قصائد من مجموعة «المِسينج كاوف» (أو شراء النحاس) (١٩٣٥–١٩٤٠م)
هكذا يُربِّي الإنسان نفسه حين يُغيِّر نفسه١
حين يقول نعم، حين يقول لا،
حين يضرِب، وحين يُضرَب
حين ينضمُّ إلى هذا الجمع من الناس
وحين ينضمُّ إلى ذلك الجَمع.
هكذا يُربِّي الإنسان نفسه، من خلال تغييره لنفسه،
وهكذا تنشأ صورته في نُفوسنا
من حيث يُشبِهُنا، ومن حيث لا يُشبِهنا.
عن السُّهولة
انظروا وتمعَّنوا في السُّهولة
التي يُمزِّق بها النهر الجبَّار السُّدُود،
وكيف يهزُّ الزلزال
الأرض بيدٍ كسول مُتراخية.
وتزحف النار المُفزِعة
برشاقةٍ على المدينة المُزدحِمة بالبيوت.
وتلتهِمُها بمتعةٍ وسرور،
هذه الأكول المدرَّبة.
يا لذَّة البَدء الجديد!
يا لَلذَّة البَدء من البداية!
يا للصُّبح الباكر!
والعُشب الذي يبزُغ لأوَّل مرَّة
عندما يبدو أن الخُضرة قد نُسيَت!
يا لأوَّل صفحةٍ من الكِتاب الذي طال انتظارُه،
هذه الصفحة العجيبة المُدهِشة!
اقرأ في بطء،
وبأقصى سُرعة سيسهُل عليك قراءة الجُزء الذي لم تطَّلِع عليه!
وحِفنة الماء التي نبدأ بها غَسل الوَجه المُتصبِّب عرقًا!
والقميص النَّظيف الرَّطب (مع اللبسة الأولى).
يا لبداية الحُب! للنظرة التي تَخبل العقل!
ويا لَبداية العمل! ملء الآلة البارِدة بالزَّيت!
اللمسة الأولى باليد والأزيز الأوَّل للموتور
الذي يبدأ في التحرُّك!
وخَيط الدُّخان الأول الذي يملأ الرِّئة!
وأنتِ أيَّتها الفِكرة الجديدة!
عن التقليد٢
إن الذي يُقلِّد فحسْب
دونَ أن يكون لديه ما يقوله
عمَّا يُقلِّده،
يُشبِه الشيمبانزي المِسكين
الذي يقلِّد مُروِّضَه في التَّدخين
دون أن يُدخِّن.
أبدًا لن يكون التقليد البليد
هو التقليد الحقيقي.
الموقِف النقدي
يتصوَّر الكثيرون
أن المَوقِف النقدي موقِف عقيم.
والسبب في هذا أنهم يُحسُّون
أنَّ نقدَهم لا يُغيِّر شيئًا من أحوال الدولة.
غير أنَّ هذا المَوقِف العقيم
ما هو في الواقع إلَّا موقف ضعيف.
فعن طريق النقد المُسلَّح
يُمكن ان تُسحَق دول سَحقًا.
إن تنظيم نهرٍ،
وتهذيب شجرة فاكهة،
وتربية إنسان،
والتَّغيير الجذري لدولة؛
كلُّها أمثِلة على النقد الخصب.
وهي كذلك أمثِلة على الفن.
تمثيل ﻫ. ف.٣
بالرغم من أنها عرَضت كلَّ ما هو ضروري
لفَهم زَوجة صيَّاد سمك،
فإنها لم تَتقمَّص (شخصيَّتَها) ولم تتحوَّل إليها تمامًا،
وإنما مثَّلت دَورَها بطريقةٍ
تُوحي بأنها كانت مَشغولة كذلك بالتفكير العَميق،
كأنما تتساءَل باستمرار:
كيف كان الأمر في الواقع؟
ومع أن المُشاهِد لم يكُن ليستطيع بصفةٍ دائمة
أن يُخمِّن بأفكارها الخاصَّة عن زوجة الصياد،
فقد بيَّنَت على كلِّ حالٍ
أن أمثال تلك الأفكار دارت في ذِهنها.
وأنها دَعَتِ المُتفرِّجين للتفكير فيها.
١
تنتمي هذه القصيدة مع القَصيدتَين التاليَتَين لها إلى مجموعة أشعاره
التي كتبَها بين سنتي ١٩٣٥ و١٩٤٠م. ودار مُعظمها حول المسرح العادي والمسرح
الملحمي وتدريب المُمثِّلين ودَورهم في إبراز تناقُضات الواقع وتنبيه
المُتفرِّج إليها وإلى الصراع الحَتميِّ بين الجديد والقديم وبين الثورة
والتسليم بما هو سائد … إلخ. وذلك تحت عنوان قصائد من المِسينجكاوف (شراء
النحاس الأصفر).
٢
الأصوب هي المُحاكاة. ومعلوم أن المُحاكاة الحرَّة الخلَّاقة كانت وراء
النَّهضات الحضارية في الآداب والفنون والعلوم، لكنَّني آثرتُ كلِمةَ
التَّقليد لعُموميَّتِها وبُعدِها عن المُصطلَح الفنِّي (المُحاكاة)
المُثقَل بالتاريخ.
٣
اختصار لاسم المُمثِّلة هيلينه فيجل زوجة برشت ورفيقته في مَنفاه،
وشريكته المُخلِصة في إدارة فِرقتهما المسرحية المعروفة «بفرقة برلين» على
مسرح «الشفباوردام» — وقد اشتُهرت شُهرةً عالمية بدَورها الخالد في مسرحية
الأمُّ شجاعة، وفي مسرحيات أخرى عديدة كالأمِّ، ورُعب الرايخ الثالث وبؤسه،
وبنادِق السيدة كارار المُشار إليها في هذه القصيدة.