كيف بدأت مغامرتي البحرية
لم يعد المتمردون مرة أخرى في هذا اليوم؛ إذ حصلوا على كفايتهم من القتال هذا اليوم. وفيما يخصنا، لم يتعاف هانتر ومات في هذه الليلة من جرحه. وجُرح الكابتن سموليت جرحًا غائرًا لكنه لن يترك أثرًا، فقد اخترقت الطلقة كتفه وجرحت رئته. وقد كُتبت له النجاة، لكنه كان يخضع لأوامر الطبيب الذي أمره بالراحة التامة وعدم الحركة.
وبعد الظهر مباشرة، عندما كان الساحل خاليًا من الأعداء تمامًا، ارتدى الطبيب الحزام الذي يحمل مسدسه وخرج في هدوء للقاء بن جان. ورأى جراي أن خروجه في ظل الظروف الراهنة يعد جنونًا.
في تلك الأثناء أخذت أفكر في أن هذا جور مني أن أجلس وأترقب ما يحدث؛ فتسللت إلى الخارج، وملأت جيوبي بالبسكويت، وشرعت في مهمتي. لقد قررت أن أذهب لأتأكد من وجود قارب بن وأتفقد حالته، وسلحت نفسي بمسدسات وبارود وتسللت خارجًا. وكانت حماقة مني أن أفعل ذلك، لكني كنت غرًّا. ولكن اتضح فيما بعد أن هذا ساعد في إنقاذ حياتنا جميعًا.
أسرعت بطول الشاطئ نحو الصخرة البيضاء، وعندئذ رأيت السفينة تتمايل وسط الأمواج في نفس المكان، وكان علم القراصنة لا يزال يرفرف. ورأيت سيلفر والقرصان الذي رأيته آخر مرة آتيًا عبر السور، عائدين إلى الشاطئ بالقارب. وسمعت قهقهة ببغائه تحملها الرياح، فأسرعت نحو الصخرة البيضاء.
وكان القارب مخفيًّا جيدًا تحتها، وكان هذا القارب هو أبسط وأخف قارب بدائي، وبدا وكأنه قد صنعه رجال منذ مئات السنين، لكنه كان خفيفًا ومن ثم سيطفو على وجه المياه.
وسرعان ما راودتني فكرة أخرى لم أستطع التخلص منها؛ لقد فكرت في أن أبحر بالقارب تحت جنح الليل وأتجه إلى الهيسبانيولا، وعندئذ سأفك السفينة وأدعها تذهب في الليل إلى شاطئ آخر في خليج صغير آخر. لقد ظننت أن هذا قد يمنع القراصنة من السفر عبر البحار للقتل من جديد. وظننت أن هذا سيسهل عليّ لأنهم كانوا مهملين وغير منتبهين.
انتظرت حتى أرخى الليل سدوله وحلّ الضباب، وتناولت البسكويت الذي معي، وعندئذ حملت قاربي الخفيف إلى الماء. وفي الظلام رأيت أنه لم يكن هناك سوى ضوءين؛ أحدهما كان للنيران التي يشعلها القراصنة المهزومون المنتشرون على طول الشاطئ، والآخر للهيسبانيولا. وضعت قاربي في البحر وأبحرت نحو الهيسبانيولا.
•••
تقدمت بقاربي الجديد عبر الأمواج وتمكنت من أن أدنو من الهيسبانيولا. واستغرقت بعض الوقت حتى أعتاد القارب، لكنه كان قاربًا صلب البنية وخفيفًا في الماء. وقبضت على الحبل الضخم الذي يثبت السفينة الذي يُطلق عليه اسم «الهوسر»، وكان قويًّا ومشدودًا، وكنت أعرف أنه بقطع هذا الحبل ستهيم الهيسبانيولا على وجهها في الماء.
وكنت أعلم أيضًا أن حبل الهوسر الضخم المشدود بإحكام من الممكن أن يتحرك بردة فعل عنيفة ويقتلني بقوته إذا قطعته مرة واحدة، لذا بدأت أقطعه بالتدريج خيطًا خيطًا. وبينما كنت أقطع الخيط الأخير، إذ به ينزلق تحت الماء.
وكانت تتناهى إلى مسامعي بعض الأصوات المرتفعة القادمة من الكابينة، والآن أخذت أميز أنها أصوات عراك على ظهر المركب، وأخذت الأصوات الغاضبة تعلو أكثر فأكثر. وعرفت أنها صوت إسرائيل هاندز وقرصان آخر، ذلك القرصان الذي كان يضع نصل الخنجر بين أسنانه الذي حاول أن يتسلق السور. لقد سمعتهما يتبادلان السباب بألفاظ بذيئة، ثم ساد الصمت لحظة. وكانت تتناهى إلى مسامعي أيضًا أصوات المتمردين على الشاطئ الذين كانوا يتغنون بأصوات مزعجة.
أخيرًا هبت ريح خفيفة وتمايلت السفينة وأخذت تتحرك بعيدًا، وفجأة إذ بي أجد نفسي أنجرف في أعقاب السفينة الكبيرة، وخلت أن قاربي قد يتحطم، لكن لم يحدث هذا، لا أعرف كيف! والآن قررت أن أرفع نفسي إلى أعلى لألقي نظرة على ما يحدث بداخل الكابينة، ورأيت الرجلين يتصارعان بضراوة، وكل منهما يمسك بتلابيب الآخر، فجثمت إلى أسفل بسرعة وأغمضت عينيّ بإحكام.
وسمعت المزيد من الغناء القادم من جهة الشاطئ:
فجأة شعرت بأن سرعة القارب قد ازدادت، وفتحت عيني لأجدنا نسرع بعيدًا عن الشاطئ. وكانت نيران المخيم ورائي مباشرة، وكنا نتحرك في مسار جديد، وكنا نتجه نحو عرض البحر، ورأيت السفينة وهي تتمايل على جانبيها، وفطن البحاران بداخلها إلى أنهما في خطر داهم، فتوقفا عن القتال، وأدركا أن ثمة كارثة تحدق بهما.
انبطحت في قاع قاربي الصغير، مغمض العينين مرتجفًا من فرط الخوف. وترقبت أن أموت غرقًا في قاع البحر ما بين لحظة وأخرى، متخيلًا نفسي أغرق تحت الأمواج العاتية. وبعد قليل بدأت أفقد الحس وأشعر بالإنهاك، ورحت في سبات عميق أحلم بالمنزل وبحانة الأدميرال بينبو بعيدًا عن هلعي في البحر.