صوت بين الأشجار
شعر الرجال الآن بالإنهاك والانزعاج، وجلسوا عندما سنحت لهم أول فرصة، وعاودوا الحديث عن فلينت.
قال أحدهم: «لقد كان قبيحًا للغاية، وشرير الطباع.»
قال سيلفر: «حسنًا، إذن يجدر بك أن تشكر طالعك أنه مات.» وفجأة إذ بنا نسمع صوتًا يقول:
على الفور ارتاع الرجال.
وصرخوا قائلين: «إنه فلينت! لقد قام من الموت!»
وعندئذ نادى الصوت مرة أخرى: «أحضر لي سيفي يا دربي!»
صرخ واحد من الرجال: «لقد كانت هذه كلماته الأخيرة!»
التصق القراصنة بأماكنهم في الأرض وكل منهم يصرخ بأنه يريد الفرار، لكنهم كانوا مرتاعين من الأشباح. وكان ديك، الرجل المحموم والمصاب بغثيان، يقرأ في الإنجيل، وبدا عليه أنه سيفقد صوابه. لكن سيلفر ظل رابط الجأش.
قال سيلفر: «هناك صدى صوت يتبع الصوت، وصوت الأشباح لا يتبعه صدى صوت! هذا صوت إنسان من لحم ودم!»
وبدا أن صاحب هذا الصوت كان يريد أن يستدرج الرجال إلى مكان ما.
قال واحد من الرجال: «نعم، لا يبدو هذا الصوت صوت فلينت، وإنما كصوت شخص آخر؛ صوت بن جان!»
وكان من الواضح أن لا أحد يخشى بن جان، حتى وإن ظنوا أنه كان ميتًا، فحتى لو كان شبحًا، لا أحد يكترث له. وسرعان ما عاد الرجال إلى طريقهم وحولوا أنظارهم مرة أخرى إلى التل الذي أمامهم. وكان سيلفر يجرني من الحبل الذي كانوا يوثقون يديّ به، ورأيت مزاجه يتغير، وأدركت أن ذهنه كان منشغلًا بالكنز. وعبس وجهه طوال الطريق وهو يجرني وراءه، وأدركت عندئذ أن كل مظاهر الرحمة قد فارقته؛ فلسوف يحاول العثور على الكنز وسفينته وبعدئذ يذبح كل من يقف في طريقه.
وكان جسمي يرتجف وكنت منهكًا للغاية، واستمر ديك يهذي بجنون ورائي ونحن نسير في الحرارة المتأججة. وأخذت أفكر في الرجال الكثيرين الذين قتلهم فلينت هنا، وفكرت في أنني سأكون التالي.
وفجأة صرنا في المنطقة الخالية من الأشجار وسمعنا ميري يصرخ في الوقت الذي كنا نتقدم فيه إلى الأمام، فهرعنا إليه، وضاعف سيلفر من سرعته إلى أن توقفنا جميعًا.
كان أمامنا هوة عظيمة، وكان من الجلي أنها حفرة قديمة، وكانت جوانبها تميل للداخل وقد نمت عليها الأعشاب، وكان يوجد في قاعها معول مكسور، وقطع من صندوق خشبي من السفينة «وولرس»، سفينة فلينت. لكن كل شيء كان جليًّا أيضًا؛ لقد وُجد الكنز المكنون، وسطا أحدهم عليه وضاع الكنز الذي قيمته سبعمائة ألف جنيه ذهبي!
•••
ثار الرجال ثورة عارمة، وصرخوا ولعنوا، لكن رد فعل سيلفر كان أسرع منهم؛ لقد التفت وأعطاني مسدسًا، واندفعنا سريعًا إلى الجانب الآخر من الحفرة.
قلت له: «إذن، هل غيرت ولاءك مرة أخرى؟»
لم يأبه لكلامي، وعندئذ قفز الرجال إلى الحفرة ليجدوا عملة واحدة فقط. ثم خرجوا منها بخفة والتفتوا نحو سيلفر والشرر يتطاير من أعينهم.
صاح جورج ميري: «هذا هو الأحمق ذو القدم الخشبية الذي قادنا إلى هنا! انظروا إلى وجهه؛ كان يعرف طيلة الطريق أنه لا يوجد كنز.»
حدق الجميع إلى سيلفر الذي سرعان ما تكلم قائلًا: «إذن، عاودت السعي نحو منصب الكابتن يا جورج؟»
وقف الرجال على الجانب المقابل منا، ونظرنا نحوهم ومسدساتنا جاهزة للاستعمال.
قال جورج: «أنتما اثنان؛ واحد أعرج والآخر غلام، ونحن خمسة رجال، سأقتلع قلبيكما.»
لكن عندئذ بدأ قصف النيران، فسقط منهم رجلان إلى جانب جورج ميري الذي سقط في الهوة؛ فقد أطلق سيلفر رصاصتين على جورج وقال: «أظن أنني هدأت من روعك يا جورج.»
وفجأة ظهر الطبيب، وجراي، وبن جان، وانضموا إلينا بمسدساتهم. ركضنا بسرعة عبر الغابة كي نمنع الرجال الذين هربوا من الوصول إلى القوارب. وبعد قليل اكتشفنا أنهم ذهبوا في الاتجاه الخاطئ — وأخذنا قسطًا من الراحة وأخذ الطبيب يشرح لنا ما حدث.
في غضون السنة التي كان بن يجوب فيها الغابة، عثر على الهيكل العظمي والكنز. وقد نبش الأرض وأخرج الكنز ونقله إلى كهفه منذ شهرين فحسب قبل وصولنا إلى الجزيرة. وحدث بعد ظهر اليوم الذي وقع فيه الهجوم عندما ذهب الطبيب للقائه أنه أسر إلى الطبيب بأمر الكنز، وفي صباح اليوم التالي بعدما اكتشفا اختفاء القارب، ذهب الطبيب إلى سيلفر وأعطاه الخريطة، إذ صارت عديمة الفائدة، وأعطى الطبيب المؤن لسيلفر حتى يستطيع أن يمرر أصدقاءنا بسلام إلى كهف بن حيث يوجد كميات وافرة من لحم الماعز المملح. وقد أراد أيضًا أن يحفظ الكنز في أمان.
وقد رجعوا في صباح هذا اليوم إلى مكان الكنز كي يقطعوا طريقنا إذ كانوا يعرفون أننا سنذهب للتفتيش عن الكنز. وركض بن قبلنا، ولمّا تذكر الخرافات التي كان يقصها رفقاؤه في السفينة، أخذ ينادي بصوت مرتفع وأرعبهم.
قال سيلفر: «من حسن حظي أن هوكينز كان بمعيتي، وإلا ما هرع أحدكم لإنقاذي.»
صدق الجميع على كلامه، وأخذنا طريقنا إلى القوارب، وأبحرنا في المصب بجانب كهف بن ورأينا تريلوني يلوح لنا، ورأينا أيضًا الهيسبانيولا تطفو بعيدًا عن الشاطئ إذ كان يرفعها المدّ.
وصلنا الكهف، وهناك تجهم تريلوني وأخذ يلعن سيلفر، لكنه تركه. وعندئذ دخلنا الكهف ورأينا الكابتن سموليت يرقد إلى جانب النيران وكومات من الذهب والكنز؛ لقد مات الكثيرون في سبيل العثور على هذا الكنز، ومات الكثيرون في سبيل الحصول عليه. وترقد سفن وجثث في أعماق البحر من أجله.
قال الطبيب: «لا أظن أننا سنذهب إلى البحر مرة أخرى، أليس كذلك يا جيم؟»
وبعد ذلك جلسنا لتناول وجبة شهية من الأطعمة التي أخذناها من السفينة، جلس سيلفر في الخلف وبدا مرة أخرى الرجل الذي عرفته قبلًا عند التقائي به للمرة الأولى؛ فقد كان خدومًا، ولين العريكة، ودمث الخلق، إنه البحار المثالي.