خدعة الرجل الضرير
أخبرت أمي بكل ما عرفته، وأدرك كلانا أن البحارة المزعجين زملاءه سيأتون على الفور سعيًا وراء صندوقه، وأننا لن نحصل قط على النقود المستحقة لنا. وسمعنا صوت وقع أقدام في الظلام، وكانت الأشباح تطاردنا وسط الضباب.
قررنا أن نذهب إلى أقرب مدينة للحصول على العون، وكنا نركض مرتاعين، وأخذنا نركض في الليل وسعدنا برؤية أضواء المدينة. لكن هذا كله دون طائل؛ فعندما أخبرنا سكان المدينة ما حدث وأتينا على ذكر اسم الكابتن فلينت، كانوا يتوارون ويخشون مساعدتنا. لقد كان بمقدورهم أن يستعينوا بالطبيب لكنهم ما كانوا ليساعدونا في الدفاع عن حانتنا.
لعنت أمي الرجال، وأخبرتهم أننا سنجازف بالعودة بمفردنا، وكل ما فعلوه هو أنهم أعطوني مسدسًا محشوًّا بالرصاص، ووعدوني بمنحي الجياد عندما نعود. اجتزنا الضباب في الليل الحالك السواد الذي اختفى قمره متجهين إلى بيتنا. وتمكنا من أن نشق طريقنا للعودة إلى الحانة حيث أوصدنا الباب بإحكام وراءنا، ولم يكن بصحبتنا سوى جثة الكابتن.
ملت نحوه ووجدت الورقة المجعدة التي كان يخشى بشدة أن تكون من نصيبه، والتي كُتب فيها: «أمامك حتى الساعة العاشرة.» فجأة أخذت ساعتنا تعلن دقاتها، كانت الساعة السادسة فتهللنا؛ إذ كانت لا تزال هناك أربع ساعات متبقية قبل أن يقع أي مكروه. تحسست جيب الكابتن للعثور على المفتاح لكني لم أجد سوى مطواة وبوصلة. رجحت أمي أنه ربما وضعه حول رقبته، لذا مزقتُ قميصه وأنا واثق من وجود المفتاح، وبالفعل عثرت على خيط يتدلى منه المفتاح.
أسرعنا إلى غرفته ووجدنا الصندوق البالي، وعلى الفور أدارت أمي المفتاح في القفل وفتحته، فكان بداخل الصندوق ملابس جديدة نظيفة للغاية، ومسدسات، وعملات فضية، وحلي من بلاد بعيدة. وتحت هذه الأشياء كان يوجد لفافات من ورق أصفر قديم، وكيس يحتوي على ذهب. أصرت أمي على أن نأخذ ما لنا فحسب. وعندما جلسنا لنعد العملات الأجنبية، أمسكتُ ذراعها بقوة ووضعتُ إصبعي على فمي لتصمت.
سمعنا صوت نقر عكاز الرجل الكفيف يأتي من جهة الشارع، ثم سمعناه يهز قفل الباب بشدة، وعندما لم ينفتح الباب، سمعناه يتراجع في الظلام ينقر بعكازه أيضًا.
– «أمي، لنأخذ كل شيء ونرحل!» لكنها ما كانت لتقبل بهذا. وعندئذ، سمعنا فجأة صوت صفير قادمًا من جهة الشارع، فعدلت عن رأيها سريعًا.
صرخت أمي: «سآخذ ما بحوزتي!»
– «وأنا سآخذ رزمة الأوراق القديمة هذه.»
نهضنا بعدها مباشرة، ونزلنا السلم بأقصى سرعتنا، وفتحنا الباب، وركضنا في الشارع. وبينما كنا في طريقنا، إذ بالضباب ينقشع، واكتشفنا أنه كاد يفوت الأوان؛ إذ ارتفع القمر في كبد السماء، وسينفضح أمرنا لو ظللنا في مكاننا. سمعنا مرة أخرى أصواتًا آتية عبر الدرب الذي نسير فيه، فالتفتت أمي نحوي وقالت: «خذ هذا المال، أشعر أنني سأفقد الوعي.» ولمّا فقدت الوعي بالفعل، أمسكتها بين ذارعيّ وجررتها أسفل الجسر المجاور لحانتنا. وكنا لا نزال نسمع الأصوات من الحانة. وجثمت منخفضًا قدر استطاعتي.