العجائز الصغيرات
عن شارل بودلير
أجل، أنا أتتبَّع أحيانًا هؤلاء النِّسوة العجائز الصغيرات!
ذات مرة، عندما مالت الشمس للمغيب،
وصُبِغت السماء بلَون الجراح الدامية،
جلسَت إحداهنَّ على طرف أريكة وهي مُستغرِقة في التفكير.
وراحت تُنصت لإحدى فِرَق الموسيقى النحاسية البربرية
التي يُغرِق بها الجيش من حين لآخر حدائقنا العامة
— في تلك الأمسيات الذهبيَّة التي يشعُر فيها المرء بالحيوية —
وبذلك يصبُّ في قلوب سكان المُدن الإحساس بالبطولة.
أخذت هذه العجوز — التي لم تزل مُستقيمة الظهر —
وهي تشعُر بالفخر كأنها تتحسَّس صليل السُّيوف
(أخذت تبتلِع في نهَمٍ تلك الأنغام الحربية الصاخبة،
وعينها تتَّسِع من وقتٍ لآخر كعين نَسرٍ عجوز،
وجبهتها تبدو كأنما قُدَّت من أحجار جبال الألب؛
لكي تُتوَّج بإكليل من الغار).