قوات التحرير الجديدة
ظهرت في عصرنا عوامل جديدة للتحرير للمرأة والرجل معًا.
ذلك أن الأعمال الإنتاجية القديمة في الزراعة والصناعة كانت يدوية تجري بمساعدة الماشية. فكانت تقصم الظهر لما يعاني العامل فيها من المشقة. أما الآن فإن الأعمال الإنتاجية لا تستخدم من الإنسان في أغلب الحالات سوى إشرافه بالعين والعقل مع القليل من استخدام عضلاته.
والمصنع الأتوماتي الذي يفشو هذه الأيام كثيرًا في الأمم المتمدنة، لا يكاد يتطلب من العمل سوى ضغط زر هنا أو هناك، وملاحظة مصباح يضيء بالضوء الأحمر أو الضوء الأخضر، والاستماع إلى جرس ينبه عن خطأ أو نحو ذلك.
ولسنا نقول إن المصانع كلها قد وصلت إلى هذه الحال، ولكن بعضها قد وصل، وسائرها يتجه نحو هذه الغاية.
وبكلمة أخرى نقول إن الإنتاج في الزراعة والصناعة لم يعد يتجاوز قدرة المرأة، حتى المرأة الحامل.
وقد دخلت المرأة في المصانع وحررت نفسها من الحاجة إلى زوج يعولها. وأصبح الملايين من النساء يعملن ويكسبن عيشهن وهن عزباوات أو متزوجات. وحصلن بذلك على كرامة اقتصادية جديدة جعلت الأزواج يحترمونهن. ولم نعد نرى ذلك الزوج القديم الذي كان يضرب زوجته أو يهينها اعتمادًا على أنه هو وحده كاسب العيش.
وصارت المرأة بقدرتها على الكسب تختار زوجها وفق إملاء قلبها. ولم تعد تتزوج الثري الذي يشتري قلبها بالمال.
وهذا الاتجاه إلى تحرير المرأة بالعمل في المصانع سيزداد قوة كلما تقدمت الحركة الأتوماتية التي أشرنا إليها في المصانع؛ لأن القوة العضلية في الرجل سوف تزول أو تنقص قيمتها كثيرًا كلما زادت هذه الحركة، وعندئذٍ لن يقل عدد العاملات في المصانع عن العمال.
وهناك أيضًا وسائل تحديد التناسل والامتناع عن الحمل. فإن المرأة الجديدة صارت تقنع بأن تلد طفلين أو ثلاثة أطفال فقط. وهم بالطبع لا يمرضون ولا يموتون كما كانت الحال في القرن الماضي لأن الوسائل الوقائية والعلاجية للأطفال قد زادت. وهذه الحال جعلت المرأة؛ أي الزوجة، حرة في أن تستغل فراغها في ترقية ذهنها وتربية شخصيتها بالاختلاط بالمجتمع والعمل للكسب مثل زوجها سواء.
وليست تربية الأطفال مما يعوق المرأة في أيامنا عن نشاطها واستغلالها؛ فإن الطفل قبل أن يتم سنتين يبقى بالمحضن وبعد ذلك يدخل الروضة. وكلاهما أصلح له في تربيته والعناية به من عناية الأم التي قد تجهل وسائل التربية.
وكذلك الشأن في البيت. فإن الطبخ بالضغط، والأطعمة المجهزة المعلبة، والتليفون، والغسالة الكهربائية، والمكنسة الكهربائية، وسائر المخترعات الأتوماتية، قد جعلت ربة البيت العصرية لا تكاد تؤدي عملًا مجهدًا في بيتها. بل هي لا تجده. وفي هذه الحال الجديدة تحرير جديد للمرأة.
وهذا الفراغ الجديد سيحمل المرأة على أن تعنى بالمجتمع، وتنشر الاختبارات، وتحيا الحياة الإنسانية بمسئولياتها العديدة، سياسية وإنتاجية وشخصية وعائلية أكثر مما كانت تفعل جدتها أو أمها.
والقائلون بحجاب المرأة أو بأن البيت هو حقلها الأول يجب أن يسألوا أنفسهم: لم تلزم المرأة البيت أكثر مما يلزمه الرجل؟
إن الطبخ والغسل والتنظيف بالقوة الكهربائية لا يحتاج إلا إلى دقائق، والتليفون يملي على البقال والجزار قائمة المطلوب منهما، والثلاجة تحفظ مئونة أسبوع أو أكثر، وتربية الأطفال في المحضن ثم في الروضة، خير من تربيتهم في البيت. فماذا تفعل المرأة بالتزامها البيت؟
إن المخترعات الجديدة تخدم ارتقاء المرأة لأنها حررتها من مشقة العمل في البيت والمصنع وزادت فراغها الذي تستطيع، بل يجب، أن تستخدمه في تربية شخصيتها وترقية عائلتها ومجتمعها.
وإذن فلتدخل المرأة في المجتمع المصري كي تزيده بهاءً بجمالها، وحيوية بنشاطها، ولتعمل إلى جنب الرجل في جميع أنواع الارتقاء الشخصي والاجتماعي.