قصيدتان على لسان هيلينه فيجل
وجهي مَدهون بالأصباغ،
مُطهَّر من كلِّ تأثيرٍ خاص،
مُفرَّغ لكي يَعكِس الأفكار
بحيث يُصبِح الآن قابلًا للتغيير،
شأنه شأن الصَّوت والإيماءة.
الجسد الطَّلق
جسدي حرٌّ طلْق،
أعضائي خفيفة ومُرتخِية،
وجميع الأوضاع المفروضة
ستكون مُلائمة لها.
مُناجاة مُمثِّلة تدهُن وجهها١
سأُمثِّل دَور سِكِّيرة
تبيع أطفالها في باريس،
في زمن الثَّورة المعروفة «بالكومونة».
وعليَّ أن أتفوَّه بعباراتٍ خمسٍ لا غَير.
لكن عليَّ أيضًا أن أسيرَ مُصعِدةً من الشارع،
وسأمشي مِشيَةَ إنسانٍ مُتحرِّر،
إنسان لم يشأ أحد
— غير الخمر — أن يُحرِّره،
وسوف أتلفَّتُ ورائي كالسِّكِّيرين
الذين يَخشَون أن يتَتبَّعُهم أحد،
وأستَدِير مُتَّجهةً نحو الجمهور.
فحصتُ عباراتي الخمس كما تُفحَص الوثائق
التي تُغسَل بالأحماض
للتأكُّد من عدَم وجود خطوطٍ أُخرى
تحت سطورها المكتوبة.
سوف أنطِق كلَّ عبارة
كما لو كانت تُهمةً مُوجَّهةً إليَّ
وإلى كلِّ المُشاهدين الذين ينظرون إليَّ.
لو كنتُ بلهاءَ لصبغتُ وجهي كما تفعَل سِكِّيرة عَجوز
فاسدة أو مريضة، لكنَّني سأظهَر على الخَشبة كامرأةٍ جميلة،
امرأة مُحطَّمة بجلدٍ أصفر كان ناعمًا ذات يوم.
مُخرَّبة بَشِعة المنظر، وكانت في الماضي مُثيرة؛
لكي يسأل كلُّ متفرج:
من المسئول عمَّا جرى لها؟
البحث عن الجديد والقديم
عندما تقرءون أدواركم،
فاحِصين لها، مُستعدِّين لإبداء دهشتكم،
فابحثوا عن الجديد والقديم،
لأنَّ زَمننا وزمن أولادنا
هو زَمن صراع الجديد مع القديم.
مكر العاملة العجوز التي تأخذ من المُعلِّم معرفته
كأنها تحمِل عنه عِبئًا ثقيلًا جدًّا،
هو شيء جديد وينبغي أن يُعرَض كشيءٍ جديد.
كما يقول المثَل الشعبي: أثناء تحوُّل القمر
يحمِل القمر الجديد القمر القديم
ليلةً كامِلةً بين ذراعيه.
ضعوا «الآتي» و«الذاهب» دائمًا في اعتباركم!
إن الصراع بين الطبَقات،
والصِّراع بين القديم والجديد
يَجيش كذلك في داخل الفرد.
كلُّ مشاعر شخصيَّاتكم وتصرُّفاتهم
افحصوها بحثًا عن الجديد والقديم!
آمال الأم شجاعة التاجِرة تُفضي بأولادها إلى الموت.
لكن يأس الخرساء من الحرب ينتمي للجديد.
وحركاتها العاجِزة وهي تجرُّ الطبلة المُنقِذة إلى السطح
ينبغي أن تملأ نفوسكم بالفخر،
وشطارة التاجِرة التي لا تتعلَّم شيئًا،
ينبغي أن تملأ قلوبكم بالشَّفَقَة والرِّثاء.
وعند قراءاتكم لأدواركم وفَحصِكم لها،
مع استعدادكم للاندِهاش،
افرحوا بالجديد
واخجَلوا من القديم.
أُغنِية كاتِب المسرحيَّات
أنا كاتب مسرحيات.
أعرض عليكم ما رأيتُه بعيني.
شاهدتُ في أسواق البَشر
كيف يُشترَى الإنسان ويُباع.
هذا ما أعرِضُه عليكم
أنا كاتِب المسرحيات.
كيف يَدخُلون الحجرات على بعضهم والخُطط في أيديهم
أو العِصي المطاطية أو النقود.
كيف يقِفون في الشوارع وينتظرون.
كيف ينصبون الفِخاخ لبعضهم
والأمل يملأ نفوسهم.
كيف يَتواعَدون.
كيف يشنُقون بعضهم.
كيف يتبادَلون الحبَّ.
كيف يُدافِعون عن الفريسة.
كيف يأكلون.
كلُّ هذا أعرِضه عليكم.
الكلمات، التي يُنادون بها بعضَهم، أنقِلها لكم.
ما تقوله الأم لابنها،
ما يأمر به صاحِب الأعمال العامل،
ما تُجيب به الزَّوجة زوجها،
كلُّ الكلِمات المُتوسِّلة، الآمِرة،
المُستعطِفة،
الكلِمات التي يُساء فَهمها،
والكلمات الكاذِبة،
الكلِمات الجاهِلة والجميلة والجارحة.
كل هذا أنقِله لكم.
أرى هناك ثلوجًا تتساقَط،
وأرى أمامي زَلازِل تقترِب من هناك،
وجِبالًا تعترِض الطريق،
وأنهارًا تفيض على الشاطئين.
لكنَّ الثُّلوج تحمِل قُبَّعاتٍ فوق رءوسِها،
والزلازل تحمِل نقودًا في جيب الصدر.
الجِبال نزلَت من مَركَبات،
والأنهار الصاخِبة تتحكَّم في رجال البوليس.
كل هذا أكشِف لكم عنه.
لأستطيع أن أعرِض عليكم ما أراه،
أُطالِع عروض شعوبٍ أخرى وعصور خالية.
أعدتُ كتابة بعض المسرحيات،
فَحصْتُ صنعتها بدقة،
وطبعتُ في نفسي
ما أستطيع أن أُفيد منه.
درستُ أحوال الإقطاعيِّين الكِبار
كما صوَّرها الإنجليز
في شخصيَّات ثرية
تستغلُّ العالم
لتزداد عظمة.
درستُ كِتاب الإسبان الذين يميلون لتقديم دُروسٍ في الأخلاق،
والهنود أساتذة العواطِف الجميلة،
والصِّينيِّين الذين يُصوِّرون حياة العائلات
والأقدار المُتنوِّعة في المُدن.
ما أسرعَ ما تبدَّلت على أيامي
مناظر البيوت والمدن،
حتى كان السفر لمُدَّة عامين
والعودة منه بمثابة رِحلة إلى مدينة أخرى.
وكم تبدَّلت بصورة هائلة
ملامِح الناس في سنواتٍ قليلة.
رأيت عُمَّالًا يدخلون من بوابة المصنع،
وكانت البوابة عالية،
غير أنهم حِين خرجوا منها
اضطرُّوا أن يُحنوا قامَتهم.
عندها قلتُ لنفسي:
كلُّ شيءٍ يتغيَّر،
وكلُّ شيءٍ مرهون بزمانه.
هكذا أعطيتُ كلَّ مشهدٍ علامةً تميِّزه،
ورسمتُ ساحة كلِّ مصنعٍ وكلِّ حجرةٍ بالرقْم الدالِّ على
سَنَتِها.
كما يَسِمُ الرُّعاة بالأعداد ماشِيتهم،
لكي يسهُل عليهم التعرُّف عليها.
كذلك العِبارات التي قِيلت هناك،
أعطيتُها علامَتها المُميزة،
حتى صارت كالكلِمات المأثورة
التي يقولُها الفانون،
والتي يُدوِّنونها
لكيلا ينساها الناس.
لكنَّني أسلمتُ كلَّ شيءٍ للدَّهشة،
حتى أشدُّ الأشياء أُلفة
الأمُّ التي تُناوِل ثديَها لطفلِها
تحدَّثتُ عنها كما لو كنتُ أتحدَّث عن شيءٍ
لن يُصدِّقَه أحد.
البوَّاب الذي أوصَدَ الباب
في وجوه المَقرورين
تحدَّثتُ عنه كما لو كنتُ أروي شيئًا
لم ترَه عين بشر.
١
كان من عادة المُمثِّلة الكبيرة في بعض المَسرحيَّات أن تقوم بدَهْن
وجهها (أو بعمل الميك-أب) بصورة مُختلِفة قبل كلِّ مشهد. فإذا ظهرَت في أحد
المشاهد بِغير تَجميل، عُرِف أن ذلك مقصود لإحداث تأثيرٍ مُعيَّنٍ على
المُتفرج.