ما تناهى إلى مسامعي في برميل التفاح والأحداث اللاحقة
بدأنا رحلتنا في الليل، وكنت مرتاعًا من أحاديث البحر ومزاح الرجال الخاطف. وبينما كنا نعمل، رفع سيلفر عكازه كالعصا وبدأ يغني أغنية البحر السريعة الإيقاع:
ثم شاركه كل الطاقم في غناء لازمة الأغنية،
ومع أنني كنت في ذروة الحماس والإثارة، أرجعتني هذه الأغنية بالذاكرة إلى الوراء حيث الكابتن في حانتنا. وقبل أن أميز كلمات الأغنية التي كانت تُغنى بالإيقاع السريع، كنا بالفعل في طريقنا إلى جزيرة الكنز. كانت الرحلة طويلة، وسرعان ما أثبتت سفينة «الهيسبانيولا» قدراتها عندما أسرعت بنا في رحلتنا، لكن الأمر لم يكن مُسرًّا للسيد أرو الذي كان يُصاب بدوار البحر من وقت لآخر، ومع أن الطبيب كان يحاول الاعتناء به، فإنه كان يتعثر على ظهر السفينة معظم الوقت ويساعده الرجال في الإيواء إلى الفراش. وفي يوم من الأيام اختفى تمامًا.
قال الكابتن سموليت: «حسنًا، هذا أفضل، لعله وقع من جانب السفينة. حمدًا لله!» وبعدها اضطر الكابتن للاستعاضة عنه بمساعد جديد له، فاستعان بإسرائيل هاندز، البحار العجوز الخبيث الذي كان صديقًا حميمًا لسيلفر.
واتضح أن سيلفر نفسه بحار عظيم؛ فقد كان سريع الحركة، ومتقد الذكاء، وخدومًا، وقد أحبه الرجال حبًّا جمًّا، وكنت أمضي معظم وقتي في صحبته وصحبة ببغائه أساعده في الطبخ بمطبخ السفينة.
قال سيلفر عن ببغائه: «لقد أطلقت عليه اسم الكابتن فلينت تيمنًا بالقرصان الشهير!»
وعندها كان الببغاء يقول بصوت عالٍ: «عملات معدنية، عملات معدنية!» ويستمر في هذا إلى أن يغطي سيده القفص بخرقة من الشراع البالي، وعندئذ يخبرني سيلفر عن التاريخ العريق للببغاء والرحلات العديدة التي خاضها. وفي أثناء هذا تقاربنا حتى إنني ظننته أفضل الرجال وصديقًا حقيقيًّا.
إبان ذلك كان كل من الكابتن سموليت وتريلوني يتجنب أحدهما الآخر. وكان حب السيد تريلوني للمغامرة وفرحه بكونه على متن السفينة سببا في كل ما يزعج الكابتن. من ناحية أخرى، أظنه أنه لم يمر على الطاقم وقت أيسر من هذا؛ إذ كانت هناك رياح مواتية، وطعام طيب للجميع، بل وكان هناك برميل كبير ممتلئ بالتفاح متاح للجميع في أي وقت ليأخذوا ما يحلو لهم من الثمر الحلو.
وكان الكابتن يعتبر أن كل هذه الرفاهية تفسدنا، ولكن كما سترون سينفعنا برميل التفاح؛ فلولا هذا البرميل، ما كنا لنحصل على الإنذار، ولمتنا بطريقة شنيعة.
وفي وقت متأخر من أحد الأيام، وبينما أخذت الشمس في المغيب، قررت أن أذهب وأحصل على تفاحة من البرميل، ولمّا وجدته يكاد يكون فارغًا، زحفت إلى داخله مباشرة كي أصل إلى قاعه. وما إن دخلت فيه وزحف الظلام حتى بدأت أشعر بالنعاس.
وفجأة سمعت أصواتًا غير واضحة، وشعرت بجسد شخص يتكأ على البرميل، فعرفت أنه جسد سيلفر نفسه. ارتعدت فرائصي لدى سماع الكلمات القلائل الأولى فحسب، إذ أدركت الآن أن حياة الرجال القلائل الأمناء على متن المركب أمانة في عنقي. واستمر الهمس المرعب.
استرسل سيلفر قائلًا: «كان فلنت هو الكابتن، وأنا الرئيس البحري، وكانت هذه هي الرحلة التي فقدت فيها ساقي، وفقد بيو عينيه، وكانت تلك السفينة غارقة في الدماء، ووصل بها الحد أنها صارت على مشارف الغرق بكل ما عليها من ذهب.»
وبعد قليل سمعته يقص حكايات على أصغر عامل في المركب الذي كان يرتعد لدى سماع قصصه، وشعرت بالخزي لدى سماعي إياه يتملق الصبي بنفس الكلمات العذبة التي كان يتملقني بها، وعرفت حينها أنه كان يستغفلني، فامتلأت سخطًا وخزيًا.
– «نحن المغامرون نحيا حياة مضطربة صعبة، لكننا نعود إلى الشاطئ محملين بمئات الجنيهات، وليس ببضع عملات معدنية. لقد بدأت مثلك وكونت ثروتي في البحر. وفي الوقت الحالي، باعت زوجتي خمارتي، وأخذتْ كل أموالي، وسنلتقي مرة أخرى يومًا ما، أنا واثق من هذا. وفي رحلاتنا كان البعض يخشى فلينت، والبعض الآخر يخشى بيو، لكن كان الجميع يخشون سيلفر. كان هذا شرُّ طاقم سفينة ذائع الصيت، إبليس نفسه كان يخشى أن يبحر معهم. وأؤكد لك أنني لست رجلًا مزهوًّا بنفسه، لكنك تكتسب الثقة بنفسك على متن سفينة جون القديمة.»
كان من الجلي أن الصبي يخضع لسيلفر، وقد استمر سيلفر يداهنه ويلاطفه. ولمّا استرسل سيلفر يتحدث عن المغامرين سرعان ما أدركت أنه يقصد القراصنة، وأنه هو نفسه كان واحدًا منهم. وبعد مرور وقت قصير جاء إسرائيل، أحد أفراد الطاقم، واشترك في الحديث.
قال إسرائيل: «انظرا ها هنا يا سيلفر أنت وديك، كم من الوقت سنمضي في الإبحار بعيدًا عن الشاطئ؟ أقسم أنه قد طفح الكيل وفاض من الكابتن سموليت!»
عندئذ التفت سيلفر إليه وعنفه: «أتريد أن تهاجم وتقضي على الكابتن الذي في مقدوره أن يقود هذه السفينة إلى الكنز، كل هذا من أجل مضجع أفضل لتضع عليه رأسك الحقيرة! انتظر ولا تفعل أي شيء إلا بإشارة مني!»
قال إسرائيل: «وماذا سنفعل «بهم» بعدئذ؟»
أجاب سيلفر: «قررت أن نقتلهم، عندما أعيش حياتي ملكًا فيما بعد، لا أريد ناجين يتسببون في شنقي. والآن يا ديك، أذنت لك أن تحصل على تفاحة من هذا البرميل.»
تجمدت في مكاني رعبًا لدى سماعي هذا، إذ عرفت أنه قد انتهى أمري. فكرت في الفرار، لكنني كنت خائر القوى. لكن إسرائيل أنقذ حياتي حينما قال إنه يشعر بالحماس لفكرة التمرد ويريد أن يأكل شيئًا مختلفًا هذا اليوم. ضحك سيلفر ضحكة خبيثة، أما إسرائيل فقد اتجه إلى أسفل السفينة.
ثم ظهر القمر وسمعنا صياح الرجل المختص بالمراقبة عبر السفينة يقول: «ظهرت اليابسة!»
وعلى الفور كان كل الرجال على سطح السفينة يحدقون عبر الضباب في وجهتنا. أصدر الكابتن أوامره، وسأل هل رأى أحد هذه الجزيرة من قبل. دوى صوت سيلفر عبر السفينة معلنًا أنه سبق له أن مكث هناك ذات مرة. وعندما سأله الكابتن أين نرسو بسفينتنا، أجابه سيلفر إجابات واضحة.
قال سيلفر: «يطلقون عليها جزيرة سكيلتون وقد كانت مقر القراصنة في وقت من الأوقات، لكنها لم تعد كذلك. وهذا التل هو تل فور ماست، أما هذا التل الكبير فيطلقون عليه اسم سباي جلاس (المنظار) إذ كانوا يستخدمونه نقطة مراقبة.»
وعندئذ أخرج الكابتن خريطة لسيلفر كي يتحقق منها، وعندما مال القرصان إلى الأمام، رأيت سيماء الإحباط على وجهه، لأن هذه الخريطة كانت خريطة جديدة للجزيرة تخلو من علامات إكس الحمراء أو العلامات التي تقود إلى الكنز. ظل سيلفر يشير إلى المكان الذي قد يمكننا أن نرسي فيه، وأخذ يطري على الكابتن لأنه أوصلنا بسرعة كبيرة إلى وجهتنا. وكنت حينها مرتاعًا بشدة من سيلفر، وعندما دنا مني ارتعدت فرائصي.
قال سيلفر: «ولدي جيم هوكينز، هذه بقعة جميلة، سأجهز لك الغداء وسنمضي وقت ما بعد الظهيرة معًا نستكشف الجزيرة، أذكر عندما كنت هنا وأنا شابًّا يافعًا.»
بعدها ربت على كتفي في حين التفت أنا إلى الطبيب الذي أخبرته في عجالة أن ثمة شيئًا مزعجًا قد وقع، وعليه أن يجد عذرًا كي يجتمع بالكابتن والسيد تريلوني في الجزء السفلي من المركب ثم يناديني أنا أيضًا. ولم يهدر الوقت في شرح الأمر للكابتن الذي دعا كل العاملين إلى الجزء العلوي من السفينة.
قال الكابتن: «أيها الغلمان، ها قد وصلنا الجزيرة التي كنا نبحر إليها، واحتفالًا بوصولنا سيقدم السيد تريلوني حصص طعام مضاعفة اليوم وغدًا لجميع البحارة على متن السفينة. والآن اسمحوا لنا أن ننزل الآن إلى الجزء السفلي من السفينة كي نحتفل نحن أيضًا.»
شرب سيلفر نفسه، ذلك القرصان الخائن، نخب تريلوني والكابتن، وعندئذ اتجه الرجال الثلاثة إلى الجزء السفلي من السفينة ثم نادوني بعد وقت قصير كي أنضم إليهم.
قال تريلوني: «حسنًا يا هوكينز، صارحنا بما لديك.»
أخبرتهم بكل ما حدث، فأجلسوني، وربتوا على ظهري، وأخذوا يمتدحونني من أجل الأعمال الجيدة التي صنعتها.
قال تريلوني: «لقد كنت أحمق.» لكن الكابتن سارع وجاهر بأنه هو نفسه انخدع بالعمل الجاد للطاقم، وأخذوا جميعهم يلعنون سيلفر لأنه خدعهم. وحان الوقت لفرز الرجال الذين لا يزالوا مخلصين على متن السفينة، فلم يتجاوز عددهم سبعة رجال.
– «كل ما يمكننا فعله هو أن ننتظر إلى أن نعرف المخلصين من غيرهم. علينا أن ننتظر ونرى، هذا هو أفضل ما يمكننا فعله.»
قال تريلوني: «هوكينز، أنا أضع جلَّ ثقتي فيك، وأيًّا كان ما ستكتشفه، فسيكون ذا أهمية قصوى لنا.»
اجتاحني بعدها شعور بالهلع الشديد، فقد كان هناك ستة رجال (سبعة بي) مقابل تسعة عشر قرصانًا متوحشًا.