الوصمة السوداء
في المرة التالية التي رأيت فيها الكابتن، كان يحاول جاهدًا النهوض من الفراش، ويترجاني كي أقترب منه، وعندما اقتربت منه قال لي هامسًا متوسلًا: «لا أستطيع أن أمكث هنا مدة أسبوع، لقد كنت أرى رؤى لأولد فلينت نفسه! والآن أخبرني هل رأيت ذلك البحار؟»
سألته إن كان يقصد بلاك دوج.
– «لا، لا أقصد بلاك دوج، هناك من هو أسوأ منه، قد يسلموني إخطار الموت الذي نطلق عليه «الوصمة السوداء»، وهم يتعقبون صندوق أمتعتي، والآن اذهب إلى الطبيب وأخبره أن يجلب لي كل المساعدة الممكنة إلى هنا. لقد كنت المساعد الأول لفلينت وأنا الوحيد الذي يعرف مكان الكنز. لقد أخبرني عن مكانه قبل أن يموت، انتبه للرجل ذي الساق الواحدة ولبلاك دوج، وأقسم لك بشرفي أنني سوف أخبرك بكل شيء.»
وبعدها غاب عن الوعي، لكنني لم أذهب للاستعانة بالطبيب لأن الموت داهم والدي الطيب في نفس هذه الليلة، وبالطبع لم أجد لحظة للتفكير في الكابتن. وقد أزعجنا جميعًا بسلوكه المشين قبل الجنازة؛ إذ أخذ يغني أغاني البحر القديمة ويهتاج ويصيح مثل الكلب الكبير الأعمى في الوقت الذي كنا ننتحب فيه موت والدي.
وفي اليوم التالي، وبينما كنت جالسًا خارج الباب الخلفي أفكر في والدي، إذ برجل غريب كفيف يقترب متكئًا على عكاز قديم ذي مقبض، نادى الرجل بصوت مرتفع متسائلًا عن المكان الذي هو فيه، فأجبته: حانة أدميرال بينبو. وعندما اقترب الرجل، وجدته بلا عينين، وله جفنان فقط، وفجأة قبض على معصمي بعنف شديد.
قال الغريب: «والآن أيها الصبي، خذني إلى الكابتن وإلا كسرت ذراعك! خذني إليه، وعندما نقترب منه قل: «ها قد حضر صديق لك يا بيل!»
وعندئذ لوى الرجل ذراعي بقوة وسار معي صوب الحانة حيث ناديت بصوت عالٍ كما أمرني. هبّ الكابتن، وفجأة أصبح في كامل وعيه، وقد بدا مذعورًا ومريضًا حتى الموت، وحاول أن ينهض لكنه كان خائر القوى.
قال الرجل الكفيف: «والآن يا بيل، امكث في مكانك، أنا لا أرى لكني أستطيع أن أشعر بدبيب النملة. العمل لا يعرف العواطف؛ والآن مدّ يدك اليسرى. أيها الصبي، أمسك يده اليسرى من معصمه وقربها من يميني.» فعلت كما أمرني الرجل، فوضع الرجل الكفيف شيئًا في يد الكابتن.
قال الرجل: «لقد تمت المهمة.» ودون أن ينطق بكلمة واحدة أخرى خرج من الباب بسرعة كبيرة، وعندما استعاد الكابتن وعيه، نظر إلى كفه فزعًا وقال: «الساعة العاشرة بالتمام! لم يتبق سوى ست ساعات!»
نهض الكابتن بعدها مباشرة على قدميه، ثم أمسك فجأة بحلقه، وسقط عند قدميّ، هرعت إليه لكن دون جدوى. لقد مات الكابتن، ومع أنني لم أحبه قط، انفجرت في البكاء؛ إذ كان هذا الموت الثاني الذي أشهده خلال يومين.