بؤس المرأة في مصر
حدث من مدة قريبة أن شابًّا بالإسكندرية انتحل شخصية ضابط بالقوات المسلحة وتقدم إلى إحدى العائلات يطلب الزواج من ابنتها. وأوشك على النجاح، وكادت هذه العائلة أن تسلم بزواجه من ابنتها، لولا أن افتضح غشه واتضح أنه لم يكن ضابطًا. وشرعت النيابة في التحقيق لا بشأن غشه في الزواج ولكن بشأن انتحاله شخصية ضابط.
وهذا البؤس الذي تعانيه العائلات لا يقتصر على مثل هذا الشاب الأرعن الذي أوقع نفسه بانتحاله شخصية ضابط. فإن الغش يتخذ ألوانًا أخرى لا تستطيع النيابة العامة أن تصل إليها. ثم يكون الزواج، ويفتضح الغش بعد الزواج. وعندئذٍ قد يكون الرضا بالواقع والسكوت على المضض والتستر على الغش.
والأصل في هذا البؤس الذي تعانيه فتياتنا وعائلاتنا هو هذا المجتمع الانفصالي الذي نعيش فيه. فإن مثل هذا الغش ما كان ليمكن أن يحاوله شاب فضلًا عن أن يقع ويتم. ذلك لأن الفتاة، في المجتمعات المختلطة، تعرف خطيبها قبل الزواج وتروح وتغدو معه في أوساط مختلفة وتقابل أصدقاءه كما يقابل أصدقاءها، وتسير الأمور على نور فلا يمكن الغش. ثم إن مدة الخطبة تطول وتتعارف العائلتان وتتزاوران جملة مرات قبل أن يتم الزواج.
ولكن هذا الغش لا يقتصر على مثل هذا الشاب المغامر الذي ينتحل شخصية ضابط. فإن هناك الخاطبة المحترفة التي تحصل من الخطيبين على أجرها. وهي تكذب وتغش، وليس لها في شأن الزواج سوى ما تعده من جنيهات وقروش لقاء سعيها، وهو سعي أكثره كذب وخداع.
إن المجتمع الانفصاليَّ الذي ما زلنا نعيش فيه إلى حد بعيد يحرمنا السعادة ويفسد زواجنا، بل يحرِّض على الغش في اختيار الأزواج إنه جناية حية على كل شاب وفتاة.
•••
من مدة قريبة (١٩٥٥) تحدث شيخ للأزهر عن تعدد الزوجات فمدحه ودعا إليه.
وبعد أسابيع نشرت الصحف خبرًا عجيبًا هو أن أحد الشبان الأثرياء تزوج ٤٢ امرأة طلق منهن ٤٠ وأمسك اثنتين. واشتبك في إحدى القضايا التي جعلت وكيل النيابة يقف على هذا الخبر. فلما سأله لماذا تزوج كل هذا العدد من النساء، أجاب في سهولة وبيان بأنه لم يجد ما يمنعه وأن هذا حقه.
وبكلمة أخرى نستطيع أن نقول إنه يسير على رأي شيخ الأزهر من أن تعدد الزوجات فضيلة. وإن كنت أعتقد أن شيخ الأزهر لم يصل إلى هذا المدى البعيد في القول بهذه الفضيلة.
ولو كان هذا الشاب الثري قد ارتكب هذا التعدد الزوجي في قُطر أوربي أو أمريكي لما كان جزاءه أقل من الحبس ثمانين سنة.
ولكن ليست هذه هي العبرة التي أريد استخراجها.
وإنما العبرة أن هذه الإباحة في تعدد الزوجات يجعل من المرأة المصرية التي تمر بها هذه الظروف إحدى اثنتين: إما مجرمة تسخر من المجتمع المصري لأنها تعرف كنهه، وتستغل الأزواج بإثارة شهواتهم دون حبهم، وتحيا على غش وخداع مرعبين؛ لأنها بالطبع ستتجر بالزواج عندما تعرف أن زوجها لا يتجر به فقط بل يفسق به.
وإما هي بدلًا من ذلك تنتهي إلى الذلة والمسكنة وأنها سلعة يتناقلها الرجال لشهوتهم، وأنها يجب أن تخضع ولا تفكر في الاستقلال الإنساني أو الفضيلة الإنسانية أو الثقافة أو الأبناء وإنما تفكر فقط في المجهود الذي تبذله كي تستبقي محاسن وجهها وجسمها وكي تعرف كيف تربط زوجها بهذه المحاسن حتى لا تكون واحدة من هؤلاء الأربعين المطلقات.
وأكاد أسمع القارئ يقول إن هذه حالة شاذة لا يقاس عليها.
وهي كذلك بلا شك. ولكن الشذوذ هنا شطط للمألوف وليس خروجًا عليه. وقبل أن نصل إلى أربعين زوجة نجد هناك من يتزوجون العشر والعشرين.
ولا يمكن لمجتمع متمدن أن يسكت على هذه الحال. ولا يمكن لامرأة مصرية أن تعد نفسها مستقلة أو أنه يمكن أن تكون لها شخصية ما دام سيف التعدد مشهورًا على رأسها.
هذا هو مركز المرأة في مصر.
•••
أصدرت إحدى المحاكم الشرعية حكمًا في قضية زوجية يقضي بأن الزوجة التي تحترف حرفة ما خارج البيت لا تصلح لحضانة أبنائها، وأن هذه الحضانة تنتقل عندئذٍ من الزوجة إلى الزوج.
وبالطبع هذا الزوج ليس قعيد البيت، إذ هو يحترف حرفة في مكتب أو مصنع. ولكن القاضي لم يبالِ ذلك. وإنما انصبَّ تفكيره على هذه الزوجة التي تترك البيت وتعمل معلمة أو محامية أو طبيبة أو ممرضة أو عاملة في مصنع أو كاتبة في مكتب.
هذه المرأة المحترفة المتعلمة يجب، حين تختلف مع زوجها ومطلقها، أن يُنزع منها أطفالها ويسلَّموا للزوج.
الزوج يحترف حرفة خارج البيت. والزوجة تحترف حرفة خارج البيت، فكلاهما سواء. ومن المنطق أن نقول إن الأم أقدر على تربية الأطفال وأحنُّ عليهم وأرعى لشئونهم من طعام ونظافة وراحة.
ولكن القاضي الشرعي لم يبالِ شيئًا من هذا؛ فإنه قضى بنزع الأطفال من الأم وتسليمهم، أبناء وبنات، إلى الأب. والأم مدرسة تحترف تعليم الأطفال، وهذه حرفة تزيد مكانتها وقدرتها على تربية أطفالها.
ما هي العلة لهذه الحال المقلوبة في مجتمعنا؟
إن هذا القاضي ليس شاذًّا في حكمه؛ وإنما هو يحيا في مجتمع مصري اعتاد احتقار المرأة، وأنها لا تتساوى مع الرجل في أي حق اجتماعي أو اقتصادي. وما دام الرجل والمرأة يتساويان في الحرفة خارج البيت فإن الرجل يجب أن يفضَّل عليها في تربية الأطفال.
وتنساق هذه القاعدة في كل شأن آخر يتعلق بالجنسين.
فهي في المصنع، تؤدي عمل الرجل، ولا تنال أجر الرجل. وهي في العائلة، حين يرسل الأبناء والبنات إلى المدرسة، لا ينفق على تعليمها كما ينفق على الأبناء.
وهي حين ترتكب جريمة الزنا يقتلها أخوها أو أبوها أو زوجها. وإذا بقيت حية ولم يقتلها أحد هؤلاء فإن المحكمة تحكم عليها بالسجن سنتين. أما الزوج فحين ارتكابه لجريمة الزنا يستطيع أن ينجو من العقوبة ما دام ارتكابه لها بعيدًا عن بيته. ثم هو قد لا يجد من الرجال غير الإعجاب برجولته.