كورال بال العظيم
١
في حِجْر الأمِّ الأبيض عندما شَبَّ بال١
كانت السماء كالعَهد بها، رائعة وساكِنة وشاحبة.
شابَّةً كانت السماء، عارية وعجيبة إلى حدٍّ مَهول،
وذلك كما أحبَّها بال، عندما جاء (إلى هذا العالم) بال.
٢
والسماء بقِيَت على حالِها هناك، في الأفراح وفي الأحزان،
حتى عندما كان بال يَنام ناعِم البال ولا يَراها لأنه مُغمَض
الأجفان.
ففي الليل تكون السماء بَنَفْسجية، بينما يكون بال مُنتشيًا
وسكران،
وفي الصَّباح يكون بال تقيًّا وصالِحًا، بينما تكون هي كالمِشمِش يكسُوها
الشُّحوب.
٣
وفي الخمَّارة، والكنيسة، والمُستشفى
يتعثَّر بال مُتَّزِنًا مُعتدِل المِزاج، ويعوِّد نفسه على كلِّ
الأحوال.
ليكن بال مُتعبًا، يا صغار، فلن يَسقُط أبدًا بال.
حتى إلى الحضيض يأخُذ سماءه معه. بال.
٤
وسْط زحام الآثِمين الذي يثير الخَجَل والحَياء،
رقد بال عارِيًا وراح يتقلَّب بكلِّ هدوء؛
فالسماء وحدَها، لكنَّها السماء على الدوام،
هي التي دثَّرتْ عُريَه بقوَّةٍ وسحبَت عليه الغطاء.
٥
والدنيا، هذه الأُنثى العظيمة التي تَستسلِم ضاحكةً
لكلِّ مَن يرضى بأن تَسحَقَه تحتَ رُكبَتيها.
جادَت عليه أحيانًا بنشوةِ الجَذْب التي يُحبُّها،
لكن بال لم يَمُت: بل راح يتطلَّع إلى الأمام.
٦
وعندما كان بال لا يرى حولَه غير جُثَث الأموات،
كانت شهوتُه العارِمة تتضاعَف على الدَّوام.
لم يزَل لي مكان، هكذا يقول بال، فليس عدَدُها كبيرًا.
لم يزَل لي مكان، كما يقول بال، في حِجْر هذه الأُنثى.
٧
إذا أعطتْكم امرأةٌ كلَّ شيء، على حدِّ قولِ بال،
فدَعُوها تذهب؛ فليس عندَها شيء آخر تُعطيه.
لا تخافوا مِن وجود رجالٍ معها، فذلك أمرٌ غير ذي بال.
أما الأطفال فيَخافُ منهم حتَّى بال.
٨
كلُّ الرذائل لا تخلو من خير.
وكذلك الرجُل الذي يُقدِم عليها، كما يقول بال.
والرذائل شيءٌ لا يُستهان به، لو عرف الإنسان ما يُريد.
فاختاروا منها اثنين؛ لأن (الرَّذيلة) الواحدة فوقَ ما تُطيقون!
٩
لا تكونوا كُسالى، وإلَّا فلا مُتعةَ هناك.
إن ما يُريده الإنسان، كما يقول بال، هو بِعينِه ما ينبغي عليه.
وحين تُفرِزون الوسَخ انتبِهوا لما يقوله بال؛
فهو خيرٌ من ألَّا تفعلوا شيئًا على الإطلاق!
١٠
المُهمُّ ألَّا تكونوا بهذا الخُمول، بهذه الميوعة؛
فليس الاستمتاع، وحقُّ الله، بالأمر الهيِّن!
يحتاج الإنسان لأعضاء قويَّة، كما يَحتاج إلى الخِبرة.
وربما نغَّصَ عليه (عِيشته) كرشٌ سَمين.
١١
بال يَتطلَّع بعينه للصُّقور السِّمان
التي تنتظِر في السماء المُزدَهِية بالنُّجوم جُثَّة بال.
أحيانًا يَتصنَّع بال الموت، فإذا انقضَّ عليه أحدُ الصُّقور
أكلَه بال، في صمت، في وجبة العشاء.
١٢
تحتَ النُّجوم الكئيبة في وادي الآلام
يقطع بال الحقول الفسيحة مُتلمِّظًا بما يَجِده فيها،
فإن وجدَها خالية، مضى يُغنِّي وهو يركُض مُترنِّح الخُطوات،
مُنحدِرًا إلى الغابة الأبدِيَّة لينام.
١٣
وإذا الحجر المُعتِم جذب إليه بال،
فما قِيمة العالَم بالنسبة لبال؟ إن بال شبْعان.
كثيرة هي السَّماوات التي يحمِلها تحت جِفنيه بال.
بحيثُ لو مات فعِنده من السماوات ما يكفيه.
١٤
عندما تَعفَّن في حجر الأرض المُعتِم بال،
كانت السماء ما تزال رائعةً وساكِنة وشاحبة،
شابة وعارية وعجيبة إلى حدٍّ مَهول.
كما أحبَّها ذات يومٍ بال، عندما كان بال حيًّا لا يزال.
١
راجع الهامش ٢ [مقدمة الطبعة الأولى: حياة برتولت برشت وأعماله] وقد فضَّلتُ الإبقاء
على الاسم
«بال» كما ورَد في الأصل بدَلًا من «بعل» الأصح منها من ناحِية
الرَّسم والصوت؛ حِرصًا منِّي على المُحافظة بقدْر الإمكان على
الإيقاع. راجِع الترجمة العربية التي سبَقت الإشارة إليها لتجِد
فيها هذا النَّشيد الجماعي الذي يطفَح بالعدَمِيَّة والفوضوية،
ناهيك عن الشَّراسة والعُدوانية!