وداع حار
قضينا الأيام التالية نحمل كنزنا الضخم إلى القوارب ومنها إلى الهيسبانيولا. ولمّا كنت صغيرًا على القيام بالأعمال التي تتطلب الرجال الأقوياء، كُلفت بمهمة تعبئة الكنز في الأكياس المصنوعة من الأقمشة حتى يحمله الآخرون إلى القوارب. وتدريجيًّا أخذت أملأ كل كيس من الكنز النفيس، وكنت أحكم غلقه من أعلى باستخدام خيط وإبرة كبيرة يستخدمها البحارة، العمل الذي كان يستغرق وقتًا طويلًا ويتطلب جهدًا كبيرًا، لكنه كان يستحق العناء. وكانت تساورنا المخاوف من القراصنة الثلاثة المتبقين، لكن من حسن حظنا أننا لم نسمع عنهم الكثير.
وكان الكنز عبارة عن مجموعة من العملات المختلفة من كل أنحاء العالم. وحتى هذه اللحظة لم يكن لديّ أدنى فكرة أن المال يمكن أن يكون بمختلف الأشكال والأنواع؛ فإلى جانب العملات الفرنسية والإنجليزية التي سبق لي أن رأيتها من قبل، كانت هناك كومات من العملات الذهبية الإسبانية والإيطالية، وكانت أغربها العملة المربعة والمفرغة من المنتصف، عملة الصين التي ربما جمعها ماركو بولو إبان رحلاته، وأخذت أبعثرها وأجعلها تتساقط من بين يديّ مثل أوراق الشجر التي تتساقط في فصل الخريف.
وفي إحدى الليالي سمعنا هياج المتمردين. من جانبنا، كنا نعامل سيلفر معاملة مهذبة، لكننا كنا نتحاشاه مثل الكلب الذي قُيد بسلسلة في عمود. وما كان أحد ليثق به؛ فمع أنه كان يتظاهر بالطيبة، كنا على يقين من أنه غير جدير بالثقة.
وقررنا أننا لا بدّ أن نترك المتمردين على الجزيرة ليواجهوا مصيرهم، فلا داعي لأن نرجع بهم معنا كي نشنقهم. لذا عبأنا كهف بن بمخزون جيد، بالإضافة إلى بعض الأدوات، والأطعمة، والمؤن الأخرى، وعندئذ جهزنا سفينتنا.
وفي الوقت الذي بدأنا فيه الرحيل، مررنا بالقراصنة الثلاثة في مناطق المياه الضحلة التي كنا لا نزال نرى فيها الشاطئ، فأخذوا يتوسلون إلينا كي نأخذهم معنا. لكننا حييناهم، وأخبرهم الطبيب عن مؤن الطعام القليلة التي تركناها، فاستمروا يترجوننا كي نأخذهم معنا، لكن لمّا تبين لهم أننا لن نتوقف أطلقوا النيران علينا وأوشكوا أن يصيبوا سيلفر نفسه.
بعد قليل أخذت القمم الوعرة الشديدة الانحدار تختفي عن الأنظار وشعرت ببهجة غامرة لدى تركنا جزيرة الكنز وراءنا. وكان لدينا نقص في عدد الرجال، فكان على كل منا أن يقوم بدوره. وكان الكابتن لا يزال في حاجة إلى الراحة، فكان يصدر أوامره من على فراش متنقل على ظهر المركب.
وصلنا الأراضي الأمريكية التي يحكمها الإسبانيون وألقينا التحية على الناس هناك بفرح جمّ، وتذوقنا فاكهتهم وخضراواتهم، وعثر الكابتن هناك على قبطان آخر للسفينة الذي دعاه لقضاء أمسية أخبره فيها بمغامراتنا. وعندما عدنا إلى الهيسبانيولا، وجدنا بن جان وحده على سطح السفينة ليخبرنا أن سيلفر قد أخذ مركبًا صغيرًا وبعض أكياس النقود الصغيرة وولى الأدبار. وأظن أننا كلنا شعرنا بالارتياح لدى معرفتنا أنه رحل إلى الأبد.
وباختصار، حصلنا على مساعدة عدد من العمال المهرة هناك، وشققنا طريقنا إلى الوطن ووصلنا قبل إرسال بعثة للبحث عنا مباشرة، وتقاسمنا الكنز فيما بيننا قسمة عادلة وأنفقناه بطرق شتى.
ادخر جراي ماله، وتلقى التعليم، وتزوج، وهو الآن شريك في سفينة كبيرة. أما بن جان فقد خسر الألف جنيه نصيبه في غضون ثلاث أسابيع ورجع يشحذ في الأسبوع الرابع. أما الكابتن سموليت الصالح فقد تقاعد عن العمل.
ولم تتناه إلى مسامعنا أي أخبار عن سيلفر، لكن أظن أنه عثر على زوجته ولا يزال يعيش مع ببغائه كابتن فلينت. أما أنا، فمع أنه ربما لا يزال هناك المزيد من الذهب في جزيرة الكنز، فلن أعود إلى هناك أبدًا. وعندما يراودني كابوس لا أرى فيه سوى الأمواج المتكسرة العنيفة وأسمع صوت الكابتن فلينت الحاد يدوي في أذني: «عملات معدنية، عملات معدنية!»