المرأة الغربية والمرأة المصرية
يختلف «الشرقيون» من الغربيين في كثير من الاعتبارات والشئون الاجتماعية. فإن الشرقيين يمارسون على وجه عام الزراعة، في حين يمارس الغربيون على وجه عام الصناعة.
ويختلفون أيضًا من حيث إن الشرقيين «روحيون»، أما الغربيون فماديون. ولكننا عندما نحاول توضيح الفرق أو الفروق بين الروحية والمادية، فإننا نقع في ارتباكات ذهنية لا تحصى، ونخرج من المناقشة لهذا الموضوع ونحن نتساب ونتثالب.
ويختلفون أيضًا من حيث إن الشرقيين على وجه عام يحمون المرأة، ويحوطونها بأسوار من الرعاية، بحيث لا تعمل خارج البيت، ولا تكسب مع الرجال للعيش. أما الغربيون فيكلفون المرأة العمل والكسب إلى جنب الزوج.
والاختلافات كثيرة قد عددنا منها ثلاثة. ونستطيع مع ذلك أن نذكر أيضًا اختلافًا رابعًا خطيرًا هو أن الغربيين، على وجه عام أيضًا، يتسلطون على الشرقيين وينتزعون منهم القطن والكاوتشوك والقصدير والبترول. ويضربونهم إذا ثاروا أو تمردوا.
هذه أربعة اختلافات تستحق الدرس. وعندي أن بؤرة هذه الاختلافات جميعها تنحصر في أن الغرب يمارس الصناعة في حين أن الشرق يمارس الزراعة، وأن الشرقيين لو عقلوا لآثروا إنشاء مصنع على تأسيس جامعة. ولكني أترك هذا الموضوع كي أتناول موضوعًا آخر، هو اختلاف النظرتين للمرأة.
المرأة المثلى عندنا هي الخادرة أو المخدرة، التي نحبها ونرفع من شأنها، إلى حد أننا نربأ بها عن أن تعمل كما يعمل الرجال، فتصطدم بالحوادث، وتتلوث بأدران المصنع، وتلهث وراء الآلات، وتختلط بالرجال وتتحدث إليهم وتباريهم في الصبر على الجهد والتدبير للمستقبل. أجل إننا نربأ بها عن أن تكون تاجرة أو صانعة أو نائبة أو وزيرة؛ ذلك لأننا نحب أن تبقى مرتاحة في البيت، لا شأن لها بالفلسفة والسياسة ولا بالكسب أو المزاحمة.
ونحس، نحن الرجال الشرقيين، أننا يجب أن نحوط المرأة بالرعاية والحماية. وبعض منا — نحن الشرقيين — يبالغ في احترامه للمرأة، حتى إنه يحوطها بجدران البيت فلا تخرج منه طوال عمرها … من ليلة العرس إلى ليلة المأتم. وهذه عناية أقصى العناية، وحماية أقصى الحماية على الأسلوب الشرقي.
ونتيجة هذه العناية أو الحماية العظمى أن المرأة الشرقية تخدَّر في البيت؛ وتعود خادرة — أي مخدرة — فلا تعمل ولا تفهم أن للحياة هدفًا وأنها تحتاج إلى منهج؛ لأن هذا من شئون الرجال وحدهم، أما هي فلها نعيم الراحة وخلو البال.
ولكن هذه الراحة، هذا البال الخلي، هما علة الركود الذهني الذي ينتهي إلى التبلد والتجمد، وعلة الركود الجسمي الذي ينتهي إلى التضخم والترهل؛ ولذلك نحن الرجال هذه الأيام في قلق عظيم عن مصير العالم، كلما قرأنا أخبار كوريا تفززت أعصابنا، وكلما رأينا أثمان القطن تذكرنا أزماتنا. نحن الرجال نقرأ ونعمل، ونختلط بالمجتمع، وتصدمنا الحوادث وتنزل بنا المصاعب، فنتعب ونتألم. ولكن المرأة المصرية الشرقية لا تتعب ولا تتألم.
لنا نحن الرجال آفاق وآمال، نقتحم الأخطار ونتعلم منها. أما هي فمخدرة قد حدَّت جدران البيت وشئونه من آفاقها وآمالها.
المرأة المصرية الشرقية هي إنسان بلا أخطار، هي إنسان بلا حوادث، هي إنسان بلا تربية؛ لأن الذي يربينا نحن الرجال هو الأخطار والحوادث.
أما المرأة الأوربية فتعمل وتجهد، وتتبذل فيما لا تتبذل فيه المرأة الشرقية. وهي منتجة في الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم. وهي تصطدم بالدنيا وكوارثها، وتشترك في الانتخابات، وتجادل وتناقش فيتنبه ذهنها، وقد تتلوث يدها من العمل، ولكنها إذا عادت إلى بيتها تخلصت من هذا التلوث، أو هي لا تباليه لأنها لا تعد نفسها ريحانة الرجل؛ إذ هي مستقلة لها منهج وهدف في الحياة. أجل إنها ليست لعبة الرجل.
هي إنسان قد خلق للمتعة والكارثة، وهي تحيا على المستوى العالي؛ أي هذا المستوى الاجتماعي الذي نحيا نحن الرجال عليه في مصر؛ مستوى التجارب والكوارث والمتع والاختبارات.
ثم هي منتجة.
تأمل هذه الكلمة أيها القارئ وافهم عبرتها؛ كلمة منتجة.
عندما تكون في لندن أو باريس أو نيويورك أو روما عائلة مؤلَّفة من والدين وثلاث فتيات قد تجاوزن الثامنة عشرة، فإنك تجد أن الخمسة يكسبون، أو على الأقل أربعة يكسبون؛ لأن الأم قد تلزم البيت لخدمتهم.
أما في مصر فإن مثل هذه العائلة لا يعمل فيها غير الأب؛ ولذلك فإن دخله من عمله الفردي لا يكاد يكفي زوجته وبناته الثلاث، فهم يعيشون في عسر. وإذا وقع الأب في البطالة فإنهم يعيشون في جوع.
أما إذا وقع الأب الأوربي أو الأمريكي في البطالة فإن زوجته تعمل وتكسب، وبناته الثلاث يعملن ويكسبن. فلا جوع ولا عسر.
وإنتاج الشرقيين لهذا السبب دون إنتاج الغربيين. هم يعملون وينتجون رجالًا ونساءً، أما نحن فلا ينتج عندنا غير الرجال. وعلينا نحن الرجال أن نعول النساء والفتيات، وكثيرًا ما نعجز عن ذلك. وكثير من فاقتنا السوداء، وبيوتنا البدرومية، ونحول أجسام أولادنا، وتفشي البلاجرة بين فقرائنا، يعود إلى هذا؛ إلى أن المرأة غير منتجة. ونحن لا نعلمها ولا ندربها على الإنتاج، ولا نلحقها بالمصنع أو المتجر كي تكسب.
وبالإيجاز نقول إن النظرة الغربية للمرأة هي أن تعمل وتنتج وتكسب كالرجل سواء، وأنها يجب ألا تلتزم البيت إلا وقت المرض أو الولادة، وعليها أن تخرج وتتعب وتعرق وتلهث وتصطدم بالدنيا وتتعلم من كوارثها.
ويجب أن تقع الكوارث بكل إنسان؛ لأنها ما دامت لا تقتلنا فإنها تعلمنا. هي تجربة نزداد بها خبرة وحكمة؛ أي نصير بها حكماء. وإنسان بلا كوارث هو إنسان أخضر، فِجٌّ، ناعم، بليد، جاهل.
ولكن هذا الإنسان الأخضر الفِج الناعم البليد الجاهل هو ما يريد الشرقيون لنسائهم. فهم يحمونهن في البيت، ويربئون بهن عن التلوث بأدران المجتمع. وهذه الحماية تحميهن من الكوارث، من التجارب، من الذكاء المدرب والعقل المفتوح، واكتساب الحكمة والبصيرة.
إن الغربيين يعرفون أن الإنسان ليس كرسيًّا نقعد عليه فيبلى وإنما هو جسم حي ينمو ويتعلم ويتدرب بالحركة والتفكير والجهد؛ ولذلك جعلوا نساءهم يعملن ويكسبن، وأشركوهن في الحكم والقضاء والتعليم والسياسة والعلوم والفنون.
أما نحن فإننا نحميهن في البيت حتى لا يتلوثن بالمجتمع، مع أن هذا المجتمع هو الذي نختلط به نحن الرجال فيربينا ويكسبنا القيم الاجتماعية التي يسميها بعضنا روحية.
لقد ذكرت في بداية هذا المقال أربعة اختلافات أو فروق بين الشرقيين والغربيين، وأحصيت منها ذلك الفرق أو الاختلاف المهين، وهو أن الغربيين يتسلطون على الشرقيين وينتزعون منهم القطن والكوتشوك والقصدير والبترول، ويضربونهم إذا ثاروا أو تمردوا. والآن أقول إنه لو كانت المرأة تعمل عندنا وتكسب، ولو كنا نمارس الصناعة، لما استطاع الغربيون أن يضربونا أو يتسلطوا علينا.
يجب ألا نكون شرقيين، ويجب أن نوقن بأن هذا التفريق بين الشرق والغرب هو تفريق استعماري يراد منه سيادة الغرب على الشرق.
كلنا بشر لا نختلف إلا من حيث الرقي والانحطاط.