عن أوبرا القُروش الثلاثة (١٩٢٨م)
موَّال ميكي ميسَّر
وسَمكُ القِرش له أسنان
بارِزة تبدو في وجهه،
ولدَي ماكهيث سكِّين،
لكن لا تلمَحها عين.
آه! والقرش زَعانِفه
تحمرُّ إذا سال الدَّم.
ولميكي ميسَّر قفَّاز
أبيض ما لوَّثَه الآثم.
في التميز وفي الماء الأخضر،
يتساقَط يوميًّا قتلى.
لا هو طاعون أو كوليرا،
لكن ماكهيث يتمشَّى.
يومًا — واليوم هو الأحد —
والجوُّ هنا صفوٌ رائع،
نكتشِف على الشطِّ قتيلًا،
ونلاحِظ رجُلًا في الشارع.
نسأل فيُقال لنا همسًا:
الرجُل يُسمَّى ميكي ميسر.
وثَرِيٌّ يُدعى شمول ماير،
وكذلك بعض ذوي الثَّروة
ذهبوا لا حسَّ ولا خبر.
سرَقَهم اللصُّ ميكي ميسر،
لكن من يُثبِت تهمته؟
وجَدوا المِسكينة «جيني فاولر»،
طُعنِت في الصَّدْر بسكين،
ورأوا ميكي ميسر في المينا،
يتمشَّى لا يعرِف شيئًا.
لا يعرِف شيئًا بالمرَّة.
والسائق «ألفونس جلايت»،
هل يظهر يومًا في النور؟
لو عرَف الناس جميعهم،
ميكي ميسر لا يعرِف شيئًا.
قد شبَّ حريق في سوهو،
والنار تلظَّت والتهمت
سبعة أطفالٍ وعجوزًا،
ورأوه في الزحمة يمشي،
لكن من يَجرؤ يسأله.
هل يُسأل شخصٌ لا يدري؟
تلك الأرملة المسكينة،
سَمَّوها الأرملة القاصر.
فتحت عينيها في يوم،
فإذا هي بالعار طعينة.
يا ميكي: كم يبلُغ سعرُك،
والأجرُ عن الفِعل الفاجر؟
ترنيمة الحياة الطيِّبة
١
ها هم يُمجِّدون لنا حياة أصحاب العقول الحرَّة
الذين يعيشون مع كتابٍ ولا شيء في المِعدة.
في كوخ (بائس) تقرِضُه الجُرذان،
فليُريحوني من هذا الكلام اللزج!
وليعِشْ حياةَ الكفاف من يشاء!
فقد شبِعتُ منها — بيني وبينكم — وأخذتُ ما يكفيني.
ما من عصفور صغير من هنا إلى بابل
كان يُمكِنه أن يحتَمِل ليومٍ واحدٍ هذا الطعام.
بماذا تنفَع الحرِّية هنا والعَيش غير مُريح؟
إنَّ من يحيا في الرَّخاء هو وحده الذي يحيا حياة طيبة!
٢
هؤلاء المُغامِرون وطموحهم الجسور،
الذين يشتَهون سلْخَ الجِلْد وعرْضه في السوق،
والذين هم أحرار على الدَّوام ويُصرُّون على قول الحقيقة،
حتى يجِد أصحاب الكروش شيئًا جريئًا يُمكِن أن يقرءوه.
عندَما ترى الواحد منهم وهو يرتَجِف من البَردِ في المساء،
ويدخُل صامتًا مع زوجته المُتجمِّدة في الفراش،
وهو يتنصَّت لعلَّه يسمع أحدًا يُصفِّق،
ولا يَفهم شيئًا (مما يقول).
وفي تعاسةٍ يُحملِق في سنةِ خمسةِ آلاف.
الآن أكتَفي بأن أسألَكم هذا السؤال: هل هذا شيءٌ مُريح؟
إنَّ من يحيا في الرَّخاء هو وحدَه الذي يحيا حياةً طيبة!
٣
أنا نفسي كان مِن المُمكِن أن أعذُر نفسي
لو كنتُ اخترتُ أن أكون عظيمًا ووحيدًا،
لكنني لما رأيتُ عن قُربٍ هؤلاء الناس،
قلتُ لنفسي: خير لك أن تُقلِع عن هذا.
الفقر يجلُب — بجانب الحِكمة — الضِّيق والمَلل.
والجَسارة — بجانب المَجد — تجلُب المَتاعِب المريرة.
أنت الآن ترى نفسك حكيمًا وجسورًا بالرُّوح
لأنك ستكفُّ الآن نهائيًّا عن التطلُّع للعظمة والمجد.
عندئذٍ تنحَلُّ من نفسها مُشكلة السعادة والحظ.
من يحيا في الرخاء، هو وحده الذي يحيا حياة طيبة.١
أُغنية سليمان
١
رأيتُم سليمان الحكيم،
وتعرفون ما جرى له!
كلُّ شيءٍ كان واضحًا عنده وضوح الشمس.
لعَن الساعة التي وُلِد فيها،
ورأى أن الكُلَّ باطِل.
كم كان سليمان عظيمًا وحكيمًا!
وانظروا، لم يكن الليل قد جاء،
حتى رأى العالم النتائج:
الحِكمة قد ذهبتْ به بعيدًا جدًّا!
جديرٌ بالحسد، من كان عاطِلًا منها!
٢
رأيتم كليوباترا الجميلة،
وتعرِفون ما جرى لها!
قَيْصران سقَطا فريسةً لها،
ففَجَرتْ حتى الموت،
ثم ذَوتْ وأصبحت ترابًا.
كم كانت بابل جميلة وعظيمة!
وانظروا، لم يكن الليل قد جاء،
حتى رأى العالَم النتائج:
كان الجمال قد ذهب بها بعيدًا جدًّا!
جدير بالحسد، من كان عاطلًا منه!
٣
رأيتم قَيْصر الجسور،
وتعرِفون ما جرى له!
جلَس مِثل إلهٍ على المَذبح،
وقُتل، كما سَمِعتم،
حين كان في أَوج عظمته.
صرخ صرخته العالية: «حتى أنت، يا ولدي!»
وانظروا، لم يكن الليل قد جاء،
حتى رأى العالَم النتائج:
الجَسارة قد ذهبتْ به بعيدًا جدًّا!
جدير بالحسد من كان عاطلًا منها!
٤
تعرفون سُقراط المُخلِص الأمين،
الذي أعلَن الحقيقة على الدَّوام.
لكنَّهم لم يعترِفوا بفضلِه،
بل غَدَر به الكبار وتآمروا عليه،
وحكموا عليه بِشُربِ السُّم.
كم كان مُخلِصًا ابن الشعب العظيم!
وانظروا، لم يكن الليل قد جاء،
حتى رأى العالَم النتائج:
الإخلاص قد ذهبَ به بعيدًا جدًّا!
جدير بالحسد، من كان خاليًا منه!
٥
تعرِفون برشت المُتعطِّش للمعرفة.
غنَّيْتم جميعًا أغانيه!
كثيرًا ما سأل وألَحَّ في السؤال:
من أين يأتي للأثرِياء ثراؤهم؟
عندما طردْتموه من البلاد.
كم كان تَعطُّشه للمعرفة شديدًا!
وانظروا، لم يكن الليل قد جاء
حتى رأى العالَم النتائج:
كان تعطُّشه للمعرفة قد ذهب به بعيدًا جدًّا.
جدير بالحسد، من كان خاليًا منه!
٦
وها أنتم الآن تَرون السيد ماكهيث،
ورأسه مُعلَّقٌ على شَعرةٍ واحدة!
فعِندما كان يتبع «صوت» العقل،
ويسرِق ما يُمكن أن يُسرَق،
بَقِيَ عظيمًا في أهْلِ حِرفته.
ثمَّ ذهب قلبُه معه حيثُما ذهب!
وها أنتم ترَون الآن أن الليل لم يأتِ بعدُ،
ولكن العالَم قد رأى النتائج بالفعل:
الشَّهوة الحِسيَّة قد ذهبتْ به بعيدًا جدًّا.
محسود من يتحرَّر منها!
١
صاغ برشت هذه الترنيمة أو الحكاية الشعرية وأعاد صِياغتها
ونوَّع عليها أكثر من مرة، وقد حاولتُ التوفيق بين هذه
الصِّيَغ التي تُعزَف في الحقيقة على لحنٍ أساسيٍّ واحد
سمِعناه قبلَ ذلك في أكثر من قصيدةٍ وتكرَّر أيضًا في هذه
الأوبرا بالذات: في البَدء يأتي الطَّعام ثُمَّ تأتي بعده
الأخلاق! وليت الذين لا يمَلُّون عندنا من الكلام عن القِيَم
والفضائل والنِّعم الروحية يتذكَّرون في نفس الوقت أن
الغالبيَّة العُظمى ممن يسمعونهم أو يقرءون لهم يُعانون آلامًا
حقيقية من سوء الأحوال وخواء البطون، ها هو الشاعر «الملعون في
عصره» من السادة الكبار وتُجَّار الحروب وأصحاب الاحتكارات
يقول في القصيدة التي أورَدْتُ السطر السابق منها: أيها
السادة، يا من تُعلِّموننا كيفَ نعيشُ مُهذَّبين، ونتجنَّب
الآثام والرذائل، عليكم أولًا أن تُعطونا ما نأكله، ثم
يُمكِنكم أن تتكلَّموا: ومن هنا البداية، اعلموا مرَّةً واحِدة
وإلى الأبد، مهما فحصتُم الأمر وقلَّبتُموه على وجوهه: في
البدء يأتي الطعام، ثم تأتي بعدَه الأخلاق! (الأشعار الكاملة،
قصيدة على أيِّ شيءٍ يحيا الإنسان، ص١١١٦-١١١٧.)