الرق والمرأة
إذا تركنا عصر الصيد، ثم عصر الغزو، وجدنا عصرًا آخر عمل لاحتقار المرأة والهبوط بها إلى ما دون الرجل في الإنسانية، هو عصر الرق الذي لم ينتهِ إلا منذ مائة سنة فقط في أمريكا التي ألغته بعد الحرب الأهلية سنة ١٨٦٠ ثم عُمِّم إلغاؤه في جميع الأمم المتمدنة، والمتمدنة فقط؛ لأن الرق لا يزال قائمًا في الأقطار المتخلفة إلى عصرنا هذا.
والرق نشأ من الغزو.
ذلك أن القبيلة التي كانت تغزو قبيلة أخرى، وتتغلب عليها، كانت تقتل رجالها أو تستعبدهم، ثم تسبي النساء؛ أي تخطفهن وتبيعهن.
والمرأة التي يقتنيها الرجل بعد أن يؤدي ثمنها يستطيع أن يفعل بها ما يشاء. وهو بعيد كل البعد لهذا السبب عن قبول فكرة المساواة بين الجنسين؛ إذ كيف يتساوى مع امرأة قد اشتراها بخمسين جنيهًا مثلًا ويستطيع أن يبيعها في الغد بهذا الثمن أو بأكثر أو بأقل؟ إنها امرأة مقتناة بالثمن، وهو يعبث بها كما يشاء، ويعاقبها كما يشاء إذا أبت عليه حيوانيته في الاتصال الجنسي لشهواته أو الخضوع المطلق لإرادته.
وقد عمَّ الرق العالمَ القديم كله؛ ولذلك لا نجد كتابًا من كتب الدين إطلاقًا يقول بمنع الرق. وعصر الرق هو، مع اشمئزازنا من المبدأ الذي نشأ عليه، يمكن أن يعد طورًا من أطوار الارتقاء البشري. ذلك أنه أتاح لطبقة صغيرة من الشعب أن تحترف التفكير، وتجد من الفراغ ما يمكِّنها من درس السياسة والفن والأدب والحِكم وسائر ألوان التمدن.
ولولا الرق عند الإغريق والرومان والمصريين لما وُجد أرسطوطاليس، أو شيشرون، أو أمهوتب.
والذي حمل الأمريكيين على إلغاء الرق هو، إلى جنب أشياء أخرى لا محل لذكرها، الارتقاء في اختراع الآلات التي أخذت مكان العبيد في الإنتاج.
وتفشي الإماء — أي الجواري — في الأمة العربية حطَّ من شأن المرأة كثيرًا. ذلك أن الزوج أصبح يقتني الجارية التي تمتاز على زوجته الحرة بالجمال والشباب؛ ولذلك كانت هذه الزوجة تخضع الخضوع المطلق له، إذ هي كانت توقن أن المحل الأول في قلبه ليس لها. وما دام الشأن كذلك فإن المحل الأول في البيت ليس لها أيضًا. وكثيرًا ما كانت تحمل الجارية وتلد فتعود زوجة لها حقوق الزوجات.
واحتقار الرجل لجاريته كان ينتقل بالمحاكاة السيكلوجية إلى زوجته الحرة. ثم يعم الشعب كله احتقار للمرأة.
احتقار المرأة أيام الرق لم يكن يختلف عن احتقار الزنوج أيام الرق أيضًا.
- (١)
شؤم الدم أيام الصيد.
- (٢)
شؤم الدم أيام الغزو.
- (٣)
سبي المرأة واسترقاقها.
وهذا العامل الثالث — سبي المرأة — قد أوجد الرق الذي كان شر ما أصاب المرأة. ذلك أن حجاب المرأة أيام الصيد لم يكن ليؤدي إلى أكثر من معنى هذه الكلمة؛ أي الاحتجاب. ولكن الرق أدى إلى أن تستحيل المرأة من الإنسانية إلى الأنوثة، تتبرج لزوجها كما لو كانت أنثى فقط؛ لأن الأَمَة أو الجارية المسبية ثم بعد ذلك المشتراة، كانت تَذِلُّ لسيدها وتتهتَّك له وتلبي جميع شهواته البهيمية وفوق ما يريد. واضطرت الزوجة الحرة إلى أن تباريها في كل ذلك، فتبرجت هي أيضًا وتهتكت حتى لا تتفوق عليها الجارية. ومن هنا كان السقوط.
هذا السقوط الذي أحال المرأة إلى لعبة للرجل.
ولم يتفشَّ استرقاق المرأة في أوربا مثلما تفشى في أقطار الشرق؛ لأن الاقتصار على امرأة واحدة في الزواج جعل شراء الجارية محظورًا أو كالمحظور. أو هو كان صغير الخطر على الزوجة الحرة؛ لأن الزوج كان يضطر إلى الطلاق منها قبل أن يتزوج الجارية. ولم تكن الحال كذلك في الأقطار الشرقية.