مختار المنظوم
النيل العظيم
أيا وافدًا مِنْ «جبال القمر»١
لقد جئتَ كالأملِ المنتظَرْ
ولم تشكُ مِنْ عَقباتِ الطريقِ
ولا مِنْ مَتاعبِ هذا السَّفرْ
وبَعْضُ الذي جُزْتَهُ كلُّه
يَبُثُّ العناءَ ورُوحَ الضَّجَرْ
فما كنتَ إلَّا الوفيَّ الأبرَّ
إذا ما حُرِمنا الوفيَّ الأبرّْ
لعلَّ الأساطيرَ في وصفها
رأتْ فيك ذَوْبَ شعاع القمرْ
وإنْ كانت الشمسُ فيك استقرتْ
بهذَا النضارِ وهذي الصُّوَرْ
تفيضُ علينا بفيْض الحياةِ
فكم فيكَ مِن ألَقٍ مُدَّخَرْ
وكم فيكَ مِن نعمةٍ تَستعزُّ
وتُلْقَى إلينا فلا تُحتقَرْ
وكيفَ وأنتَ صميمُ الحياةِ؟
وكيف وأنتَ رسولُ القدَرْ؟
وفيك لإيزيس روحُ الحنانِ
وروحٌ لأزْرِيسَ لمَّا احتضَرْ
فأنبتَّ هذي الجِنانَ اللواتي
تَهيمُ بها الرُّوحُ قبلَ البصرْ
فلا بِدْعَ إنْ عبدتكَ القرونُ
ولا غروَ إن ألَهتك السِّيَرْ
ولا بدْعَ إنْ قدَّستكَ الفنونُ
وناجاكَ كلُّ فؤادٍ شَعرْ
وحنَّتْ إليك غِراسُ الحقولِ
حنينَ الخيالِ لنا والفِكَرْ
وغنَّتْ لك المُهَجُ الباسماتُ
وهذي الرمالُ وهذا الحجرْ
تَساوَوْا بحبِّكَ يا ابنَ الحياةِ
ويا أصلَها للثرى والبشَرْ!
قصر الجزيرة
قِفْ بالجزيرة وارْقُبْ حالَ مَنْ بانوا
فللديارِ كما للنَّاس وجدانُ
زالوا وما زالَ باقٍ مِن مآثرهم
وناطقٌ بالفخارِ الجمِّ مُزْدانُ
بكى طويلًا وجارِي (النيل) يُسعفهُ
بالدَّمع، وَهْوَ أمامَ النهر ظمآنُ
في وحشةِ الصَّمْت لا الأنوارُ ضاحكةٌ
فيهِ، ولا تُسعِفُ الآذانَ ألحانُ
وللنَّدَى من دُموع الفجرِ مُدَّكرٌ
كانت تُرطِّبُ حُسنًا للأُلَى كانوا
وللهوى زفرَةٌ أذوتْ بحرقتها
ما عاش فيه، وللأحزانِ ألوانُ
وللعيون رثاءٌ مِنْ تفجُّرِها
كأنَّ رشَّاشَها شِعرٌ وتأنانُ
فكم لحاظٍ رأتْ فيها محاسنَها
وكم بجنْبَاتها قد صِيدَ غُزلانُ
وكم صُدُورٍ تجلَّتْ ثمَّ بللها
عَبْثُ الشبابِ كأنَّ الحبَّ جنَّانُ٢
يا قصرُ لا كنتَ صَدَّاح الجنان إذا
لم ترثكَ اليوم أطيارٌ وأفنانُ
والحورُ في غربةٍ طالتْ وفي جزعٍ
كما تيتَّمَ بَعد البين لهفانُ
مرَرْنَ يسألنَ باكي الحسن هل أثرٌ
لحسنهنَّ به يهواه إنسانُ
فَكمْ جرَرْنَ ذيولَ الوشي عاطرةً
فزدْنَ إتقانَ فنٍّ فيه إتقانُ
وكم سطعن وكم داعبْنَ كلَّ سَنًى
وكم رقصْنَ فماد الفُلُّ والبانُ
كسيْنَ حُسنكَ حُسنًا لا فناءَ له
حتى فُجِعْتَ فهنَّ بَعد مَنْ هانوا
وأين (إيوانُ كسْرَى) منك في عجبٍ؟
وأين من مجمع الإيناس (غمدانُ)؟
أو (قصرُ جعفرَ) في لذَّاتِ مُبدِعِهِ
أو عزُّ (قرطبةٍ) في حكم من دانوا
لتنشِد اليومَ أطيارٌ مُعذَّبةٌ
أشجى الرِّثاءِ الذي ما فيه بهتانُ
كم من أنينٍ لها ما كنتُ أحسبُهُ
صِدْقًا، ولكنَّ ذكرَى الطير أشجانُ
القلبُ يخفقُ تَحْنَانًا لمسمعها
والعينُ يجذبها مِنْ فيكَ تَحْنَانُ
وبالسنيِّ من الحصباءِ مِنْ قُبَلٍ
ما لا يزالُ به للحُسْن إحسانُ
فكمْ مشَتْ غانياتٌ فوْقَ ساحتها
مشْيَ العروس لها الأقمارُ خلَّانُ
فذهَّبتْ كلَّ ما مسَّتْ إذا خطرت
وفضَّضَتْ ما رآها وهو جذلانُ
أين الليالي التي جادتْ بنفحتها
على الزمان الذي جادَتهُ أزمانُ؟
وكلُّ نافذةٍ دُرِّيَّة ٌسطعتْ
وكلُّ مقصورةٍ للخُلد بستانُ
وكلُّ ما مرَّ فيها الصَّفوُ أجمعه
وكلُّ ما غاب أتراحٌ وأحزانُ
أين الجمالُ الذي دانتْ لعزته
جلالةُ الملك واسترضتْهُ تيجانُ؟
أين الطبيعة لا تألوك منقبةً
وأنت مِنْ حسنها المغريك فتانُ؟
ما بالها عبستْ مِنْ بعد بهجتها
كأنها في سقامٍ ما له آنُ؟٣
فلا النسيم رقيقٌ في مداعبةٍ
ولا تثنَّتْ براح الزَّهرِ أغصانُ
ولا الشروقُ كريمٌ من جواهرهِ
ولا الغروبُ له تِبْرٌ ومرجان
ولا (المقطم) عَبْرَ (النيل) منتعِشٌ
يَستجمعُ الأنسَ أضواءً ويزدانُ
•••
يا قصرُ بُحْ بالذي حجَّبْتَ مِنْ سِيَرٍ
فإنَّ حالكَ للتاريخ عنوانُ
قد عِشت تاجًا لمجدٍ كلهُ عبرٌ
ولم يزل ذكرَهُ دينٌ وإيمان
ما جئتُ أندبُ فيك اللهوَ مندثرًا
لكنَّ دمعي على العلياء هتَّانُ
مَظاهرٌ لجلالٍ ساسَ صاحبهُ
مُلكًا، وكان له بأسٌ وسلطانُ
لهفي على مجدِ (إسماعيلَ) مزدحمًا
منه على (النيل) أعلامٌ وأعوانُ
بنى بناءً تغالى في جلالتهِ
وقد يُهَدُّ من الإسرافِ نشوانُ
فللممالك حُسَّادٌ على عِظَمٍ
مثل الأنام، وللحسَّادِ عدوانُ
جازوا تفانيه في العمران عن شغفٍ
كما يُثيبُ على الإحسان نكرانُ
•••
واليومَ يا قصرُ مهما بِنْتَ مكتئبًا
فإنَّ روحَكَ للأرواح ريحانُ
تهشُّ بعد ائتناسٍ عاشقًا أدبي
كما يَهشُّ إلى الفنَّان فنَّانُ
وفي ظلالك لي حزنٌ يساورني
وفي سكونك تفكيرٌ وكتمانُ
أنت الأحقُّ بدمعي مِن (طُلَيْطِلَةٍ)
فإنَّ غايةَ دمعِ المرءِ أوطانُ
•••
ويا شبابَ بني (مصرٍ) ونعمتها
عشتمْ وعاشت بكمْ (مصرٌ) وإخوانُ
لي وقفة نائبًا عنكم على ظَمأٍ
حجًّا لجيلٍ له في شأنِنا شانُ
فإنْ ذكرتم كتذكاري مَآثرَهُ
فابنوا مِن البرِّ ما يخشاه سلوانُ
له حقوقٌ علينا في مَفاخرِنا
فلن يُغالي بها في الجهدِ عرفانُ
وما الحياةُ بتذكارٍ بلا عملٍ
إنَّ الحياة تجاريبٌ وبنيانُ
نغمة من الشعر
دلالُ الغواني لقلبي أسَرْ
ووجدي وذلي دفينُ الأثَرْ
فكيف الرجاءُ؟
وفيمَ الشفاءُ؟
وما لي دواءُ
وأين المفرّْ؟
عيونٌ سَبتني ولحظٌ سحرْ
وحسنٌ دعاني لقتلي وفرّْ
فهذا الكميُّ
وذاكَ القويُّ
ودمعي السخيُّ
ولا مَن شكرْ
أخافُ الجمالَ وأخشى الخفَرْ
وأهوى ضعيفًا قسا ما ائتمَرْ
عزيزَ المنالِ
جسيمَ الملالِ
ربيبَ الجمالِ
كثيرَ الخطرْ!
دعوني فحسبي الجفا والسهرْ
وخَلُّوا حبيبي أثيمَ النظرْ
فروحي فداهُ
ومِلئي سناهُ
إذا ما أراهُ
فصدري المقرّْ!
كفاني ولوعٌ طفا واستعرْ
وأنسٌ تولَّى وصفوٌ عَبَرْ
فجسمي يردُّ
وعقلي يودُّ
وحِبي يصدُّ
وهذا انتصرْ
دعوني، فكيف الوفاء اندثر؟
لصوتِ الحبيب بسمعي أثرْ
وماذا عليَّ
وطهري لديَّ
وفخري إليَّ
سَلا أم ذكرْ؟
أمالكةَ القلبِ أنَّى يقرّْ
سناك فإني مطيعٌ مُقِرّْ
فرِقِّي لحالي
وحَيِّي خيالي
فمن ذا مِثالي
حميدُ السِّيَرْ؟
لأنتِ النسيمُ على الزَّهْرِ مَرّْ
وأنتِ النعيمُ اختفى ما ظَهرْ
فلا تجعليني
وحقِّ العيونِ
كمن في جنونِ
سما للقمرْ!
دليل القلب
رحلَ الهوى فرحلتُ في أثرِ الهوى
والحسنُ قاسٍ والغرامُ قديرُ
وحَسرتُ عيني من بهيِّ ضيائها
ودليلُ قلبي نفحةٌ وعبيرُ
فرأيتهُ عرفَ السبيلَ كأنَّما
بخفيِّ أسرارِ الجمالِ خبيرُ
مملكة الحسن
(وصف جغرافي)
أفديكِ بأطيبِ نفسي
وأفِيكِ بأعذبِ حِسِّي
فلأنتِ اليومُ وأمسي
وغدي وسُلَافةُ كأسي
•••
وأنالُ الحظَّ بوصفي
مَرْآكِ الشَّهْدَ وقَطْفي
فدعِي وحياتِكِ رَشْفي
يُهْدِي لي الرُّوحَ ويَشفي
•••
وَصْفِي لِسناكِ الحالي
وَصْفُ اللهِ المتعالي
وغرامي فيكِ وحالي
صلواتُ العبد التَّالي
•••
وأرى بمحاسنِ جسمِكْ
ما شاءَ الصانعُ باسمِكْ
جَمعَ الإبداعَ برسمِكْ
وجِنَان الخُلْدِ بلثْمِكْ
•••
مِنْ «نهرِ» الحبِّ الصَّافي
و«ثمارِ» الأنسِ الكافي
وشُعاعِ الشَّمْسِ الضَّافي
أهفو لنعيمي الوافي
•••
«مملكةُ» الحُسْنِ الغالي
و«طبيعةُ» كلِّ جَمالِ
«بوهادٍ» بين جبالِ
و«رياضٍ» دونَ مِثال
•••
وجلالٍ ليس يُحَدُّ
و«نُفُوذٍ» كم «يمتَدُّ»
«الجَزْرُ» الحلوُ و«مدُّ»
في «بحرٍ» مِنه يُوَدُّ
•••
وأغاريدٌ وأغاني
«لغةُ» السِّحْرِ الفتَّانِ
ولسانُ «الفتحِ» الباني
مملكة الحبِّ الهاني
•••
فمرحتُ بها بتأنِّ
وسَكَرْتُ بأكرمِ دَنِّ
ونسيتُ البؤسَ وأنِّي٤
يا صحْوُ سبيلَكَ عَنِّي
كروان النيل
(أُهدِيَت إلى كروان النيل في عصره الشيخ سلامة حجازي)
يا صادحًا بالحبِّ لم يَسأمْ ولم يَتململِ
الليلُ يَرتشفُ الجمالَ مِنَ الغِناءِ المُنزَلِ
أصغتْ إليك مَسامعُ الحسنِ المؤصَّلِ في الوجودْ
وكأنَّ ما فقدتْه مِن حُسنٍ بما تسدِي يَعودْ
إني ربيبُكَ أيها الشَّادي بألوانِ الغِناءْ
إني عليلُكَ أيها المُسدِي لألوانِ العَزاءْ
صوتٌ مِنَ النهرِ العظيمِ ومِن عُطورِ زُهورهِ
ومِنَ (الطبيعةِ) حوله ومِنَ ائتلاقِ حُبورهِ
وكأنما القمرُ المفضَّضُ مِن جموع غِنائكا
جُمِعَتْ على مَتنِ الأثيرِ ولسنَ غيرَ ندائكا
يا مُعجزًا باللحنِ تُرسله ضياءً أو رُسومْ
ويُعيدُه نايُ الزمانِ بما تُرتِّلهُ النُّجومْ
غذَّيتني باللحنِ والأحلامِ في رُوحِ الصلاةْ
قُوتُ العواطفِ والمشاعرِ، فهو مِن هبةِ الآلهْ
سكنتْ دمي وجرتْ به وتملكتْ أنفاسي
فشعرتُ أني بين هذا الناسِ فوقَ الناسِ!
(كروانَ وادي النيلِ) إنَّ (النيلَ) يخفقُ بالحنينْ
سكنتْه أجيالُ الزَّمانِ وردَّدتْ مثلي الأنينْ
فأطِلْ نشيدَكَ للحياةِ نرَ الحياةَ هي الجمالْ
ونرَ الهمومَ هي السعادة، والمحالَ سوى المحالْ!
هرة ومرآتها
(وصف هرة بيضاء تشرب من فسقية في متنزه عام)
مَشتْ مثلَ مشيِ المُنى والمنونْ
على تُؤدةٍ في أدقِّ السُّكونْ
وسارتْ على حذرِ العاذلينَ
كأنَّ لها خشيةَ العاشقينْ
على سندسيٍّ نضيرِ البهاءِ
على أرجوانيِّ زهرٍ ضنينْ
يُحرَّمُ مَسٌّ له مِن أناسٍ
ولكنها تَقهرُ الحارسينْ
وتخطر في مثل ثوبِ العروسِ٥
دلالًا وتُطرِقُ للناظرينْ
فلمَّا تجلَّتْ لفسقيَّةٍ
تَشوقُ ومَشرَبِ ماءٍ معينْ
تبَسَّمَتِ العينُ مِنْ قفزها
فشعَّت بأنسٍ ونُورٍ ثمينْ
وقبَّلتِ الماءَ في شُربها
فقبَّلها بالخيالِ الأمينْ
لسانانِ قد رشفا حُلوَهُ
كصَبَّينِ في رشفةٍ من حنينْ
فللهِ هذا الجمالُ الغريبُ
تمثِّلهُ هِرَّة للعيونْ
ونشهدُهُ بين فرطِ السكونِ
وبين التأمُّلِ كالمتقينْ
وكم في الطبيعةِ من حادثاتٍ
تشوقُ وتلهمنا خيرَ دينْ
ولكنَّ غفلتَنا حَسرةٌ
لنا فنبيعُ الهدى بالظنونْ
ونحرم أنفسَنا صفوَ أنسٍ
وما الصفوُ إلَّا الجمالُ المبينْ
وسيان مَرآهُ بين الجمادِ
أو الناسِ أو حيوانٍ مَهينْ
فملكُ الجمالِ له صَولةٌ
تسودُ على دولةِ العالمينْ!
الفاكهة المحرَّمة
عَبَقُ الفواكهِ كالأزاهرِ حُبُّهُ
بدمي، ومنهُ نشقتُ حُلوَ شعوري
ولديكِ أنتِ من العبيرِ وما احتوتْ
شفتاكِ للوجدانِ عطرُ الحورِ
وأراكِ فاكهتي ولكنْ حُرِّمَتْ
والعينُ لم تُخلَقْ لغيرِ النورِ
كم مِنْ غوانٍ عطرهُنَّ محبَّبٌ
لسوايَ ليس عبيرُهُنَّ سُروري
أمَّا عبيرُكِ أنتِ أنتِ فنعمتي
يا مَوئلَ الأحلامِ للمهجورِ!
عيد الحب
اليوم ميلادُ الغرامِ فجدِّدي
عهدًا كما وَعَت الليالي الأولى
ما زلتِ طفلتَهُ ولستِ بطفلةٍ
فلقد عرفتِ ثوابَه المأمولا
ولقد بَخلتِ به كأني لم أزلْ
بالحبِّ أو بِغِنَى الحياةِ جهولا
خمسٌ مِنَ السنوات عُمْرُ صبابتي
أيَظلُّ يُحسَبُ في هواكِ هزيلا؟
عُمْرٌ أحقُّ به جمالُكِ دائمًا
في قُربهِ، لا أن يَغيبَ مَلولا
أيقظتِ قلبي في الربيعِ ولم يَزلْ
كطيوفهِ وشُعاعهِ محمولا
إنْ أنسَ لنْ أنسَى شَذى نُوَّارةٍ
وأنا أراقبُ وجنتيْكِ خجولا
ونوافحُ النارنجِ فِي عَبَقِ الهوى
نُفشي هوًى كمحبتي مجهولا
أعرَفتهِ حتى ابتسمتِ لبسمتي
وأريتني وجهَ الربيعِ جميلا
وخلقتِ مِن يومي السعيدِ عبادةً
ما زلتُ مفتونًا بها مشغولا؟
صلواتُ حُبِّي في السنين مُشاعَةٌ
لا تنتهي إذْ لا تَبُلُّ غليلا
تمضي بها الأيامُ ثم أعيدُها
فوقَ الأشعةِ كالنَّدى مَطلولا
اليوم ذكراها فما أعددتهِ
لغرامِنا متساميًا موصولا؟
فلقد شَبَبْتِ مع الملاحةِ مثلما
غَرْسُ الرَّبيعِ يَشُبُّ بعدُ ظليلا
وأنا الفتى العاني بِبُعدِكِ محرِقًا
أملي، فبات ليَ الرجاءُ فُضولا
وخلقتُ مِنْ شعري خيالَ محبتي
ورعيتُه بمشاعري مشمولا
وتَخِذتُ عُزلتيَ الحبيبةَ كعبةً
وجعلتُ قرباني أسًى مبذولا
لهفي! أَعِيدُ الحبِّ عيدُ مَناحةٍ
حتى كأنَّ هوايَ بات قتيلا؟!
الوداع
انتهبْ يا شُعاعْ
نَبْضَ قلبي الحزينْ
حانَ وقتُ الوداعْ
ليتَه لا يَحينْ!
انتهبْ يا شُعاعْ
أنا ذاك القريبْ
إنَّ رُوحي مُشَاعْ
في مَدَاكَ العجيبْ!
أنتَ قُوتي ونفسي
أنتَ جسمي ولُبِّي
فاختطف سِرَّ حِسِّي
وانتهبْ نبضَ قلبي
وتَوَلَّ العَزَاءْ
هل عَزاءٌ سِواكْ؟
فيكَ لَمْحُ الرَّجاءْ
فيكَ وَحْيُ الفِكاكْ
كم بقلبي جِراحْ
ما لها مِنْ أَساةْ
ما لمثلي النُّوَاحْ
لو نُوَاحٌ شَفاهْ
أنا شيخُ الغَرَامْ
إنْ أكنْ طِفْلَ عُمْري
قد عرفتُ الظَّلامْ
مَهْدَ حُبِّي وشِعري
انتهبْ ثمَّ دَعْنِي
في دُجَى الذكرياتْ
هِيَ مَنْفًى لِفَنِّي
وَهْيَ مَأوى الحياةْ!
١
إشارة إلى الأسطورة الشهيرة عن منابع النيل.
٢
الجنَّان: البستانيُّ.
٣
الآن: الوقت المحدود.
٤
الأن: الأنين.
٥
إشارة إلى لونها الأبيض.