٥١  أحمد عثمان، تاريخ … سبق ذكره، ج١، ص٨٢، ٨٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤