الأمويون والعباسيون
تمتاز دولة بني أمية عن دولة الخلفاء الراشدين بأن السلطة تحولت فيها من الخلافة الدينية إلى المُلك السياسي، وتمتاز عن الدولة العباسية بأنها عربية بحتة شديدة التعصب للعرب، كثيرة الاحتقار لسواهم؛ ولذلك فإن أهل الذمة وغيرهم من سكان البلاد الأصليين قاسوا من خلفاء بني أمية ومن عُمَّالهم الأمور الصعاب، حتى الذين أسلموا منهم؛ فإن العرب كانوا يعاملونهم معاملة العبيد، وكانوا يسمونهم «الموالي»، ويعدون أنفسهم ذوي إحسان عليهم لأنهم أنقذوهم من الكفر، وإذا صلوا خلفهم في المسجد حسبوا ذلك تواضعًا لله. وكان بعض العرب إذا مرَّت به جنازة مسلم قال: «من هذا؟» فإذا قالوا: «قرشي.» قال: «وا قوماه!» وإذا قالوا: «عربي.» قال: «وا بلدتاه!» وإذا قالوا: «مولًى.» قال: «هو مال الله يأخذ ما شاء ويدع ما شاء.» وكانوا يَحْرمون الموالي من الكُنَى، ولا يَدْعونهم إلا بالأسماء والألقاب، ولا يمشون في الصف معهم، وكانوا يسمُّونهم العُلوج. وفي كتاب الموالي، للجاحظ، أن الحجاج لما قبض على الموالي الذين حاربوا مع ابن الأشعث أراد أن يُفرِّقهم حتى لا يجتمعوا، فنقش على يد كل واحد اسم البلدة التي وجَّهه إليها. وقد تولى ذلك النقش رجل من بني عجل، فقال الشاعر.
فكان سكان المملكة الإسلامية غير العرب يقاسون مر العذاب من عمال بني أمية، ويودون التخلص من دولتهم. وكانوا أول المجيبين لمن يدعو إلى غيرها أو يطلب إسقاطها.
ولولا دهاء بعض خلفائها وأمرائها لما طالت مدة حكمها، ولكنها قامت بدهاء معاوية وأنصاره؛ كزياد ابن أبيه، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة. والناس بايعوا معاوية رهبةً من سيفه، أو رغبةً في عطائه، وهم يعتقدون أن أهل بيت النبي أولى بذلك الأمر. وقد تهيأت لهذه الدولة ظروف كثيرة ساعدت على بقاء الخلافة في بني أمية نيِّفًا وتسعين سنة.
وكان أهل بيت النبي في أثناء ذلك يطلبون الخلافة لأنفسهم ولا يفلحون، وهم فئتان كبيرتان: فئة ترجع بأنسابها إلى الإمام علي ابن عم النبي؛ وهم العلويون، وفئة ترجع إلى العباس بن عبد المطلب؛ عم النبي؛ وهم العباسيون. والعلويون فئتان: فئة تطالب بالخلافة لأبناء عليٍّ من زوجته فاطمة بنت النبي؛ وهم: الحسن والحسين ومَن تسلْسَل منهما، وفئة تطلبها لابنه محمد بن الحنفية. وكان دعاة محمد هذا يقال لهم: الكيسانية، وأما العباسيون فتسمى شيعتهم: الراوندية.
والعباسيون لم يطالبوا بالخلافة إلا في أواخر دولة بني أمية، وأما العلويون فما انفكوا من زمن معاوية وهم يطالبون بها، فيرسلون الدعاة إلى أنحاء المملكة الإسلامية يدعون الناس إليهم، وكثيرًا ما اجتمع حول بعضهم ألوف من الأنصار والأشياع، ولكنهم لم يفلحوا، حتى إذا انقضى القرن الأول وأخذ شأن بني أمية في الضعف، وأخذت دولتهم في الانحلال؛ كانت دعوة الكيسانية قد وجدت صدًى، وهم يدعون لأبي هاشم بن محمد بن الحنفية المذكور. وقد كثر دعاتهم في العراق وخراسان. وكان أبو هاشم قد أوصاهم أنه سيحول الدعوة إلى آل العباس، فلما علمت شيعة أبي هاشم بموته قدموا إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس المذكور وبايعوه، فبعث الدعاة إلى الآفاق في السنة المائة للهجرة سرًّا. وكان أكثر الذين أجابوا الدعوة من الموالي غير العرب، وخاصة في خراسان؛ لبعدها عن مركز الخلافة الأموية بدمشق. وفي سنة ١٢٤ﻫ، توفي محمد بن علي؛ صاحب الدعوة، فبايع الناس ابنه إبراهيم وكانوا يسمُّونه الإمام. وما زال أمر العباسيين يقوى وأمر الأمويين يضعف حتى انقضت الدولة الأموية، وقامت الدولة العباسية سنة ١٣٢ﻫ. وكان قائد شيعة العباسيين شابًّا فارسيًّا اسمه أبو مسلم الخراساني؛ هو بطل هذه الرواية.