الفصل الثاني

فرعون أعمى وأعرج

لكن هل نجد في التوراة أية إشارات إلى عمًى أصاب النبي موسى؟ إن المعتاد على التعامل مع ذلك الكتاب المقدس، سيتأكد يقينًا أنه عندما كان يريد أن ينفي أمرًا قد حدث، فإنه كان يؤكد عكسه تمامًا، أو يخترع له قصة تنفيه، فعندما شابت قصة يوسف علاقة شاذة، بحكم جماله المبالغ فيه مع صاحب البيت رئيس الجند فوطي فارع، ظل المقدس يؤكد على أن فوطي فارع كان خصيًّا، ونحن نعلم أن المصري القديم إطلاقًا ولا حكام الهكسوس قد عرفوا الخصاء، خاصةً إذا تعلق برجولة وفحولة قائد الجيش، الذي كانت قوته العسكرية تقترن وتقارن بفحولته الجنسية والجسدية. ثم أبدًا لا يتفق ذلك مع زواج القائد من امرأةٍ فاتنة، كما جاء برواية التوراة، ومن هنا صاغ المحرر التوراتي قصة رغبة الزوجة في يوسف وامتناعه عنها؛ وذلك لأن زوجها كان خصيًّا لاستبعاد أي شبهة تلحق بيوسف، الذي كان محبوبًا من سيد القصر حبًّا جمًّا، حتى أنه سلمه كل أمواله وأملاكه.

«فوجد يوسف نعمةً في عينيه وخدمه، فوكله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له … فترك كل ما كان له في يد يوسف، ولم يكن معه يعرف شيئًا إلا الخبر الذي يأكله، وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر» (تكوين، ٣٩: ٣–٦).

وهو أمرٌ يتكرر بعد ذلك في قصة لوط، الذي عاش بين الشواذ وعاشرهم، وكان لا بد أن تنفي التوراة عنه تلك التهمة، رغم أن أهل القرية اتهموه صراحةً، بأنه جاء بالملكين السماويين ليعاشرهما. ثم يتكرر ذات المنهج في إصرار التوراة، على أن الإسرائيليين بمصر كانوا لا يعيشون بين المصريين إطلاقًا، حتى تتحقق لعنة الرب على المصريين، فتصيب ضرباته مواضع المصريين، ولا تصيب مواضع سكنى الإسرائيليين، رغم أن هناك نصوصًا بالتوراة، تؤكد أنهم كانوا يعيشون بين المصريين، كما في نصيحة يهوه لشعبه، باستعارة الحلي الذهبية من المصريين، وسلبها منهم ليلة الخروج. وهو ما يعني أن كليهما كان يعيش في ذات المواضع، بل إن تعبير التوراة يشير إلى اختلاط مساكنهم «تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها، أمتعة فضة وأمتعة ذهبًا … فتسلبون المصريين» (خروج، ٣–٢٢).

وعلى ذات الوتيرة يأتي تأكيد التوراة بلا مقدمات وبلا أسبابٍ واضحة وبلا معنًى: «وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته.» (تثنية، ٧–٣٤) ولا ننسى عصاته التي كان يتوكأ عليها، وتضيف رصيدًا لفكرة العمى الذي أصابه، وقامت التوراة تصر على نفيه، لنفي أي إشارات يمكن أن تكشف الأصل المصري لأعظم أنبيائها.

وقد صادفني نصٌ غريب لا معنى له، إلا إذا كان يشير إلى حدثٍ حقيقي قد حدث عن قلع عيون أحد الفراعين، أو لعقاب كان يمارس في بلاد الحيثيين تحديدًا، وأنه ربما حدث أيضًا في مصر، والنص يأمل ألا يتكرر ذلك. وقد جاء ذلك في نص معاهدة السلام التي عقدت بين الملك المصري رمسيس الثاني وبين الملك الحيثي حاتوشيليش. ويقول هذا البند من الاتفاقية: «إن رعمسيس وحاتوشيليش حقًّا أخوان؛ ولذلك عليهما ألا يفرضا عقوباتٍ على ذنوبهم، وألا يقتلعا عيونهم وألا ينتقما من أهلهما.»١

كما أفادتنا المصادر المصرية أن «حور محب» من بين الفراعين تحديدًا، قد أمر بالتمثيل بالخونة وبعقوبات التشويه الجسدي والنفي معًا، وجعل منفاه في مدينة تقع شرقي الدلتا على الحدود السينائية، أسماها الرومان (رونيو كولورا — يضعها المؤرخون عند العريش وهذا خطأ كما سنرى)، والكلمة رونيو كولورا تعني بالضبط «مجدوعي الأنوف». لكننا نفهم من نصوص حور محب أنه كان يمارس ألوانًا أخرى من التشويه الجسدي خاصة مع أعداء البلاد، أو من يعتدون بالسرقة على أوقاف المعبد. ومن ثم لن يكون هناك مانع من سمل العيون، كطريقة مسموعة في عقوبات العالم القديم، وهي الحالة التي ربما تعرض لها إخناتون، عندما تم إسقاطه عن عرشه ثم نفيه بعد ذلك. وفي الكتاب المقدس إفراطٌ في الحديث عن حاسة الشم بدلًا من حاسة البصر، ودومًا كان هذا الكتاب يتحدث عن المحروقات المقربة إلى يهوه باعتبارها «رائحة سرور للرب».

وبعد مراحل تطورية في الديانة اليهودية تم فيها التخلي عن آتون أو الأدون السيد، الذي اصطبغ برقة شخصية إخناتون، لصالح يهوه السفاح الجبلي بانتصار أتباع يهوه البركاني الذي سيأتي شرحه، مع استبعاد كل ما يمت للأصل المصري بصلة، نصادف نصًّا أكثر غرابة بالكتاب المقدس، وهو نص يتحدث عن انتقال الملك الإسرائيلي داود من مدينة حبرون إلى أورشليم، حيث يعيش اليبوسيون ليتخذها عاصمة لملكه. وهنا يعترض اليبوسيون بطلبٍ من أعجب المطالب، ناهيك عن كونه كان حتى كتابة هذه السطور غير مفهوم الإطلاق، يقول النص:

وذهب الملك (أي داود) ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض، فكلموا داود قائلين: لا تدخل هنا ما لم تنزع العميان والعرج، أي لا يدخل داود إلى هنا، وأخذ داود حصن صهيون، هي مدينة داود. وقال داود في ذلك اليوم إن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة والعرج والعمى المبغضين من نفس داود؛ لذلك يقولون لا يدخل البيت أعمى أو أعرج، وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود.

(صموئيل ثاني، ٥:  ٦–٩)

النص شديد التناقض وغير مفهوم على الإطلاق، لكن لنحاول! يقول النص إن داود ورجاله ذهبوا إلى أورشليم يريدون دخولها، فواجهه أهلها اليبوسيون بطلبٍ هو ألا يدخل مدينتهم إلا بعد أن يتخلص من العميان والعرج. ويفسر المقدس ذلك بجملةٍ إلحاقية، أي لا يدخل داود إلى هنا. ونحن نعلم أن داود لم يكن أعرج ولا أعمى. نظن المقصود هو أن يتخلى داود عما يحمل من عقائد، وهنا قرر داود أن يأخذ أورشليم بالقوة وضرب اليبوسيين، لكن يبدو أنه قد اضطر للتنازل عن ذلك التمسك بالأعرج الأعمى، حيث نجد العرج والعميان فجأة مبغَّضين من نفس داود، بل وبات من المحرم على الأعرج والأعمى من دخول البيت المقدس، وربما المقصود بعد ذلك الهيكل.

إن المحرر التوراتي والحقائق تفلت من بين يديه، يحاول طمسها وتزويرها، لكن لتفصح في اضطرابٍ واضح عن نفسها، فعقيدة داود تعود إلى فرعون، كان أعمى كما كان أعرج؛ لتورم سيقانه وقدميه … وعصا موسى تصبح ضرورتها مع الحالين شديدة الضرورة، والأهمية التي ظهرت بها في الأسطورة التوراتية، حتى صارت عصًا مقدسة فعالة للأعاجيب.

هذا بينما المصري حتى اليوم ما زال يحتفظ بذكرياتٍ باهتة في وصفه للشخص الأعمى للبصر، إذا كان أعمى البصيرة في الوقت نفسه، بالقول أن عماه «عمًى حيثي». وكثير ما تساءلت في طفولتي عن معنى حيثي تلك، حتى برزت وأنا أكتب هذه الفقرات. وهو ما يذكرنا بأن أصول إخناتون من جهة خئولته تعود إلى آدوم، حيث كان يعيش الإسكيت الحيثيون مع أحلافهم.

أما الصراع الجدلي الذي نشب بين موسى وبين الفرعون حسب حكاية التوراة، فتفسره لنا أسطورة أوديب في قول يوربيدس: إنه بعد نفي أوديب وتحديد إقامته في قصر بذلك المنفى يعيش فيه أعمى، راودت أوديب نفسه بالعودة واستعادة ملكه مرة أخرى، فوقف ضده كرايون وولداه بولينكيس وأتيوكليس؛ حتى تحقق نفيه نهائيًّا. وهو ما يساعد على إعادة تصور السيناريو المصري لأحداثه، عندما تم نفي الملك إخناتون وجماعته إلى حواريس، حيث عاش هناك وسط شعبه الجديد، الذي تحالف معه وسلم بعقيدته، ثم إنه كان هناك على مقربة من أنسبائه وأخواله المديانيين، مما شجعه فيما يبدو على محاولة العودة للتفكير في استعادة عرشه مرة أخرى مستعينًا بأنسبائه. وهو ما يلتقي مع رواية مانيتو عن أوزرسيف، الذي استعان بالهكسوس في غزوة هكسوسية ثانية.

ومن جانبه كان كمال الصليبي شديد العجب من عبد عبراني يمتلك كل تلك الجرأة، ولا ينزعج الفرعون بل يسمح بها، ويبرر ذلك في قوله: «ويبدو أن موسى التاريخي بعد رجوعه من مديان إلى مصرايم، استعاد على الأقل بعض من نفوذه الذي كان له هناك من قبل، فكان يدخل على فرعون … كلما شاء ويتكلم أمامه بكامل حريته وبقدر كبير من الجرأة.»٢ ومنطق الأحداث يجعلنا نفترض أنه كان مع إخناتون آنذاك، ولده المخلوع سمنخ كا رع على رأس تلك الجيوش لاستعادة عرشه، وأنه قد تمت مواجهة عسكرية مع الجيوش المصرية، انتهت بصد تلك الهجمة على الحدود، ويدعم لنا فكرة الغزوة الهكسوسية الثانية التي نتمسك بها، نص عثر عليه بمكتبة العمارنة من الملك البابلي بورنا بورياش الثاني، يقول فيها للملك المصري:
في عهد أبي كوريكالزو أرسل إليه الكنعانيون يقولون: لنذهب إلى مصر ولنغزوها جميعًا، وسوف نعقد معك حلفًا. أما أبي فقد أجاب على رسالتهم قائلًا: ليكن الحلف ما بينكم، لكن لتحذروا جانبي إذن لما كان ملك مصر حليفي، فمن ذا الذي يصدني عن غزوكم، وهكذا من أجل أبيك لم يسمع أبي قولهم.٣
ونعود إلى رسم سيناريو الأحداث في مصر، حيث نفهم أن الملك توت عنخ آمون قد قتل في المعركة، كما أنه لا ريب قد استعان كلٌّ منهما بما في إمكانه لإثبات الشرعية أمام الناس. وفي هذا يقول أحمد عثمان: «والكلمة العبرية التي استخدمت في التوراة، للدلالة على عصى موسى هي نحش، وتُقرأ أحيانًا حنش. والكلمة نفسها لها معنيان آخران كذلك في اللغة العبرية، فهي تعني ثعبان كما تعني أيضًا النحاس الأصفر. وتخبرنا أحد قصص الهجادا — وهي الجزء الأسطوري من التلمود — أن العصا التي استعملها موسى كانت مصنوعةً ومحفورةً على شكل صولجان. ومن الطبيعي إذا أراد موسى إقناع المصريين بصدق قوله، استخدام أدلة يكون لها أثرها الفعال في مشاهديه من الكهنة والحكماء، والثعبان عند المصريين القدماء يرمز إلى سلطة العرش، وهو يوضع داخل التاج الملكي فوق جبهة الملوك. وكانت عصا الصولجان الملكي المصري تصنع أيضًا على شكل ثعبان مخطط وملتوٍ، وهو إما يكون مصنوعًا من النحاس أو مغطًّى بطبقةٍ منه. وهذا أيضًا يتضح من موضوع الرسالة التي نال بها الدكتور علي حسن وكيل الوزارة لشئون الآثار المصرية درجة الدكتوراة التي حصل عليها من ألمانيا، والعرض الذي قام به موسى أمام فرعون وقومه، يشبه العرض الذي كان الملوك المصريون، يقومون به في أهم احتفالاتهم الشعبية وهو احتفال السد … وكان على الملك نفسه أن يقوم بعددٍ من الطقوس في قاعة العرش بقصره أمام حكماء ونبلاء البلاد. ومن بين هذه الطقوس كما يتبين من الرسوم الموجودة على جدران مقبرة خيروف أحد وزراء آمنحتب الثالث: كان الملك يضع يده في عبه ثم يخرجها ليريها للناظرين، ثم كان الملك يقدم عرضًا وهو مَسْك صولجان وُضِع عند نهايته رأس ثعبان، وهكذا فإن المصريين أدركوا مغزى الآيات التي عرضها موسى أمامهم.»٤
figure
شكل رقم «٢٢٧»: العِصِيُّ/الحيات الدفانة في مصر القديمة، وكيفية استخراجها من مكامنها، تحولت إلى أسطورة عصا حية تفعل المعجزات.

هذا فرض، ولدينا فرضٌ آخَر لهذا الاستعراض الذي يؤكد شرعية الملك، وهو أن الملك كان يتم تدريبه من قبل الكهنة على التعامل مع الحية الدفانة في حال تصلبها وبياتها، والتي كان يتم إيقاظها بالضغط على غدة خلف الرأس، كعلامةٍ شاهدة على تمكن الملك من منح أنفاس الحياة للبشر وحتى الجمادات، وهو دأب معلوم ومتكرر في عبارة دائمة الورود في النصوص المصرية عن الفرعون الذي «يمنح أنفاس الحياة».

ويبدو أن مسألة العصا تلك كانت شديدة الأهمية، بل اعتقد المصري القديم أن العصا/صولجان هو منحة مُعطاه من الله نفسه؛ إذ نجد عند بلوتارك: «وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر بابه (ويوافق اليوم العشرين من شهر أكتوبر)، يحتفلون بعيد ميلاد عصا الإله.»٥ العصا كانت عصا الإله، وهو الذي يعطيها للفرعون، وكان لها يوم ميلاد، لقد كانت العصا كائنًا حيًّا أو «حية».

أما وضع الملك يده في فتحة ملابسه في صدره وإخراجها ليريها للناظرين، مع ما جاء في التوراة والقرآن أنها تظهر في تلك الحال بيضاء مضيئة، فنعتقد ذلك يرتبط بما سبق، وفعلته حتشبسوت لتأكيد شرعية ملوكيتها المشكوك فيها، وأرسلت لهذا السبب خصيصًا بعثتها إلى بونت لإحضار تلك المادة المضيئة، التي أسمتها النصوص مادة السام.

 [انظر أيضًا الشكل رقم «٢٢٨، ٢٢٩، ٢٣٠»] 
ويذكر أنها دهنت جسدها كله من باب التأكيد المبالغ فيه، فأضاءت لشعبها في الليل كنجوم السماوات. ويبدو أنها كانت العادة التأكيدية لشرعية الملك في أعياد سد، فكان الملك يخفي يده في جيب صديريته، ويغمس يده في مادة السام المخفية في ملابسه ليخرجها مضيئة للناظرين. وهو بالضبط ما فعله إخناتون أمام آي وجماهير شعبه كآيات لملكه، وذكرته بعد ذلك التوراة كمعجزات قام بها النبي موسى أمام الفرعون. أما بقية المعجزات كضرب مصر بالبعوض والضفادع والجراد والذباب والقمل، فهي كلها أمور اعتيادية في أرض مصر التي تضج بالحياة. وهي في ذات الوقت أمور غريبة على محررٍ توراتي يعيش في صحراوات جافة ضنينة بالحياة وشحيحة. ويبدو أن الأمر لم يحسم لصالح الدلائل السحرية للشرعية، إنما حسم بقوة السلاح، وتم طرد إخناتون وجماعته من مصر، ورغم أن التوراة حاولت القول إن الخروج تم رغمًا عن إرادة الفرعون، وأنه طاردهم لهذا السبب حتى غرق في البحر المفلوق تأثرًا باللوحات المصرية، فإنها أفصحت في أكثر من موضعٍ آخر عن صدق ما حدث حقيقة، وكون هذا الخروج قد حدث بإرادة الفرعون، وأنه كان طردًا لهم من البلاد، كما في النصوص:

فقال الرب لموسى: الآن تنظر ما أنا فاعل بفرعون، فإنه بيد قوية يطلقهم، وبيد قوية يطردهم من أرضه.

(خروج، ٦: ١)

وخبزوا العجين الذي أخرجوه من مصر، خبز كله فطيرًا إذا كان لم يختمر؛ لأنهم طردوا من مصر ولم يقدروا أن يتأخروا.

(خروج، ١٢: ٣٩)

وهو الطرد الذي ينفي تمامًا فكرة مطاردة الفرعون لهم وغرقه هو وجيوشه في البحر، ذلك الحدث الذي لم تذكره لا نصوص مصر، ولا أي نصوص أخرى لأى دولة من دول الشرق القديم معاصرة للأحداث، إزاء حدث هائل كهذا مفترض أنه قد لحق بجيوش الدولة الإمبراطورية لذلك الزمان، ذكرته فقط التوراة باستخدام المأثور الفني المصري، وإعادة إخراجه في ثوبٍ إسرائيلي إعجازي (انظر مثلًا ذلك المأثور الفني في اللوحات).

ثم نقرأ في حروب سيتي الأول الذي حكم ١٣٠٩ قبل الميلاد أنه خرج من مصر إلى فلسطين، لصد هجمات جديدة للعابيرو تحاول عبور نهر الأردن من الشرق إلى الغرب داخل فلسطين.٦ وبحسابٍ بسيط سنجد الفارق بين زمن سقوط إخناتون ١٣٥ق.م. وبين زمن تلك الغزوة العابيرية على فلسطين التي صدَّها ستي الأول ١٣٠٩ق.م. يعطينا فارق أربعين عامًا، هي المدة التي انقضت ما بين سقوط إخناتون وبين وصول الخارجين إلى فلسطين، وسُميت في التاريخ الديني بسنوات التيه الأربعين.
ومع حملة سيتي الأول تلك على شاسو سيناء الشرقية، نقف قليلًا نقرأ نصوص الملك المظفر، تروي لنا الحدث:

السنة الأولى من حكم ملك الوجه القبلي والبحري من ماعت رع، التخريب الذي ألحقه سيف الفرعون البتار له الحياة والفلاح والصحة، بالشاسو الخاسئين من قعلة ثارو حتى باكنعان، عندما سار جلالته نحوهم مثل الأسد المفترس وصيرهم أشلاءً.

وكالعادة كانت الانتصارات تُنسب لرب الدولة، ومع هذا الانتصار يقول الإله آمون، في الفقرات الختامية لنصوص حملة سيتي الأولى على الشاسو:
وإني أولي وجهي قبل المشرق، وآتي بأعجوبةٍ لك فأغلبهم لك، جميعًا مجتمعين في قبضتك، إني أجمع كل ممالك بونت سويًّا، وكل جزيتهم من بلسمٍ وقرفة، وكل الأخشاب الزكية الرائحة من أرض الإله، ناشرًا شذاها أمامك.٧

إن الشاسو كانوا يعيشون في مجموعة ممالك متحدة سويًّا، يعرفها هذا النص بأنها ممالك بلاد بونت أرض الإله، التي تقع في الشرق وليس في الجنوب الصومالي. وهكذا تتأكد نظريتنا طوال الوقت؛ أن بلاد بونت هي مجموعة الممالك التجارية المتحالفة الدلتاوية الشرقية لتصل إلى بي كنعان، حيث تغلَّب الفرعون على كل ممالك بونت جميعًا متحدين، لقد كانوا دومًا أحلافًا أو أخلامو.

وبين الأسماء المتطابقة التي تقفز بين أيدينا، لتستكمل تضفير النسيج بين إخناتون وأوديب وموسى، إقليم أتيكا الذي تم نفي أوديب إليه أعمى، حيث يعيش وقتًا على جبل كيثابرون ثم يموت هناك. وبالعودة إلى النصوص المصرية نجد الفرعون رمسيس الثالث، كما سبق وأسلفنا، يرسل رجاله إلى الإقليم الآدومي لإحضار النحاس من منطقة أتيكا.٨ وهو ما يؤكد أن في شرقي سيناء حيث البلاد الميتانية، كان يقع إقليم قرب مناجم النحاس، يحمل الاسم الذي ورد بالنطق الدقيق Atike وترجمناه عتيقة. أما جبل «كيثابرون» الواقع في إقليم أتيكا في أسطورة أوديب، فيطابق اسم الجبل المقدس المعروف حتى الآن في سيناء باسم جبل «كاثرين»، والذي صيغت حول اسمه بعد ذلك قصة أسطورية، عن مؤمنة مسيحية بهذا الاسم حملتها الملائكة لتدفنها هناك. ويعود الاسم في رأينا إلى اسم حمي موسى «يثرون»، الذي يُنطق بكل سلامة «جثرون» و«كاثرون» و«كاثرين» دون أية مشاكل لغوية. ونحن نعلم من قصة التوراة أن يثرون أو كاثرين كان كاهن بلاد مديان. وأطلقت التوراة على ذلك الجبل اسمًا آخر هو جبل الله حوريب، أو الجبل المقدس حوريب، فالنص يقول:

وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية، وجاء إلى جبل الله حوريب، وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة، وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق، فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة، وقال: موسى موسى. قال: ها أنا ذا. فقال: لا تقترب إلى هنا. اخلع حذاءك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرض مقدسة.

(خروج، ٣: ١–٥)

ونتذكر أن أرض الإله بونت كانت عند المصري القديم أرضًا مقدسة، وسميت «أرض الإله»، رأيناها تقع في شبه جزيرة سيناء، لا سيما قسمها الجنوبي والشرقي الملتحم مع وادي عربة وجبال السراة/سعير. ولأنها مقدسة فقد جاء أمر الإله لموسى التوراتي عندما دخلها يقول له: «اخلع حذاءك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرض مقدسة.» (خروج ٣: ٥) وهو ما تكرر في آيات القرآن حيث نجد ذات الأمر الإلهي، يُوجَّه إلى موسى القرآني يحمل ذات المعاني: «اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى».

والغريب أن هناك لفتةً لم يتم الالتفات إليها في ملحمة أوديب بصياغة سوفوكليس، لكنها تعنينا بشدة؛ فالملحمة تصف المكان الذي وصل إليه أوديب منفيًّا، بعد رحلةٍ طويلة في صحارى جرداء، بحسبانه قرية جميلة كثيرة الأشجار، تجري فيها القنوات المتدفِّقة من الينابيع والعيون، مليئة بأشجارٍ عطرية ذات روائح زكية (بخور)، تغرد فيها الطيور على أشجار الكروم والزيتون والتين، وصخورها رائعة الألوان. وهذا شرح سوفوكليس للمكان الذي يلتقي مع الصورة التي رسمناها لبلاد آدوم وكاثرين، لكن سوفوكليس يقول: إن أوديب لم يرَ هذه الصورة لأنه كان أعمى، إنما أدركها بحسِّه الداخلي. لكنه الحس الذي ما كان ممكنًا أن يدرك لون الصخور مثلًا، فهذا ما وصل إليه عن مواصفات المكان إلى سوفوكليس نفسه. المهم أن سوفوكليس يقول: إن أوديب أدرك من هذا كله، أنه يقف في أرضٍ مقدسة، رغم أن هذه الصورة تتكرر في بلادٍ كثيرة غير مقدسة. لقد كانت معلومات سوفوكليس أن الحدث واقعٌ في أرض مقدسة. ثم يضيف سوفوكليس إضافة مضيئة؛ إذ يقول إن أحد أهالي تلك البلاد رأى أوديب يجلس على صخرة مع ابنته أنتيجوني، فأمره بالانصراف من المكان فورًا؛ لأنه لا يصح تدنيس أرض الآلهة المقدسة بأقدام البشر.٩
ثم بعد ذلك بقرونٍ طويلة ننصت للرحَّالة المحدث ريتشي، يصف لنا رحلته في صحراء سيناء القاحلة، حتى وصل إلى دير كاثرين، يقول: «وبالغرم من موقع الدير في الوهاد المحيطة بالجبال العالية … تجري في خلال واديه غدائر من الماء العذب … مع أجمات شجر الزيتون والكروم، والبساتين النامية في الوادي، تسقى من مياه الينابيع المنحدرة من فوق الجبال، والحدائق الملاصقة للدير نفسه، محاطة بسياج من شجر السرو والزيتون، وتنتج مقادير وافرة من البرتقال والخضر … تسد أوَد ٢٠٠٠٠ نسمة من البدو القانعين في ظل الدير … ومن الخطأ الفاحش أن يظن إنسان أن شبه جزيرة سيناء أرض قاحلة عديمة الماء والنبات.»١٠

وهو الأمر ذاته الذي قرأناه في ترجمتنا لرسم، وليس لكلام ورد منقوشًا على صلاية الملك نعرمر، التي سجلت له حروبًا فسرها علماء التاريخ بأنها حروب التوحيد للإقليمين المصريين البحري والقبلي، بينما فسرناها نحن بأنها تسجيل لانتصاراته في بلاد سيناء، وإخضاعها للسلطان المصري حتى بلاد آدوم. ولم يكُن مفهومًا على الإطلاق لماذا يسير الملك حافيَ القدمين في معركة، بينما يحمل أحد أتباعه نعله خلفه؟ لقد كان الملك يخضع للطقس المقدس في الموضع المقدس. وكان الفنان يقصد في تقريره إبراز هذا المعنى تحديدًا، وحتى لا تفسر اللوحة بأن الحفا كان أمرًا اعتياديًّا في تلك الأيام، بالنظر إلى أن بقية الأشخاص في اللوحة كانوا حُفاة، فإنه رسم خلف الملك تابعه يحمل نعال الملك بشكلٍ بارز واضح لتبليغ المراد. وخلف رأس هذا التابع نجمة سباعية الإشعاعات، ونحن نعلم قدسية الرقم سبعة في البلاد السامية، كما لو كان الفنان يريد تبليغنا بقدسية ذلك الموضع، الذي يقف فيه الملك حافيًا، يمسك بأسيرٍ يضربه بدبوس القتال، وأسفله تم تمثيل سكان تلك البلاد في شخصين يركضان بسرعة تعبيرًا عن الهرب من مواطنهم أمام الفرعون. أما رأس الصلاية الأعلى فقد حمل على الجانبين، رأس الإلهة حتحور ربة سيناء المعروفة الشأن.

وعلى الوجه الآخَر للصلاية يسير الملك وخلفه تابعه، يحمل نعليه وأمامه حملة الأعلام، وعلى اليمين يمكنك أن ترى أسرى مُوثَقين قد أُلقيت رءوسهم تحت أقدامهم، وفوقهم طائر الزقزاق للإشارة إلى جنسهم وبلادهم. وإلى يمين طائر الزقزاق رسمًا لسفينة بحرية تشير إلى أن الوصول إلى تلك البلاد قد تم عبر البحر، وأنه لا شك قد سلك ذات الطريق الذي سلكته بعد ذلك بقرون طويلة بعثة حتشبسوت، تحاشيًا لقسوة العبور البري في الصحراء السينائية الهائلة.

وفي الملحمة الأوديبية يصعد أوديب إلى جبلٍ يتبع نداء الآلهة، ليختفي ولا يعود وسط أصوات الرعد والصاعقة والعواصف.١١ وهي الصورة التي نعرفها للإله حداد تيفون، وفي التوراة تصوير لمشهدية بركانية عظيمة عند جبال كاثرين. وقد صعد موسى مع يشوع إلى جبل نبو ولم يعد مرة أخرى وعاد يشوع وحده، ليقول لشعبه إن موسى قد مات. ثم لا نندهش عندما نعلم أن السفنكس اليوناني صاحب الألغاز، كان يتعلم تلك الأحاجي من ربات الفنون أسمتهم الملحمة «الموسيات».١٢ أما يوربيد فقد أسماهن الفينيقيات.١٣ فهل ثمة تبليغ أوضح من ذلك؟! أما الذي تأكد موجزًا، بعد اكتشاف بقايا فخار نبطي في موقع جبل كاثرين وجبل موسى إلى الشمال منه مباشرة، أن هذا الموقع كان مقدسًا عند النبطيين، وأن الأنباط لم يكونوا زوَّارًا لهذا المكان، بل مقيمون.١٤

ثم نقرأ في ملحمة أوديب ما يشير إلى نبوة أوديب وقدسيته.

فيقول سوفوكليس: إن أوديب بعد أن كفَّر عن ذنبه الذي اقترفه وفقأ عينيه، لم يكن هناك أي مبرر للقدر والآلهة في استمرار بلائه. وهنا تنبأ له الوحي أنه عندما يصل إلى كولونوس وسط إقليم أتيكا … سيغفر له ذنبه.١٥ وقالت نبوءة أبوللون: «إن أوديب قد كفَّر عن خطاياه، وأصبح طاهرًا بعد أن كان مدنَّسًا، وعفيفًا بعد أن كان زانيًا، وروحًا محلِّقة في سماء الفضيلة، بعد أن كان منغمسًا في الرذيلة … مباركة تلك الأرض التي تحوي رفات أوديب.»١٦

لقد تحول أوديب إذَن من ملكٍ إلى نبي … مقدس، عندما وصل إلى عتيقة وجبال كاثرين. ولا نظننا نجانب الصواب في افتراض أن موسى أبدًا لم يصل إلى جبل «نبو» شرقي الأردن مباشرة مقابل أريحا ليموت هناك، إنما مات تحديدًا فوق جبل يقع شمالي جبل كاثرين مباشرة، وأن ذلك كان السبب في أن ذلك الجبل قد حمل من يومها اسم جبل موسى، وأن قاتله كان يشوع تلميذه المخلص تحديدًا. وعند تلك اللحظة المفصلية تتغير أمورٌ كثيرة، كانت سببًا في كثير من الالتباسات، التي أدَّت إلى كثير من الألغاز التي استغرقت عمرنا ونحن نحاول فك طلاسمها، وتلك اللحظة المفصلية في التاريخ بحاجة إلى بعض الشرح، لرسم لوحة تصورية لما حدث.

[انظر شكل رقم «٢٣١، ٢٣٢»]
figure
شكل رقم «٢٣٣»: بين آثار الاسكيث وجد هذا النقش الذي يصور عددًا من اﻟ (سفنكس) المجنَّح.
figure
شكل رقم «٢٣٤»: عند جبل نبو المطل على ساحل البحر الميت الشرقي، حيث يفترض أن هناك مدفن النبي موسى، قام فنان مسيحي بإقامة هذا العمل الرائع، الذي يصوِّر حية موسى المعبودة وكيف أنها رمز إلهي، قام الفنان بدمجه مع شخص المسيح المصلوب (من تصوير المؤلف إبان سعيه وراء المواقع القديمة وتدقيقها).
figure
شكل رقم «٢٣٥»: صورة من الجو لجبل نبو شرقي أريحا، المفترض أن النبي موسى قد دُفن فيه حسب رواية التوراة.
figure
شكل رقم «٢٣٦»: المؤلف شرقي الأردن فوق جبل نبو، عند مدخل قبر النبي موسى المفترض حسب التوراة.
figure
شكل رقم «٢٣٧»: المؤلف على الجانب الشرقي من جبال الجلجال المذكورة بالتوراة، وخلفه تظهر من بعيد جبال أريحا الواقعة غربي الأردن.

لقد تم نفي الفرعون المارق إلى أقصى الحدود الشمالية الشرقية للبلاد المصرية، وتم تحديد إقامته في القصر الصيفي في مدينة حواريس، التي كانت منفًى لكل المارقين والآبقين والخارجين على القانون. فقد خلع الفرعون إخناتون من على عرشه، وحددت إقامته دون السماح له بالخروج من تلك المدينة المتطرِّفة على الحدود السينائية، مع أتباعه ومريديه من مصريين وغير مصريين. وهناك كان لقاؤه مع أسرى مدينة حواريس من بقايا هكسوس وإسرائيليين. وهناك ارتبط الجميع بالعقيدة الجديدة التي جمعتهم على قلب واحد، ويقول مانيتون: إن الفرعون قد سمح للأسرى باستيطان مدينة حواريس، وإن هؤلاء وصل إليهم الكاهن المصري أوزرسيف، الذي قادهم لإشعال ثورة عاتية، وإن ذلك الكاهن قد استنجد بالهكسوس المطرودين من مصر إلى براري سيناء وفلسطين، والذين تمركزوا في مدينة رئيسية لهم هي أورشليم، وإن أوزرسيف أحاطهم علمًا بأن في إمكانه أن يفتح لهم البلاد. وهو أمرٌ كان غير ممكن إلا إذا كان أوزرسيف يظن أن لديه هذه القدرة؛ وذلك لا يفسره إلا أن يكون شخصًا ذات قدرات عالية وإمكانات السيطرة على البلاد. وتفسره قصتنا تحديدًا حيث إن أوزرسيف هذا كان فرعونًا مخلوعًا، يمكنه باستخدام القوة العسكرية استعادة عرشه ومجده بعون هؤلاء الحلفاء. وهنا تصدت له الجيوش المصرية زمن حكم ولده الثاني الصبي توت عنخ آمون، ووصاية آي الذي كان يستثمر كل تلك الأحداث لصالحه؛ للوثوب على العرش. ولا شك أن قائد الجيوش المصرية آنذاك كان هو هارامبيس/حور محب. وكان ذلك ما أسميناه بالغزوة الهكسوسية الثانية، أو ما دونته الملحمة اليونانية عن استعانة بولينكيس/سمنخ كا رع بجيوش الأجانب ضد بلاده، لاستعادة عرشه المغتصب من أخيه أتيوكليس، أو توت عنخ آمون في ملحمة سبعة ضد طيبة. ويبدو أن سمنخ كا رع/بولينكيس وجد مزيدًا من تأييد شرعية مطلبه في وقوف أبيه إخناتون إلى جواره، الذي كان يطمع بدوره في استعادة عرشه. لكن ينتهي الأمر بكارثة للحلفاء من متمردي حواريس والغزاة الهكسوس، يضطرون معها إلى الفرار جميعًا من مصر، في رحلة دونتها المقدسات تحت عنوان خروج الإسرائيليين من مصر بقيادة موسى. وتم تصويرها مصحوبة بعددٍ من الخوارق والأحداث الطبيعية الهائلة.

ويؤيد ذلك ما وجده الأثريون في مقبرة حوي نائب الملك الصبي توت عنخ آمون في النوبة، حيث تدل سلسلة اللوحات المصورة على جدران مقبرته على حصول الملك توت على غنائم من شعب هجين، فالملامح آسيوية وزنجية، ضمنها خيول وعربات ثمينة وأوانٍ ذهبية وفضية. أما الأشد غرابة لكنه مع نظريتنا يصبح اعتياديًّا، فهو أن ضمن تلك الغنائم «زرافة حية».١٧ وقد سبق ورأينا الزرافة ضمن واردات بونت في لوحات حتشبسوت، وقد جاءت هذه الزرافة من آسيا وليس من صومال أفريقيا.
ويورد شتيندورف وصفًا للصور التي تزين جانبي غطاء أحد صناديق الملك توت، وضمنها مشاهد لمعارك عنيفة خاضها الملك ضد شعوب صُورت في سمات سامية وزنجية معًا. وزمن الملك توت تحيطنا السجلات الحيثية علمًا بحملة مصرية على مدينة باسم قادش،١٨ التي فسرت كالعادة بأنها قادش نهر العاصي، وهو تفسير يجافي تمامًا وضع مصر المتمزق حينذاك، لكن الخبر يمكن قوله إذا احتسبنا قادش المقصودة هي قادش سيناء/عين قديس.
كما نعلم من المصادر الحيثية إبان تلك الأحداث المتسارعة أن الحيثيين قد أرسلوا حملة جديدة نحو الأراضي المصرية، لكن كل معلوماتنا عنها أنها كانت فاشلة، وأن الجنود الحيثيين قد عادوا منها يحملون وباء تفشَّى في المملكة الحيثية، بل ومات به الملك الحيثي نفسه شوبيلوليوماس عام ١٣٤٦ق.م.١٩ وهو لا شك الوباء الذي تفشى في بدو حواريس، وكان عاملًا من عوامل طردهم في رواية آبيون النحوي التي رد عليها يوسفيوس، معتمدًا على تاريخ مانيتون أن هذا الوباء كان وراء الخروج أو الطرد، وهو ما يلتقي مع وصف توت عنخ آمون لمصر زمن أبيه «وكانت الأرض مريضة.» وقد أشارت التوراة كما رأينا للوباء بالتفصيل الممل، وهو أيضًا ما دونته ملحمة أوديب عن وباء أرسلته الآلهة على طيبة نتيجة زواج أوديب بأمه.
ولمزيدٍ من تأكيد مسألة الطردوليس الخروج، نقرأ عند «رمضان السيد» على عهدته؛ إذ لم نجد ذلك إلا عنده، يقول عن إخناتون: «وفيما بعدُ أعلن كهنة آمون أنهم طردوه هو وبلاطه ومعاونيه، وكانوا حوالي ثمانين ألف شخص … وأطلق عليه أعداؤه هو وأعوانه صفة الملحدين.»٢٠
ونحن نعلم أن آي نفسه لم يكن مصريًّا حسب تقرير عالم التشريح إليوت سميث،٢١ وأنه كان ابنًا ليويا وتويا الآسيويين. وهو ما يوضح لنا لماذا أسقطه المصريون بدوره، من قوائم الملوك رغم دفاعه عن مصر وتمصره؛ لأنه كان في النهاية سليل عمارنة.

وقد كان أصل آي هذا غير المصري مدعاة لوضعه موضع المشكوك في شرعيته. وقد استثمر إخناتون الذي يعود من جهة الأب إلى مصريةٍ أصيله في هذا الوضع، فخاض مباراة إثبات الشرعية بعد مقتل ولده توت، وتمثلت هذه المباريات في مجموعة آيات أو معجزات، قدَّمها موسى التوراتي أمام الشعب، لإثبات تلك الشرعية كلمعان اليد وإضاءتها، وتحويل العصا إلى حية، وهو الأمر نفسه الذي قدمه الفرعون برجاله وسحرته أيضًا أمام الجماهير، حسبما روت لنا التوراة.

والمنطق يقول إن موسى كان يحمل تلك الآيات كمعجزةٍ خاصة به لنبوته، وكي تكون معجزة يجب أن تكون فريدة تمامًا وخاصة به، لكن التوراة تقول إن كل فعل إعجازي قدمه موسى، تم الرد عليه بذات الفعل من قبل الفرعون ورجاله، وهو ما يعني أن الأمر كان كما نقول: مباراة لها أدواتها المعروفة في زمنهم، ومسموح للطرفين باستخدامها، مباراة لها غرض ومكسب يتحقق للفائز، وهو برأينا عرش مصر، ويبدو أنها انتهت بهزيمة موسى ورجاله، تلك الهزيمة التي انتهت بخروجهم من البلاد نحو سيناء باتجاه فلسطين، على عكس ما روته لنا التوراة من انتصاراتٍ موسوية في تلك المباراة الكبرى.

ونقرأ الآن الصورة التي رسمها لنا فليكوفسكي لآخر أيام تل العمارنة؛ إذ يقول: «لقد كانت نهاية أخت آتون نهاية مفاجئة، إذ انتقل سمنكا رع إلى طيبة [حسب رأيه] وهجر السكان منازلهم ورحلوا عن طريق النهر أو البر إلى طيبة، أو إلى أي مكانٍ آخر اختاروه. أما الأبنية فلم تكن قد اكتملت، فقد تركت على حالها، فأمام أحد المنازل التي كانت على وشك الاكتمال نهائيًّا، وضعت قطعة من الحجر فوق المدخل، وتركت بجواره ورحل البناءون. لقد كانت هجرة طابعها السرعة، تركت المنازل خاوية من الأثاث ليكون مصيرها التآكل.»٢٢
أما سوفوكليس فقد سجل في ملحمة أوديب ملكا، أن أوديب هو من طلب بنفسه النفي، وأنه بعد أن تم نفيه تذكر رغبة والديه عند ميلاده في موته على جبل كيثابرون، ومن ثم أراد تحقيق تلك الرغبة لهما، وقرر الخروج من مدينة منفاه التي احتسبناها حواريس، متجهًا نحو جبل كثيابرون الذي احتسبناه جبل كاثرين ليموت هناك. وهو ما نعتبره إشارة على صدق تقديرنا بمقتل موسى في وسط جنوبي سيناء عند كاثرين وجبل موسى. لكنه قبل ذلك حاول التراجع لكنه قوبل بالرفض، وذهب ليموت في كثيابرون.٢٣
وتصور لنا ملحمة سوفوكليس ذلك الجبل، بأنه قرية صغيرة جميلة، تجري فيها القنوات وتغرد فيها البلابل، وتمتلئ بأشجار الكروم وروائح المزروعات العطرية، والزيتون والغار والصخور الملونة الجميلة، فهي كالجنة أرض مقدسة، لكنها تقع بكل هذا الجمال، وسط تيهٍ واسع من الفيافي الجرداء.٢٤ وهو الأمر الذي ينطبق على منطقة كاثرين انطباقًا تامًّا.
وربما بدا لنا أن هناك تناقضًا ظاهريًّا بين الصفات، التي نعلمها على إخناتون كفرعونٍ حالم كارِه للحروب بين البشر، وبين الصورة التي ترسمها لنا التوراة عن موسى كشخصٍ دموي، وأن أتباعه كانوا بالعبرية «صبأوت»، أي ضباط أو جنود مقاتلين، وتم وصف يهوه الرب بأنه رب الجنود تعبيرًا عن حالتهم القتالية. لكن هذا التعارض يجب أن يسقط الآن، بعد ما رأيناه حول تل العمارنة إبان حكم إخناتون، والتي كنت تبدو ثكنة عسكرية متكاملة، وهو ذات التناقض المتضافر والمتفق — إن جاز التعبير — في رواية التوراة عن الخروج التي علق عليها كمال الصليبي يقول: «في (الخروج، ٦–٢٦) بالترجمة العادية نقرأ ما يلي: «هذان هما هارون وموسى اللذان قال يهوه لهما: أخرجا بني إسرائيل من أرض مصرايم بحسب أجنادهم/عل صبء تم.» وعل بالعبرية تعني على أو فوق أو إلى أو نحو، ولا تعني بحسب. أما لفظ صبء تم فقد تعني أجنادهم صبء ت، أو صبءوت، أي أجناد مضافة إلى ضمير الغائب. لكن سفر الخروج لا يتحدَّث في أي مكان عن تنظيم عسكري كان لبني إسرائيل، وهم الشعب المسكين العامل بالسخرة في أرض مصرايم.»٢٥
ثم يقول الصليبي: «في (الخروج، ١٣–١٧) بالترجمة العادية نقرأ ما يلي: «وكان لما أطلق فرعون الشعب، أن الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين — ءرص فلشيتم — مع أنها قريبة؛ لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصرايم، فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف — بدرك مدبريم سوف — وصعد بنو إسرائيل متجهِّزين من أرض مصرايم — وحمشيم علو بني يسرءل م. ءرس مصريم.» وهناك تناقض في المفهوم الذي تقوم عليه هذه الترجمة، التي تفيد من ناحية أن بني إسرائيل كانوا شعبًا يخشى الحرب، ومن ناحيةٍ أخرى أنهم خرجوا من أرض مصرايم متجهزين أي مستعدين للحرب … حمشيم من حمش يقابلها بالعربية حمس بمعنى الحماس، وحتى اليوم يصف العامي المصري الرجل الجريء القوي بأنه «حمش».»٢٦

وهذا التناقض في رواية التوراة، لا يفسره إلا أن الخارجين مع إخناتون من مصريين، كانوا عسكرًا مدربين من حرسه الخاص وحرس مدينته، إضافة إلى ما تبقَّى من أسرى الهكسوس، وكانوا بدورهم من المقاتلين. أما القول بكراهة إخناتون المطلقة للقتال، فيشوبها شكٌ كبير بعد أن علمنا أن العمارنة في زمنه، كانت أكبر ثكنة مسلحة في مصر، ناهيك عن كونه ارتكب ما هو أبشع من القتل، بإفناء أبيه نفسه بمحو اسمه من الآثار في قتل أبدي، ناهيك عن تعصبه الأعمى الذي ملك عليه عقله وقلبه ضد كل أديان مصر وكهنتها، وانتهى بإغلاق جميع المعابد ومصادرة أموالها. وهو أمرٌ لا شك لم يتم بهدوء ودون عنف قد صحب تلك الحملة المخيفة على مأثور مصر التليد، الذي عاشت عليه طوال تاريخها، وسكن قلوب المصريين وعقولهم ومشاعرهم عبر قرون طويلة.

وتقول التوراة إن الخارجين من مصر بقيادة موسى، قد خرجوا بأملاكهم وسوائمهم، بل كانت لديهم كميات كثيرة وهائلة من الذهب. ومن هذا الذهب صنع لهم هارون العجل الذهبي؛ ليعبدوه إبان غياب موسى فوق جبل الشريعة أربعين يومًا. وحتى تبرر التوراة وجود هذه الكميات الهائلة من الذهب، ساقت تبريرًا غريبًا وغير مقبول لا عقلًا ولا منطقًا، ولا يتفق وواقع بني إسرائيل في مصر، فتقول بلسان الرب وهو يخاطب موسى:

ولكني أعلم أن ملك مصر لا يدعكم تمضون ولا بيدٍ قوية، فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها، وبعد ذلك يطلقكم، وأعطى نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين، فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين، بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهبًا وثيابًا، وتضعونها على بنيكم وبناتكم، فتسلبون المصريين.

(خروج، ٣: ١٩–٢٢)
وهكذا، ورغم تأكيد التوراة أن الإسرائيليين كانوا يسكنون في منطقةٍ خاصة لا يسكنها المصريون، وهو ما يؤكد لنا فكرة مدينة المنفى، التي جاء ذكرها في نصوص حور محب، وأن ذلك المكان الخاص البعيد عن المصريين، أعطى رب اليهود فرصةً لإنزال ضرباته بالشعب المصري، دون أن يصيب الإسرائيليين، فإننا في هذا النص نجدهم يسكنون بين المصريين، ويستعيرون حليهم الذهبية، ليسلبوها ويخرجوا بها من مصر، وتعود التوراة ليلة الخروج تؤكد أن ذلك ما حدث فتقول:

وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا، وأعطى الرب نعمةً للشعب في عيون المصريين، حتى أعاروهم فسلبوا المصريين. فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوت، نحو ستمائة ألف ماشٍ من الرجال عدا الأولاد، وصعد معهم لفيفٌ كثير أيضًا مع غنمٍ وبقر ومواشٍ وافرة جدًّا، وخبزوا العجين الذي أخرجوه من مصر خبز مَلَّة فطيرًا؛ إذ كان لم يختمر؛ لأنهم طردوا من مصر ولم يقدروا أن يتأخروا.

(خروج، ١٢: ٣٥–٣٩)

وهكذا نفذ بنو إسرائيل الخطة فسلبوا المصريين — الذين لم يكونوا بينهم أصلًا — ذهبهم، وخبزوا عجينًا للطعام، لكنهم طردوا في تلك الليلة من مصر ولم يخرجوا مطاردين، فصنعوا عجينهم فطيرًا؛ لأنه لم يكن قد اختمر، حتى يمكنهم تنفيذ أمر الطرد في موعده، لكن ذلك كله يسقط أمام أهم معجزات التوراة بالضربات العشر، والتي تمت حيث يقيم المصريين ولم تحدث حيث كان يقيم الإسرائيليون، مما يسقط مسألة الاستدانة والهرب بالذهب، بأمرٍ إلهي يكسر كل القيم الأخلاقية. إن كاتب التوراة فضَّل أن يسيء لربه على أن يعترف بالحقيقة. والحقيقة هي أن هذا الذهب كان ذهبًا ملكيًّا، وما كان يمكن مصادرة ذهب ملك، حتى لو كان ملكًا مخلوعًا. هو الذهب الذي كان بحوزة إخناتون، وخرج به من مصر زعيمًا للخارجين والمهزومين المطرودين.

أما المبهر حقًّا فهو أننا قد وقعنا على لوحةٍ من أوغاريت بسوريا، لم يجد لها الباحثون تفسيرًا، وعقب بعضهم عليها بالقول: «رُسم ملك يتعبد أمام الإله إيل من رأس شمرا أوغاريت، يظهر الملك بلباس مصري، وقد يمثل الرسم فرعون مصر أو ملك أوغاريت في زي مصري.»٢٧ لكن اللوحة أمامنا واضحة تمامًا وفق نظريتنا، فالتاج العالي هنا على رأس الملك، ليس تاج الوجه البحري ولا القبلي، لكنه غطاء رأس عالٍ وبارز جدًّا، ولا يميزه فرعونيًّا سوى الحية البارزة منه إلى الأمام، وصورة رع منشور الجناحين بأعلى اللوحة، ويتلقى هذا الفرعون ألواحًا من الإله (ألواح موسى)، بل وتعمد اللوحة إلى تصوير بارز بين أنه يتناول لوحين بالتحديد، ويمسك بذات اليد عصا رأسها رأس حية، وهي لوحة تمزج بين موسى الذي تلقى الألواح وبين فرعون مصري، لن يكون سوى إخناتون حسب نظريتنا. أليس هذا بدليل شديد البهرة على صدق ما قلنا حتى الآن؟
figure
شكل رقم «٢٣٨».
ثم يصف لنا ابن قتيبة شخص النبي موسى وأخيه هارون، وصفًا يذكرنا بالعماليق فيقول: «قال وهب بن منبه: موسى بن عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم … وكان موسى عليه السلام آدم جعدًا طوالًا، كأنه من رجال شنوءة، وكان هارون أطول من موسى وأكنز لحمًا، وأبيض جسمًا وأغلظ ألواحًا.»٢٨

وبنظرةٍ في فنون مصر لن تجد فرعونًا أطول من الفرعون إخناتون، ثم الفرعون آي وهو بدوره من أسرة العمارنة.

ضمن اللوحات التي ضمها كتاب «بعل هداد» جاءت هذه اللوحة، في صدفةٍ عبقرية لتؤكد نظريتنا تأكيدًا تامًّا، وقد عقب المؤلفان على اللوحة بالكلمات التالية: «رسم لملكٍ يتعبد أمام أب الآلهة إيل من رأس شمرا/أوغاريت. يظهر الملك بلباسٍ مصري، وقد يمثل الرسم فرعون مصر أو ملك أوغاريت في زيٍّ مصري.» هذا بينما اللوحة تسجل ذكرياتٍ كانت معلومة للفنان التي رسمها، تلك الذكريات التي كشف عنها كتابنا هذا: الجالس على العرش هو الإله يهوه ذو القرون، وأعلى اللوحة رسمًا لرع الشمس المصرية المجنَّحة. والواقف أمام الإله بالفعل فرعون مصري، لكنه يلبس تاجًا بملفحةٍ تتدلَّى على ظهر الفرعون، وهو التاج الخاص بإخناتون وحده. ولا يبدو الفرعون في هيئةٍ تعبُّدية، إنما هو يتسلم لوحين من يهوه، هي عندنا ألواح الشريعة التي تلقَّاها موسى في لوحين، بينما يمسك في اليد الأخرى العصا الحية الموسوية، وجرة ماء لم نجد لها تفسيرًا واضحًا، اللهم إلا رمزية لاسم موسى (ابن الماء). إن تلك اللوحة العبقرية إنما تحكي بإيجاز كل ما أردنا إثباته حتى الآن.

١  سامي سعيد، الرعامسة … سبق ذكره، ص٥٩.
٢  الصليبي، خفايا … سبق ذكره، ص٢٢٨.
٣  باقر، الوجيز … سبق ذكره، ص٤٦١.
٤  عثمان، تاريخ … سبق ذكره، ج١، ص٦٩، ٧٠.
٥  بلوتارك، إيزيس … سبق ذكره، ص٨١.
٦  السواح، الحدث … سبق ذكره، ص٢٦٤.
٧  سليم حسن، مصر القديمة … سبق ذكره، ج٦، ص٤٦.
٨  سامي سعيد، الرعامسة … سبق ذكره، ص١٦١.
٩  سوفوكليس، الملك أوديبوس، أوديبوس في كولوني، أنتجيموني، ترجمة أمين سلامة، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت، ص٣٣.
١٠  رتشي كالدر، رجال ذللوا الصحراء، ترجمة محمد معوض ومحمود الشواربي، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت، ص١٦٨، ١٦٩.
١١  سوفوكليس سبق ذكره، ص٤٢.
١٢  الشعراوي، أساطير … سبق ذكره، ص٢٤٨.
١٣  علي نور، ملامح مصرية في المسرح الإغريقي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، د.ت، ص٥٢.
١٤  أحمد عثمان، في الشعر … سبق ذكره، ص١١٧.
١٥  سوفوكليس سبق ذكره، ص٣٣.
١٦  الشعراوي، أساطير … سبق ذكره، ص٢٥٨.
١٧  شتيندورف وسيل، عندما حكمت … سبق ذكره، ص٢٢٥.
١٨  السواح، أرام … سبق ذكره، ص١٩٦.
١٩  الموضع نفسه.
٢٠  رمضان السيد، تاريخ … سبق ذكره، ١١١.
٢١  آلدريد، إخناتون … سبق ذكره، ص٩٥.
٢٢  فليكوفسكي، أوديب … وإخناتون سبق ذكره، ص١٢٨.
٢٣  سوفوكليس … سبق ذكره، ص٣٢، ٣٣.
٢٤  نفسه، ص٣٢، ٣٤.
٢٥  كمال الصليبي، خفايا … سبق ذكره، ص٢٢٩.
٢٦  الموضع نفسه.
٢٧  اللوحة نقلًا عن كتاب بعل هداد سبق ذكر تفاصيل النشر، ارجع إلى قائمة المصادر.
٢٨  ابن قتيبة، المعارف … سبق ذكره، ص٤٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤