أيتها المرأة لا تكوني لعبة
إني أدعوك، أيتها المرأة المصرية، إلى أن تثبتي وجودك الإنساني والاجتماعي في الدنيا بالعمل والإقدام، وأن تختاري حياتك واختباراتك.
أدعوك إلى أن تدربي ذكاءك، وتربي شخصيتك، وتستقلي في تعيين سلوكك، وتزدادي فهمًا وخيرًا ونضجًا بالسنين.
لا تكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال، للذتنا نشتري لك الملابس الزاهية، والجواهر المشخشخة، ونطالبك بتنعيم بشرتك، وتزيين شعرك، وكأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك ونلهو.
ليس شك أن أنوثتك جميلة، وليس شك أنك تعتزين بجمالك وتعنين به. ولكن لا تكوني لعبة.
أنت إنسان لك جميع الحقوق الإنسانية التي للرجل، فلا تقبلي أن ينكر عليك أحد هذه الحقوق وأن يعين لك طراز حياتك.
أنت إنسان لك حق الحياة واقتحام التجارب البشرية وحق الإصابة والخطأ؛ لأنك، بغير ذلك، لا تحصلين على تربية إنسانية؛ أي لا تكبرين ولا تنضجين بل تبقين طفلة ولعبة ولو بلغت الستين أو السبعين من العمر.
سيقال لك إن البيت هو دائرة نشاطك. وهو كذلك إذا شئت أنت، ولكن ليس لأن هناك حكمًا سماويًّا قهريًّا يجبرك على الطاعة وعلى البقاء في البيت. ثم اذكري أنه ليس في الدنيا بيت يمكنه أن يستوعب كل نشاط المرأة.
البيت أصغر من أن يستوعب كل إنسانيتك، وكل عقلك، وكل قلبك؛ لأن الدنيا الواسعة هي بيتك الأول.
يجب أن تحيي في الدنيا قبل أن تحيي في البيت، أو مع حياتك في البيت.
أنت لست خادمة الرجل يلعب بك ويلهو، وتنجبي له الأطفال، وتطبخي له الطعام، وتغسلي له المرحاض.
أنت شريكته إذا شئت، ولست خادمته.
أنت أم الرجل، وأخته، وزوجته، وزميلته. ولكن يجب ألا تكوني خادمته أو لعبته.
أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور، ولك قدرة على الفهم لم يرتفع إليها حي في كل هذه السنين. فلا تبخسي قدرك، وتحيلي شخصيتك إلى لعبة. ولا ترضي بأن تكوني خادمة الرجل؛ إذ هو لا يمتاز عليك بأية ميزة.
أنت أغلى في تقدير الطبيعة من أن تكوني لعبة أو خادمة. وأنت تخونين روحك إذا لم تستقلي في هذا الكون، وتحيي الحياة المستقلة، وتنظري النظرة المستقلة إلى شئون العيش.
إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقي في الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزي في العلوم أو الفنون.
وكل هذه التهم صحيحة.
ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران في البيت، ولو قدِّر لنا نحن الرجال أن نُحبس كذلك لكنا في هذه الحال التي تُتَّهمين أنت بها.
ذلك أن الذكاء والشجاعة والسخاء والتبصر والاختراع والاكتشاف، كل هذه الأشياء، هي بعض النشاط الاجتماعي الذي يدعونا إليه المجتمع ويبعث فينا، حين نختلط به ونتفاعل معه، تلك العواطف التي تحثنا على النشاط الذهني أو الجسمي.
لماذا يكبر ذكاؤك إذا كان البيت لا تحتاج واجباته إلا إلى مقدار صغير منه؟ هل الطبخ يحتاج إلى ذكاء كبير؟ هل غسل الملابس يحتاج إلى ذكاء عظيم؟
لماذا تكونين عبقرية؟ هل إدارة البيت تحتاج إلى ذهن عبقري؟
لماذا تحسين المسئوليات الاجتماعية في البر والسخاء والتبصر؟ هل البيت يحتاج إلى كل هذه الصفات؟
إننا، نحن الرجال، لاختلاطنا بالمجتمع، نرسم «تصميم» حياتنا قبل أن نبلغ العشرين؛ وذلك لأن المجتمع يوسع لنا في الطموح. فقد يهدف أحدنا في هذه السن أو قبلها إلى أن يكون وزيرًا أو سفيرًا أو طبيبًا أو معلمًا أو فيلسوفًا أو مهندسًا أو عالمًا أو تاجرًا؛ وعندئذٍ يجد في هذا الهدف وسيلة إلى النشاط الذهني أو العاطفي تحمله إلى غايته فيبلغها، ويجد فيها الرابطة التي تربطه بالمجتمع وتحرك ذكاءه.
ولكن أنت لا تهدفين إلى مثل هذا الهدف لأن المجتمع يفصلك، وكأنه ينبذك؛ وعندئذٍ لا تجدين العاطفة التي تحثك على النشاط، أي لا تجدين الوسائل لتدريب ذكائك وشجاعتك وسخائك وبصيرتك.
أنت معطلة الذهن لأنك لا تهدفين إلى الأهداف الاجتماعية العظيمة التي يهدف إليها الرجل. ونتيجة ذلك أنه يدرب ذهنه فيكون ذكيًّا بل عبقريًّا. أما أنت فلا تدربين ذهنك بل تعطلينه.
إنما يتربى الذكاء والفهم والعبقرية بالاشتباكات الاجتماعية، ومصادمة المشكلات في المجتمع ومحاولة حلها. ولا ذكاء ولا عبقرية ولا فهم لإنسان ينفصل من المجتمع.
أنت، أيتها المرأة المصرية، مفصولة من المجتمع؛ ولذلك لا يجد ذكاؤك التدريب الذي يحتاج إليه، فيتبلد.
أنت تحيين على هذه الدنيا ٧٠ أو ٨٠ سنة، فلماذا تحيينها في حدود وقيود؟
إننا نحن الرجال نستمتع بالتجربة؛ أي نستمتع بالتربية.
وليست التربية ما نتعلمه في مدرسة أو جامعة، إنما هي تجارب الحياة واختباراتها وما نصيب وما نخطئ.
وليس الخطأ سوى إصابة سلبية؛ فيجب ألا نخشاه.
يجب أيتها المرأة المصرية أن تزاملي الرجل في العمل، ولا تعملي وحدك. بل يجب أن تبدئي الزمالة من الطفولة، تتعلمين وأنت صبية مع الصبايا، وأنت فتاة مع الشبان، ثم تزاملي الرجل في المكتب والمتجر والمصنع.
نحن الرجال والنساء يجب ألا ينفصل أحد جنسينا عن الآخر؛ لأننا عندما ننفصل نقع في شذوذات جنسية بشعة، بل نقع أيضًا في شذوذات ذهنية وعاطفية، فلا نحسن التفكير، ولا نستطيع معالجة أي موضوع إنساني بذكاء فضلًا عن عبقرية.
كوني إنسانًا كما أنت امرأة، ولكن لا تقنعي بأن تكوني أنثى، زاهية الملابس، مصففة الشعر، مجلوة البشرة، تشخشخين بالذهب والألماس.
لا تكوني لعبة نلعب بك ونلهو، حتى إذا شبعنا منك، وبشمنا، تجشأنا وعزفنا.
إننا نحن الرجال نبسط ذكاءنا على بساط رحب من الأعمال والاهتمامات والدراسات، ندرس الجيولوجية ونستخرج البترول من جوف الأرض، ونخترع الطائرات، ونسيح في الهند وأمريكا، ونمارس التجارة، وندرس الفلسفة، ونسافر إلى برلين أو روما أو باريس، ونشتغل بالسياسة، ونهدف إلى أن نكون وزراء أو علماء؛ ولذلك ينشط ذكاؤنا، وقد يرتفع إلى ما نسميه العبقرية.
هذه العبقرية ليست شيئًا موهوبًا مقصورًا على الرجال، إنما هي ثمرة الاهتمامات والأعمال التي تربطنا بالمجتمع وشئونه من علم أو فن. فإذا اشتبكتِ أنتِ في المجتمع فإنك ستذكين وقد ترتفعين إلى العبقرية.
إن الفصل بين الجنسين، وقصر نشاطكِ الذهني والجسمي على البيت، قد ملأ هذا المجتمع المصري بآثام وشرور كادت تحيل أفراده أو بعض أفراده إلى حيوانات.
هذا الفصل هو علة الشذوذ الجنسي الذي يجعل من الرجل حيوانًا، قبيحًا، زريًّا، مريضًا، يحيا في هذه الدنيا حياة سرية يفترس الصبيان ويفسدهم ويحرفهم عن رجولتهم القادمة. ولا علاج لهذه العاهة إلا بالاختلاط بين الجنسين، حتى يتجه الاشتهاء الجنسي وجهته الطبيعية ولا ينحرف، بحيث يحب الرجل المرأة ولا يحب الغلام …
ثم قارني بين المرأة المخدَّرة التي تلزم بيتها وتتبرج لزوجها وبين المرأة المنتجة العاملة. الأولى انفرادية تحمل في نفسها جميع المساوئ التي تنشأ من الأنانية الانفرادية فضلًا عن تحديد ذهنها بالمحظورات والمحرجات. أما الثانية فاجتماعية، تحمل في نفسها جميع الفضائل الاجتماعية، وأولها حرية التفكير وحرية التجربة وحب الخير العام.
إن الفضيلة، مثل الذكاء، عادة اجتماعية؛ إذ ليس هناك معنًى للصدق أو الخير العام، أو الإنسانية، أو الحب للبشر، أو الشهامة، أو الشجاعة، إلا فيما يصل بيننا وبين المجتمع.
قد يقال لك إنك أكرم من أن تلوثي بأدران المجتمع، ولكن إذا كان المجتمع ملوثًا فهو يحتاج إليك كي تطهريه.
وقد يقال إن البيت يحميكِ من كوارث الدنيا، ولكن هذه الكوارث تربينا. وحقك في التربية والنمو والنضج هو في النهاية حقك في الاقتحام ولقاء الكوارث.
تعلمي صناعة، واحترفي حرفة قبل الزواج، حتى تختاري زوجَك عن حبٍّ وتقدير وليس لأنه سيعولك لأنك عاطلة تعجزين عن أن تعولي نفسك. والصناعة فوق ذلك تصون كرامتك، وتصل بينك وبين المجتمع، وتُكسبك الإحساسات الاجتماعية.
إن أخطر ما تعملينه في حياتك، أيتها الفتاة، هو اختيارك لزوجك؛ ذلك أنك بهذا العمل قد اخترت رجلًا سوف يحيا معك ويعاشرك طيلة عمرك. وسوف يكون أبًا لأبنائك، وعلى قدر ما فيه من ميزات بيولوجية، مثل الذكاء الفطري والصحة الجسمية وجمال القوام والوجه، سيكون كل ذلك أو معظمه في أبنائك بنتيجة الوراثة.
ثم على قدر ما فيه من أخلاق ومطامع وعادات سيكون كل ذلك أو معظمه في أبنائك بعامل القدوة.
فلا تهملي الدقة في الاختيار، واجعلي هدفك أن يكون هذا الزوج الذي تختارينه زوج العمر، زوج الحياة، بحيث لا تشكين في أنه سيسأمك ويتزوج غيرك بعد سنة أو سنتين.
ولن تعرفي ذلك إلا إذا كنت قد تعرفت عليه قبل الزواج بجملة شهور، أو بعام كامل، تدرسين أخلاقه وأهدافه وفلسفته في الحياة وآراءه الاجتماعية والإنسانية. ولذلك لا تتعجلي، ولا تغتري، بل تمهلي واستأني.
ثم تذكري أننا كلنا نقول بضرر الطلاق يجري جزافًا واستهتارًا. فإذا كنت أنت من هذا الرأي، وهذا ما لا شك فيه، فيجب ألا تتزوجي رجلًا قد طلق زوجته إلا بعد أن تدرسي الأسباب والحجج التي بنى عليها هذا الطلاق. فإذا وجدت أنه كان عادلًا فتزوجيه، وإلا عدلت عنه حتى يجد من هذه المقاطعة ما يردعه في المستقبل عن الاستهتار.
وكذلك نحن نقول بأن تعدد الزوجات يفسد العائلات، ويحطم أواصر القرابة، ويبعث الإحن بين الأبناء. فعليك ألا تتزوجي رجلًا يجعل لك ضرة كما يجعلك أنت ضرة لزوجة أو لزوجتين أخريين. ولا يمكن أن تتحقق المساواة التي تنشدينها بالجنس الآخر إذا كنت ترضين بأن تكوني واحدة من جملة زوجات لرجل واحد.
إن المساواة بين الجنسين تقتضي الزواج من امرأة واحدة، والرجل الذي يتزوج بأكثر من واحدة إنما يلعب ويعبث بإنسانيتك ويحيلك إلى أنثى فقط.
وإذن عليك قبل الزواج أن تتعلمي حرفةً أو صناعة، حتى لا يحملك عجزك عن أن تعولي نفسك على الارتماء والرضا بأي زوج يحمل عنك هذا العبء ويكسب لك؛ لأنك عندئذٍ لا تختارين زوجًا صالحًا للمعاشرة جديرًا بالأبوة لأبنائك، وإنما تختارينه عائلًا يقيتك، ويقيتك فقط. وعندئذٍ قد يكون دميمًا، فتنتقل الدمامة إلى بناتك وأبنائك. وقد يكون مغفلًا، فتنتقل الغفلة إلى بناتك وأبنائك. وقد يكون رذلًا، فتنتقل رذائله بالقدوة إلى أبنائك.
تعلمي حرفة تُكسبك الاستقلال الاقتصادي الذي يتيح لك الاختيار الحسن للزوج.
والكلمة الأخيرة: لا تنفصلي من المجتمع.
فإذا استطعت أن تحترفي حرفة وأنت متزوجة فافعلي. وإذا لم تستطيعي ذلك فلا تكفي عن الاشتراك في النشاط الاجتماعي للمرأة بأن تكوني عضوة في جمعية خيرية أو هيئة اجتماعية تزيد إحساسك الاجتماعي، وتربي ضميرك، وتفتأ تذكرك بأنك إنسانة قبل أن تكوني أنثى.